24 نوفمبر، 2024 5:01 ص
Search
Close this search box.

رواية كافكا على الشاطئ.. تقبل المصير يوفر السلام النفسي للإنسان

رواية كافكا على الشاطئ.. تقبل المصير يوفر السلام النفسي للإنسان

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (كافكا على الشاطئ) للكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” تحكي عن المصير الذي يحاول صاحبه الهروب منه لكنه يلاحقه أينما حل، وتطرح تساؤلات حول مدى حرية الإنسان في اختيار مصيره ومدى قدرته على فرض إرادته الحرة على ما عرف لسنوات طويلة بأنه “القدر”، وذلك في إطار من الفانتازيا المولع بها “موراكامي”.

الشخصيات..

كافكا تامورا: شاب في عمر الخامسة عشر، يقرر الهروب من منزله، ونكتشف تدريجيا أنه كان يحاول الهروب من مصيره المحتوم، والذي تنبأ به أباه النحات المشهور، والذي يعاني من خلل ما. يهرب كافكا إلى أقصى ما يستطيع في حدود إمكانياته، لكنه رغم ذلك يجد مصيره يلاحقه أينما حل وينتهي الأمر حين يتسامح مع ما يحدث له ويتقبله.

العجوز كاتاكا: عجوز في عمر الستين، تعرض لحادث في طفولته، حيث فقد الوعي لعدة أسابيع، ثم عاد وذاكرته صفر، كما فقد القدرة على القراءة والكتابة وعلى التواصل مع الناس بشكل جيد، رغم ذلك فهو يتقاطع مع “كافكا تامورا” ويقوم بفعل أشياء تؤثر على حياة “كافكا”.

الآنسة سايكي: سيدة في الخمسينات من عمرها، تعمل في مكتبة تمتلكها أسرة ثرية، أحبت في مراهقتها ووجدت توأم روحها، كما غنت أغنية نالت حظا كبيرا من الشهرة، ثم فقدت حبيبها ومات لسبب تافه إلى حد السخرية حيث كان منضم لحركة تمرد في الجامعة ثم خرج وعاد وحين عودته ظنه زملائه من الشرطة ويحاول التسلل إليهم وهاجموه وضربوه حتى الموت، لتعيش بعدها “الآنسة سايكي” حياة بلا معنى وبلا هدف.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي عن كل شيء، عن الشخصيات، عن أفكارها وانفعالاتها ومشاعرها، كما يحكي الأحداث.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 626 صفحة من القطع المتوسط، تدور في أجواء غرائبية مثل معظم روايات “هاروكي موراكامي”، أجواء من الفانتيازيا، يشعر القارئ أنه عالم كامل مبني على الفانتازيا بتفاصيل محكمة البناء، وهذه المرة أشعر كقارئة أن العالم الفانتازي ل”هاروكي موراكامي” كان شديد الغموض، وصعب الفهم أو كانت هناك صعوبة كبيرة في الوصول إلى دلالاته التي توحي بها رموزه، لذا بشكل انطباعي لم أحب تلك الرواية بسبب زيادة الغموض بالنسبة لي.

مغرقة في الفانتازيا..

الرواية مغرقة في الفانتازيا، لكنها رغم ذلك تدين بشكل مباشر وواضح الحرب، مؤكدة على وحشيتها حيث أشارت الرواية إلى الحرب العالمية الثانية، وهروب بعض الجنود في إحدى الغابات، لكنهم في الواقع هربوا من زمنهم ليدخلوا إلى مكان لا يستطيع دخوله أحد إلا بشروط معينة، وذلك لأنهم لم يستوعبوا فكرة أن يقتلوا شخصا وأن يقطعوا أمعائه بسكين بشكل وحشي فقرروا الهرب من مصيرهم المأساوي، حتى وإن كان هروبهم يدعى خيانة للوطن، وفقا لقيم المجتمع الطبقي الذي يشجع على الحروب ويبررها بل ويسبغ عليها قيما عظيمة.

كما استلهمت الرواية أسطورة “أوديب”، تلك اللعنة التي أصيب بها “أوديب” فقد كان مصيره أن يتزوج بأمه وأن يقتل أباه، وقد بشر والد “كافكا” ابنه بأنه سيلقى نفس المصير حيث توقع أنه سيضاجع أمه ويغتصب أخته، وقد أوحت الرواية أن ذلك قد حدث، حيث ضاجع “كافكا” الآنسة “سايكي” التي يشك أنها أمه، وحلم أنه يغتصب فتاة يشك أنها أخته، لكن مع ذلك لم تجزم الرواية بكون الآنسة “سايكي” هي أم “كافكا”.

قتل الأب..

كما أشارت الرواية إلى فكرة قتل الأب، تلك العقدة القديمة التي تأثر بها كثير من المفكرين والكتاب وعلماء النفس وعلى رأسهم “فرويد”، فكرة قتل الأب وعلاقتها بقتل السلطة التي تقيد حرية الإنسان، وبكون الإنسان لا يمتلك حرية الإرادة في اختيار مصيره، تسيره قوة تحدد ما يجب عليه أن يفعل، لكن “كافكا تامورا” حاول التمرد على تلك القوة فهرب من بيت والده وغير اسمه، وبمعنى ما قتل والده حيث أن “كاتاكا” هو الذي قتل والد “كافكا” لكن استيقظ “كافكا” بعد ساعات من الإغماء ليجد الدماء تغطي ملابسه وكأن “كافكا” هو من قتل والده وتلوثت ملابسه بدمائه.

رغم الغموض الشديد واعتراف “هاروكي موراكامي”  نفسه بأن الرواية مليئة بالألغاز، وأنه يحب أن يكتب رواياته ويحملها بألغاز كثيرة، وأن من يريد فهم ألغاز رواية (كافكا على الشاطئ) عليه أن يقوم بقراءتها أكثر من مرة.

لكن مع ذلك ربما فهمت من الرواية أنها تحتفي برغبة الإنسان في مقاومة مصيره، كما أنها مع ذلك ترسخ فكرة أن تقبل الإنسان لمصيره ومسامحته لمن أساء إليه وكان السبب في ألمه وعذابه تساعده على الوصول إلى السلام النفسي، حيث استطاع “كافكا تامورا” في النهاية أن يسامح والدته على تركها له وهو طفل صغير، ومسامحته لها خلصته من المشاعر السلبية السيئة وحققت له جزء من السلام النفسي.

لكن مع ذلك تمتلئ الرواية بمشاهد دموية مثل مشهد قتل النحات الشهير لعدة قطط التقطها من الشارع، وقرر قتلها ليأخذ أرواحها ليصنع منها ناي. كذلك مشهد الغراب الذي يمزق وجه النحات الشهير انتقاما منه، مع العلم أن البطل “كافكا تامورا” اختار اسم “كافكا” كاسم مزيف و”كافكا” تعني الغراب، كما أن لديه حوار داخلي مع فتى يدعى “كرو” وهي في اليابانية تعني غراب ثم في النهاية، يمزق الغراب وجه والده في عالم مواز انتقلت إليه روح الوالد بعد قتله على يد “كاتاكا”.

كما تحكي الرواية عن أن العالم نفسه عبثي وبلا نظام، تملئه الحروب والصراعات وقتل الإنسان بشتى الطرق لأخيه الإنسان، سواء بأسلحة خطيرة مثل القنبلة التي أسقطت على هروشيما، أو بقتل وحشي في مواجهة مباشرة أو بطرق أخرى كثيرة.

بعد نشر الرواية دعا الكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” قراءة لإرسال أسئلتهم الخاصة بالرواية إلى الموقع الخاص بها. أجاب “موراكامي” على 1,200 سؤال من أصل 8,000 سؤال مُرسل.

وفي مقابلة له نشرت على موقعه الإلكتروني بالإنجليزية قال “موراكامي” أن السر الكامن وراء فهم أحجيات الرواية ينجلي بعد قراءتها لأكثر من مرة: ” الرواية تحتوي على أحاجي كثير ولكنها لا توفر أية أجوبة، ولكن جمع هذه الألغاز كلها وتفاعلها مع بعضها يسهّل على القارئ معرفة أجوبتها التي سوف تختلف من قارئ لآخر. بطريقة أخرى فأن الألغاز هي جزء من حلولها، يصعب علي شرح ذلك ولكن هذه هي الطريقة التي أكتب بها”.

الكاتب..

“هاروكي موراكامي” مواليد 1949، هو كاتب ياباني من مدينة “كيوتو”. لاقت أعماله نجاح كبيرا حيث تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعا، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. حصل “موراكامي” أيضا على عدة جوائز أدبية عالمية، منها جائزة “عالم الفناتازيا” 2006، وجائزة “فرانك أوكونور” العالمية للقصة القصيرة 2006، وجائزة “فرانز كافكا” 2006، و جائزة القدس 2009.

من أبرز أعماله رواية (مطاردة الخراف الجامحة (1982) والغابة النروجية (1987) وكافكا على الشاطئ (2002) وإيتشي كيو هاتشي يون (2009 – 2010) ، ويُعد “موراكامي” من أهم رموز أدب ما بعد الحداثة. كما وصفته مجلة الغارديان بأنه “أحد أعظم الروائيين في يومنا هذا” بسبب أعماله وإنجازاته.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة