19 ديسمبر، 2024 12:48 ص

سحقا للطغاة والمستبدين والمتنمرين والمتفرعنين وتحقيق الإنسانية

سحقا للطغاة والمستبدين والمتنمرين والمتفرعنين وتحقيق الإنسانية

الحقيقة المُحزنة هي أن السياسة الغالبة على الغرب تجاه الشعوب العربية كانت دائماً سياسة احتواء. اليوم بدأ الكثيرون يهللون مع خروج شعوب المنطقة إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها، لكن حتى وقت قريب كانت الحكومات الغربية تتصرف كثيراً تجاه الشعوب العربية وكأنها لابد من الخوف منها، واستمالتها، والسيطرة عليها. في مناطق أخرى من العالم، انتشرت الديمقراطية، لكن يبدو أن الغرب راض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفة من المستبدين العرب، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعونها. في مناطق العالم الأخرى، متوقع من الحكومات – من حيث المبدأ على الأقل – أن تخدم شعوبها، لكن الغرب ينظر إلى أباطرة ومستبدين العالم العربي وكأنهم ضمانة “الاستقرار”، حتى لا ينزاح الغطاء عن صندوق المطالب الشعبية. العالم يروج لحقوق الإنسان كقاعدة عامة، لكن العالم العربي هو الاستثناء في نظر العالم.

لقد أظهر الربيع العربي أن الكثير من شعوب المنطقة لا تفضل تواطؤ الغرب مع الحكم المستبد. هذه الشعوب التي رفضت الاستمرار في لعب دور الرعايا المستكينة لحُكام لا يخدمون إلا أنفسهم، بدأت في الإصرار على الاستمتاع بالمواطنة الكاملة في بلدانها، وأن تضع مصيرها في يدها. في بلد تلو الآخر، أشعلت أعمال القمع حالة الغضب الشعبي على نظم أقدمت على أعمال دموية كثيرة. هذه المرة نهض الشارع العربي – الذي طال نقاش أحواله وطال سكونه – وقلب النظام القديم. بعد أن اكتشفت قوتها وصوتها المدوي، قامت شعوب المنطقة بقلب سياستها بشكل تصعب معه العودة إلى ما كان.

في تونس، كان العامل المحفز هو إشعال بائع الفواكه محمد البوعزيزي النار في نفسه، بعد حالة إهانة “روتينية” من قبل الشرطة. في مصر، كان المحفز هو صور وجه خالد سعيد المشوه، الشاب الذي ضربته الشرطة حتى الموت. في سوريا، كان تعذيب أطفال في سن المراهقة كتبوا في الشارع شعارات مناهضة للنظام. في ليبيا، كان اعتقال فتحي تربل، محامي ضحايا مذبحة سجن أبو سليم التي وقعت عام 1996. هذه الأمثلة اليومية للانتهاكات – بين أمثلة أخرى لا حصر لها – أشعلت شرارة ما يعتبر في جوهره سلسلة من ثورات حقوق الإنسان، تحركها مطالبات بحكومات يمكن أخيراً أن تنتخبها شعوبها، تحترم حقوق هذه الشعوب، وتخضع لسيادة القانون.

ما زال الغرب يحاول التكيف مع هذا التحول التاريخي. بينما تعارض الكثير من نظم العالم الديمقراطية بشكل عام القمع العنيف للمظاهرات السلمية، فهي ما زالت مترددة في التحالف مع المتظاهرين، خائفة من تبعات ائتمان هؤلاء المواطنين على هذه الدول الهامة.

وإذا كانت الحكومات الغربية سريعة في تخليها عن أصدقاءها المستبدين، فالكثير من الدول الأخرى أبدت العدوانية الصريحة تجاه الثورات. الحكومات الديكتاتورية راحت ترتعش – وهو المتوقع – من سابقة خروج الشعوب على النظم المستبدة وقلبها. وقد تمادت الصين واتخذت إجراءات عجيبة، إذ منعت “مسيرات الياسمين” التي نُظمت بإلهام من ثورة الياسمين التونسية. كما أن كوريا الشمالية عقدت العزم على إخفاء الربيع العربي عن شعبها، لدرجة أنها منعت عودة عمالها في ليبيا إلى الوطن. من زيمبابوي إلى إيران، من سودان إلى أوزبكستان، من الصين لروسيا، من أثيوبيا لفيتنام، يعيش المستبدون في خوف من قوة الشعوب التي تجلت في الربيع العربي.

وهم ليسوا مخطئون في توقعاتهم ومخاوفهم. فلقد أظهرت الانتفاضات الشعبية أن السعي للحقوق مطلب جماهيري، قادر على توحيد عناصر المجتمع وأجياله المتباينة على كلمة واحدة من أجل التغيير. أدوات القمع القديمة – الرقابة والاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل – لم تؤد إلا لزيادة جرأة المتظاهرين ما إن اكتسبوا الثقة في عددهم الكبير. وبدلاً من أن تُنزل بالمتظاهرين الخوف وتحملهم على الإذعان، أظهرت أعمال القمع المستبدين على حقيقتهم، وألقت الضوء على صدق وسلامة قضية المتظاهرين. إن في هذا تحذير مُرعب لنظم استكانت إلى افتراض أن قدراتها القمعية كفيلة دائماً بإجهاض غضب الجماهير.

هناك دول كان رد فعلها إزاء الربيع العربي مؤسف بشكل خاص، وهي بعض الحكومات الديمقراطية من الجنوب العالمي، مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا. يبدو أن هذه النظم تهتم بنظريات عفى عليها الزمن، مثل سيادة الدولة، أكثر من مراعاتها لمطامح وآمال الشعوب العربية، حتى إذا كان هذا يعني حماية النظم القمعية من الضغوط الدولية المطلوبة بقوة وبسرعة. ورغم أن هذه الدول نفسها تتمتع بحكومات قابلة للمساءلة وتخضع لسيادة القانون، فإن نظم الجنوب الديمقراطية لم تُظهر إلا اهتمام نادر التجلي في مساعدة العالم العربي الذي يناضل من أجل إنشاء نفس النظم الخاضعة للمساءلة وسيادة القانون. في أكثر الأحيان، أشارت تلك النظم الديمقراطية الجنوبية إلى سوء استخدام محتمل للضغط بمجال حقوق الإنسان – الخوف من استخدام هذه الأداة في هيمنة دول الشمال – لتبرير إخفاقها في ممارسة ضغوطها على المرتكبين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

هذه اللامبالاة من أطراف عديدة بحقوق شعوب المنطقة لابد أن تنتهي. أفضل سبيل للضغط على مضطهدي الشعوب العربية لوقف نزيف الدماء هو الوقوف بحزم إلى جانب شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أثناء مطالبتهم بحقوقهم المشروعة. الإصرار المبدئي على احترام الحقوق هو أيضاً أفضل سبيل لمساعدة هذه الحركات الشعبية في الخروج سالمة من أي انحرافات محتملة نحو عدم التسامح أو سقوط دولة القانون أو الانتقام من عناصر النظم القديمة بلا مراعاة لإجراءات القضاء، وهي مخاطر تشهدها كل الثورات وقد تتحقق في أعقاب الثورات.

إن الربيع العربي لحظة تحول، فرصة تاريخية كي تمسك الشعوب التي عانت من القمع طويلاً بزمام مصيرها في يدها. إلا أنه ليس بالتحول السهل. شعوب المنطقة – مثل شعوب العالم – تستحق مساندة العالم أثناء سعيها للحصول على حقوقها مع بدء هذه الرحلة التي طال انتظارها. لقد حان وقت سقوط “الاستثناء” العربي من قاعدة المطالبة بحقوق الإنسان للجميع.

احتضان الغرب للطغاة العرب

لقد سمحت الحكومات الغربية بـ “الاستثناء” العربي لأنها كانت تعتقد أن أفضل من يخدم مصالحها في المنطقة هم الحُكام المستبدون، بوعدهم الوهمي بـ “الاستقرار”، وفضلت هذا الاختيار على مسار الحكومات المنتخبة المليئة بالاحتمالات. هناك خمسة أسباب مركزية تفسر قبول الغرب في الماضي لهؤلاء الرؤساء والأباطرة الذين كانوا يعتقدون أنهم سيشغلون كراسي الحُكم إلى نهاية حياتهم.

السبب الأول هو “احتواء” أي تهديد للمصالح الغربية من الإسلام السياسي. فالحكومات الغربية وحلفاؤها لطالما نظروا إلى الإسلام السياسي نظرتين لا نظرة واحدة – إذ تدعم الإسلام السياسي عندما تراه مفيداً لمواجهة عدو مرهوب الجانب (المجاهدين ضد السوفييت، حماس ضد منظمة التحرير الفلسطينية) أو عندما تلتقي مصالحه مع الغرب (السعودية مثالاً). لكن عندما يتحدى الإسلام السياسي الحكومات الصديقة، يصبح حذر الغرب عميقاً.

من العوامل الكبرى المحفزة على انعدام الثقة هذه، كانت دولة غير عربية، وهي إيران، بعد أن خلعت الشاه المدعوم من الغرب. الخوف من “خوميني آخر” – أي المزيد من العدوانية إيرانية اللون تجاه الولايات المتحدة، والقسوة والدموية مع الشعب ودعم حزب الله وحماس – دفع الكثير من حكومات الغرب إلى عدم الثقة بالإسلام السياسي وقت أن اتخذ هيئة حركة معارضة تتحدى نظاماً حليفاً.

بلغ انعدام الثقة هذا مبلغه في بداية التسعينيات، بعد انفتاح سياسي وجيز في الجزائر، إذ ظهر أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك تحقيق انتصار انتخابي. أوقف الانقلاب العسكري العملية الانتخابية دون أدنى احتجاج من الغرب. قال مناصرو الانقلاب أن الأجندة السرية للإسلاميين كانت السماح “بعملية انتخابية واحدة لن تتكرر”. الحق أن الكثير من الأحزاب الإسلامية اتخذت مواقف مزعجة تخرق حقوق النساء وتقيد من الحريات الدينية والشخصية والسياسية. لكن كذلك فعلت الكثير من النظم القمعية التي يدعمها الغرب. كما أنه لا يمكن اعتبار الحركات الإسلامية منحازة ضد الحقوق من حيث المبدأ. ولكن، بدلاً من الاشتباك مع هذه الحركات لمطالبتها باحترام الحقوق، عاملتها نظم الغرب كأنها كيانات منبوذة لا مجال للتواصل معها.

انعدام الثقة هذا أدى إلى ازدهار السخرية من دعم الغرب للديمقراطية في المنطقة. مثلا، في محاولة من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لتبرير غزوه للعراق – بعد أن بدأ الغزو – تحدث عن ترويج الديمقراطية. ضغط بوش أقل الضغط من أجل إجراء انتخابات ببلدان المنطقة الأخرى. لكن سرعان ما انتهت تلك الأجندة الديمقراطية عندما ربحت حماس في انتخابات نزيهة في الضفة الغربية وغزة عام 2006، وعندما ربح الإخوان المسلمون مقاعد في انتخابات مصر البرلمانية عام 2005.

ورغم الحذر الغربي، ربح الإسلام السياسي أتباعاً إذ أصبح تيار التعبير الأول عن الغضب من حُكام المنطقة الفاسدين غير المستجيبين لمطامح الشعوب. لأن المسجد كان في العادة المؤسسة الأكثر حرية في مجتمع مدني مقموع؛ أصبح المسجد نقطة تجمع طبيعية للغاضبين. ودأب زعماء العرب في أغلب الحالات على التلويح بتهديد الإسلاميين العدوانيين كبديل لهم حتى يضمنوا دعم الغرب في حملاتهم القمعية وحتى يتجاهلوا مطالب الانتخابات النزيهة.

السبب الثاني لاحتضان الغرب لطغاة العرب هو تصور الغرب أنهم قادرين على مكافحة الإرهاب. المتطرفون العرب لا يحتكرون الإرهاب بأي حال من الأحوال، لكن صناع السياسة في الغرب يرون جماعات عربية معينة على أنها تمثل تهديد بالغ لها لأنها تقتل المدنيين في بلدانها وفي الغرب أيضاً. وباسم حماية المدنيين، كانت الحكومات الغربية مستعدة لدعم الطغاة العرب الذين تعهدوا بمكافحة أولئك الإرهابيين. أما مسألة تعذيب هؤلاء الطغاة وقمعهم لشعوبهم فهي مسألة ثانوية للغرب. كما تجاهل الغرب حقيقة أن هذا القمع يزيد عادة من دعم الأفراد للجماعات المتطرفة والعنيفة.

ثالثاً، ائتمن الغرب الطغاة العرب أكثر مما ائتمن الشعوب العربية على تحقيق حالة “وفاق” مع إسرائيل – وهو عامل مهم للغاية في سياسة الغرب إزاء مصر والأردن وسوريا ولبنان إلى حد ما. الكثير من العرب أزعجهم بطبيعة الحال قمع إسرائيل للشعب الفلسطيني، وكثيراً ما احتجوا عليه. طغاة المنطقة سرعان ما تعلموا أن يسمحوا بهذه الاحتجاجات، بل ويشجعونها، كونها طريقة جيدة لإفراغ الغضب بعيداً عن سوء إدارتهم لبلادهم. طالما الطغاة العرب قادرون على السيطرة على المظاهرات، فهم يتمتعون بدعم الغرب. أولئك الذين اتخذوا خطوات أوسع ووقعوا اتفاقية سلام مع إسرائيل تلقوا مساعدات أمريكية ضخمة، بغض النظر عن سياساتهم الداخلية.

رابعاً، كان الغرب يرى طغاة العرب أفضل سبيل لاستمرار تدفق النفط. بالطبع حتى إيران في عهد آية الله روح الله خوميني وليبيا في عهد معمر القذافي مستعدتان لبيع النفط للغرب. لكن مع ضيق حال الأسواق وارتفاع أسعار النفط والتغيير الثوري، لا سيما في السعودية، خاطر الغرب باضطرابات اقتصادية مع اضطراب تدفق النفط. كما أن الغرب لم يرغب في حصول إيران العدوانية على مخزون النفط الهائل في دول الجوار الخليجية. لمنع هذه السيناريوهات، أو أي تهديد للعلاقات المريحة التي انعقدت بين نخب الشركات والأعمال الغربية والعربية، فضل الغرب الطغاة الذين يعرفهم على حكم الشعوب بما يحمله من نزوات وقرارات قد لا تصب في صالح الغرب. وفي الوقت نفسه، أعطت أرباح النفط الهائلة لهؤلاء الطغاة سبلاً قمعيةتمكنهم من الاحتفاظ بالسلطة دون مساءلتهم أمام جمهور من دافعي الضرائب.

وأخيراً، فإن الغرب – لا سيما الاتحاد الأوروبي – لجأ إلى حكومات المنطقة السلطوية كي تساعده في وقف تدفق المهاجرين. شمال أفريقيا مصدر ضخم ونقطة ترانزيت مهمة للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا. اعتمد الغرب على حكومات قمعية في وقف التدفق – في منع المهاجرين من مغادرة شطآنهم، وقبول عودتهم إلى بلدانهم إذا هم غادروا الشطآن، دون تحري النظر في طلباتهم بالهجرة أو اللجوء. الاتحاد الأوروبي بدوره كافأ هذه الحكومات باتفاقات تجارة ومساعدات عديدة.

أكذوبة “الاستثناء العربي”

رغم أنانية حكومات الغرب في تحقيقها لمصالحها، فهي لا تريد الاعتراف بتفضيلها للنظم المستبدة في العالم العربي. بل تتصرف وكأن الأخطاء الشائعة عن المجتمع العربي حقيقية، من تصورات مثل أن الشعوب العربية خاملة سياسياً وغير متقدمة ولا تبالي بمن يحكمها، وكأن هذه الخصال مرتبطة بالحضارة العربية، أو تصور أن مزج العادات العربية بالإسلامية جعل شعوب المنطقة غير مهتمة بالديمقراطية أو أن الديمقراطية لا تناسبها. الثورات التي زلزلت العالم العربي تنزع أي مصداقية عن هذه الأعذار الواهية من أجل مساندة طغاة المنطقة.

المدهش أن أي من الأسباب والدوافع التي يخشاها الغرب لم تكن وراء حركة التظاهر الشعبية التي انطلقت العام الماضي. لا توجد أدلة تُذكر على أن الإسلام السياسي كان الشرارة أو القوة المحركة للانتفاضات الشعبية، فلقد ظهر فيما بعد، عندما أعطى تنظيم الإسلاميين الأفضل واحتلالهم من قبل لمقاعد المعارضة ميزة تنافسية على النشطاء والأحزاب الأحدث. كما لم يكن ثمة مكان بارز في صفوف المتظاهرين لمعارضة السياسات الإسرائيلية أو دعم الإرهاب أو كراهية الغرب. لقد كانت الانتفاضات الشعبية بالأساس تصميم راسخ على تحسين مستوى الحياة داخل الوطن بدلاً من الفرار إلى أوروبا.

وكانت القوة المحركة للثورات هي معارضة الحكم المستبد نفسه. التونسيون والمصريون والليبيون والبحرينيون واليمنيون والسوريون وغيرهم من الشعوب، نالوا كفايتهم من القمع والفساد والمحسوبية والحكم المتعسف والمجتمعات الراكدة التي وفرها لهم المستبدون. كانت مظاهرات غضب على نخبة منفصلة عن الواقع ولا تخدم إلا مصالحها. مثل الثورات التي قلبت أوروبا الشرقية رأساً على عقب في عام 1989، كانت الثورات العربية بإلهام من رؤى للحرية ورغبة في تولي البشر لمصائرهم، والسعي للإتيان بحكومات قابلة للمحاسبة أمام الجمهور، لا أن تسيطر عليها نخبة حاكمة.

المجتمع الدولي يمسك العصا من المنتصف

لكن ها هي الحكومات الغربية تتوخى “الوسطية” ومسك العصا من المنتصف إزاء هذه الحركات الشعبية، وترد ردوداً انتقائية، لا تعرف كيف المواءمة بين ارتياحها للنظم المستبدة القديمة والإدراك السريع لأن أيام هؤلاء الطغاة معدودة. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما الطرفان الأكثر التزاماً بالمبادئ في رد الفعل على قمع حكومتين عربيتين. في ليبيا، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات وطالبت بتدخل المحكمة الجنائية الدولية. وبسرعة قامت عدة دول بتحضير رد عسكري على ما رأته كارثة وشيكة التحقق على حقوق الإنسان. وفي سوريا، بعد بعض التردد، تحالفت القوى الدولية مع حركة المعارضة السلمية واستهدفت حكومة الرئيس بشار الأسد بعقوبات على أفراد.

إلا أنه في دول أخرى كان تعامل الغرب مع انتفاضات الشعوب أكثر تردداً وأقل يقيناً. ترددت الحكومة الأمريكية في مواجهة رئيس مصر، حسني مبارك، وكان يُنظر إليه على أنه دعامة قوية لـ “استقرار” المنطقة، إلى أن تبين أن مصيره حتمي. ثم ظهر التردد طويلاً في الضغط على المجلس العسكري الحاكم في مصر كي يُخضع نفسه لحكم مدني. وكانت فرنسا متمسكة بنفس النهج برئيس تونس، زين العابدين بن علي، إلى أن أوشك على السقوط.

وبالمثل، لم تمارس الحكومات الغربية ضغوطاً فعالة على حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بسبب قتلها للمدنيين، وكانت ترى في صالح خط دفاع ضد القاعدة في الجزيرة العربية. أدان الغرب قمع البحرين لحركة الديمقراطية البحرينية، ودعى لإجراء بعض الإصلاحات، لكنه لم يمارس أي ضغوط حقيقية على الحكومة البحرينية من واقع الخوف على مصير قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي، وكذلك كان النهج نفسه مع السعودية، التي خشت من تدخل إيران في البحرين ذات الأغلبية الشيعية، وخوفاً من تواجد نموذج ديمقراطي على الحدود السعودية. حتى داخل أروقة الحكومة الأمريكية، كان صناع السياسات منقسمين على البحرين، إذ منع الكونغرس الأمريكي صفقة أسلحة للبحرين أقترحتها إدارة الرئيس باراك أوباما. وفي الوقت نفسه، دعت الحكومات الغربية لإجراء إصلاحات في نظم المنطقة الملكية الأخرى، مثل التعديلات الدستورية في المغرب ووعود التغيير في الأردن، لكنها – هذه الحكومات الغربية – لم تقل الكثير عن اتخاذ هذه النظم الملكية لإجراءات معادية للديمقراطية، مثل تبني قوانين قمعية جديدة في السعودية، أو سجن خمسة نشطاء في الإمارات.

ولقد ظهر في سلوك الدول الأخرى غير الغربية نفس نمط التردد والكيل بمكيالين. بحكم العادة تسعى حكومات جامعة الدول العربية للدفاع عن بعضها البعض ضد أي شكل من أشكال انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان. ها هي الآن بدأت تتواصل بشكل بناء أكثر، مدفوعة بدرجات متفاوتة بحكومات ما بعد الثورات والخصومات الإقليمية (لا سيما مع إيران)، وفي محاولة لأداء دور ما وسط حركات الديمقراطية التي تشهدها المنطقة. في ليبيا، صدقت جامعة الدول العربية على الضغط على القذافي، مما مهد الطريق أمام تحرك مجلس الأمن. وفي سوريا، احتجت جامعة الدول العربية على عمليات القتل السياسي وخرجت بخطة لإنهاء العنف فوافقت عليها سوريا موافقة نظرية. عندما خالفت سوريا وعدها – وهو المتوقع – جمدت جامعة الدول العربية عضويتها وأعلنت عن عقوبات.

وعلى النقيض، كان الاتحاد الأفريقي متواطئ بشكل مخزٍ أكثر. ذلك الاتحاد الذي أُسس بدعوى ترويج الديمقراطية، تحرك وكأنه نادٍ لمناصرة الطغاة، فانحاز إلى أي حكومة في السلطة بغض النظر عن سلوكها. مع اندلاع الثورات في تونس ومصر وليبيا، كان الاتحاد الأفريقي في أفضل تقدير غير ذات دور، وفي أسوأ تقدير غير متعاون بالمرة. المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب – وهي جهة مستقلة – كانت الهيئة الوحيدة في الاتحاد الأفريقي التي أمرت القذافي بوضع حد لأعمال القتل، وذلك في حُكم أصدرته المحكمة في أول قضية مهمة لها.

أما روسيا والصين فلم يتسامحا مع التحركات الدولية في ليبيا إلا عندما ظهر أن عزلتهما السياسية ستجعل معارضة هذه الإجراءات الدولية منهما تبدو قاسية. لكن عندما ظهر شركاء لروسيا والصين في اللامبالاة إزاء سوريا على سبيل المثال، لم يشعرا بأي ذنب مع استعمال حق الفيتو ضد القرارات الدولية.

ومن جانبها، فقد صدقت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا – وهي نظم ديمقراطية مهمة في مجلس الأمن – على التحركات الدولية في ليبيا أو تحملتها، لكنها تذرعت بتجاوز الناتو المزعوم لتكليفه بحماية المدنيين كمبرر لرفضها التصديق على أي ضغوط رمزية حتى من مجلس الأمن على سوريا.

هذا التعامل الحذر من المجتمع الدولي جاء في وقت تعتبر فيه الثورات العربية بعيدة كل البعد عن الانتهاء. الثوار المثاليون يواجهون ضغوطاً جسيمة وغالبة وليست لديهم أي ضمانات بالانتصار. كما أن الثوار أنفسهم انتهكوا في بعض الحالات حقوق الإنسان، إذ يبدو مثلاً أن ميليشيات ليبية أعدمت معمر القذافي وابنه معتصم القذافي بدون محاكمة، واضطهدت عمال مهاجرين أفارقة سود البشرة. يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً هاماً في مناوئة هذه التهديدات حتى تخرج إلى النور نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، نُظمٌ تخرج من عباءة القوى القديمة ومن القوى الثورية الجديدة.

دول المنطقة العربية ثلاث فئات

من المفيد أثناء النظر إلى المنطقة التفكير فيها على أنها ثلاث فئات فضفاضة من البلدان. الأولى قوامها تونس ومصر وليبيا، وهي تلك التي خلعت نظماً مستبدة قديمة (لكن في مصر لم يتم خلع الحُكم العسكري المتمترس في السلطة) وحتى كتابة هذه السطور تمر هذه الدول بمرحلة صعبة، هي مرحلة بناء نظام حكومي جديد. المهمة ليست سهلة أو هينة. من الأسهل هدم المؤسسات المستبدة، ومن الصعب استبدالها بمؤسسات ديمقراطية. من السهل حشد الإجماع على الحاجة لخلع المستبد، ومن الأصعب تهيئة رؤية جماعية مشتركة لمن يحل محله. وعلى النقيض من أوروبا الشرقية في عام 1989، فلا يوجد إغراء الانضمام للاتحاد الأوروبي لتشجيع الحكومات الجديدة على احترام حقوق الإنسان (رغم أن الاتحاد الأوروبي لديه جزرات أخرى يقدمها، مثل الامتيازات التجارية وتيسير إجراءات تأشيرة السفر). كما أن النظم القمعية لم تسقط سريعاً بنفس سرعة سقوط النظم في عام 1989، وليس خصوم هذه النُظم المستبدة موحدين. وهناك نموذج يطل برأسه، هو النظم الديكتاتورية في جمهوريات وسط آسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث سادت القوى المعادية للديمقراطية وحلت النظم القمعية محل الحكومة الشيوعية.

لكن لحسن الطالع، فدول هذه المجموعة ليست محملة كثيراً بأعباء الصراع الطائفي الذي سمم جهود إعادة إعمار العراق فيما بعد سقوط صدام حسين، وهي نفس الطائفية التي تطل برأسها مثلاً في سوريا والبحرين والسعودية. إلا أن هذه الدول لديها انقساماتها الخاصة بها، التي قد تشتعل في أي وقت – انقسامات طائفية في ليبيا، أقباط ومسلمون في مصر، الساحل والداخل في تونس. في أوقات الحيرة يصبح الناس أكثر عرضة للخوف والاستثارة، مما يدفعهم للجوء لهوياتهم الضيقة، وهناك دائماً مستفيدون من النظام القديم، على أهبة الاستعداد لاستثمار هذه المخاوف وحشدها. ثم إنه إذا استمرت الضائقة الاقتصادية، فهناك خطر متزايد أن يتخلى الناس عن المُثل الديمقراطية وأن يعتنقوا سياسة أقبح وأقل تسامحاً.

في الوقت الحالي يبدو أن تونس هي الأقرب للتقدم على الطريق السليم. القوانين القديمة التي تقيد عمل الجمعيات وحرية التجمع وحرية التعبير والأحزاب السياسية تم إصلاحها. بعد الانتخابات على المجلس الدستوري المشهود لها بالحرية والنزاهة، ربح حزب النهضة أعلى نسبة أصوات، وتقدم قيادات الحزب بوعود مُشجعة عن بناء تحالف حاكم واسع واحترام حقوق جميع التونسيين. هذه بداية واعدة، لكن الوعود بطبيعة الحال تنتظر الاختبار على محك الواقع.

وفي ليبيا، تكرر تعهد السلطة الانتقالية باحترام حقوق المواطنين، والسيطرة على جميع الميليشيات، وإخضاع نفسها – السلطة – لسيادة القانون. لكن يبقى الوفاء بهذه الوعود صعباً، لا سيما أن القذافي حرم ليبيا متعمداً من مؤسسات الحكومة المتقدمة. حتى الآن أخفقت السلطات الجديدة في السيطرة على الكثير من الميليشيات صاحبة الرصيد الكبير من القوة والأسلحة. ورغم الخطط المعلنة عن محاكمة سيف الإسلام القذافي – نجل الزعيم السابق المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية – فلم تقم الحكومة الليبية بعد ببناء نظام عدالة جنائية قادر على الوفاء بمتطلبات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالمحاكمة العادلة.

أما مصر، أكبر دول المنطقة وقائدتها منذ زمن طويل، فعليها أن تتجاوز الانقسامات الداخلية الكثيفة بين ثلاث جماعات أساسية: الجيش الذي رغم سخط الجماهير العريضة منه ما زال في الحُكم بعد أن حل محل مبارك، ومجموعة العلمانيين من اليساريين والليبراليين الذين ظهروا بقوة على المشهد في ميدان التحرير، ومجموعة الإسلاميين الذين انضموا في لحظات فارقة للمظاهرات بأعداد كبيرة ثم ظهروا بعد ذلك كقوة سياسية مهيمنة. وعند نقاط مفصلية هامة، رأت كل مجموعة من هذه المجموعات الثلاث في المجموعتين الآخريين حليفاً أو خصماً محتملاً.

الجيش – بضغوط تُمارس عليه كي يتخلى عن السلطة – رأى في بعض الأحيان أن الإسلاميين بحُكم توجههم الاجتماعي أقل رغبة من الليبراليين في تحدي حكم الجيش لنفسه أو التدقيق في ميزانية المؤسسة العسكرية الهائلة ومصالحها التجارية الواسعة. الليبراليون تطلعوا (بشكل غير ليبرالي) إلى الجيش كي يطبق قيوداً على الإسلام السياسي، بينما انضموا للإسلاميين في محاولة لخلع الحكم العسكري. الإسلاميون – الذين لا يثقون في الجيش بعد عقود من القمع – يأملون في يساعدهم الليبراليون في الانتقال إلى الديمقراطية، وفي الوقت نفسه يختلفون مع الليبراليين في جملة من قضايا الحريات الاجتماعية. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن الإسلاميين انقسموا حول تفسيرهم للشريعة ودور الإسلام الذي يتصورونه في حكم البلاد. ما زال من غير الواضح على الإطلاق كيف سيتم حل هذه العقدة الصعبة.

ثاني مجموعات الدول العربية: سوريا واليمن والبحرين، ما زالت غارقة في صراعات بين الحكومات المسيئة والمعارضة التي تطالب بالديمقراطية. السوريون أبدوا شجاعة فائقة، وخرجوا للشوارع للتظاهر كثيراً رغم سيطرة قوات الأمن التي كثيراً ما ردت على التظاهر بالقوة المميتة. تظاهرات اليمن السلمية في الأغلب الأعم شهدت في حالات كثيرة نزاعات مسلحة بين فصائل النخبة المتنافسة، ومن الصعب التنبؤ بما إذا كان اتفاق الخروج الآمن الذي وقعه الرئيس صالح هو خطوة نحو الإصلاح الحقيقي. أما حُكام البحرين – بدعم من قوات الأمن من السعودية – فقد استخدموا باقة من الأدوات القمعية: القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين، والتعذيب والمعاملة السيئة، والمحاكمات غير العادلة، وفصل العمال من العمل والطلاب من الجامعات. لكن لم تنجح هذه الإجراءات إلا في تكريس انقسام الشعب، والكثيرون منه يعدون الأيام حتى تحين الفرصة القادمة للخروج والتظاهر. ما زال نجاح حركات التظاهر في هذه الدول من عدمه مسألة غير محسومة.

وأخيراً هناك نظم المنطقة الملكية والتي تفادت إلى حد بعيد – باستثناء البحرين – الانتفاضات واسعة النطاق. تتمتع هذه النظم بميزة أنها قادرة على تشتيت السخط الشعبي عن طريق تغيير الحكومات.. ولقد شهد الأردن تحديداً تبدل رؤساء الوزارة على مقعد رئيس الحكومة، ودون أي مساس بالملكية. بعض النظم الملكية – في المغرب والكويت وقطر – بدأت تجرب مسألة منح سلطات محدودة لمجالس نيابية منتخبة، مع السيطرة على أهم أدوات السلطة. بعض دول الخليج حاولت شراء السلم الاجتماعي عن طريق رفع الرواتب وزيادة الامتيازات للسكان. هذه الأساليب – مقترنة في بعض الأحيان بجرعة ثقيلة من القمع – أدت إلى تشتت الاحتجاجات واسعة النطاق.

لكن السلم الاجتماعي قد يكون قصير الأجل. السعودية على سبيل المثال تتوفر فيها عناصر حركتها الربيعية الخاصة بها: قيادة هرمة وشعب شاب غير راضٍ. (يمكن قول الشيء نفسه على الجزائر غير الملكية التي قمعت مظاهراتها المحدودة في عام 2011). الأسرة الحاكمة في السعودية كانت حتى الآن ماهرة في الحفاظ على حكمها، إما بتوزيع نقود النفط أو التضخيم من المخاوف الطائفية.. لكن كل هذا لن يؤدي لما هو أكثر من تأجيل المصير الحتمي

دور فعال للمجتمع الدولي

كيف إذن يتعين على المجتمع الدولي التعاطي مع هذا المشهد المعقد والمتباين؟ قبل الخروج بوصفات للحل، فلابد أولاً من إبداء شيء من التواضع. ثورات الربيع العربي كانت ذاتية، اندلعت من الداخل، وهي إنجاز مواطني تلك البلاد أولاً وقبل أي شيء. وقد كان للقوى الخارجية بعض التأثير، لكن في أغلب الحالات اقتصر التأثير على الهامش.

إن رد فعل الفاعلين الخارجيين قد يكون هاماً، وأحياناً ما يرجح كفة على كفة. تخلي الجامعة العربية عن القذافي مع فتح قواته النار على المتظاهرين في طرابلس وتهديده بمذبحة في بنغازي مهد الطريق أمام مجلس الأمن لحماية المدنيين. الضغوط الأمريكية – بتعزيز من مساعدات كبيرة مقدمة لمصر – ساعدت في إقناع المؤسسة العسكرية المصرية في لحظة مبكرة من الثورة بحماية متظاهري ميدان التحرير من هجمات الشرطة ومؤيدي مبارك. والعقوبات الاقتصادية الفردية على النخبة السورية كانت واحدة من أفضل الفرص لإقناع عناصر هذه النخبة بالافتراق عن استراتيجية قمع الأسد الوحشية.

مع نظر المجتمع الدولي إلى الأمام إذن – من أجل دعم حكومات ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان – فعليه أن يتبنى منهجاً أكثر استناداً إلى الحقوق، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكثر مما كان يفعل في الماضي. هذا يشمل بالأساس الانحياز الواضح للمُصلحين الديمقراطيين حتى ولو كان الثمن هو التخلي عن الأصدقاء المستبدين. لا عذر هنالك لأية حكومة أن تتسامح مع القمع القاتل للأسد، وأن تغمض عينيها عن حملة قمع البحرين المنهجية، أو أن تعفي الملوك الآخرين من ضغوط الإصلاح. جميع الحكام المستبدين يحتاجون للكف عن استخدام القمع في الدفاع عن سلطتهم وامتيازاتهم.

هذا الدعم المستند لحقوق الإنسان المقدم للمتظاهرين يمكن أن يكون أيضاً ذات أثر إيجابي على الحكومات الجديدة التي يسعى هؤلاء المتظاهرون لتشكيلها. الثورة قد تُعتبر تجربة شاقة، وتفتح احتمالات لم يفكر فيها أحد، بالنسبة للأغلبية التي خرجت تطالب بالسيطرة على مصيرها. لكن على الثوار أن يقبلوا الضوابط الخاصة بحكم الأغلبية والتي تمليها حقوق الإنسان، لا سيما ما يتعلق بحقوق الأقليات، سواء كانت سياسية أو دينية أو عرقية أو اجتماعية.

يمكن أن يؤدي الحماس الثوري إلى انتقام بلا محاكمات، أو فرض مناهج فكرية جديدة. استمرار المصاعب الاقتصادية قد يؤدي إلى تبني منهج “كبش الفداء” مع بعض الشخصيات وانحسار هامش التسامح. التأكيد الدولي على أهمية احترام حقوق جميع المواطنين يمكن أن يساعد على ضمان ظهور نظم ديمقراطية حقيقية. وربط المساعدات الاقتصادية باحترام هذه الحقوق، كما ربط الاتحاد الأوروبي انضمام دول أوروبا الشرقية باحترامها للحقوق، يمكن أن يساعد على توجيه الحكومات الجديدة نحو اتجاهات احترام الحقوق

ومن نفس المنطلق، على المجتمع الدولي أيضاً أن يتصالح مع الإسلام السياسي وقت أن يكون الإسلام السياسي هو ما تفضله الأغلبية. الأحزاب السياسية تتمتع بجماهيرية حقيقية في أغلب مناطق العالم العربي، السبب يعود جزئياً لأن الكثير من العرب رأوا أن الإسلام السياسي “ضد” الحكم المستبد، لأن الأحزاب الإسلامية بشكل عام أحسنت تمييز نفسها من خلال برامج الخدمات الاجتماعية، وهو ما لم توفره الدولة الفاسدة التي لا تخدم إلا نفسها، والسبب جزئياً لأن الإسلاميين يتمتعون بمزايا تنظيمية لم تتوفر لنظرائهم من الأطراف العلمانية التي شاركت الإسلاميين التعرض لنفس القمع، وجزء من السبب لأن الإسلام السياسي يعكس القيم المحافظة والدينية للكثير من الناس في المنطقة. تجاهل هذه الشعبية يعني انتهاك مبادئ الديمقراطية.

الأصل أن، كلما ظهرت حكومات إسلامية التوجه، على المجتمع الدولي أن يركز على تشجيع هذه الحكومات والضغط عليها كي تحترم الحقوق الأساسية، مثلما يحدث مع الأحزاب التي ترفع لواء المسيحية، والحكومات الأوروبية المُطالبة بالشيء نفسه. التعامل مع الإسلام السياسي ليس بالضرورة رفض حقوق الإنسان، كما ظهر في الهوة السحيقة بين الآراء التقييدية لبعض السلفيين وغيرهم أصحاب التفسيرات الأكثر تقدمية للإسلام مثل راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي. من المهم الاحتفاء بالعناصر الخاصة باحترام حقوق الإنسان في الإسلام السياسي، مع التأكيد على رفض القمع باسم الإسلام. طالما تحترم الحكومات المنتخبة الحقوق الأساسية، فهي تستحق الدعم من المجتمع الدولي، بغض النظر عن آرائها السياسية أو الدينية.

السعي لحرية التعبير

الحق في حرية التعبير يحتاج بدوره إلى “دفاع” متسق. لم تتحقق الثورات العربية إلا مع ظهور مجتمع مدني قادر على تنظيم نفسه، واستخدام الإنترنت، وبناء الغضب الشعبي عن طريق مراوغة احتكار الدولة لنشر المعلومات. القنوات الفضائية – وفي صدارتها الجزيرة – لعبت بدورها دوراً هاماً في حشد الغضب الشعبي على القمع الوحشي الذي تم بثه بشكل منتظم على أثير المنطقة. ومثلما يتعين الاستمرار في رعاية المجتمع المدني، فمن الضروري الدفاع بقوة عن وسيط الاتصال الأساسي هذا، حتى عندما تُرى رسالته على أنها “معادية للغرب”.

الجبهة الأحدث في معركة حرية التعبير هي شبكات التواصل الاجتماعي. رغم أنها تقتصر على نخبة متصلة بالتكنولوجيا، وتفوقها أهمية تقنيات أكثر انتشاراً مثل محطات التلفزة الفضائية والهواتف النقالة، فإن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مبكراً وهاماً، إذ سمحت لحركات بلا قيادات واضحة بحشد الدعم التدريجي، مع إقدام المشاركين فيها على ما فعلوا رغم خطر التعرف إليهم (على سبيل المثال، بإبداء الدعم للحركة على الفيس بوك) دون المشاركة بالضرورة في تظاهرات الشوارع، إلى أن ظهر إحساس كافي بالأمان مع كثرة الأعداد. شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر ساعدت أيضاً المتظاهرين في التواصل مع بعضهم البعض ومع العالم، بشأن القمع السياسي وأساليب التغلب عليه. استخدم النشطاء موقع اليوتيوب في نشر مقاطع فيديو تم تصويرها بالهواتف النقالة، عن أعمال الجيش والشرطة الوحشية.

لكن شبكات التواصل الاجتماعي قد تعتبر أيضاً وسيلة لمراقبة وقمع المعارضة. كانت هذه هي وصفة الرئيس الأسد عندما سمح بدخول الفيس بوك واليوتيوب إلى سوريا في ذروة الثورة المصرية. كان رهانه على أن شرطته السرية قادرة على اختراق مستخدمي هذه المواقع ورصدهم، وكان رهاناً خاطئاً، لكن هناك بلدان أخرى في المنطقة وخارجها ما زالت تحاول الحد من التهديدات السياسية التي تفرضها هذه الوسائط الاجتماعية، باستخدام تقنيات غربية في أغلب الحالات.

الرابح في لعبة القط والفأر هذه بين الرقيب والمستخدم، المراقب القمعي والمتظاهر المُطالب بالحرية، ما زال لم يُحدد بعد. مطلوب معايير دولية قوية لتحسين الحماية المكفولة لحرية وخصوصية مستخدمي الإنترنت. وعلى الشركات الدولية أن تمنع بيع المعدات أو المعرفة لحكومات في المنطقة العربية وخارجها، تسمح لهذه الحكومات بالتجسس على المواطنين العاديين أو قمعهم.

التواطؤ في التعذيب

حتى سبل الرقابة والسيطرة الأشد لا يمكنها منع بعض نسيم الحرية من دخول الفضاء العام، وكان رد فعل قوات الأمن في المنطقة على طول الخط هو التعذيب. من حيث المبدأ، يعارض المجتمع الدولي التعذيب بكل قوة، كما يظهر ذلك في عدد من المواثيق الدولية التي تحظره بلا أي استثناء. لكن مكافحة الإرهاب والإسلام السياسي أدت إلى تزايد تسامح المجتمع الدولي مع التعذيب والتواطؤ فيه في بعض الحالات. بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول لم تكتف إدارة بوش باستخدام التعذيب بنفسها ومساعدة حلفاء عدة لها عليه، بل أيضاً أرسلت مشتبهين بالإرهاب للاستجواب لدى قوات أمن المنطقة العربية، رغم استخدامها المكثف للتعذيب. هذا التواطؤ الذي لا عُذر له كان سابقة خطيرة، إذ عزز من ممارسات أجهزة أمن المنطقة الأسوأ، وفي الوقت نفسه أضعف من مصداقية بعض الاحتجاجات من الحين للآخر من طرف الغرب.

أمرت إدارة أوباما بوضع حد لهذا التواطؤ في التعذيب لكنها رفضت التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين الأمريكيين المسؤولين عنه. الحسبة السياسية قصيرة المدى وراء هذا الإسقاط للواجبات هو المخاطرة بظهور تبعات طويلة المدى، بإرسال رسالة مفادها أن التعذيب خيار سياسي وليس جريمة. الحكومة البريطانية قامت على الاقل بالتصريح بتحقيق في تواطؤ بريطانيا في التعذيب في بلدان أخرى، لكن حتى الآن يخضع التحقيق لقواعد السرية مما يعني احتمال ضعيف بالتحقيق النزيه.

إن سياسة الغرب في الكيل بمكيالين تجاه التعذيب في المنطقة تظهر أقوى ما تظهر في استخدام “مذكرة التفاهم” أو “الضمانات الدبلوماسية” لتبرير إرسال المشتبهين بالإرهاب إلى أجهزة الأمن التي يُرجح أنها ستعذبهم. وثائق الاستخبارات المركزية (السي آي أيه) التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش في مقار المخابرات الليبية يظهر منها كيف تم استخدام هذه الآليات. تعاونت بريطانيا وأمريكا بإرسال مشتبهين مقبوض عليهم في الخارج للاستجواب طرف أجهزة المخابرات الليبية رغم شهرتها باستخدام التعذيب. لكن السي آي أيه سعت للحصول على ضمانات من الليبيين بعدم الإساءة للمشتبهين. هذه الضمانات لم تكن أكثر من ورقة التوت. نظراً لالتفاف الحكومة الليبية السابقة على التزاماتها التعاهدية الدولية بحظر التعذيب، كما أفادت بذلك الحكومة الأمريكية نفسها في بعض الحالات، فليس ثمة سبب لتوقع احترام السلطة الليبية السابقة لوعد هادئ بين الدبلوماسيين أو أجهزة المخابرات بعدم استخدام التعذيب. إنه لمما يسهم إسهاماً قوياً في وضع حد للتعذيب في العالم العربي أن يتوخى الغرب الصراحة بشأن تواطئه، وأن يعاقب المسؤولين عن جريمة الأمر بتيسير التعذيب، وأن يعلن وضع حد لاستخدام الضمانات الدبلوماسية في تبرير إرسال المشتبهين إلى بلدان تعرضهم للتعذيب.

يجب وضع حد للإفلات من العقاب

الحركات الثورية تحتاج للمساعدة في بناء مؤسسات الحكم التي تركها المستبدون عن عمد ضعيفة واهنة، وعلى رأس هذه المؤسسات مؤسسة العدالة، من أجل إخضاع جميع ممثلي الدولة لسيادة القانون. إلى أن يقر في وجدان مسؤولي الدولة وأجهزة الأمن أن سوء السلوك سيؤدي بهم إلى المحكمة، فإن إغراء اللجوء لفساد النظم السابقة وإساءاتها هو إغراء تصعب مقاومته.

إلا أنه فيما يتعلق بالعدالة الدولية على الأقل، فما زال المجتمع الدولي يتصرف أحياناً وكأن النظم المنتقلة نحو الديمقراطية لن تتقدم إلا بإخفاء انتهاكات الماضي تحت البساط. كما ظهر من الثورات العربية، فإن سابقة الغفلات من العقاب لا يسهل نسيانها، وتزيد من احتمال استمرار العادات السيئة. الملاحقات القضائية لا تعرقل التغير الديمقراطي كما يتخيل البعض أحياناً.

عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات القبض على القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس مخابراته عبد الله السنوسي، قال البعض بأن هذا العمل العدلي يثبط من عزم القذافي على التنازل عن السلطة. لكن مثله مثل أغلب الطغاة، كان القذافي واضحاً حتى قبل ظهور مذكرات المحكمة، من أنه ينوي البقاء في السلطة حتى النهاية المُرّة، مع ابنه سيف الإسلام الذي راح يتعهد بالقتال “حتى آخر رجل”. لو كان لمذكرات الاعتقال أي أثر، فقد أسرعت من سقوط القذافي، إذ أوضحت للمتعاونين معه أن لا مستقبل سياسي له وأن الانشقاق أفضل وأسلم.

لكن القذافي كان ديكتاتوراً سهل التخلي عنه ومحاسبته. كان المجتمع الدولي أقل التزاماً بمبادئ حقوق الإنسان في حالة علي عبد الله صالح رئيس اليمن. في مبادرة أطلقتها دول مجلس التعاون الخليجي دون أي اعتراض رسمي من مجلس الأمن، مُنح صالح وكبار المسؤولين حصانة شاملة من الملاحقة القضائية مقابل التخلي عن السلطة. الأثر السيئ لهذه المبادرة كان منح حكومة صالح الضوء الأخضر في استمرار قتل المتظاهرين دون ملاقاة تبعات واضحة. حتى عندما وافق صالح على التخلي عن الرئاسة، استمر مناصروه في القتل، وهم يعرفون أنهم إذا نجحوا في التشبث بالسلطة، فالواضح أنهم لن يحاكموا أنفسهم، وهم على ثقة أنهم إذا فشلوا، فسوف يقول مجلس تعاون الخليج أنهم لن يتعرضوا للملاحقة القضائية بدورهم.

كما لم يكن المجتمع الدولي أكثر التزاماً بمبادئ حقوق الإنسان في تعاطيه مع العدالة في أنحاء المنطقة الأخرى. وقد رفضت كل من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا دعم التصريح للمحكمة الجنائية الدولية بالتعامل مع سوريا، رغم معدلات القتل العالية التي فاقت ليبيا وقت إحالة الوضع فيها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأصر الغرب على إعفاءه المستمر لإسرائيل من مطالب العدالة، وأحدث الأمثلة هي إصراره على أنه إذا تم قبول السلطة الفلسطينية كدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، فعليها ألا تسعى للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. بل إن الولايات المتحدة عارضت طلب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن يحيل مجلس الأمن الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية خوفاً من أن تُستخدم هذه السابقة ضد إسرائيل.

دور البرازيل والهند وجنوب أفريقيا

رد الفعل الدولي على الثورات العربية أظهر ضرورة بناء تحالفات واسعة للدفاع عن حقوق الإنسان. الضغوط متعددة الأطراف من أجل الإصلاح تؤكد على القيم الحقوقية، كونها عالمية وليست أجندة ضيقة لمنطقة بعينها. بعيداً عن التدخل العسكري المتنازع حوله في ليبيا، مارس المجتمع الدولي أقوى الضغوط على القذافي عندما اتحد. عندما انضمت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا بدعم من الجامعة العربية إلى القوى الغربية الكبرى في إحالة ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية فصعب على الصين أو روسيا الوقوف في موقف منعزل في المعارضة. النتيجة كانت إجراء تاريخي صدر بالإجماع من مجلس الأمن، فأرسل للقذافي رسالة قوية تجاهلها وعرض نفسه بنفسه للخطر.

المؤسف أنه عندما حان الدور على حماية الشعب السوري، تراجعت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا إلى موقفها المعارض لضغوط حقوق الإنسان ورفضت دعم مجلس الأمن حتى مع قتل حكومة الأسد لآلاف المتظاهرين. في الجمعية العامة الأضعف حالاً دعمت البرازيل قراراً هاماً بشأن سوريا، بينما امتنعت الهند وجنوب أفريقيا عن التصويت. كما سبق الذكر، كان العذر الأول لهذه الدول لعدم دعم مجلس الأمن هو تمادي الناتو المزعوم في ليبيا، عندما – على حد قولهم – تجاوز الناتو ولايته الخاصة بحماية المدنيين وتبنى أجندة تغيير النظام. لكن لا يجب أن يفسر أحد قرار مجلس الأمن الفضفاض عن سوريا الذي رفضوا دعمه بأنه تصريح بالقوة العسكرية. إن ما فعلته هذه الدول هو أنها طلبت من الشعب السوري أن يدفع ثمن سوء سلوك الناتو المزعوم في ليبيا. اللامبالاة بمصاب السوريين أمر مؤسف بشكل خاص إذ يأتي من بلدان تتمتع بحكومات ديمقراطية قوية، وفي الماضي عانت بدورها من لامبالاة الدول الأخرى إزاء نضالها من أجل الحرية.

الدور التركي

لعل الدولة صاحبة الحضور الأهم في المنطقة هي تركيا. رغم تاريخها المنفصل، فما زالت مثال قوي على دولة ذات حكومة محافظة دينياً لم تستخدم الإسلام كذريعة لتقويض الحقوق الأساسية. لقد استثمرت تركيا صورتها المتزايدة كقوة سياسية جديدة في العالم العربي. وقامت تركيا – أكثر من جاراتها من الدول العربية – برفض القتل السياسي في سوريا، ودعت إلى التغير الديمقراطي في مصر، وعارضت حصار إسرائيل العقابي على غزة.

إلا أن تركيا تواجه عدة تحديات، إذا هي أرادت أن ترقى لمستوى ما يمكنها تحقيقه في مجال حقوق الإنسان. هل تستخدم نفوذها المتزايد في عدة ساحات لمعارضة رأي الهند والبرازيل وجنوب افريقيا الذي عفى عليه الزمن، ومفاده أنه من الإمبريالية الوقوف إلى جانب شعوب تخاطر بحياتها من أجل الاحتجاج على قمع حكوماتها لها؟ هل تضغط تركيا من أجل التغيير الديمقراطي ليس فقط في أوساط الثورات العربية بل ايضاً في إيران التي سحقت ثورتها الخضراء في عام 2009 وفي بلدان وسط آسيا التي ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتعاني من القمع؟ وهل ستنظف تركيا سجلها الحقوقي السيئ داخلياً – ويشمل القيود المستمرة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات ونظام العدالة الجنائية المعيب وإساءة معاملة الأقلية الكردية منذ زمن طويل حتى تكون نصيراً حقيقياً لحقوق الإنسان في الخارج؟ يمكن لتركيا إحداث اختلاف إيجابي على أجندة حقوق الإنسان في المنطقة، إذا اتخذ قادتها قرارات جريئة داخلياً وخارجياً من أجل هذه القضية.

إنها مسؤولية عالمية

لقد شهد العام الماضي ثورات في العالم العربي ما كان ليتخيلها الكثيرون. هذه الثورات تمثل فرصاً ممتازة لرفع البلاء عن شعوب استفادت حتى الآن أقل القليل من امتيازات حقوق الإنسان العالمية على مدار السنوات الخمسين الأخيرة. لكن نظراً للقوى العنيفة التي تقاوم التقدم، فمن الخطأ ترك مصير العالم العربي فقط في أيدي من يرفعون السلاح. للمجتمع الدولي دور هام يلعبه في المساعدة في ظهور نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان في شتى أنحاء المنطقة.

حتى الآن لم يتم لعب هذا الدور إلا بشكل انتقائي. ما زالت المصالح قصيرة الأجل تسبق في أحيان كثيرة رد الفعل الأكثر استناداً لحقوق الإنسان والأكثر مساعدة للشعوب. في نهاية المطاف، على المجتمع الدولي أن يقرر إلى جان بمن يقف، وإن كانت قيمه وحقوقه ومطامحه لأجل الفرد تفوق وعود وإغراءات الطاغية. ونحن نقترب من الذكرى السنوية الأولى لثورات الربيع العربي، فإن بإمكان المجتمع الدولي المساعدة في تحديد من سينتصر، الحكومات القمعية أم المتظاهرين الساعين لحياة أفضل، وكذلك مساعدة المتظاهرين على أن تضم رؤاهم احترام حقوقهم وحقوق جميع المواطنين. إنها مسؤولية عالمية… مسؤولية المساعدة في الخروج بختام إيجابي لجهود الشعوب العربية الشجاعة على مسار مطالبتها بحقوقها، وضمان أنه لن يعقب كل نظام مستبد يسقط، نظام مستبد جديد.