وكالات – كتابات :
قال بابا الفاتيكان السابق، “بنديكت السادس عشر”، إن زيارة البابا الحالي، “فرنسيس الثاني”، إلى “العراق” ستكون: “تاريخية”؛ لكنها تُشكل: “خطرًا”.
ونقلت صحيفة (كورير ديلا سيرا) الإيطالية، عن البابا “بنديكت”، الذي تنحى عن منصبه البابوي قبل ثمانية أعوام، تحذيره في مقابلة خاصة؛ من أن زيارة البابا “فرنسيس”: “خطيرة.. أعتقد إنها زيارة مهمة جدًا”.
لكنه أوضح: “للأسف، فإنها تأتي في وقت صعب جدًا، ما يجعلها زيارة خطيرة أيضًا، لأسباب متعلقة بالأمن وفيروس كورونا”.
وتابع البابا السابق: “وهناك أيضًا الوضع غير المستقر في العراق. سأرافق فرنسيس بصلواتي”.
وسيكون البابا “فرنسيس الثاني”، (84 سنة)، أول زعيم لـ”الفاتيكان” يزور “العراق”، عندما يصل إلى “بغداد”، يوم الجمعة. ومنذ الإعلان عن الزيارة البابوية، في كانون أول/ديسمبر 2020، فإن “الفاتيكان” أحتفظ بحق تأجيلها في أي لحظة.
لكن البابا، على غرار ما فعل “بنديكت”، تلقى اللقاح الخاص بـ (كورونا)، ويبدو أنه ماضٍ قدمًا في زيارة “العراق”، على الرغم من أن القيود الأمنية والوبائية المفروضة تعني أن غالبية العراقيين سيتابعون زيارته التاريخية عبر شاشات التلفزة.
تحضيرات رسمية..
وتترقب الأوساط الرسمية والشعبية، في “العراق”، زيارة “البابا فرنسيس”، إلى البلاد، بوصفها حدثًا تاريخيًا داعمًا لجميع العراقيين بمختلف تنوعاتهم، وأطيافهم.
وأنهت السلطات الرسمية، التحضيرات الخاصة باستقبال “البابا فرنسيس”، في الزيارة المقرر لها يوم الجمعة المقبل، والتي ستستغرق أربعة أيام تشمل: “بغداد، والنجف، والموصل، وذي قار، وأربيل”، وهي الأولى من نوعها.
وتشهد العاصمة، “بغداد”، والمحافظات المقرر زيارتها من قبل البابا، منذ أيام، تحضيرات واسعة للاستقبال، تضمنت رفع صور، ويافطات ترحيب، وتنظيم برامج مختلفة، بعضها برعاية الحكومة العراقية، وأخرى بدعم منظمات مجتمعية وناشطة في مجال حقوق الإنسان.
دعوة وافقت رغبة وظهور معوق “كورونا”..
كانت تراود “البابا”، منذ عدة سنوات فكرة الزيارة، حيث أكد خلال كلمة أمام أعضاء مجموعة من الجمعيات الخيرية، في 10 حزيران/يونيو 2019، جاء فيها: “تلازمني فكرة دائمة؛ عندما أفكر في العراق”، مبينًا: “استعداده للذهاب إلى هناك العام المقبل”، بالتزامن مع دعوة رسمية قدمها رئيس الجمهورية العراقي إلى “البابا” لزيارة البلاد، بيد أن تداعيات فيروس (كورونا)، وما فرضته من قيود على العالم، أجلت الموضوع إلى إشعار آخر.
وفي السابع من كانون أول/ديسمبر 2020، أعلنت “وزارة الخارجية” العراقية، أن: “البابا فرنسيس؛ سيقوم بزيارة العراق للفترة من 5 إلى 8 آذار/مارس 2021، والتي تمثل رسالة سلام إلى العراق والمنطقة بأجمعها، لأجل مواجهة التطرف والصراعات وتعزز التنوع والتسامح الديني”.
أعقب ذلك، تأكيد رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، على موعد الزيارة، والإحتفاء بها، على صفحته الشخصية بوصفها: “رسالة سلام للعراقيين من جميع الأديان”.
من ثم بدأت الأوساط الدبلوماسية والرسمية تتحرك بشكل جدي لأجل ترتيب الإجراءات الخاصة بموعد الزيارة، حيث التقت سفيرة العراق لدى روما، “صفية السهيل”، مع “البابا”، في شهر كانون أول/ديسمبر 2020، وتحدثت معه طويلاً عن أهمية زيارته إلى “العراق” .
ووصل أول وفد رسمي من “الفاتيكان”، منتصف الشهر الماضي، إلى محافظة “النجف”، والتقى أعضاء في مكتب المرجع الأعلى، آية الله “علي السيستاني”، وعدد من المسؤولين، تمهيدًا لزيارة الأب التاريخية.
كما عكفت الأوساط الحكومية على تهيئة الأجواء الأمنية واللوجستية لإنجاح الزيارة المرتقبة.
جدول أعمال البابا في العراق..
يبدأ برنامج زيارة “البابا فرنسيس”؛ إلى “العراق”، من الخامس وحتى الثامن من آذار/مارس 2021، حيث سيغادر “روما”، يوم الجمعة، في الخامس من آذار، من مطار “فيوميتشينو”، في “روما”، ليصل إلى “مطار بغداد الدولي”، حيث سيتم الاستقبال الرسمي.
وسيلتقي “البابا فرنسيس”، برئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، في قاعة الشرف في “مطار بغداد الدولي”، لينتقل بعدها إلى القصر الرئاسي، حيث ستقام مراسم الترحيب به، وبعد ذلك ستجري زيارة رسميّة إلى رئيس جمهورية، “برهم صالح”، على أن يلتقي بعدها السلطات، والمجتمع المدني، والسلك الدبلوماسي، قبل أن يتوجّه إلى كاتدرائيّة “سيّدة النجاة” للسريان الكاثوليك، في “بغداد”، حيث سيلتقي الأساقفة والكهنة والمُكرسين والإكليريكيين وأساتذة التعليم المسيحي.
أما يوم السبت، الموافق السادس من آذارالمقبل، فسيتوجّه “البابا” إلى “النجف”، حيث سيلتقي المرجع، آية الله “علي السيستاني”، ليتوجّه بعدها إلى مدينة “أور” الأثريّة؛ على أن يحتفل عصر السبت؛ بالقداس الإلهي في كاتدرائيّة “مار يوسف” للكلدان، في “بغداد”.
يوم الأحد الموافق السابع من آذار، سيتوجّه “البابا” من “بغداد” إلى “إربيل”، حيث سيلتقي في قاعة الشرف الرئاسيّة، في “مطار إربيل”، بالسلطات الدينية والمدنيّة في “إقليم كُردستان العراق”، ليتوجّه بعدها إلى “الموصل”، حيث سيتوقف في “حوش البيعة” للصلاة على ضحايا الحرب قبل أن ينتقل إلى كنيسة “الطاهرة” الكبرى، في “قره قوش”، حيث سيتلو صلاة التبشير الملائكي، على أن يعود إلى “إربيل”، حيث سيحتفل عصر الأحد؛ بالقداس الإلهي في ملعب “فرنسو حريري”.
وفي يوم الإثنين الموافق الثامن من آذار؛ فسيتوجّه “البابا فرنسيس”، صباحًا، إلى “مطار بغداد الدولي”، حيث ستتمُّ مراسم الوداع الرسمي؛ قبل أن يغادر “البابا”، العراق، عائدًا إلى “إيطاليا”.
البابا يتوجه للعراق ومسيحيوه إلى خارجه !
أثار خبر زيارة “البابا”، إلى “العراق”، فرحة عارمة داخل أوساط المكون المسيحي في “العراق”، معولين على النتائج الإيجابية التي يمكن أن تنتج عنها بالنسبة لمستقبل وجودهم في البلاد.
يقول “سعد هرمز”، (52 عامًا)، الذي كان يعمل سابقًا سائق تاكسي في “الموصل”، وهو يعيش اليوم في “الأردن”، لوكالة الصحافة الفرنسية: “آمل أن يطلب البابا، خلال زيارته للعراق، من الدول التي تستقبل لاجئين مسيحيين؛ مساعدتنا (…) لأن العودة إلى العراق (الآن) غير واردة”.
وبالرغم من غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المسيحيين، في “العراق”، بسبب عدم إجراء تعداد سكاني، منذ سنوات، يقول “وليم وردة”، رئيس منظمة “حمورابي”، التي تتولى الدفاع عن الأقليات في “العراق”، إن هناك حاليًا 300 إلى 400 ألف مسيحي في “العراق”؛ في مقابل مليون ونصف المليون، قبل الغزو الأميركي، العام 2003، الذي انتهى بالإطاحة بنظام “صدام حسين”.
ويأتي ذلك؛ بعدما غادر ما يقرب عن نصف مليون منهم إلى “الولايات المتحدة”، وتوجه آخرون الى دول إسكندينافية و”أستراليا”.
في 2007، قتل عم وعمة طبيبة الأسنان، “رنا سعيد”، برصاص عشوائي أطلقه جنود أميركيون ردًا على هجوم تعرضوا له ليلة رأس السنة، في مدينة “الموصل”، (شمال)، لكن هذه الطبيبة وزوجها الطبيب البيطري، “عمار الكاس”، أصرّا في حينه على البقاء في مدينتهما.
لكن عدم وجود محاسبة أو تطبيق أي عدالة في القضية، دفعهما، في 2008، إلى اتخاذ قرار الرحيل، فانتقلا إلى “كُردستان”. وكانا يفرّان أيضًا من التوتر الطائفي: و”مسلسل اغتيالات نفذتها مجموعات مسلحة” استهدف عدد كبير منها مسيحيين.
ويقول الأسقف الكلداني، “سعد سيروب حنا”، البالغ من العمر (40 عامًا)، والذي عيّنته الكنيسة الكلدانية في “السويد”، منذ 2017، أن الكثير من العراقيين، بين أبناء رعيته في “السويد”، لا يريدون العودة إلى “العراق”.
ووُلد “حنا”، في “بغداد”، وأرسل إلى “السويد” للاهتمام بأكبر تجمع كلداني في أوروبا؛ قوامه نحو 25 ألف شخص، وصلوا إلى البلاد في موجات على مدى العقود الأربعة الماضية.
وعاش فترات عنف كثيرة في “العراق”؛ فرّ خلالها كثيرون، وهو يصفها: بـ”الفوضى العظيمة”. وتعرّض للخطف، في العام 2006، بعدما ترأس قداسًا في العاصمة العراقية.
ويقول “حنا”: “احتُجزت وتعرضت لأمور عديدة؛ بينها التعذيب والعزلة”.
ويضيف: “هذه التجربة أعطتني القوة أيضًا. لقد ولدت من جديد، أنظر إلى الحياة بطريقة مختلفة بنعمة عظيمة وحبّ كبير”.
ويقيم أكثر من 140 ألف عراقي، في “السويد”، من بينهم “رغيد بنّا”، وهو مواطن من “الموصل”؛ استقر في بلدة “سودرتالي”، في العام 2007، وكان في السادسة والعشرين.
ويقول “بنّا”، وهو اليوم أب لطفلين: “ثمة الكثير من الكلدان هنا؛ لدرجة أنني لا أشعر حتى أنني في غربة”.
تنبؤات سياسية للزيارة..
ويرى رئيس لجنة الأوقاف الدينية في برلمان العراق، “حسين اليساري”؛ أن: “زيارة رجل سلام، مثل بابا الفاتيكان، ولقائه بالمرجع، علي السيستاني، في النجف، سيكون لها الأثر في الشارع العراقي على اللحمة الوطنية”.
وأوضح “اليساري”، في تصريح صحافي، أن: “اللقاء سيشهد تلاقحًا في الأفكار بين بابا الفاتيكان والمرجع السيستاني، حول السلام في المنطقة والعراق، الذي هو بأحوج ما يكون إليه، إذ إن البلد يعيش فيه مختلف الأديان والطوائف”.
وأكد النائب العراقي؛ أن: “الزيارة لا يمكن فصلها عن الموضوع السياسي، لأنه إذا كان هناك سلام في العالم، فبالتأكيد له الأثر الكبير على السياسة والعلاقات الدولية”.
لكن “اليساري”؛ استدرك قائلاً: “المرجعيات الدينية في العراق؛ يُنظر إليها من منظار إنساني وأخوي لفرض واقع التآخي في جميع الدول، ونحن لا ننظر إلى المرجع ورجل الدين من مدخل سياسي، وتفسيراتها السياسية”، وفق ما نقلت شبكة (عربي 21).
آمال عراقية منعقدة على الزيارة..
يعول العراقيون، على هذا الحدث الكبير، في عدة مجالات:
النازحون وإعادة الأعمار: ينظر إلى الزيارة بوصفها حدثًا قد يدعم جهود إعادة إعمار المدن والمناطق المدمرة، بفعل الحرب على الإرهاب، وتعزيز برنامج إعادة النازحين العراقيين المسيحيين إلى مناطقهم، خاصة في مدن “سهل نينوى”، التي تسبب سيطرة بعض الفصائل المسلحة عليها بإمتناع غالبية الأسر عن العودة إليها.
تعزيز صورة “العراق” الدولية: اعتبر المتحدث باسم “الخارجية”، “أحمد الصحاف”، أنّ زيارة “بابا الفاتيكان” المرتقبة إلى “بغداد”: “تعزز صورة العراق على الساحة العالمية”، وتضعه من جديد في صدارة الدول التي تستضيف شخصيات مهمة كقداسة “البابا فرنسيس الثاني”.
تقوية اللحمة الوطنية: هذه الزيارة ستكون تاريخية، وتعزز حالة التعددية الدينية والثقافية في “العراق”، وتُعيد الأنظار من جديد إلى أن “العراق” ذو تاريخ وحضارة وثقافة تمتد لآلاف السنين.
الدفع نحو عودة المكون المغترب: يُنظر إلى الزيارة المرتقبة على أنها تحمل دلالات كبيرة؛ يمكن أن تدفع نحو فتح ملف عودة المسيحيين المغتربين إلى البلاد، إلى جانب بحث قضية الاستيلاء على العقارات التابعة لهم.
فوائد اقتصادية وثقافية: يمكن أن تمثل زيارة “البابا”؛ كفرصة للاستفادة من هذه الزيارة اجتماعيًا وأثرها في السلم والوئام المجتمعي، كما سيكون لها أثر اقتصادي وسياحي، فما إن يضع “البابا” قدميه في المحجات الدينية، لأهميتها بالنسبة لأتباع “البابا” والديانة المسيحية الكاثوليكية، يمكن تنعش السياحة، حيث شرعت “هيئة السياحة” بإقامة مشاريع في هذا الصدد. بحسب وكالة (ناس).