خاص: إعداد- سماح عادل
“زيد مطيع دماج” كاتب وروائي وسياسي يمني، من أشهر كتاب القصة والرواية في اليمن. من أهم أعماله رواية “الرهينة”، التي اختيرت كواحدة من أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين. وطبعت بالعربية 6 مرات كما تُرجمت إلى الفرنسية، والإنجليزية، وكذلك الألمانية والهندية والروسية والصربية.
حياته..
ولد “زيد مطيع دمّاج” في 1943، في عزلة النقيلين، ناحية السياني، لواء إب – اليمن. فر والده الشيخ المناضل “مطيع بن عبد الله دماج” من سجن “الشبكة” في تعز إلى عدن في 1944، وبدأ يكتب مقالاته الشهيرة في صحيفة “فتاة الجزيرة” ضد نظام حكم الإمام يحيى وبنيه، وأسس مع رفاقه فيما بعد “حزب الأحرار”. تلقى”زيد” تعليمه الأولي في المعلامة “الكتّاب” مع أقرانه في القرية فحفظ القرآن الكريم، وبعد ذلك تولى والده عملية تعليمه وتثقيفه من مكتبته الخاصة التي عاد بها من عدن، فقرأ كتب الأدب والتاريخ والسياسة وكان من أهمها “روايات الإسلام” لجرجي زيدان.
ألتحق بالمدرسة الأحمدية في تعز وحصل فيها على الشهادة الابتدائية سنة 1957. وحصل على شهادة الإعدادية في مدينة “بني سويف” في مصر 1958، والشهادة الثانوية من مدرسة “المقاصد” بطنطا عام 1963. التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1964 لكنه تركها بعد سنتين والتحق بكلية الآداب، قسم صحافة، بعد أن برز توجهه الأدبي. ولكنه لم يكمل الدراسة فيها وعاد إلى اليمن، وتم انتخابه عضواً في “مجلس الشورى” أول برلمان يمني منتخب سنة 1970 عن ناحية السياني وكان رئيساً للجنة الاقتراحات والعرائض وتقصي المظالم.
في يناير 1976 عين محافظاً للواء المحويت، ومن ثم عضواً في “مجلس الشعب” لفترتين متتاليتين منذ عام 1979، في 1980 عين وزيراً مفوضاً وقائماً بالأعمال في دولة الكويت، وفي عام 1982 أنتخب عضواً في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام ومقرراً للجنة السياسية فيه. عين مستشاراً لوزير الخارجية ثم وزيراً مفوضاً في بريطانيا عام 1997. وهو عضو مجلس السلم العالمي، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، واتحاد الأدباء والكتاب العرب، واتحاد كتاب آسيا وأفريقيا.
أعماله..
- طاهش الحوبان – مجموعة قصصية صدرت عام 1973.
- العقرب – مجموعة قصصية صدرت عن دار العودة، عام 1982م.
- الرهينة – رواية صدرت الطبعة الأولى عام 1984م عن دار الآداب في بيروت، وصدرت لها 5 طبعات أخرى، وترجمت لعدة لغات.
- الجسر – مجموعة قصصية صدرت عام 1986م.
- أحزان البنت مياسة – مجموعة قصصية صدرت عام 1990م.
- الانبهار والدهشة – رياض الريس للكتب والنشر كتاب سردي من الذاكرة صدر عام 2000م.
- المدفع الأصفر – مجموعة قصصية صدرت في 1986 عن الهيئة العامة للكتاب – صنعاء.
رؤية عميقة..
في مقال بعنوان (زيد مطيع دماج رؤية عميقة حاربت الظلم وصاغت الموروث الشعبي) يقول كاتبها: “كان زيد مطيع دماج, الروائي والقاص اليمني, واحدا من الروائيين الذين قلبوا المقولة النقدية الشائعة التي ترى أن الروائي الحقيقي لا يظهر في الشعوب التي تعيش فترة انتقال وحالة قلق, وهو بامتلاكه أدوات الكتابة الفنية وعمق معرفته بالقضايا، التي يتناولها وأسلوبه القادر على النفاذ إلى داخل النفوس دخل عالم الكتابة الروائية من أوسع أبوابه, وهو بلغته الصافية البسيطة البعيدة عن التوعر وواقعيته أعاد خلق الشخوص والوقائع والأحداث بفنية وإبداع، فصوّر بشكل كاريكاتوري الحاكم الطاغية ورجاله الظالمين وعسكره المستبدين الذين يسطون على خبز الناس قبل أمنهم وسلامهم كما جسد شخوص البسطاء والفلاحين والثوريين المؤمنين بالعدالة والحرية وفضح الانتهازية السياسية التي ترتدي عباءة الدين والقبيلة والثورة. زيد مطيع دماج الذي ورى جسده ثرى قريته الحبيبة إلى قلبه (المجمر) بعد معاناة مريرة وصراع مع مرض سرطان الدم استمر مدة 15 عاما, عاش سنوات عمره الـ 58 لرسالة نبيلة هي مقاومة الظلم والاستبداد, ولعل معاناته وأسرته منهما كانت وراء تلك الروح القوية المتمردة التي تجسدت في أعماله القصصية والروائية التي بدأها بمجموعة (طاهش الحوبان) ثم مجموعة (العقرب) (فرواية الرهينة) ثم مجموعتي (الجسر) و(أحزان البنت مياسة) وأخيرا مجموعة (المدفع الأصفر)”.
ويضيف: “منذ ولادته وحتى بلوغه سن السادسة ظلت والدته تخفيه عن أعين ورجال الإمام “يحيى حميد الدين” حتى لا يأخذه رهينة كما درج مع أبناء المشايخ ليضمن ولاء آبائهم, وكان الإمام قد أخذ قبل ذلك (أحمد) الابن الأكبر للشيخ مطيع دماج وكان هذا الأمر أحد أوجه المعاناة التي عاشتها الأسرة ودفعت بعائلها إلى السفر بل الفرار مشيا على الأقدام إلى عدن (219 كيلومترا إلى الجنوب) وذلك في مايو من عام 1944، فكان بذلك من أوائل الثائرين على نظام الإمام, وفي عدن انتهج المعارضة المدنية السلمية وعبر صحيفة (فتاة الجزيرة) التي أسهم في تأسيسها هاجم نظام الإمامة وطالب بإسقاطه وظل حتى وفاته في السبعينيات من المناصرين لقيم الحرية والعدالة والمدنية والحداثة في مواجهة الاستبداد والدكتاتورية والقبلية المدججة بالجهل والسلاح والتقاليد البالية. وجاء إسهام زيد امتداداً لأبيه ولكن بتعبير قصصي روائي”.
وعن الكتابة يقول: “ويعد زيد مطيع من الجيل الثاني من القصاصين والروائيين اليمنيين لكنه كان الأوفر حظا بين جميع من سبقوه وعاصروه, وهو في مجموعتي (طاهش الحوبان) و(العقرب) أعاد صياغة بعض كنوز الموروث الشعبي والثقافة الوطنية بمهارة فائقة, وفي (أحزان البنت مياسة) و(المدفع الأصفر) يلجأ إلى شيء من الرمزية وهو القاص الواقعي لكنه في كلا الحالين كما يقول الدكتور “عبد الرضا علي” يتيح للمتلقي متعة الانسجام مع أحداث قصصه وحركة الشخصيات فيها وعوالمها الظاهرة والخفية فضلا عن أنه يعي دور السرد وأهميته في تنمية الأحداث. غير أن أهم أعماله على الإطلاق روايته الوحيدة (الرهينة) التي نقل بها الرواية اليمنية من المحلية إلى العالمية وهي تعد الآن ضمن أفضل مئة رواية كتبت في القرن العشرين وطبع منها أكثر من ثلاثة ملايين نسخة وترجمت إلى خمس لغات هي الانجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والصينية ونشرت في العام 1998 ضمن المشروع العالمي الذي ترعاه اليونسكو (كتاب في جريدة) وتدرس في كلية الآداب بجامعة صنعاء, والرواية تعبر عن رؤية إنسانية نبيلة تحارب الظلم والقهر”.
قصور الاستبداد..
وفي مقال بعنوان (رواية تفضح قصور الاستبداد) يقول كاتبها “ممدوح فرج النابي: ” لقد استطاع “زيد مطيع دماج” أن ينقلَ أجواء المحليّة اليمنيّة إلى العالميّة، في روايته “الرهينة” كما استطاعَ أن يُقدِّم نصّا مِن النُّصوصِ الصّدْمَةِ؛ بخرقه للتابوهات الشّائكة في واقعنا العربيّ وأوّلها السِّياسة وثانيها الجنس، وصدمتها الحقيقية عندما يرتبط الجنس بالسياسة.
فالكاتبُ استطاعَ أن يكشفَ المستور عنه داخل القصور الحاكمة، ويكاد يكون النُّصُّ الوحيدُ بعد نصّ ألف ليلة وليلة، الذي نَقَلَ لنا أجواء ما يدور في الحريم السلطاني مِن علاقات مُحرّمة وشذوذ، علاوة على حالة القهر التي تصل للخصي والاستعباد للمعتقلين، وهو ما يؤكِّد على أهمية هذا النص. الرِّواية في بنيتها تكاد تكون نقدا لاذعا لأجواء حكم الآئمة، بل تتجاوز هذا إلى أن تكون أشبه بالوثيقة لإدانة كاملة لحُقبة الأربعينات التعيسة، بما أحدثته مِن سياسات جعلت من اليمن معزولا، رازخا في عصور الظلام التي خرجتْ عليها ثورة الدستوريين عام 1948، ثمّ تلتها ثورة الأحرار عام 1962. ورغم الأجواء التي دارت فيها الأحداث تبدو أشبه بالوقائع الأسطورية، لكنها مع الأسف هي الواقع اليمني في عهد الأئمة الذين حكموا اليمن، وفرضوا عليه عزلة، ومنعوا تطوّره الحضاري، فكريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا، ومن خلال هذا الواقع يبدو فضاء المدينة باهتا وضيقا ومخنوقا الرِّواية قصيرة الحجم، وبنيتها مُحكمة، تميل إلى السّرد الذاتي حيث غلبة الأنا، فالرَّاوي الأنا يغيب في مشاهد ذاتية عن واقعه قبل الاقتياد، وواقعه الجديد في قلعة القاهرة، وتسجيله كافة ما تراه عيناه خلف جدران قصر الحاكم ونوّابه، بعبارات موجزة تارة، ومحليّة تارة ثانية، تعتمد على تقنيات الصورة السينمائية (من مونتاج، وتقطيع، ووحدات قصيرة، وكادرات بصرية) في نقل المشاهد بين الداخل والخارج، مستفيدا أيضا من أسلوب تيار الوعي”.
النضج القصصي..
وفي مقال بعنوان (الرهينة، من القصة القصيرة إلى الرواية) يقول “سلام عبود”: “دخل القاص اليمني زيد مطيع دماج عالم الرواية من باب القصة القصيرة . فروايته “الرهينة” ظهرت عام 1984، بعد أن ثبت القاص أقدامه جيدا في دروب القصة القصيرة، فقد أرخت أقدم نصوصه المنشورة بعام 1961، ونشرت ضمن مجموعته الأولى “طاهش الحوبان” الصادرة عام 1973، وتلتها مجموعة “العقرب” 1982، و”الجسر” 1986، و “أحزان البنت مياسة” 1990. وكانت الرواية اليمنية، التي بدأت برواية “سعيد” لمحمد على لقمان عام 1939، قد استقرت في رحلتها البطئية والعسيرة عند محطة هامة اسمها محمد احمد عبد الولي في روايتيه القصيرتين: “يموتون غرباء” 1970 و “صنعاء مدينة مفتوحة” 1977، ولم يزد عدد الروايات اليمنية، وهي في الغالب قصص طويلة، على عشر، حتى عام صدور “الرهينة”.
ورغم أهمية روايتي محمد عبد الوالي تاريخيا، إلا أنهما لم تتهيأ لهما من الأسباب ما يمكننا أن نسمّيهما فنا روائيا مكتمل النضج، فقد ظل بريق القصة القصيرة أشد سطوعا في إبداع عبد الولي وأكثر اكتمالا. وبظهور “الرهينة” تكون الرواية اليمنية قد خطت الخطوة المرتقبة، التي لم يتمكن سابقو زيد من تحقيقها، والمتمثلة باجتياز حاجز القصور الفني، وامتلاك شروط النضج القصصي كاملة.
ولا يجد المتتبع للأدب القصصي في اليمن غرابة في أن يكون زيد مطيع دماج أول من اكتملت لديه أسباب النضج الفني بروايته الأولى “الرهينة”. فلزيد صلة قديمة بخيوط العمل الروائي. وغير مرة يشار إلى قصص زيد بما ينبئ ويوحي بظهور رواية. ففي مقدمة مجموعته القصصية الثانية “العقرب”، التي كتبها د. عبد العزيز المقالح، نلمح إشارات تومئ إلى أن بعض قصص زيد تشكل “نواة” عمل روائي، كقصة “أول المنتحرين” و “الرحلة” . وعند العودة إلى الخلف بضع خطوات، إلى مجموعة القاص الأولى “طاهش الحوبان” نجد تأكيدا مبكراً لما يمكن تسميته بالميل الروائي عند القاص، نلمحه في طول النفس القصصي (من حيث الحجم)، وسعة الرقعة المكانية والزمانية للسرد القصصي، وبروز صور مخففة من المعالجة الروائية كضعف تركيز الحدث وتشعبه وظهور أكثر من شخصية قصصية”.
وفاته..
توفي في 20 مارس 2000 في مستشفى ميدلسكس في لندن.