18 ديسمبر، 2024 1:36 م

اقتصاد الامتيازات والجوائز

اقتصاد الامتيازات والجوائز

لم يعد مبررا الاستمرار في تنظيم الطاقة والبنوك والاتصالات والتعليم، ومهن وأعمال أخرى كثيرة، بالطريقة القائمة اليوم. ففي صعود المدن والمجتمعات والأفراد والمشروعات الصغيرة، وإمكانات العمل والإنتاج من غير مؤسسات كبرى ومركزية، ثمة حاجة إلى تشريعات وأنظمة تمويل وعمليات إدارة وتنظيم للعمل والإنتاج مختلفة عما هو قائم ومتبع اليوم.

لم تعد البنوك، في فلسفتها وطبيعتها، مؤهلة لاستيعاب اقتصاد اجتماعي يشارك المدن والبلدات والأفراد في اتجاهات جديدة لإدارة وتنظيم موارد كل هؤلاء وأولوياتهم استنادا إلى رؤية اقتصادية اجتماعية ملائمة للتحولات. ففي التمويل الآمن والأرباح الهائلة المضمونة لقاء خدمات مالية وتنظيمية أقل جدوى، تتحول البنوك إلى جهة معادية للأفراد والمجتمعات، بل إنها تمضي في التأثير لاستنزاف موارد المواطنين في عمليات غير مجدية، والتوسع في الرسوم على الخدمات. ويبدو واضحا اليوم كيف يواجه المواطنون صعوبات اقتصادية ومعيشية، وكيف تتراجع العوائد والأرباح لجميع القطاعات الاقتصادية، في حين تواصل البنوك أرباحها في عمليات تلقائية مضمونة لا مغامرة ولا استثمار حقيقيا فيها. وبرغم أرباحها وحصتها الهائلة في الاقتصاد، فإنها القطاع الأقل تشغيلا للمواطنين والأكثر استمتاعا بالتسهيلات الضريبية والحماية القانونية والحكومية.

ثمة حاجة وأولوية كبرى لأنواع جديدة من البنوك، قائمة على مشاركة اقتصادية واجتماعية، وبقدر من المغامرة وبنسب من الربح والعائد تتفق مع فرص المشروعات التي تمولها، وتهتم أساسا بالمشاركة مع المدن والبلدات والأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات القدرة التشغيلية والمتوطنة في البلدات والمحافظات والقطاعات الأكثر قدرة على تحسين حياة الناس وزيادة مشاركتهم الاقتصادية، وتطوير وتوفير احتياجاتهم الأساسية في الزراعة والغذاء والمياه والطاقة والدواء والأثاث واللباس والتعليم والنقل والإبداع.

أما قطاع الاتصالات، فقد زادت أهميته وعلاقته بشؤون الدولة وسيادتها، وبحياة ومصالح الناس والمجتمعات والأفراد، على نحو أكبر بكثير من قدرات شركات الاتصالات ومركزها القانوني. وحان الوقت لتحويل قطاع الاتصالات إلى مرفق عام ومشاعي، مثل الطرق والجسور، يمكن لجميع المواطنين الوصول إليه واستخدامه، وأن يرد تنظيمه وإدارته إلى السلطة السياسية، فيما يكون دور الشركات في توريد الخدمات وتزويدها للسلطات والمدن والبلدات. فقد تحولت شركات الاتصالات إلى سلطة أكبر من الحكومة من غير مؤهلات اجتماعية وتكنولوجية كافية، كما إنها في الوقت نفسه عاجزة عن تنظيم القطاع وإدارته.

ويتيح التطور التكنولوجي في مجال الطاقة المتجددة مجالا واسعا للأفراد والبلديات والمؤسسات لإنتاج الطاقة. لكن عمليات التشريع والتنظيم للطاقة ما تزال منحازة ضد المواطنين.

حان الوقت لأن تعيد الحكومة النظر في التشريعات وفي موقفها الاجتماعي أيضا لتكون على الأقل في موقف محايد، وليست منحازة إلى الشركات الكبرى في مواجهة الأفراد والمجتمعات.

نقلا عن الحياة