خص الله عز وعلا رسله وأنبياءه الذين بعثهم لنشر رسالة التوحيد وهداية البشرية بصفات كثيرة تختلف عن باقي البشر من صبر وتحمل وهدوء وسكينة وحلم وتسامح وصدق كما وأعطاهم بسطة من العلم والمعرفة، ورجاحة في العقل، والحكمة في التصرف، وأيضا أعطاهم الشجاعة ، ونزع من قلوبهم الغل والحقد والغدر، ناهيك عن أعطاء كل واحد منهم معجزة تتلائم مع عصره وتناسب قومه، لتكون بينة عليهم وتساعده على أتمام مهمتة التي بعثه الله من أجلها. وبقدر ما أكدت وبشرت رسالات الأنبياء السماوية، على الدعوة للتوحيد والأيمان بالله، فأنها اكدت على اقامة العدل والحق والمساواة واشاعة السلام والمحبة بين الناس ونصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالم وكل من يريد الأساءة للأنسان وغبن حقه في العيش بأنسانية وكرامة وأحترام، وغيرها الكثير من القيم والمباديء والأخلاق الأنسانية النبيلة. أما ان تجد مثل هذه الصفات كلها أو بعض منها لدى زعيم دولة أو رئيس أو ملك في زماننا وعصرنا هذا الذي نعيشه، فتلك مسألة تحتاج الى وقفة وتأمل لا تخلوا من الأنبهار والتعجب!. ولربما يتفق معي الكثيرين بأن الزعيم الأفريقي الراحل الكبير ( نيلسون مانديلا)، رئيس جنوب أفريقيا السابق، أمتلك الكثير من تلك الصفات! وأستطاع أن يجبر أعداءه قبل محبيه وأنصاره، أن ينحنوا له أحتراما وتقديرا بعد أن آمنوا بما جاء ونادى به!. والزعيم (نيلسون مانديلا)، غني عن التعريف، ولمن لا يعرفه، فقد مكث هذا الزعيم في السجن 27 عاما بسبب مناداته ونضاله من أجل المضطهدين في العالم، ومن أجل الحرية والسلام والمحبة والمساواة والتسامح وأقامة العدل، وألغاء التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. وقد أستطاع هذا الزعيم بعد أطلاق سراحه من السجن عام 1990 أن يتوج نضاله الطويل والصعب بالفوز بأول أنتخابات حرة شاركت فيها جميع الأعراق والقوميات في جنوب أفريقيا، بعد أن كانت الأنتخابات محصورة على البيض فقط! وأن يصبح رئيسا لجنوب أفريقيا ( 1994 – 1999 ). وتمكن بجهد جهيد أن يلغي سياسة الفصل العنصري التي كانت السمة السائدة في جنوب أفريقيا. وقد أسس في فترة رئاسته لجنة (الحقيقة والمصالحة)، للتحقيق في أنتهاكات حقوق الأنسان التي تعرض لها السود في جنوب أفريقيا على يد البيض على مدى عقود طويلة من الزمن. وقد تنزهت هذه اللجنة في عملها، من روح الحقد والأنتقام والتدليس والكذب والتأويل والتلفيق، فقد عملت بكل شفافية وصدق وعدل وروح أنسانية، على الرغم من حجم الأنتهاكات الكثيرة والقاسية واللاأنسانية التي حققوا بها والتي وجدوها وتعرفوا على من قاموا بها من البيض!. وقد حصل الزعيم (مانديلا)، بجدارة على جائزة نوبل للسلام، لأنه أستطاع أن يشيع روح السلام والمساواة بين الشعب بدل التفرقة العنصرية التي كانت العنوان البارز لجنوب أفريقيا، وهو بذلك قد منع وأوقف الأقتتال الداخلي في جنوب أفرقيا بعد أن أشاع المحبة والتسامح بدل لغة الثأر والأنتقام وروح العصبية والقبلية التي كانت سائدة في المجتمع. وكان بأمكانه أن ينتقم من البيض شر أنتقام لو أراد ذلك!، بعد أن أصبح رئيسا للبلاد، بسبب جرائمهم الرهيبة وأنتهاكهم لحقوق السود في العيش الكريم في جنوب أفريقيا، وقد توقع البيض منه ذلك، بل العالم كله توقع ذلك!، ولكنه كان أكبر من ذلك بكثير!، حيث قلب كل من توقع ذلك، وأولهم البيض حيث قلب خوفهم الى أمان، وقابل أسائتهم للسود بالأحسان عليهم والعفو عما أرتكبوه من جرائم أيا كان نوعها شريطة أن يعترفوا بذلك أمام (لجنة الحقيقة والمصالحة) التي شكلها لهذا الغرض، وتم له ذلك!، حيث طالب البيض بقبول أعتذارهم عن كل الجرائم والأنتهاكات التي قاموا بها ضد السود! وتم قبول عتذارهم من قبل السود ومن ذوي من كانوا ضحية تلك الأنتهاكات! في سابقة سياسية وأجتماعية لم تحدث في العالم من قبل!. ويذكر أن الزعيم (نيلسون مانديلا)، حاز أيضا أضافة الى جائزة نوبل للسلام على أكثر من 250 جائزة عالمية! ومن جميع دول العالم المحبة للسلام والحرية وأشاعة قيم الخير والعدل، منها ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية ، وكذلك وسام لينين من الأتحاد السوفيتي. ولأن رسالة الزعيم (مانديلا) ونضاله كانت من أجل الحرية والسلام وأشاعة روح المحبة والعفو والتسامح ونبذ العنصرية والأحقاد، واقامة العدل والمساواة، تلك الرسالة التي لم يخص بها شعبه وأهله وناسه في جنوب أفريقيا فقط، بل كانت موجهة لعموم دول القارة الأفريقية بل للعالم أجمع!. فمن الجدير أن نذكر هنا بأن الزعيم (ما نديلا) قد قام بأرسال رسالة الى ( ثوار مصر وتونس، في تموز عام 2011)!، أيام أنتفاضة الجماهير المصرية والتونسية ضد حكامهم بسبب تردي الواقع االمعيشي والغلاء وأنتشار الظلم والفساد وغياب العدل، وكانت رسالته من باب رد الجميل لمواقف مصر وتونس تجاه قضيته ونضاله عندما كان سجينا، بأعتبارها دول أفريقية!، حيث طلب منهم في رسالته، عدم الثأر والأنتقام من أزلام النظام السابق!، والتسامح والعفو والصفح، وطي صفحة الماضي، وكان يتمنى منهم أن يطبقوا تجربته مع البيض في جنوب أفريقيا! مؤكدا لهم ويذكرهم بقول (الرسول العظيم محمد ص ، أذهبوا فأنتم الطلقاء،!!!). (( راجع مقالنا : الى /الزعيم نيلسون مانديلا، طلقائكم ليسوا كطلقاء العرب/ المنشور في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 9/12/2013)) . وفي موقف آخر يحمل الكثير من القيم والمعاني الأنسانية لهذا الزعيم والقائد والأنسان، الذي يرى الكثيرين ومنهم كاتب المقال هذا!، بأن الزعيم (مانديلا) وصل بأخلاقه وقيمه ومبادءه وتسامحه وعفوه وحبه للسلام والخير والتآخي بين شعبه، الى مرحلة الأنبياء والرسل!!، حيث يحكى (أنه وذات مرة وعندما كان رئيسا لجنوب أفريقا ذهب مع مرافقيه لتناول الغداء في أحد المطاعم، وبينما هو جالس طلب من مرافقه الشخصي وبعد أن أشار الى شخص كان أحد الجالسين في المطعم! أن يدعوه، ليشاركهم الطعام!، وبالفعل جاء الشخص وجلس مع الرئيس (نيلسون مانديلا)، وبعد ان أكمل الشخص غداءه تشكر من الزعيم (مانديلا) وأنصرف!.عندها سأل المرافق الرئيس (مانديلا) قائلا: سيدي المحترم من هذا الشخص الذي طلبت مني أن أدعوه ليشاركك الطعام؟، فقد لا حظت أن الشخص كان مرتبكا ويرتجف وهو يأكل؟!، فضحك (مانديلا): وقال لمرافقه الشخصي، أن هذا الشخص كان السجان في السجن الذي كنت فيه!، وكان شديد القسوة معي!، ومرة كنت عطشان جدا فطلبت منه قليلا من الماء، فأعطاني بوله بدلا من الماء!!، وأكمل حديثه لمرافقه قائلا، فأنا عندما طلبت منه ان يشاركنا الغداء وذلك كي أشعره بالأمان وبأني صفحت عنه، رغم قساوته معي وتعذيبه الشديد لي في كثير من الأحيان عندما كنت بالسجن!. وقال لمرافقه أريدك أن تعرف وليعرف الناس بل العالم أجمع بأن (لغة العنف والأنتقام والثأر لا تبني مجتمعا صالحا وبالتالي لا تبني بلدا متطورا مزدهرا ومتقدما). أنتهت حكاية ومواقف الرئيس والزعيم الأنسان (نيلسون مانديلا) التي رويتها بتصرف مني محافظا على المضمون!. وأقول قبل أن اختم المقال (بأن هناك عشرات بل مئات من الرؤوساء والحكام والملوك في العالم ولكن كم أنسان يمكن أن نجد فيهم؟!). أخيرا أقول: متى يتعلم الرؤوساء والقادة العرب أجمعين وبلا أستثناء شيئا ولو بسيطا من هذا الزعيم والقائد والأنسان ومن قيمه وسمو أخلاقه وتسامحه ويتركوا لغة الحقد والأنتقام والثأر والعشائرية والقبلية، والتي لم نجن منها غير المزيد من الخراب والدمار ومزيدا من الحقد والثارات، فالحقد والثأر والأنتقام لا يولد غير حقد أعمق وأنتقام أقسى!. رحم الله الزعيم العظيم والقائد والأنسان (نيلسون مانديلا) وكل زعيم يحب وطنه وشعبه ويدعوا للسلام والمحبة والتسامح، ولعن الله كل الحكام الظلمة الفاسدين.