يحكى ان رجلا حضر في حفل ديني، فهاله وجود كثير من المعممين، فاظهر تعجبه من كثرة هذه العمائم، وقال له الشخص الذي دعاه: ( لاتغرك هالعمايم اكثر الركي فطير)، فذهب قوله هذا مثلا، حتى ان احد الشعراء استخدمه ليظهر امتعاضه من العمائم فقال:
( خلّي حمزه الطبر نايم……… لاتذبّه بالتهايم
ولاتغرك هالعمايم…………… اكثر الركي فطير)
طير عن الوطن طير……… شلّك بشغلة مدير
صادف ان ذهبت في يوم الجمعة صباحا الى شارع المتنبي، لالتقي بعض الاصدقاء هناك، كان زحاما شديدا لم اكن من خلاله استطيع التنفس، تعجبت لهذه الحالة الغريبة، في كل اسبوع لم يكن الزحام بهذا الشكل، لكني شاهدت من بعيد عمامة سوداء تتوسط الجموع، ويحيط بها الكثيرون، منهم من يسلم ويعانق ومنهم من يكتفي بالمصافحة، انتبهت الى شاب يسايرني وهو يقول: حتى هذا الشارع لحكتونه عليه، ابتسمت بوجهه، وقلت له : لاتغرك هالعمايم اكثر الركي فطير، فقهقه عاليا، ومضى مسرعا بعد ان تجاوز الجموع وسحبني بقوة لينتشلني من الزحام الذي سببته هذه العمامة، والتي جاءت الى شارع المتنبي بغرض مفضوح وواضح، انها الانتخابات ايها السادة، لقد بدأ المتنبي يستقطب الكثير من الشباب، منهم من يجعل له حلقة ويلقي شعرا تهكميا حيث سمعت احدهم وقد تجمع حوله الكثيرون وهو يصدح بقصيدة السياب التي حول بعضا منها:
مطر مطر ياحلبي………… عبر بنات الجلبي
مطر مطر ياحباب………. عبّر بنات النواب
ومنهم من افترش الارض وراح يشرح لمجموعة من الشباب مبدأ فلسفيا او قضية ادبية ما،اما الحزب الشيوعي فدائما تراه وقد استغل المقهى التي في قيصرية مكتبة عدنان، ليشرح من خلالها بعض القضايا التي تعرف الشباب بمنهجه النضالي والحياتي، في حين ترى القشلة وقد اكتظت بالفنانين والمثقفين من كلا الجنسين.
الغريب ان العمامة كانت غريبة على الشارع، فنادرا مانجد عمامة تهيم مع الهائمين في شارع المتنبي، وكان منظرا يوحي بان هذا الشارع سيصادر هو الآخر ليصبح في جيب احدى الكتل السياسية، والتي ستجعل منه منبرا مناسبا لطرح فضائلها وانجازاتها التي لم يشعر بها احد، حيث المياه تغرق الازقة بعد مضي عشرة ايام على سقوط آخر قطرة مطر، ولا ادري باية وجوه يقابلون الناس وكأنهم لم يفعلوا شيئا، يسير ببطء والجموع تلاحقه والمصورون يصورون، في حين ان شارع المتنبي يوفر فسحة من الامل واللقاءات البريئة للبعض المكبوت والمحروم من اساليب الحضارة والتمدن، التي قضي عليها كما تم القضاء على المسرح والسينما، ومتنفسات الثقافة الاخرى، حيث اختفت المكتبات العامة، واختفت معها آثار ومعالم كثيرة؛ ان احتمال تحويل هذا الشارع العريق الى شارع مليء بالعمائم وارد ومطروق، وربما تحول شارع المكتبات الى شارع تكيات ومنابر للخطابة الدينية، وستشهد الاشهر المقبلة تصعيدا انتخابيا كبيرا سيحاول البعض من هذه العمائم خلالها ان يحتوي الشارع بمن فيه ليجيره باسم هذه الجهة او تلك، لم تعد الكرادة كافية فاتجهت هذه العمامة الى القشلة وشارع المتنبي مع الاتباع والمريدين في هالة كبيرة، ربما ليكون المثقف آخر قطاف هذه الايديولوجية التي اعتادت على الصيد في المياه الضحلة ، لكنها هذه المرة تريد ان تصطاد مع المتنبي، لان اصوات المثقفين والادباء اصوات مرتفعة ومسموعة، ووددت في تلك اللحظة ان اصرخ بمكبرة للصوت حتى يسمع الجميع: (لاتغرك هالعمايم اكثر الركي فطير).