فالأحزاب كلها، السنية والشيعية والكردية متضامنة في ما بينها إذا ما تعلق الأمر بتهديد مصالحها وهي تجتمع في اللحظة التي يشكل فيها الشعب العراقي خطرا عليها وعلى مصالحها. وهو ما يعني أنها تكذب حين تدعي أنها تمثل أحدا من العراقيين. فهي لا تمثل إلا مصالحها.
الأحزاب العراقية، وهي في معظمها دينية باستثناء الحزبين الكرديين اللذين يقومان على أساس عشائري، لا ترى من العراق إلا خزانة ماله. وهي من أجل الابقاء على تلك الخزانة تحت سيطرتها تسخر كل شيء ليظل الوضع تحت السيطرة بما يؤمن استمرار تدفق الأموال إلى حساباتها.
فالأحزاب الكردية على سبيل المثال توظف أحلام وطموحات الشعب الكردي القومية في استثماراتها داخل وخارج كردستان. تلك استثمارات لم يكن عائدها على الشعب الكردي ليُرى بسبب تداخل مصالح الطبقة الحاكمة بمصالح شركات أجنبية يسرت لتلك الطبقة القيام بعمليات فسادها.
اما الأحزاب الدينية، سنية كانت أم شيعية فإن ضبطت إيقاع حركة أتباعها على ما يمكن أن تدره مشاركتها في الحكم من أرباح. فهي من أهل الحكم إن كانت مصالحها مصانة وتنتقل إلى المعارضة في حال تعرضت تلك المصالح لأي ثلم مهما كان صغيرا.
لقد وضعت تلك الأحزاب الطائفة قبل الدين وصنعت منها هدفا وهميا تستطيع من خلاله أن تشعل حربا أهلية متى تريد. ذلك مرتبط طبعا بمناقصات سرية وتسويات يجري اعدادها في الخفاء. اما العوام فإنهم مشغولون بمَن قتل مَن ومَن سبى مَن ومَن ظلم مَن ومَن له الحق في ولاية المسلمين بعد وفاة النبي محمد قبل اربعة عشر قرنا.
من المؤكد أن تلك الأحزاب كانت تعرف أصول اللعبة وقواعد الاشتباك.
لذلك كان البعض يُصدم حين يرى الزعيم السني الذي ينادي برفع الظلم عن طائفته مجتمعا على العشاء مع الزعيم الشيعي الذي يعلن باستمرار أن أتباع المذهب السني هم أحفاد يزيد بن معاوية وهم قتلة الحسين.
أما الأحزاب الكردية فإن وجودهم فيه شيء من الغرابة. فكردستان التي يحكمونها لا تخضع للقوانين العراقية ومع ذلك فمنهم يتم اختيار رئيس الجمهورية العراقية وفي مجلس النواب العراقي لهم عشرات الممثلين ولهم حصة في الوزارات السيادية. ما هذه القسمة الغريبة؟
لا يعترف الأكراد بحق الشعب العراقي بواردات النفط المصدر من كردستان غير أنهم يستلمون حصتهم من واردات النفط العراقي
عام 2017 أظهر الأكراد رغبتهم في الاستقلال عن العراق واعلان دولتهم المستقلة في استفتاء عام دعا إليه زعيمهم مسعود البرزاني. ذلك الاستفتاء لم يفشل غير أن نتائجه لم تتحقق على الأرض.
يومها أصيب البرزاني بالخيبة وقرر الاختفاء مؤقتا عن الانظار.
في تشرين الأول/اكتوبر عام 2019 خرج الشباب العراقي في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية مطالبين برحيل النظام وانهاء العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية.
والجهة التي أجهزت على الاستفتاء الكردي هي نفسها التي تصدت للمحتجين الشيعة بالرصاص الحي وقنابل الغاز وبنادق الصيد مرورا بالأسلحة البيضاء التي انحصر استعمالها بين أتباع مقتدى الصدر.
الغريب أن الموقف الكردي الرسمي كان ضد الاحتجاجات السلمية التي سعت إلى قمعها الأحزاب نفسها التي قمعت الأكراد يوم أقدموا على إجراء استفتائهم.
وإذا ما رغبنا في التوسع في الملهاة السياسية العراقية فإن ممثلي السنة في العملية السياسية كانوا هم الآخرين منزعجين من الاحتجاجات، خشية أن تؤدي فعلا إلى إسقاط النظام الطائفي الذي كان سببا في تدمير مدن ذات غالبية سنية كالموصل والفلوجة والرمادي.
كانت هناك حفلة تنكرية قرر المشاركون فيها إزالة الأقنعة عن وجوههم.
تلك هي حقيقة ما يجري في العراق,,,,,,, وغريب ان لدينا احزاب دينية بقناع ومن دون قناع,..
يمكن القول أمام تلك الوقائع وسواها إن الأحزاب الي استولت على السلطة بعد الغزو الأميركي للعراق إنما تعمل على الإبقاء على العراق خاضعا لاستلابه من قبل قوة وهمية كما لو أنه لا يزال محتلا.
تشهد العاصمة العراقية بغداد منذ أيام عودة واضحة للقاءات السياسية بين قادة الكتل والقوى الفاعلة في البلاد، بعد قطيعة دامت أشهراً عدة على خلفية أزمة تشكيل الحكومة، وذلك في حراك مبكر يمهّد لعقد التحالفات المرتقبة للانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 6 يونيو/ حزيران المقبل. ويؤكد مراقبون أن الانتخابات ستكون مهيأة لمفاجآت كثيرة، بفعل قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، في ظل تعدد القوى السياسية المدنية الجديدة، التي بوشر بإخراجها للعلن من رحم ساحات التظاهر للمشاركة في الانتخابات. في السياق، أكدت مصادر ، أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومن خلال مستشارين في مكتبه، يدفعون باتجاه ولادة تلك القوى الجديدة، ضمن مساع لإعداد انتخابات جديدة ومختلفة تكسر القالب الذي كانت عليه في السنوات الـ15 الماضية، بفعل هيمنة القوى والأحزاب الطائفية التي تستخدم، بشطريها السني والشيعي، التحشيد الطائفي لحصد أصوات الناخبين.ويأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه القوى السياسية ذاتها إلى فرض رؤيتها بالجدل الدائر حالياً حول عدد الدوائر الانتخابية وتوزيعها ضمن قانون الانتخابات الجديد. وبرزت في هذا الإطار لقاءات كتلتي “بدر”، بزعامة هادي العامري، و”دولة القانون”، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وقادة قوى سياسية سنية، وبدت الأكثر وضوحاً خلال الفترة الماضية. وتحدث نائبان في البرلمان العراقي من تحالفي “الفتح” و”القوى العراقية”، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حول هذه اللقاءات، واعتبرا أنها تهدف لترميم الضرر الذي أصاب التحالفات بين الكتل ذاتها بعد تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وأزمة استقالة رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، وما رافقها من أزمات أخرى بشأن اختيار رئيس حكومة جديد.وذكر نائب عن تحالف “الفتح” أن ما يجري حالياً بين الكتل هو “جس نبض”، مضيفاً في حديث صحفي، أن “التحالفات الجديدة سيحددها الاتفاق بين القوى السياسية على عدة ملفات مهمة مطروحة حالياً، أبرزها موضوع قانون الانتخابات وجدل الدوائر الانتخابية وعددها، وموضوع موعد الانتخابات نفسها والخلاف على تأجيلها أو تغيير الموعد لوقت أبكر، وملفات تتعلق برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وبرنامجه الحالي”. وأقرّ بأن هذه التفاهمات تعكس قلقاً لدى مختلف القوى السياسية في العراق من نتائج الانتخابات وتحاول ترتيب أوضاعها منذ الآن. وكشف إنجاز كتلتي “بدر” و”دولة القانون” شوطاً من هذا التقارب من خلال الاتفاق على تنسيق مواقفهما السياسية.في المقابل، أكد نائب آخر عن تحالف “القوى العراقية”، في حديثٍ صحفي، أن “القوى السياسية العربية التي تقدم نفسها كممثل عن المكون العربي السني، نظّمت جلسات صلح بين زعماء متخاصمين في الفترة الأخيرة في بغداد وأربيل والعاصمة الأردنية عمّان، لتهيئة أجواء إعادة تحالفات بقوائم واحدة أملاً بمنع تشتت أصوات تلك القوى، وسط خشية مماثلة لما هو الحال عليه لدى القوى السياسية العربية الشيعية التي تستشعر أيضاً تهديد القوى المدنية وتراجع شعبيتها بالشارع العراقي”.
أما النائب عن تحالف “الفتح”، عباس الزاملي، فرأى في حديثٍ صحفي، أن “التحالف بين الفتح ودولة القانون أمر وارد، ومن الممكن أن يضم كتل عطاء، والنهج الوطني وغيرهما، على اعتبار أنها جزء من تحالف البناء”، معتبراً أن “الذهاب إلى أبعد من ذلك أمر صعب، تحديداً مع تحالف سائرون والحكمة وغيرهما، فالتقارب معهما قد يكون غير ممكن”. وأشار إلى أن “ملف التحالفات يعتمد على قانون الانتخابات، إذ إن إلغاء سانت ليغو (قانون انتخابي معقد ومعتمد منذ ما بعد غزو 2003، يعتمد احتساب أصوات الناخبين الصحيحة على قاسم انتخابي هو 1.9، ويهدف إلى منع الأحزاب الصغيرة من الوصول إلى البرلمان)، في القانون الجديد، لن يدعم القوائم، فالانتخابات ستعتمد على الشخصيات المرشحة للانتخاب، وهو ما يجعل تحالفات ما قبل الانتخابات غير مفيدة”.بدوره، كشف عضو ائتلاف “دولة القانون”، كاطع الركابي، عن “استمرار الحوارات بين العامري والمالكي وقوى أخرى، في إطار التحضير لتشكيل تحالف لخوض الانتخابات المقبلة”، مشيراً في تصريحات صحافية، إلى أن “تفاصيل التحالف المرتقب تعتمد بالدرجة الأساس على شكل قانون الانتخابات الذي يحدد عمليا شكل التحالفات”. وقلّل من “إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية في الموعد المحدد لها، تحديداً مع عدم اكتمال قانوني الانتخابات والمحكمة الاتحادية، فضلاً عن تردّي الأوضاع الأمنية في المحافظات الجنوبية”.وتسعى الكتل الكبيرة التي انفردت بالحكم على مدى السنوات الماضية، لإجراء تعديلات على قانون الانتخابات بما ينسجم مع إرادتها ويمنحها فرصة الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة، وسط تقاطعات مع كتل أخرى معارضة لها. أما “تحالف عراقيون”، بقيادة عمّار الحكيم، فيعمل على تصدر المشهد السياسي باستقطاب كتل سياسية تكون نواة تحالف انتخابي واسع.
في السياق نفسه، كشف النائب عن التحالف علي البديري، أن “تحالفنا مفتوح على جميع القوى السياسية التي تؤمن بإعادة هيبة الدولة، وبأن يكون للدولة العراقية وجودها الإقليمي”، مشيراً إلى أن “الدولة في خطر وأن هيبتها غير مثبتة، وأن رئيس الوزراء يعمل جاهداً لتحقيق ذلك، ويجب على القوى السياسية التي تسعى لإعادة هيبة الدولة أن تكون داعمة له”. وشدّد على أن “هناك ضرورة لأن يتشكل تحالف قوي يؤسس لفترة انتخابية مقبلة، ضمن الضوابط الدولية، وأن تفرض الدولة نفسها، إذ لا تعاد هيبة الدولة إلا من خلال وحدة الكتل السياسية”.القوى السياسية التي تسعى لتعطيل إجراء الانتخابات، لا تستطيع الخروج من دائرة التحالفات التقليديةمن جهته، يبدو تحالف “سائرون” بقيادة مقتدى الصدر، بعيداً عن حركات الاستقطاب الانتخابي، إلا أنه لم يستبعد إمكانية تحالفه مع القوى التي تؤمن برؤيته السياسية. وقال النائب عن التحالف صباح العكيدي، إن “التحالفات السابقة لم تقدم شيئاً للبلاد، لذلك كان سائرون بعيداً عنها، لذلك تحتاج المرحلة القادمة إلى تفاهمات وتوافقات”، مضيفاً أنه “ليست لدينا أي نية للتحالف مع أي جهة، لأن أغلب التحالفات تبنى وفقاً لمصالح خاصة، وهذا أمر مرفوض بالنسبة إلينا”. وتابع: “إذا لاحظنا مستقبلاً أي جهة أخرى تتوافق معنا في رؤيتنا السياسية، فمن الممكن أن نتحالف معها مستقبلاً، لأن الوضع الحالي غير واضح”.ويرى مراقبون أن القوى السياسية التي تسعى لتعطيل إجراء الانتخابات، لا تستطيع الخروج من دائرة التحالفات التقليدية، وستحاول التأثير على الانتخابات. وهو ما يشير إليه الخبير بالشأن السياسي العراقي علي الفتلاوي، في حديثٍ صحفي، بالقول إن “تلك القوى تجد نفسها محاصرة بين الحراك الشعبي وبين موعد إجراء الانتخابات الذي أعلن عنه بشكل مفاجئ، الأمر الذي دفعها نحو السعي لإعادة هيكلة تحالفاتها القديمة التي تعتمد على الطائفية، وستستخدم المال للتأثير على الانتخابات”. وشدّد على أن “فوز التحالفات التقليدية في الانتخابات المقبلة أمر مستبعد إذا كانت الانتخابات نزيهة، إلا أن المخاوف تكمن بإمكانية التأثير عليها، لأن تلك القوى ستبذل كل ما بوسعها للفوز، ولا سيما أنها تعتبر أن مستقبلها السياسي بات على الحافة”.
في حقيقة الأمر فإن الأحزاب تتصرف بطريقة تعلن من خلالها اذعانها الدائم لمشروع الاحتلال باعتبارها وارثة انحطاطه.
بكل مرارة وألم نشاهد إن عبث الأحزاب السياسية اليوم يلغي كل شيء وكل مقومات الوطن لحساب أجنداتها المشبعة بالمشاحنات والمكايدات والتهميش والإقصاء وإلغاء الآخر والانتقام من الخصوم كيفما كانت النتائج المأساوية ، إلى متى يظل المواطن غريباً في وطنه يرتجي لحظة نجاة؟؟ ومتى يتحلل من موت يتربص اماله وأحلامه الذابلة؟ وإلى متى سيظل الحقد يغتال فيه كل بارق لأمنياته البائسة؟ والتحدي الفارغ بين قواه السياسية المختلفة في الساحة تعوزها الثقافة وفي حدها الأدنى للوعي والتربية وعدم الاحساس بالانتماء والمواطنة الحقة والى النقص الشديد في التربية الوطنية وحب الوطن ولم يظهر على السطح أي مشروع وطني حقيقي يحافظ على هيبة الدولة المفقودة والاتفاق على مفهوم السيادة وجعل المصلحة الوطنية العليا هي الأساس ويلم شروخ النفوس التي قتلتها الأحقاد السياسية بشراسة، كل هذا بالتأكيد لا ولن يبني وطن بقدر ما يهدمه لسنوات ولعقود قحط قادمة، اسمعوا صرخات قلوب مؤمنة،، تحرص على تجنيب البلاد مزالق المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية التي تدفع المليارات من أوساخ الدنيا الفانية لتشتري الذمم وتبيع كل مافيه بثمن بخس .. لهدم مداميك البلاد وأوتادها، وتهيئة الساحات للمزيد من الانحلال والتفسخ والقضاء على الوطن الغالي ، ولن تنطلي المظاهر والقشور التي يتلبس بها شياطين السياسة!.
وان البلاد تمر بفترة صداع مؤلمة، والجام القوى السياسية والحزبية المنفلتة والمؤزمة والمتأزمة تعيش في وادي غير وادي ابنائه ولم يظهر إلا موت للقيم الوطنية والإنسانية والأخلاقية وامتهان لكرامة ودم الإنسان فيه من أقصى الى اقصاه وتمزيق لعرى الألفة والمودة وبروز شريعة الغاب التي ضاع فيها الكادح والمواطن الذي لا يحلم سوى برغيف خبز طازج استكثره عليه اللاعبون بجمر الأحقاد ولونوه بكل بشاعة ، والى متى يبقى هذا الشعب يحلق في أجواء تتلبد بالسذاجة المفرطة اذا تصور ان مشاكل حياته ستحل في القادم من الأيام ، في اصدار أمر بالانتخابات التي لا يعرف تاريخها ويعيش زمن العبث السياسي فكيف سيتخيل مؤسسة تشريعية حقيقية بوجوه انتخابية غير مزيفة وهل يسترجع المواطن الثقة في العمل السياسي ويشارك بكثافة في الإستحقاقات الإنتخابية ،ويكون مطمئن أن الأحزاب والكتل السياسية ستحترم إختيارته ولا تتحالف مع من لم يظفر بثقة المواطنين وتحترم توجهاته وإيديولوجياته ويرتقي بخطابه السياسي العبثي الى خطاب حقيقي وواقعي بممارسة سياسية سليمة في ظل مشهد سياسي مناسب .
المشاكل معقدة وكثيرة ومتشابكة ترتد في جذورها الى أسباب اللعبة السياسية الهزيلة وشد الحبل بين الكتل الذين يسيطرون عليه بالفساد والحكومة المرتعبة التي تخاف وتضع الف حساب لهؤلاء ومطالباتهم بكسر القانون والتعدي على السلطات، ان حالة (العبث السياسي) لا يدركه الذين يسيرون بالبلاد الى أودية الضياع بغلوهم ومسمياتهم الجديدة البطة والاوبل والكاتيوشة والمصيادة لتكون احياء لموتتهم .
المشهد السياسي العراقي يمر بمخاض سياسي عسير عبثي والذي يعني ” سلوك سياسي تغيب فيه العقلانية من جهة ونوع من العدوانية الثأرية من جهة ثانية وهذا السلوك من شأنه أن يدمر كل ما حولنه. لأن اي سلوك عدواني تدميري بالدرجة الأولى سوف يلقي بظله عَلى حياة المجتمع ومستقبل الناس ومصيرهم وهنا تكمن الخطورة من غضب المجتمع في لحظة ما وهذا العبث السياسي لن يمرّ على الشعب الواعي والمتيقض ولكل ما يحاك عليه و بات المشهد مملّاً بالفعل، لا بل إنه يبعث على الاستفزاز والتَّقَزُّزِ لان العبث السياسي يظهر في أبشع ملامحه يوماً بعد يوم.”
إن المتأمل للمشهد وما فيه من توتر واحتقان لا يحتمل الدخول نحو الخير بل الى متاهات قد تدفع بالبلاد إلى مالا يحمد عقباه و المطلوب و بأسرع وقت ممكن للاتفاف حول الوطن والتكاتف بين الجميع وترك السيناريوهات والمناكفات جانبا لتجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها وما يزال يمر بتعقيدات وصعوبات وهو في أحوج الظروف من أي وقت مضى إلى العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الواعي من أجل الخروج إلى بر الأمان بأخف الأضرار ، وكل المؤشرات تعطينا الهواجس بأن هناك مستقبل مجهول ، ينبغي إلتفاف حول رجال الوطن الحقيقيين والمجتمع الصالح وتوسيع رقعة التصالح وإصلاح المشهد السياسي الحالي البالي الذي يطلب من الجميع الادراك بخطورته ورسم ملامح جديدة وتحديد خطوطه وحدوده و بالتالي يعتبر المخرج الأوحد للجميع وبدونه لا مجال لأن ينفرد أي طرف بمفاتيح العملية السياسية كما نشاهده فالمرحلة لا تقبل الغش والضحط على الذقون بغير المسار الوطني الخدوم بين كل القوى بمختلف أطيافها وأي محاولة للانفراد أو تهميش او التعالي على الشعب وارادته واستبعاد مصالحه لن تكون إلا هدما لسقف الوطن على رؤوس الجميع.
حذار و حذار ايها السياسيون لأن الشعب سئم الوعود و نقض العهود و الوضع دقيق ولم يعد يحتمل، و الشعب العراقي سيكون بالمرصاد لكل من تخول له نفسه الإنحراف بمسار البلاد و امنه واللعب على جروحه و استقراره وهو قادر على أن يفرق بين الحقيقي والمزيف دون وصاية من أحد وسيبقى هذا الشعب الضامن الوحيد لحياة سياسية تتمتع بديمقراطية حقيقية وبالتالي هذا الشعب صحيح أنه مهمش و لكن ليس غبي ليرضى بالعبث السياسي و لن يقبل به، فحكموا عقولكم قبل فوات الأوان و البلاد غير قادرة على تحمل المزيد من العبث و المناورات، الشعب يريد سياسيون يحترمون انفسهم و يحترمون هذا الوطن و شعبه ، لا مجال للخطأ و هو داخل وضع متأزم على جميع الأصعدة .
في العراق لدينا تجربة قاسية مع الفكر الشمولي، الأمر الذي أدى الى سيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم في العراق، ثم انتهى دور القيادات المنافسة لصدام بعد أن قام بتصفيتهم، ليتم بالنتيجة اختصار العراق دولة وشعبا في شخصية الحاكم الأوحد (صدام)، لذلك فإن التجربة التي يعيشها العراق اليوم تعد فريدة في تاريخه السياسي، لم تتوفر للعراق مثل هذه الفرصة في جميع عهود الحكم بشكليْه الملكي والجمهوري.
هذا يعد أحد أهم الدوافع للأحزاب السياسية العراقية أن تستفيد من هذه الفرصة كي تقود العمل الديمقراطي الى المنطقة السليمة، فلا ينبغي لصراع الإرادات فيما بين قادتها أن تجعلها غير قادرة على توظيف الفرصة السانحة لها لتثبيت دعامات التجربة الديمقراطية في العراق، لا ريب للأحزاب السياسية الحق في السعي والتحرك فكريا وعمليا، لاستقطاب الجماهير لصالحها، ولكن لا يجب أن تتحول الطموحات الحزبية الى صراعات فيتم تدمير التجربة، لنعود الى نقطة البداية ونجد أنفسنا في كماشة الفكر الشمولي مرة أخرى.
ومن خلال مراقبة المشهد السياسي، يستطيع الرائي كشف تلك الألاعيب التي تبتكرها الأحزاب من أجل تدمير إرادة الأحزاب المنافسة لها، حتى تتفرد بمغانم السلطة، ولكنها لا تدري أنها بمثل هذا الأسلوب المدمر إنما تسعى (من غير أن تعلم) نحو تدمير نفسها، وفرصتها التي لم تتوفر لأي من الأحزاب في جميع عهود الحكم الماضية، فعلى هذه الأحزاب أن لا تختلق الأسباب لتأجيج الصراع فيما بينها، ولابد أن تضبط إيقاعها وفق المنهج الديمقراطي التعددي الذي يمنح الجميع فرصا متكافئة حسب المؤهلات والسعي والبرنامج السياسية ومدى قدرة الحزب على كسب أكبر عدد من الجماهير بوصفه ممثلا لطموحاتهم واحتياجاتهم المادية والفكرية والسياسية وسواها.
أما لماذا تذهب الأحزاب لاختلاق الأزمات وتنمية الصراعات فيما بينها، فهذا أمر معلوم، إنها تحاول أن تكسب أكبر قدر من النفوذ والجاه والمزايا من خلال تسقيط الحزب الآخر، والمشكلة أن طرق الصراع هنا لا يقوم على المصلحة الحزبية أو السياسية، وإنما ثمة نظرة ضيقة تقوم على المنفعة الفورية هي التي تغذي هذا النوع من الصراعات بين قادة الأحزاب وبين قواعدها أيضا.
أما ما هو نوع الأزمات التي تصنعها الأحزاب ضد بعضها البعض، فهي تتوزع على مجالات مختلفة منها أمنية، حيث يتم صنع أزمة أمنية لإسقاط الحزب الأكثر هيمنة على السلطة كي يتم إثبات أنه حزب غير قادر على تحقيق الأمن وبهذه الطريقة يتم تسقيطه، كذلك قد يتم صنع أزمات خدماتية كما هو الحال بالنسبة لقطاع الكهرباء والبلديات، والغذاء الفاسد وما شابه، هذه الحالات من الصراع قد تخدم بعض الأحزاب والجهات السياسية آنيا، ولكنها سوف تصيب العملية السياسية برمتها بالضرر وتحيطها بكوارث غير متوقّعة.
ومما يدخل في إطار إفشال العمل السياسي، وتدمير الديمقراطية، صناعة الفساد ونشره حتى يبدو كأنه أمر لا مفر منه، أو كأنه أمر واقع على العراقيين القبول به والتعايش معه، ولكن هل تعلم الأحزاب التي تغذي الفساد وتسعى لصنعه، بأنها كمن يحفر حفرة لأخيه، لكنه بالنتيجة هو الذي سوف يسقط فيها، نعم إن الأحزاب السياسية من خلال أساليبها هذه، تسيء لنفسها وللدولة وللشعب، كما أنها تغامر في إفشال أهم فرصة ديمقراطية تحصل على مدى التاريخ السياسي في العراق، فهل يجوز إهدار هذه الفرصة والتفريط بها بسبب صراعات الأحزاب على المغانم والمكاسب والمصالح، فيما الشعب يعاني الأمرّين في جميع المجالات؟.
قد لا يعي قادة الأحزاب أو حتى الأعضاء الكبار فيها، أنهم يغامرون بفشل العملية الديمقراطية برمتها، إذا لم يصححوا مساراتهم، ويكافحوا الفساد، ويثبتوا القواعد الأساسية لبناء الدولة، ومنها التداول السلمي للسلطة، ومنهج التعددية، وترويج وتثبيت أسلوب الانتخابات وصولا الى السلطة من أقل الى أعلى مراكزها، وفي جميع مفاصل الدولة بلا استثناء.
على أننا يجب أن ننبّه الى مرتكز أساس في العمل السياسي العراقي، وما متاح فيه من فرصة ذهبية للأحزاب السياسية، ونعني بهذا المرتكز، وضع الخطوات النظرية التطبيقية للحفاظ على الديمقراطية وعلى الدولة المدنية، وهذا ينبغي أن يبدأ بخطوة كبرى أساسية لا يمكن بدونها الحفاظ على التجربة أو على الدولة، وهذه الخطوة هي (القضاء الحتمي على الفساد)، فبدون دحر الفساد سوف تضيع فرصة بناء الدولة العراقية المدنية، وسوف تضيع الديمقراطية، وتتبعثر الأحزاب السياسية وتذهب الى المجهول.
هل يعي قادة الأحزاب وقواعدها الشعبية خطورة ما يمكن أن يقود إليه الفساد وما سينتج عنه في المحصلة؟، هكذا يجب أن يتحمل كل قائد حزب سياسي وكل عضو من أعضائه مسؤولية الحفاظ على الديمقراطية، وعلى الدولة المدنية، من خلال دحر آفة الفساد ورؤوسها، وتثبيت القواعد المهمة الواضحة التي ينتظم في ضوئها النشاط السياسي في عموم العراق، وقد يكون هذا التحير الأخير إذا لم تباشر الأحزاب السياسية بسن أو تعديل قانون انتخابات يؤمّن للعراق منهجا ديمقراطيا أمينا وسليما ومحميا، يؤدي بالنتيجة الى حماية دولة العراق المدنية والتجربة السياسية المعرّضة للخطر.
فقد أعلنت مؤخرا مفوضية النزاهة ملفات اختلاس وسطو على المال العام ورفض كشف الذمم المالية وهدر للمال العام بملايين الدولارات، ومع الإعلان عن استرداد قسم من هذه الأموال، إلا أن أحد نواب اللجنة القانونية في البرلمان أعلن في أحدى الفضائيات أن ما تم استرداده لا يساوي واحد بالألف مما تمت سرقته، ومما يثير الدهشة حقا، أن الجميع يتحدث عن صفقات الفساد، ولكننا لم نلحظ حتى الآن القبض على رأس من رؤوس الفساد وإيداعه السجن بالجرم المشهود حتى يشكل حالة ردع للآخرين، وأمر طبيعي أن يبقى الفساد كما هو بسبب عدم مواجهته بقوة من خلال القانون أو سواه من الإجراءات الفعالة.
وما يشغل الكتل والأحزاب السياسية اليوم ليس الفساد بأشكاله كافة، وإنما كيف تبقى السلطة في حوزة هذه الأحزاب، وكيف تبقى الامتيازات مخصصة لها حصرا، وكيف تكون القوة رهن إشارتها، إنها تعمل بإصرار غريب على ضرب مصالح الشعب، وإهمال بناء مؤسسات الدولة، مع الإيغال الغريب في تكديس الأموال لصالح شخصيات حزبية وجماعات سياسية تتوافق فيما بينها على حصد الملايين من حقوق وثروات الشعب، ولكن تتناسى الطبقة السياسية المخاطر التي ستطفو الى السطح بسبب هذا الإهمال الغريب للشعب والدولة.
إن الكوارث التي تلوح في الأفق على جانب من الخطورة لا يصح النظر إليها بعين واحدة، فما يجري اليوم في الشارع لا يبشر بخير، ولابد أن تكون هنالك مبادرات عملية لتلافي ما يحدث من أخطاء، والحقيقة لا يزال الأمر تحت السيطرة شريطة أن تسهم الكتل والأحزاب السياسية في تقديم رؤية واضحة لمعالجة الأوضاع السائدة، وإعلان نقاط عملية يتم الالتزام بها من لدن الجميع، ذلك أن عدم الاستفادة من أخطاء الماضي القريب سوف تقود الجميع الى كوارث ليست في الحسبان، ومنها كوارث تعرض البلد برمته لخطر الضياع أو الانهيار.
فحري بالأحزاب والكتل وكل العاملين في الميدان السياسي إجراء التغييرات الفورية التي تضع النقاط الصحيحة فوق حروفها، ولا يصح أن تكون هناك مغالاة وإصرار على المصالح الذاتية مع الإصرار على إهمال مصالح الشعب وبناء الدولة، لذلك على الأحزاب العراقية منذ البداية أن تتعاون جميعا فيما بينها بغض النظر عن الاختلافات في الآراء أو المسارات او الرؤى، لبناء القاعدة الأساسية الوطنية المتينة التي تتحرك فيها جميع الأنشطة السياسية، تلاقيا أو تباعدا، لكي يبقى القرار السياسي عراقيا خالصا.
أما المشهد السياسي الراهن بين الأحزاب فيقدم لنا صورة تنم عن لهاث وراء المغانم والمصالح الذاتية بدليل عدم السعي لتثبيت سياسة واضحة تدعم الشعب ومؤسسات الدولة، مع الانشغال المستمر بالصراعات الجانبية التي جرت ولا تزال تجري بين السياسيين العراقيين في الأحزاب والكتل، وهذا ما يؤكد بأنهم لم يعطوا الأهمية اللازمة لحاضر ومستقبل الدولة والشعب، ولم يشغلوا أنفسهم بالبناء الصحيح للنظام التعددي الديمقراطي، والسبب كما هو معروف، يعود الى هوس الانشغال بالمنافع الآنية كالمناصب والأموال والجاه والامتيازات الهائلة و الزائلة في نفس الوقت.
إن الاستمرار بسياسة تغليب مصلحة الحزب والكتلة على سواها، هو الذي يجعل العراق معرضا لخطر قاتل، فهذا النوع من الإصرار السياسي على إنتاج الكوارث القاتلة يثير الغرابة حقا، إذ ليس هناك طبقة سياسية في العالم أجمع لا توازن بين مصالحها ومصالح الشعب، لكن الذي يجري اليوم هو إهمال وتناسي شبه تام للشعب، وتلاعب في أمواله وحقوقه وحاجاته الأساسية بل وصل الأمر حد التلاعب حتى في غذائه، ليس هذا فحسب، بل هناك إصرار على تقاسم المغانم بين الأحزاب وكأنها ليست أموال شعب وإنما ملك صرف للطبقة السياسية الحاكمة، لدرجة أن الشعب وصل به الأمر الى القبول بالسرقة إذا كانت تُنصف الشعب، وكثير من المواطنين يصرح لوسائل الإعلام، (دعهم يسرقون ولكن عليهم فقط أن يتركوا للشعب نسبة بسيطة)، هكذا وصلت الأمور الى هذا الحد ولا يزال الإيغال في إهمال الشعب مستمرا.
وما يزيد الأمر تعقيدا، هو تشبث هذه الأحزاب بالسلطة، وبعضها يسعى الى صيغ سياسية لا تنسجم مع بناء النظام السياسي الديمقراطي، وهذه النقطة بالذات تشكل خطرا على حاضر ومستقبل الدولة العراقية، فهي قد تكون بداية للعودة الى العصر السياسي الفردي الذي أحرق الأخضر واليابس، لذا لا يريد العراقيون العودة الى الوراء، وهذا يتعلق بالأحزاب والكتل السياسية وعدم إصرارها على ارتكاب الأخطاء التي قد تقود العراق والعراقيين نحو منزلق خطير يقودهم الى مربع الدكتاتورية من جديد.