7 أبريل، 2024 1:54 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. أحمد خلف: لابد من توريط البطل في تجارب مختلفة لكي تتجلى شخصيته

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“أحمد خلف” من أبرز الكتاب العراقيين،  ومنذ عام 1961 تعرف على الشاعر الكبير “مظفر النواب”، وهو الذي وجهه نحو الكتابة والأدب، وقد تنبأ له بمكانة في هذا الميدان.عمل في مجلة الأقلام عام 1985، وأصبح محررا ثقافياً بدرجة سكرتير تحرير. أصدرت كلية اليرموك قرارا بتدريس كتابه “تيمور الحزين” في صفوفها كنموذج في القصة القصيرة. وفي عام 1969 ظهرت قصته الشهيرة “خوذة لرجل نصف ميت” في مجلة الآداب البيروتية. وقد حظيت باهتمام النقد الأدبي.

عام 1974 صدر كتابه الأول “نزهة في شوارع مهجورة” مجموعة قصصية وصدر كتابه الثاني في عام 1978 بعنوان “منزل العرائس” قصص. صدرت روايته الأولى والتي حملت عنوان “الخراب الجميل” عام 1980. أما في عام 1986 صدر له كتاب نقدي مشترك عن القصة والرواية العراقية. عام 1990 صدر كتابه “صراخ في علبة – مع رواية – بعنوان (نداء قديم)” وأصدر مجموعة قصصية: “خريف البلدة” عام 1995 وعدت أفضل مجموعة قصصية، وفاز بجائزة الابداع في العام نفسه. ومجموعة قصصية بعنوان “تيمور الحزين” عام 2000.

وفي عام 2001، صدرت له في دمشق مجموعة مختارة من قصصه بعنوان “مطر في آخر الليل” وفي عام 2002 صدرت روايته المعروفة “موت الأب”. وصدرت له أيضاً في دمشق عن دار المدى رواية “حامل الهوى” عام 2005. وصدرت له رواية بعنوان “محنة فينوس” في عام 2008. انتخب رئيسا لنادي القصة في الاتحاد العام للأدباء والكتاب.

وفي العام نفسه عقد ملتقى القصة القصيرة في العراق برئاسته. وفي عام 2009 صدرت له رواية بعنوان “الحلم العظيم” عن دار المدى. وفي عام 2010 أنيطت به رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي الناطقة باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

وكان هذا الحوار الثاني للغوص في أعماق نصوصه:

** في رواية (عن الأولين والآخرين) صورت التعذيب داخل المعتقل بتفاصيله الدقيقة ووقعه على نفسية الشخص الذي يتعرض للتعذيب، حدثنا عن ذلك؟

– يحاول الروائي اقتناص المشهد وكذلك الصورة التي تخلد في ذهن المتلقي، ويبذل قصارى جهده من أجل ذلك، حتى يستطيع أن يتوفر على قناعة تامة أنه يحاذي الحقيقة أو الواقع الدموي الذي تعرف عليه أو عاش جانبا منه، وهي مشاهد معروفة في الحياة السياسية في العراق، ولقد أمضيت وقتا ليس بالقصير لكي أصور الشخص الذي تعرض إلى الاعتقال – واسمه في الرواية كمال- وهو رياضي لا علاقة له بالشأن السياسي، بل نجده ينبهر ويندهش أمام الاتهام الذي يلصق به، حيث يقول له المحقق: “أخبرنا عن التنظيم السياسي الذي تعمل معه؟”، هذا السؤال وحده كافيا ليجعله ينهار في تلك الحقبة المظلمة، لأننا نعلم أن معظم الرياضيين هم بالنسبة للسياسة أبعد كائنات الله عنها، فكيف يتهم بانتمائه إلى تنظيم سري؟.

لكن الجلاد لا تشغله حالة انهيار كمال، بقدر ما يريد تحطيم معنوياته الذاتية، بحيث يجعل آدميته عبارة عن مسخ من خلال أمور عدة، لعل أولها العامل النفسي لذا يقايضه بين شرف أمه وبين الاعتراف على انتمائه لتنظيم سري، وبين أن يقول كلاما فاحشا ضد أمه؟ هنا يبدأ كمال بالانهيار قبل التعذيب الجسدي، ولأول مرة يتعرض إلى موقف تتجسد فيه لا أخلاقية الجلاد، وعدم وجود رحمة في قلوب من اعتقلوه باطلا، إنه ضحية مكيدة.

وربما أراد المؤلف، أن يصور عدد من الحالات اللا إنسانية داخل المعتقل، لعل من أبرزها تصوير بشاعة التعذيب، ولا أخلاقية من يقوم بتعذيب المعتقلين وربما هم أبرياء، وثاني الأمور هو الحرب النفسية التي يتعرض لها السجين، نتيجة عدم توصل الجلاد إلى المعلومة، التي يريد وضع اليد عليها لكي يبرر فعلته  اللا أخلاقية عندما حصل الفعل اللا أخلاقي مع كمال في الزنزانة. التعذيب حالة من حالات توحش الإنسان ضد الإنسان..

** تعرضت رواية (عن الأولين والآخرين) إلى تحولات كثير من الناس الذين كانوا ينتمون فكريا إلى العلمانية واليسار، حيث تحولوا إلى أقصى اليمين… هل الرواية قادرة على تشريح المجتمع والتغييرات التي تحدث به ومساعدة المتلقي على فهم ظواهر كثيرة؟

– تأتي التحولات الفكرية والعقائدية لدي المثقفين، نتيجة العوامل الموضوعية والذاتية، أو بتأثير عنصر خارج السياقات السياسية كافة كالتعذيب في السجون، أو نتيجة تهديد مباشر أو نتيجة دوافع مصلحية نفعية برغماتية سيئة، أما التحول الفكري نتيجة قناعة أو توصلات فكرية خاصة بدافع القراءة والتأمل، اعتقد أن هذا نادر في الأوساط العربية والعراقية تحديدا.

اعتقد وبدافع من تجربتي الشخصية ومعرفتي الجيدة بالحركة الوطنية في العراق، أرى أن معظم التحولات الكبرى في الفكر الفلسفي أو الجدلي بصورة عامة تطمح إلى أحداث حركة فكرية داخل المجتمع أو الحزب، ولنا في التغييرات الفكرية والعقائدية لدى الحركات الثورية العربية وانتقالها من اليمين إلى اليسار بل بعضها طرح منهاج الأحزاب الشيوعية العربية وتبنيه كمنهج خاص بها، لا اعتراض على التصحيحات الفكرية بقدر ما نجدها ضرورية، لكي يفوز التاريخ بفرصته المهمة للتغيير نحو الخير لا نحو اليأس والشر.

إن أبطال معظم رواياتي ومنها (عن الأولين والآخرين) تجسيدا لمعاناة الأبطال اليومية على صعيد الفكر والعقيدة، وهي حالة إنسانية تلمسناها وأدركنا كم ثمنها باهظا، في ظروف معينة قد لا تبدو مناسبة للتحول، لقد شهدنا تلك التحولات الفكرية في السياسة والثقافة عموما بعد نكسة العرب الكبرى، التي كانت بمثابة إعصار أو هزة أرضية جعلت الجميع في حالة من الذهول حتى استفاق الجميع على الخطأ الكبير، لذا إزاء هذه التحولات لا يمكن للرواية أن تقدم النصح والإرشاد للمتلقي إنما يمكنها التعرض إلى جملة من المسببات التي يقوم بها أفراد أو جماعات.

الرواية تطمح أن تخترق الجدار السياسي والاجتماعي لكي تتصدى إلى المسكوت عنه، واعتقد هذه إحدى أهم موضوعاتها التي تفرض عليها ارتياد مناطق جذب مهمة إلى عالمها الخاص.

** كشفت رواية (موت الأب) أن هناك فئة كبيرة من الناس اغتنت عن طريق شراء سلع غالية الثمن والقيمة بأسعار رخيصة ثم بيعها فيما بعد إلى تجار بمبالغ طائلة، وهربت نسبة كبيرة من هذه التحف إلى خارج العراق.. هل فضح الفساد من إحدى مهام الأدب والإبداع؟

– ما يعنيه السؤال لا يقصد به الفساد المالي وسرقة المسئول الإداري للمال العام، هذا واحد من الأسئلة الأخلاقية التي يعول عليها المثقف العراقي النزيه من طرحها غدا، على بائعي تراث الوطن وهم جزء من لعبة صناعة تراث لدول هامشية وبلا تاريخ أصلا، هذه المكيدة ضد تراث العراق العريق، اشتركت فيها عناصر سيئة كثيرة من داخل البلد ومن خارجه، الموضوع لا يقف عند بيع لوحة لجواد سليم أو فائق حسن أو مخطوطة عظيمة، لتاجر عربي ضحل المعرفة بهذه الوثيقة أو المخطوطة.

اعتقد الموضوع ستتكفل بفضحه الأجيال القادمة، لأن ذلك يشكل انهيارا للقيم التي كان الفنان التشكيلي، الذي كان يؤمن بالكثير من القيم العالية الأهمية، لكننا كنا نراه كيف يقدم لوحات رواد الفن التشكيلي العراقي، إلى تجار يعوزهم الكثير من الذكاء لمعرفة قيمة ما ابتاعه من سارق عراقي لتراث بلده بكل صلافة.. لقد كنت أحد الشهود على ذلك عندما اضطررت لبيع مكتبتي، للعمل في سوق المتنبي كبائع كتب حديثة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكنت أرى بأم عيني كيف يعرض السارق العراقي لوحة لجواد سليم أو لفرج عبو أو لشاكر حسن السعيد منتزعة من إطارها ليسهل بيعها لتاجر عربي لا يفهم حقيقة تلك اللوحة.

لقد أرادت (موت الأب) إدانة العقلية النفعية المتهالكة، أمام التاجر العربي الذي اتسمت معاملاته بالبلادة والسذاجة، لكنه يمتلك العملة الأجنبية في المقايضة. هذا ماركزت عليه روايتي (موت الأب) لتفضح الذين لديهم الاستعداد لبيع الوطن كله، مقابل تحقيق نزواتهم حسب اتفاق معلن بين التاجر والبائع لتراث البلد، وعليه أرى أن نعم باستطاعة الإبداع أن يميط اللثام عن وجوه الفاسدين والسراق، وذلك بالتصدي لتلك العناصر المريبة ووضعها في المكان الفاضح لسلوكها المشين، إن الفاسدين سواء يعلمون أو يتغاضون عن علمهم أنهم يقفون ضد التاريخ الوطني لبلد تكالبت عليه معظم القوى الشريرة.

**  لم يكن البطل في روايتك (الحلم العظيم) منزها عن الأخطاء وإنما كان يقيم علاقة مع زوجة أبو صديقه ويعاشر جارته المتزوجة، ويجاريها في محاولة قتل زوجها، هل في رأيك الأبطال في الروايات لا يجب أن يكونوا دائما مثالا للشخصيات، صاحبة المبادئ والقيم، تلك الشخصيات التي يصورها بعض الروائيين بلا أخطاء أو زلات؟

– هذا يعود إلى طبيعة النص الروائي، وتوجهات المؤلف ورؤياه، كما أن التيار أو المدرسة التي يؤمن بها المؤلف، كلها تلعب دورا مهما في تحديد سمات البطل في الرواية، الشخصية الرئيسية في (الحلم العظيم) وجد نفسه ضمن تجربة كبيرة وواسعة، ومع أن هذه التجارب لم تكن بعيدة عنه ولا منفذيها أو أصحابها من نساء ورجال، وبالقدر الذي لعب فيه دورا مهما لحماية أصدقائه بإخفاء عدد من أسلحتهم في بيته، فإنه لا يتورع من إقامة علاقات جنسية مع نساء قريبات لأفراد هم من صانعي التاريخ السياسي.

لقد كانت النظرة القديمة أو الكلاسيكية إلى بطل الرواية أنه بعيد عن ارتكاب الأخطاء أو الحماقات أو الاندفاع في تلبية حاجاته الإنسانية، وهذه النظرة التعليمية جعلت من الرواية عبارة عن موعظة فارغة، وأعطتنا بطلا محنطا، الصحيح هو توريط هذا البطل في تجارب مختلفة إن لم تكن مضادة لبعضها، لكي تتجلى شخصيته وتمتحن أمام المتلقي مما يجعله أقرب إلى القراء من الشخصية الصورية النمطية التي يقدمها الرومانسيون أو دعاة الأدب من أجل الأخلاق.

أولئك الأحاديو النظرة للحياة، هي عند هؤلاء إما ترتكز على الشر أو على الخير، لقد اكتسحت نظرة الأدب الحديث كل التيارات الرجعية وأصحاب الرسالة الأخلاقية للأدب، إن علينا أن نتوقع أفعالا غير طبيعية يمكن أن يسلكها الإنسان، حتى لو كان من دعاة الفضيلة، ومن الطبيعي أن تكون المدونة الروائية تعتمد حالة من الجدل لكشف النوع أصلا.

ففي الوقت الذي نكتشف فيه شخصية مؤثرة داخل الرواية من خلال سلوكها الثوري النوعي، نجد ثمة أنماطا سيئة كرجل الأمن (أبو عروبة)، وشقيق البطل السارد وهو شخصية (عسكرية) رافض أن يكون شقيقه من دعاة الأدب والثقافة، ينبغي أن تحمل الرواية وحدة التناقض لكي يتضح الكثير من المخفي والمستور، الذي لا يريد دعاة الأخلاق الحميدة أن يبرز إلى السطح، وتلك مهمة الرواية الحديثة التي عملت على تحقيقه رواية (الحلم العظيم).

** رواية (الذئاب على الأبواب) يفضل البطل مواجهة من يراقبونه، لا الاستمرار في الهرب من الخطر الذي يمثلونه، هل هذا نوع من الشجاعة وهل تلك دعوة من الكاتب في البحث عن موقف إيجابي من الأحداث المأساوية التي يعاني منها المجتمع؟

– تكاد معظم قصصي ورواياتي تخوض غمار تجارب حياتية حقيقية ولا يتوانى البطل من اقتحامه للكثير من المخاطر، بل ممكن أن يكون النص الروائي يعتمد على عدد من الحكايات التي تصنع نصا متعدد الاتجاهات والرؤى، وهذه بدورها تمنح البطل المزيد من الشحنة الإنسانية في عدم التردد في اتخاذ موقف شجاع لصالح الحياة، لذا نجد يوسف النجار بطل الرواية، قد خاض في تجارب عدة هو في الحقيقة تخرج من الجامعة، وهو مصمم ديكور ويافطات تجارية وأخرى للزينة، كما نجده يعمل مع أبو محمد في تنفيذ أعمال الورشة، التي يرأس إدارتها وهي تصاميم وخطوط في العربية لمحلات تجارية وفنية.

كما أنه كان ضابط احتياط في الجيش، ناهيك عن عمله في أستوديو التصوير كل هذه التجارب الحياتية، علمته أن الهجوم على الخصم أنفع من الدفاع، لم يكن يوسف النجار والتسمية تحمل دلالتها معها، لم يكن شخصية عابرة أو غير مجدية بل نراه حين تواجهه أزمة لا يهرب منها بل يقف متحديا لها بوضوح واقتدار، ولما وجد نفسه بلا أهل أو عائلة بعد تفجير الإرهابيين لبيته وقتل زوجته وابنته، لم يعد أمامه ما يخسره مما يضطر إلى التصدي لهم وقد دفعوه إلى هذا الموقف.

بل نجدهم هم في حالة تردد من الاعتداء عليه، حالما عرفوا أنه يحمل معه مسدسه اقتصر عملهم على مراقبته فقط، وإرسال الرسائل له في الوقت الذي كان يعرف كم هو بريء، من أي فعل إرهابي أو دموي ضدهم. مواجهته لهم جاءت كحل لأزمته معهم وكذلك للتخلص من شرورهم، لذا كان التصدي هو الحل الأفضل له والحاسم لكل التوقعات غير الإنسانية. كان يعلم في قرارة نفسه أنهم ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض عليه، أو حالما يغفل عنهم ليصبح هو الطريد وهو الضحية، إلا أنه قلب المعادلة وأحالهم إلى كائنات مذعورة حين قرر الوقوف أمامهم وجها لوجه.

** معظم الشخصيات في رواياتك يعانون من علاقة إشكالية مع المرأة ما بين الجذب الشديد إليها وما بين الرغبة في التحرر من الالتزام معها في علاقة.. كيف رسمت الشخصيات النسائية في أعمالك وهل كنت تعتمد على نماذج من الواقع؟

– لا يمكن للكاتب إلا أن يمس تجاربه في الكتابة لأن الكاتب يكتب نفسه، أي يستفيد من تجاربه الذاتية التي عاشها في ما مضى من أيام، وحين يكون الأمر يخص علاقاته مع المرأة، أرى أنه لا يستطيع التهرب من تلك الأيام، التي كان فيها شخصا تهمه امرأة معينة دون سواها، ولقد كنت منذ مرحلة الوعي أرى أن المرأة أهم نصف في المجتمع وبجدارة أي أنها عنصر فاعل، لكن هذه النظرة تكاد تكون سياسية إن لم تكن مدرسية.

وأنا بطبيعتي الرافضة والمتمردة أجد في المرأة كائن حقيقي وحيوي ومؤثر في حياتي، اعتقد لا يوجد أجمل من المرأة في الحياة، في نظري كل النساء جميلات، لا بد وأنها تحمل صفة ما من الجمال، الذي قد يتجلى في العشرين من عمرها أو الثلاثين وربما في الأربعين بل والخمسين أيضا، أنا لي مقدرة الصبر على كل مفاجآت المرأة وما تفرضه، من قرارات أو رغبات لكن هذا لا يستمر طويلا، لأن ثمة شيء ينتفض في داخلي، ضد قراراتها إذا كانت قاسية أو ظالمة، ولي زميلة تقول لي: أنت غضوب، وهذا صحيح إلى حد ما.

أنا لا أنظر إلي المرأة  نظرة إيديولوجية بل أراها كائن حي، له من الأخطاء بقدر ما لها من تصويبات، كما لها طبيعتها الخاصة التي يجب أن تراعى، لكن دعيني أقول لك رداً على سؤالك: إن علاقتي مع المرأة أخذت طابع المد والجزر حتى الآن، وأكثر مما قلته أني أعترف لم أتوصل إلى فهم نهائي لعقل المرأة، ماذا تريد وكيف ينبغي أن تتصرف، والكثير من الأصدقاء يعتقدون أنهم يفهمون المرأة، لم يحققوا نسبة مقنعة لفهمهم لهذا الكائن الجميل والغريب، لذا تجدين عملية الأخذ والرد، التحدي والاستجابة، في علاقتي بها منعكسا هذا كله على نماذج قصصي ورواياتي، وحاولت في الكثير من المشاهد الروائية أن أجعلها كائن واقعي ومنطقي أيضا، لها من الحقوق كما عليها واجبات، لكن استمرت علاقتي بها في حالة من التعثر الدائم لكنه عموما تعثر يبدو جميلا..

** عملت في الصحافة فترة من الزمن، في رأيك هل اختلفت الصحافة الثقافية في الوقت الحالي في العراق وهل تعاني من إشكاليات؟

–  عملت في الصحافة الأدبية قرابة العشرين عاما، وكنت قبلها أشغل رئيس القسم الثقافي في التلفزيون، وكان عملنا في التلفزيون إنتاج برامج ثقافية خالصة المادة، وهي برامج أقرب إلى صيغة المجلة الثقافية، والآن  لنا أن نسأل لماذا حازت معظم المجلات العراقية ذات الطابع الثقافي على احترام المثقف العربي آنذاك؟ كانت تصدر أكثر من خمس مجلات أدبية وثقافية من دار الشؤون الثقافية، وكانت سمعة أغلبها قد أطبقت الآفاق والسؤال عنها دائم ومستمر.

فالمثقف العربي يتمنى النشر في مجلة “الأقلام”  وهناك من يسأل عن مجلة “المورد” التي تعنى بالتراث العربي، ومنهم من يسأل عن “التراث الشعبي وآفاق عربية والطليعة الأدبية”. اليوم امتلأ السوق الثقافي بالكتب والمجلات العربية والأجنبية وقبلها كلها المجلات العراقية، ولكن ليس من يسأل عن المجلة وحتى عن الكتاب، أعتقد ثمة عوامل كثيرة لعبت دورا في تغيير الخارطة الثقافية، في العراق بعد الاحتلال، ربما الاحتلال هو نفسه أكبر العوامل التي تعيق نمو الثقافة، لأنه ساعد على نزع الثقة بين المواطن وبين المثقف، بل وجدنا أن ثمة مثقفين يهاجمون الثقافة.

والأدهى مازلنا نسمع السؤال الأزلي: ماذا قدمت الثقافة لنا أو للشعب؟ ربما الفارق الأساسي في الاختلاف، إن الحالة الاقتصادية المتردية للناس المعنيين بالثقافة، جعلت السؤال عن المجلة الثقافية اليوم لم يعد من الأسئلة القريبة من واقع الحياة اليومية، التي تتطلب المزيد من الاهتمام بالثقافة بصورة عامة، ناهيك عن أن المثقف العراقي حاله حال أبناء شعبه، يخضع لتقلبات السوق ومزاج الحكومات المتوالية على مصيره، إنه كائن يريد أن يخلق عالمه الخاص وسط إصرار الحكومة على عدم الاعتراف به، لأن معظم من هم في دفة السلطة لا تشغله الثقافة بقدر ما تعنيه الهيمنة على سوق العملة.

** هل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية في العراق بعد  2003 وفي القلب منها الرواية وما هي معالم تلك النهضة؟

– الأدب معظمه نشاط فردي يتحمل صانعه مسؤولية خلقه، ومن ثم  تقديمه في حالتي العرض والطلب إلى شخص آخر هو المتلقي، لكن الدولة متمثلة بالإدارة التنفيذية والتشريعية تتحمل رعاية النشاط الأدبي والثقافي لكن بصورة غير مباشرة بل وحمايته والدفاع عن حرية تعبير خالقه، وعليها أن توفر له الظروف المناسبة للنضوج والتشكل حتى يصبح ظاهرة، وعند الحديث عن نهضة ثقافية نسأل كم من الممكن للدولة العراقية أن تقدم للفن والأدب من معونات أو حمايات؟ اعتقد ما هو ملموس لنا حتى الآن لم تقدم الدولة العراقية أية مؤازرة للفنانين والأدباء والمسرحيين وبقية الفنون والآداب.

بل وجدنا أن مصائر المثقفين العراقيين قد تعرضت إلى الاغتيال والرصد والقنص والخطف والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن السلطة التنفيذية لم تكن تفتح فما إزاء القتلة وشذاذي الآفاق وكانت وما تزال تطلق الوعود بالقبض على الجناة، والآن لنأخذ مثلا بوزارة الثقافة كم تبلغ ميزانية هذه الوزارة؟ أن النظرة المتدنية للثقافة مازالت هي هي لم تتغير، البعض من الوزراء والنواب ينظرون إلى الثقافة على أنها ترف أو بطالة مقنعة، بل بعضهم وصف وزارة الثقافة بأنها الوزارة (!!) كلمة نابية تتسم بالسخرية والانحطاط.

إذا كان الأمر هكذا كيف يمكن لنا أن نتحدث عن نهضة ثقافية في العراق؟ قد نجد أن الرواية قد شذت عن هذه الحالة لأنها كما ذكرت في بداية الجواب أنها نشاط فردي، وعليه وجدنا أن الروائيين قد نشطوا، نعم قد لا تأتي أغلب هذه الروايات في مستوى جيد جدا إلا أنها تشجع على فرز النوع الذي يبشر بالخير والتغيير، ولا ننسى ما فعلته الجوائز الثمينة التي تعطى إلى الفائزين في المسابقة هذا أحد العوامل المشجعة على دفع عجلة الرواية إلى أمام بمعزل عن الحكومة، ثم أن كلمة نهضة تبدو كبيرة جدا في الوقت الحاضر، إذ تتطلب النهضة عوامل إستراتيجية مهمة  تساعد على نهوض الثقافة بصورة ملموسة للمتابعين لها.

**  ماذا عن تجربة النشر في مصر وكيف كان تلقي الجمهور المصري لأعمالك؟

– نعلم جميعا أن التعامل مع دور النشر يختلف من دار إلى أخرى، وكذلك من بلد إلى بلد آخر، اعتقد يعتبر رأي كهذا من البديهيات، ولكن هذا يقودنا إلى عمق الفكرة أو الظاهرة، ولقد أصبح من هموم الكاتب العراقي البحث عن دور نشر تقدمه إلى العالم العربي على الأقل، وذلك لأسباب عديدة لعل أبرزها هو تهميش وإقصاء الروائي العراقي، من قبل النقد الأدبي العربي المعاصر ولم يعد هذا خافيا على أحد، بل هناك من النقاد العرب من يعترف أنه لا يعرف أن في العراق رواية حديثة، ولها جمهور ومؤلفين بل تجرأ العديد من الدارسين العرب للحديث عن أقطار عربية هامشية، متناسيا العراق مدعيا أنه لا يعرف بأمر الرواية العراقية.

هذا أحد دوافع بحث كاتب الرواية العراقية عن دور نشر تعينه على تخطي أسوار العزلة القومية، ولعل العامل الآخر أكثر أهمية وهو أن ظروف العراق، ساعدت على العزلة القسرية للمبدع العراقي بحيث وجدت الدعاية المضادة، لأدب الداخل أرض خصبة لعزلة المبدع هنا، لهذا أصبح على المبدع العراقي أن يبحث عن قنوات جديدة للنشر، وقد أخذ يرى تطوره الحثيث بل تفوقه على أقرانه في الوطن العربي، إذا ما السبيل للتخلص من أسوار العزلة القاسية، غير البحث عن دور نشر عربية تساهم بدفع إبداعه إلى أمام؟.

لقد نشرت أكثر خمسة عشرة كتابا في العراق، وتقول زميلة لبنانية الحقيقة لأول مرة اسمع باسمك  لكني فوجئت بسعة معرفة الأدباء بك، ومن يريد أن يتعرف عليك ينبغي أن يذهب إلى صفحتك في الفيس، ولم تقل عليه أن يذهب إلى مؤلفاتي!! لذا وجدت أمامي طريقين الأول هو القاهرة والثاني هو بيروت، كانت لي دوافعي وأسبابي لاختيار مصر بالذات، لقد زرت القاهرة أكثر من خمس مرات وأعرف بنية المثقف المصري ومقدرته على تسهيل الأمور أمام الضيف، لذا قررت بصورة نهائية الطبع في القاهرة وقد أرشدني صديق عراقي إلى دار النخبة.

أقول لك بصراحة الاهتمام الذي قوبلت به مؤلفاتي من قبل النخبة كان مغريا، ويبدو أن صاحب الدار ومديرها العام الأستاذ أسامة إبراهيم هو كاتب قصة أيضا مما جعل الدار قريبة من همومنا المحلية، واعتقد أنه فكر جيدا بالدوافع الموضوعية للكاتب العراقي، الذي يتوجه إلى القاهرة بحيث خلق الرجل مجموعة علاقات رصينة مع كتاب عراقيين، أما بالنسبة لي اعتقد أن كتبي لاقت ترحابا من قبل القارئ العربي في مصر، وأنا من الذين يؤمنون بالصبر على الوقت، إذا أصبحت مسألة وقت، وينال الكاتب العراقي مكانته المفقودة بسبب العوامل التي ذكرتها آنفا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب