وكالات – كتابات :
كم هائل من الأنباء والأحداث وتصريحات أدلى بها ساسة ونخب عراقية وأجنبية؛ أنساب سيلها على مواقع وشبكات الأنباء ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، الساعات القليلة الماضية التي بدأت بوصول بابا الفاتيكان، البابا “فرانسيس الثاني”، مطار بغداد الدولي.. لتبقى بعض المشاهد المتناثرة ذات الدلالة كمحصلة ليوم الحبر الأعظم الأول في زيارته التاريخية لبلاد الرافدين..
غياب “العمامة السُنية” !
قال رئيس مؤتمر (صحوة العراق)، “أحمد أبوريشة”، الجمعة، إن حضور استقبال “بابا الفاتيكان”، شهد غياب: “العمامة السُنية”.
وذكر “أبوريشة”، في تدوينة له: “حضورنا اليوم؛ ضمن مستقبلي قداسة البابا في بغداد؛ كان مصحوبًا بالأمل لرؤية العمامة السُنية، ولكنها غابت”.
وأضاف أن: “مشهد الغياب أيضًا؛ طال مظلومية تحدثت عن ضحايا كل المكونات، ولم تستحضر الـ 20 ألف سُني، ولا يعلم مصيرهم”.
وأوضح “أبوريشة”؛ أن: “رسالة السلام ومناصرة المظلومين يجب أن تشمل الجميع”.
وختم تدوينته بوسم: (ضحايا الموصل تحت الأنقاض).
آمال عراقية منعقدة على الزيارة..
كما اعتبرت وسائل إعلام محلية وعالمية؛ تلاحم العراقيون يدًا بيد من مختلف المكونات والديانات، وهم يستقبلون الحبر الأعظم، بابا الفاتيكان، “فرنسيس الثاني”، في زيارته التاريخية لـ”العراق”، إنطلاق الحرف الأول للكتابة، موطن الديانات الكبرى الثلاث في العالم. آمال كثيرة للعراقيين الذين يطمحون من زيارة البابا لبلدهم، بمكاسب تنهي أزمات وصراعات طالما دفعوا ثمنها إثر العنف والإرهاب والطائفية، خلال السنوات الماضية.
وصرح الآب “مارتن هرمز داوود”، مدير الإعلام والعلاقات العامة في “ديوان الوقف المسيحي”، في العراق، في حديث لوكالة (سبوتنيك)، الجمعة، بأن “بابا الفاتيكان”؛ يقف مع العراقيين ليس بدافع تسليط الضوء فقط؛ بل يحمل لهم رسالة حقيقية وإنسانية يدعو فيها جميع الفرقاء، في “العراق”، من أجل الجلوس على طاولة واحدة للحوار والتفاهم لإعادة النسيج المجتمعي إلى سابق عهده.
وعبّر “داوود” أن: “قداسة البابا، ومن خلال إعتلائه البابوية، قام بالعديد من الزيارات إلى مناطق الشرق الأوسط حاملاً معه رسالة سلام ومحبة، ويحملها إلى العراق كون بلدنا بلد التسامح والوئام، وهذا هدف الزيارة التي سيلتقي فيها بالمرجع الديني الأعلى السيد، علي السيستاني، كما يزور كُردستان، وقوفه على أطلال كنائس الموصل التي دمرت على يد (داعش)”.
وأضاف أن المكاسب التي سيحققها بابا الفاتيكان، “فرنسيس”، في زيارته لـ”العراق”، للعراقيين جميعًا: “هي هذه الفرصة من أجل نبذ كل الخلافات، ومحاولة البدء من جديد لتأسيس عراق مستقر”، قائلاً: “إن هذا الاستقرار؛ نحن بحاجه إليه بشدة لأن مسألة الهجرة قد أثرت، ليس فقط على المسيحيين، بل على كل العراقيين الذين تضرروا جراء العمليات الإرهابية”.
عودة مسيحيي العراق المهاجرين..
وحول ما تسهم زيارة البابا لـ”العراق”، في تشجيع أبناء المكون المسيحي المهاجرين في العودة إلى وطنهم، يضيف “داوود”: “لا أضع آمالاً واسعة على الزيارة بهذا الشأن؛ كون مسألة العودة مرتبطة بالكثير من العوامل ليس فقط زيارة شخصية كقداسته، وإنما تعتمد على الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل إعادة الاستقرار الأمني وفرض سلطة وقوة القانون، وأيضًا بناء المؤسسات بشكل مهني ونزيه وإعادة إعمار بناء كل المدن التي دمرت على يد (داعش)، وبذلك ينفتح العراق على كل الدول، مما يساعد بإعادة التفكير بالعودة وإعادة بناء حياة العائلة من جديد”.
ويكمل: “زيارة البابا، ستسهم في تسليط الضوء على العراق من جانب المجتمع الدولي، حيث أن زيارته يتم تغطيتها من معظم وسائل الإعلام العالمية، مما ينبه المجتمع الدولي على دوره الأساس في مساعدة العراق، كون هذا البلد هو البوابة الأولى في الدفاع عن العالم، ضد الهجمات الإرهابية التي ظهرت في المنطقة وعلى المجتمع الدولي إلتزام أخلاقي وإنساني تجاه العراق”.
وأختتم الآب، مدير الإعلام والعلاقات العامة في “ديوان الوقف المسيحي”، بالقول: إن “العراقيين سعداء وكلهم أمل بزيارة البابا للعراق، كونه سيسلط الضوء على المسيحيين وآور والمناطق الأثرية، حيث لاحظنا العديد من وسائل الإعلام تقوم بإبراز المعالم العراقية، ليس فقط من الجانب السياسي، بل للدور الحضاري بدية من آور، موطن النبي إبراهيم، وإنتهاء بكل منطقة أثرية تحمل عبقًا حضاريًا للعراق”.
ووصل بابا الفاتيكان، “فرنسيس الثاني”، إلى العاصمة، “بغداد”، يوم الجمعة، في مستهل زيارة تاريخية لـ”العراق” تستغرق أربعة أيام، هي أول زيارة بابوية لـ”العراق” على الإطلاق.
قطعة من العراق إلى الفاتيكان..
سيحمل “البابا فرنسيس” معه قطعة من “العراق”، إلى “الفاتيكان”، وهي عبارة عن منحوتة تُشكل نسخة مصغرة للوحة “درب الصليب”، التي حفرها أحد أشهر نحاتي “العراق” على جدار كنيسة بغدادية، وصنعت خصيصًا على شرف الحبر الأعظم في زيارته التاريخية إلى “العراق”.
ومساء الجمعة، قدم الرئيس العراقي، “برهم صالح”، صاحب الدعوة الرسمية لهذه الزيارة الاستثنائية، اللوحة المصنوعة من “البرونز” هدية للضيف الاستثنائي.
وأشرف “ياسر حكمت”، نجل النحات العراقي، “محمد غني حكمت”، الذي توفي في 2011، على إعداد المنحوتة التي تمثل المحطة السادسة من “درب الصليب”: “فيرونيكا تمسح وجه يسوع”، بسرية تامة.
وقال “حكمت”، لوكالة (فرانس برس): “هي تمثل رمزًا بالنسبة للعراق، لأن نحاتًا عربيًا مسلمًا صنع: (درب آلام السيد المسيح)… وهي تمثل العراق كله، الذي لا تمييز فيه بين الطوائف”.
قطعة تمثل التاريخ الكامل للعراق..
ويقبع خلف هذه التحفة المصغرة، التي يقل حجمها أربع مرات عن المنحوتة الأصلية، التاريخ الكامل تقريبًا لـ”العراق” الحديث، الذي سيجول به البابا من شماله إلى جنوبه، حتى صباح الإثنين.
في عام 1993، حينما كان “العراق” خاضعًا لحصار المجتمع الدولي، بهدف الضغط على الرئيس حينها، “صدام حسين”، بعد غزوه لـ”الكويت”، كانت هذه الكنيسة ترتفع في “بغداد”.
وكان النظام البعثي، الذي يقوده “صدام حسين”، قد وضع اليد على “كنيسة الصعود” الكلدانية الأصلية، ولذا قررت الرعية التابعة لها بناء كنيسة جديدة في الضواحي النائية للعاصمة المعروفة باسم: “منطقة المشتل”.
وأحتاجت العائلات الكلدانية، الـ 5600، التي تعيش في المنطقة، سنوات عدة، لجمع التبرعات اللازمة لبناء كنيستهم الجديدة.
ودأب السكان، حينها، على إقناع النحات، “محمد غني حكمت”، صانع العديد من المنحوتات التي تحولت إلى معالم في “بغداد”، مثل “نصب كهرمانة”، في “ساحة كهرمانة”، لينحت لكنيستهم: “درب صليب”، وهي لوحات تمثل المراحل الـ 14 لـ”درب الجلجلة”، التي سلكها “المسيح” حتى صلبه.
ولا مثيل لهذه التحفة في أية كنيسة كلدانية أخرى في العالم، كما يوضح الآب “فادي نصير”، راعي “كنيسة الصعود”، منذ العام 2017.
وأنكب “حكمت” في مشغله ليصنع مراحل: “درب الآلام”، في حالة من التأمل الروحي، كما وصف الأمر حينها، قبل أن يكشف النتيجة للعالم بعد أشهر.
“هناك بلد اسمه العراق“ !
وحفر الفنان، الذي يُلقب: بـ”شيخ النحاتين في العراق”، على قطع حجرية استقدمت من “سهل نينوى”، مركز المسيحية في “العراق”، مراحل الآلام تلك؛ من لحظة الحكم على “المسيح” حتى صلبه ودفنه.
ولا يحمل العمل في طياته رموزًا دينية وحسب. فعلى زاوية كل لوحة حجرية، حفر الفنان امرأة وطفلاً يمثلان الشعب العراقي الذي تخنقه الحروب والحصار، كما كل محتاج ومنبوذ دعا “المسيح”، في تعاليمه، للدفاع عنهم.
وبات الحصار، اليوم، ذكرى بعيدة، لكن “كنيسة الصعود” لم تُعد كما كانت عليه في الماضي. إذ يغطي هندستها المعمارية المهيبة على الطراز البابلي القديم، بالحجر الأصفر العراقي، جدار من قطع إسمنت وضعت إبان الحرب الأهلية، في العام 2007.
ولم يبق من العائلات الكلدانية، الـ 5600، اليوم، بعد نحو 28 عامًا، إلا 400، فيما يراود حلم الرحيل غالبيتها.
ويقول الآب “نصير” مبتسمًا إنه، على الرغم من التحديات الجمة اليومية التي يواجهها “العراق”، منذ 40 عامًا، وسط أزمات سياسية واقتصادية وحروب، فإن: “اختيار الأعمال الموجودة في كنيستنا، لإعطاء نسخة منها كهدية من الدولة العراقية إلى قداسة البابا؛ هو بحدّ ذاته إلتفاتة جميلة”.
ويوضح الكاهن الشاب؛ أن تلك المبادرة تغمر قلوب مسيحيي منطقة “المشتل”: بـ”فرحة عارمة”، وكذلك الأمر: “بالنسبة لجميع العراقيين”.
ويكمل أن “البابا” كأنما يقول للعالم من زيارته: “هناك بلد اسمه العراق، ولا بد أن نهتم به. لا بد أن نتضامن معه، أن نوجه أنظارنا وأفكارنا تجاهه”.