وعينا على الواقع العربي , وكان الإعلام غنيا بالمفردات الثورية والوحدوية ذات الطاقات الإنفعالية العالية , والخطب الرنّانة المدوية المعبرة عن أحلام اليقظة ومطاردة السراب.
وبعد أن تم إستهلاك تلك المفردات والمناهج , أخذنا نسمع مفردات لها علاقة بالصراع العربي العربي , والمصالحة العربية , وبدأت هذه التفاعلات بعد معاهدة كامب ديفد , وعُزلت مصر , ثم عادت , ومضت الدول العربية في صراعاتها , وجاءت الحرب العراقية الإيرانية , ذات ثمان سنوات كانت فيها سوريا مع إيران.
وبعد ذلك إنتهى الحال بإحتلال الكويت , وما رافقه من تداعيات , أدّت إلى مقاتلة الجيوش العربية لبعضها البعض.
ودارت الأعوام , وإذا بنا نسمع مفردات الوفاق الوطني , والمصالحة الوطنية , وقد بدأت بالعراق ولا زالت بلا جدوى , وتتوجت بمقاتلة الشعب لنفسه ووطنه.
وهذا السيناريو يشير إلى أن العرب يتدحرجون إلى حيث ينتهون , كما إنتهت شعوب وأقوام من قبلهم , ويحتاجون إلى قرن أو بضعة قرون , حتى يكونوا في طي النسيان , فيقال “كان هناك عرب”.
قد يستغرب البعض من هذا الإستنتاج , لكن القراءة الواعية للتأريخ لا تستبعد ذلك , فإنقراض الأمم والشعوب , يحتاج إلى زمن , وحالما تدور عجلته فأنها لا تتوقف حتى في الفراغ.
فالعرب يذوبون في بدن البشرية , وهم من أكثر المجتمعات هجرة من أوطانهم , وعدوانا على بعضهم , وإحتقارا لوجودهم , ويمتلكون طاقة إفنائية ذاتية متوقدة ملتهبة وعاصفة في أرجاء وجودهم.
وقد لعب الدين دوره في إيقاد السعير االعربي , بسبب الفهم الضيق , والفشل المروع في توظيفيه للبناء الوطني والعلمي والأخلاقي , فصارت المفاهيم الدينية ذات طبائع وتصورات خارجة عن الزمن المعاصر, فحوّلت العرب إلى عثرات أمام تيار الصعود الحضاري الإنساني , فأخبارهم تتحدث عن المآسي والويلات والقتل والدمار , ولا تجد خبرا يشير إلى تقدم وبناء , وتفاعل متطور مع المشاكل والمواجهات القائمة في الحياة , التي في حقيقة مناهجهم يحسبون أنفسهم خارجين عنها , ويطمعون فيما بعدها!!
فعندما لا تكون الحياة قائمة في قاموس الوعي البشري , فأن سلوكه يكون ضدها حتما!!