نحن بشر وتأريخنا بشري , ولا يجوز التوهم بأنه ملائكي , ورموزه مقدسة خارجة عن كينونتها البشرية.
فالضلال المتكرر الفاعل فينا أن التأريخ أشبه بالمثالية المحلقة فوق فضاءات المستحيل , فنحيل أحداثه وشخوصه وما فيه من التفاعلات إلى حالات متخيلة لا رصيد لها من الواقع.
وصنعنا صورة الخليفة المقدس , والسلطان المبجل , والحاكم المنزه , وعلينا بالطاعة العمياء والقبول بالأمر الصادر منهم.
والحقيقة أنهم بشر , يخطئون ويصيبون , ولا توجد شخصية في تأريخنا لم تخطئ فيما قامت به , فكيف تحولت أخطاءهم وخطاياهم في وعينا الجمعي إلى منارات سلوكية ذات قيمة حضارية ساطعة.
تأريخنا كتأريخ الأمم الأخرى , وتوهمنا بأن الدين قد أضفى عليه معاني وتصورات مثالية , إنما إنكار لحقيقة أحداثه وما نجم عنها من تداعيات.
الخلفاء والسلاطين كأي البشر , بعضهم كان يتمتع بسمات قيادية ووضع أسسا قويمة لإنطلاقة سليمة , وبعضهم عاث خرابا ودمارا في الحكم فأزرى بالحالة التي تفاعل معها.
وبما أنهم بشر , فأنهم يختلفون في آليات إقترابهم وإتخاذهم لقرارتهم , وبعضهم كان منزوع الإرادة وفاقد القدرة على إتخاذ قرار.
والكثير منهم كانوا رموزا لا غير.
إن رسم صورة غير واقعية عن التأريخ وشخوصه تسببت بتوهيم الأجيال بما لا يمكن تحقيقة وإنجازه فوق التراب , فهم عاشوا بشرا بكل ما تعنيه كلمة بشر , والمغروس في وعينا أنهم أكثر من ملائكة , ونلصق بهم ما تجود به مخيلاتنا من التصورات والهذيانات الإبداعية , حتى لتتعجب من وجود مخلوقات بهذه المواصفات الفائقة المثالية.
والمعضلة الفاعلة في الواقع الجمعي , أن تراكم الضلال وتكراره حوّله إلى حقائق راسخة ومقدسة لا يجوز الإقتراب منها.
ولهذا فأن تأريحنا مشحون بالأضاليل والتخيلات , وبإضفاء صفات إلهية على شخوص بشرية إرتكبت ما إرتكبته من الصواب والخطأ , وتسببت بتداعيات مروعة ونراها غير ذلك.
فهل لنا من إعمال العقل العلمي لتنقية التأريخ من الضلال المشين , ولنتعلم ونؤمن بأننا قادرون على الإتيان بأحسن مما أنجزوه؟!!