الشخصنة هي مرض خطير يصيب المجتمع وتعني تقديس الأشخاص على حساب الجماعة والمؤسسة.
والشخصنة هي بوابة الاستبداد للمجتمع ، بل هي الاستبداد ذاته، فالمستبد يُصنع من قبل أتباعه، الذين يعطونه صفات ومميزات أكبر من حجمه.الفرد مهما كانت قدراته وإبداعاته يظل ناقصا لا يستطيع تحقيق شيء إلا إذا كان معه جماعة قوية تسانده.القائد الفذ والزعيم الضرورة والقيادة الحكيمة ورجل المرحلة كلها عبارات ومساحات استبدادية تعلو من شأن الفرد، وتهمّش من دور الجماعة وتصنع الاستبداد.
فالغربيون يربطون تطور نظامهم السياسي بالديموقراطية، وتطور الديموقراطية بالمزيد من الديموقراطية. أي خيار آخر بالنسبة لهم اقرب إلى الانتحار أو اشبه بمن يهدم بيته احتجاجا على مرور طريق قربه. هم أصحاب ذاكرة لن نقول قوية أو ضعيفة بل نقول موثقة. لم يخجلوا من توثيق كل تجاربهم السيئة في برامجهم الدراسية ومناهجهم التربوية وأعمالهم الفنية.
حشروها حشرا في الوعي المجتمعي إلى الدرجة التي حولت حتى المشاعر إلى ثقافة رافضة للكراهية والعنصرية والتمييز والانغلاق وازدراء الرأي الآخر وحجر الحريات وتكميم الافواه.
عندما كنا ندرس في الجامعات الاوروبية كان زملائنا الطلاب من الاوروبيين ينظرون إلينا وخاصة عندما نتحدث وطننا ونظامنا السياسي المحلي وكأننا من كوكب آخر، خصوصا في مسائل الديموقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل وحتى الحيوان، ونتذكر كيف كانوا يشفقون علينا عندما كنا نبدأ بتقديس القائد الملهم والاوحد وعبادة الزعامات والعبودية أمام الافكار والمعتقدات السياسية…
طبعا هذه الافكار التي خرجت من رحم الانقسامات والحروب وصارت ثقافة المجتمع ، ومن ثم تحولت إلى قوانين، فالعنصري حر بمعتقداته لكنه إن ترجمها بلسانه أو يده لن يكون شتاماً فحسب بل سجينا أيضاً أو معاقباً. تشكلت الأجيال على المبادئ نفسها.
نشهد اليوم على الساحة التركمانية ومع بدء العدّ العكسي للإستحقاقات الوطنية والقومية القادمة حفلة جنون جديدة قوامها تقديس بعض الأشخاص السيئين لإعادة تنظيف الغبار عنهم واحياؤهم من جديد بعد كل ما عاناه المجتمع السوري عامة والتركماني خاصة من ويلات نتيجة ممارسات هذه الوجوه التي لم تفعل إلا ما يُرضي مصالحها ويُحقق رغباتها، حيث نراهم اليوم وعبر استئجار بعض المنابر تحاول صبغ نفسها بلون الناس والوطن، متناسبة أنها كانت سببباً في تعاسة هذا المواطن وشرذمة الوطن من اقصاه الى اقصاها.
وان محاولة نسيان الناس تاريخاً سياسياً سيئاً السمعة، ما هو إلا لإعادة إنتاج ذات الطبقة السياسية السيئة السمعة في خدمة المجتمع بإنتاجها مجدداً على الساحة إنما نساهم في خراب الوطن والمجتمع وأخذه نحو الهاوية، ونزيد من تعاسه المجتمع ونضيع حقوقه في الوطن الغد ونلحق الأذى الاضافي به، على الرغم من أن أوضاعه أقل حتى من الخط الاحمر بكثير.
لذا فكل ما نشاهده من تمسيخ جوخ ومحاولة إعادة تموضعات وتبييض صفحات بعض الأشخاص وتقديسهم في حالات كثيرة ما هي إلا مؤامرة وخداع يتعرض لها المجتمع السوري عامة والتركماني السوري خاصة ، ينبغي عدم السماح بالسير بها لا وبل مجابهتها عبر محاسبة حقيقية لكي لا يُشوَّه التاريخ من جديد من قبل تلك الاشخاص . “حصدنا ما يكفي من سوء أختيارتنا فاللهم أختر لنا ولا تخيرنا فأننا لا نحسن الاختيار.”
لا بد من أطر سياسية متقدمة بعيدة عن الأمراض الطائفية والقبلية والعنصرية تسمح بانخراط الوطنيين السوريين فيها وفق ثقافة واضحة قائمة على مفهوم المواطنة والحداثة والتنمية والتقدم واستناداً إلى تشريعات تنقل العمل الديموقراطي من الافكار إلى القوانين.
الطريق طويل، إنما لا بد من عبوره وإن شاء الله من خلال مجاميع شبابية واعية،الذين نفخر بهم، وسنستمر طريق النضال معهم .
إن من يصنع الحضارة والنهضة هو الجماعات المتماسكة القوية..
فالأمة لا يمكن أن تنهض وتصلح حالها إلا في ظل دولة المؤسسات، التى لا تتأثر بتغير الأشخاص، فالتحرر من ثقافة الشخصنة، وتقديس الأشخاص صار ضرورة واقعية وفريضة دينية حتى.