22 نوفمبر، 2024 3:17 م
Search
Close this search box.

بمناسبة إكمالي 60 عاما من العمر .. التمرد بحثاً عن الكمال

بمناسبة إكمالي 60 عاما من العمر .. التمرد بحثاً عن الكمال

منكسراً أتعثر فوق أرصفة الحياة .. لست حزينا على ضياع عمري ، بل مفجوعا بمهزلة الوجود كله .. تلاحقني سياط الحنين الى تلك الأميرة ، الروح مثخنة بالجراح ، وجوه الفقراء والمعذبين هي وجهي مضافا لها عذابي الدائم في إعادة تعريف الأشياء !

الحديث عن الذات فيه إغراء خطر يجب الحذر منه ، ومع حقيقة قصور اللغة فإن في حالتي : التواضع أو المبالغة في وصف الذات يحدث التزييف للحقيقة .. هل يصح الإحتفاء بإكمال 60 عاما بزهو، أم الشعور بالحزن لأني تقدمت نحو الموت أكثر ، الأمر يعتمد على زاوية النظر كيف نتعامل مع أعمارنا.. من زاوية نرجسية ، أم رؤية نقدية للحياة والوجود وإستخراج الحكمة والخبرات من رحلة العمر الماضية ؟

يطاردني سؤال : ماذا لو ولدت في أحد البلدان التي أحبها وأنتمي اليها فكريا : فرنسا أو بريطانيا أو أميركا .. كيف ستكون خريطة الأقدار معي ، وماهو حجم الأفراح والسعادة ، والأحزان والألم الذي سأكسبه؟.. عند خروجي من العراق بعمر 31 عاما صُعقت حينما علمت يوجد قانون في الدولة المتحضرة يعطي اللجوء للمضطهدين ويوفر لهم المعيشة والسكن ويتيح لهم التفرغ لهواياتهم مثل القراءة ، بل وتوجد قوانين ضمان إجتماعي للمواطنين تكفل لهم معيشتهم وسكنهم في حالة العوز والمرض .. هزتني صدمة تلك المفاجأة الإنسانية و أشعرتني كم كنا في العراق نعيش حياة من حيث حقوق المواطنة تحت حتى المستوى الحيواني بالنسبة ( لكلاب وقطط ) أوربا وأميركا !

لكن هل توجد قوى عاقلة خلف الأقدار كي نلجأ الى التمنيات والأحلام والتحسر على ضياع الفرص .. من يهندس حركة الحياة ومصائر البشر ، عندما أنظر الى الوراء على مدى سنين العمر .. أجد أمامي تنتصب أبرز المحطات :

– التمرد على سجون إسطبل الحياة / وإعادة النظر بمقاييسها وأعرافها ومنطلقاتها وتعريفها.

-التجربة الدينية / والتحرر من عبودية الأديان والنظر لها بوصفها صناعة بشرية .

– فقدان الثقة بالعقل/ والإقتناع بنسبيته وقدرته على المراوغة والتبرير .

– إنهيار اليقين بالإنسان والنظر إليه بإعتباره كائنا أنانيا شريراً

– الإقتناع ان العدم هو قانون الوجود / ليس هناك معنى حقيقي موضوعي لوجودنا غير الذي تخلقه تصوراتنا و أوهامنا.

– الكتابة .. لست مهوساً بها وغير متحمس لتأليف الكتب ، أعتبر نفسي مهتما بالأفكار فقط .. ولهذا إفتتحت قناتي الشخصية على اليوتوب لعرض أفكاري .

– أما القراءة .. فلم تكن محطة ، بل هي كل الوجود .. بعض الكتب من حبي لها أثناء قراءتها كنت أخاف يصيبني العمى ولا أستطيع إكمالها .. حكمة العمر المستخلصة من أهمية الكتب هي : ان قراءة كتب التحليل النفسي والطب النفسي ليست خيارا ، بل ضرورة قصوى لمعرفة بعض جوانب الذات والبشر المحيطين بنا ، وممارسة قدر من ضبط النفس والتقليل من الأنانية والشر والإرتقاء بها نحو العقلانية والقيم الأخلاقية قدرا الإمكان .

لستُ كاملاً ، لكن حب الكمال يسكنني ، وإدمان النقد والتحليل ، بدأت ثورة البحث عن الكمال لدى الناس العاديين وإنتهت الى عدم وجود علاقات إجتماعية لي ، ثم إمتدت الى الرموز الإجتماعية والثقافية والسياسية والدينية وتخلصت من قضية ( المثل الأعلى ) يفترض بكل شخص ان يصبح من خلال الإرتقاء الإنساني هو المثل الأعلى لنفسه ، كيف نفرق بين النرجسية والغرور والسير وفق المسار الأخلاقي السليم ؟ المعيار هو ( إحترام النفس ) الذي سيقودنا لإختيار الأفضل ، لاتوجد نماذج عظيمة بالمطلق قد توجد أفعال متفرقة خيرة ونبيلة ، لكن يظل الإنسان كائن أناني شرير ، بعدها تصاعدت وتيرة البحث عن الكمال في أفعال الله ومساءلة علاقته بالبشر لأكتشف ان الله الذي تحدثت عنه الأديان غير عادل ولايساعد المحتاجين ولم يوفر أسباب السعادة للبشر ، تركهم لمدة آلاف السنين يتعذبون في حياة الكهوف والغابات والصيد ، ثم أصل الى قناعة بطلان الأديان وعدم وجود الإله الذي تتحدث عنه الذي ( لانجد) تجلياته في الكرم والرحمة والعدل والقدرة على محاربة الشر!

من أين يأتي التمرد وحب الكمال ؟ .. لا أعرف على وجه الدقة ، إن قلنا نتيجة الثقافة الواسعة العميقة سنصدم بوجود رجال دين من مختلف الأديان يتمتعون بثقافة موسوعة هائلة ، لكنهم يؤمنون بخرافات الأديان المضادة للعقل ومصالح البشر ولا يتمردون عليها ، وسنجد كبار المثقفين يؤمنون بأيديولوجيات عدوانية في منتهى القبح كالنازية والشيوعية والقومية ولم توفر لهم ثقافتهم الحصانة ضد الانزلاق الى الهاوية ، هل سبب التمرد والتطلع الى الكمال هو إلتقاء مجموعة من الصدف والظروف والجهد الذاتي ؟.. هذا كلام عمومي لا يشخص السبب الدقيق ، هل هي أقدار معينة تقود البعض نحو فضاء النور والسير نحو الكمال ؟.. الجواب : من قال توجد قوى عاقلة تحرك الأقدار ؟

في عمري هذا لست مقتنعا بنظام الحياة وقوانينها وبديهياتها ، أشعر ان الوجود البشري بصيغته الحالية غير مقنع منذ لحظة الهبوط العشوائي الى الأرض من بطن الأم لغاية الموت ، المعضلة الكبرى هي غياب الأب الرمزي الذي تسميه الأديان الإله ، نحن لانشعر بحضوره ورعايته ، ونعيش حالة ضياع وعدم وجود الأمان ، وتلاعب الأقدار بنا ، ورعب ما بعد الموت.. نحن ضحايا وجود لانعرف أسراره ، وربما اننا دمى بحسب فرضية المحاكاة التي تفترض أننا عبارة عن نتاج برنامج كومبيوتر في أحد الأكوان البعيدة الذكية ونعيش حياة وهمية ، عندها يكون الشعور بالإهانة والعبودية قاسيا .. فهذه الفرضية تعني غياب الروح والإرادة والعقل واننا عبارة عن ألعاب كمبيوترية !
!

 

أحدث المقالات