امتازت فترة حكم الامام علي (ع) بظهور الحركات الدينية او ما يطلق عليه الان الاسلام السياسي ومن اهم هذه الحركات هم الخوارج فقد قاتلهم في النهروان ولكنه نهى عن قتالهم فيما بعد لأسباب للباحثين في هذا الشأن مذاهب شتى فقد غرَّب بعضهم وشرَّق البعض الآخر في اسباب النهي ،واعتقد جازما ان الإمام علي ادرك بنظره الثاقب ان عملية اجتثاث هؤلاء ستكون مستحيلة لأنهم اسسوا لفكر معين وهذا الفكر لم ينته حتى وان بقيَّ منهم شخص واحد ،فتجنب اضطهادهم وتتبعهم حتى تعرّض للقتل على يد احدهم ،فطبيعة الايديولوجيات غالبا ما تكون مثل الحيوان الماكر والذي كلما تم تضييق الخناق عليه وادرك بعدم الخلاص يمثل دور الميت ليتخلص من اعداءه ،ولكن هناك طريق واحد اراد علي بن ابي طالب ان يوضحه بأن عملية اسقاط هذه الافكار ستكون بيد الشعب نفسه لا الحكام فهم من يقرر اسقاط هذه الحركات وفي التاريخ شواهد كثيرة .
المتتبع لتاريخ الحركات الدينية والسياسية الحديثة في الوطن العربي لابد له ان يتوقف عند تجربتين اساسيتين للإسلام السياسي ففي مصر حيث ظهرت اولى هذه الحركات وهم الاخوان المسلمين فقد عجزت الدولة المصرية بقيادة عبد الناصر عن اجتثاث وتحجيم هذا الحزب وكذلك الحال مع خلفه السادات وحسني مبارك ،ولكن الجماهير المصرية في انتفاضة يناير استطاعت ان تحجم هذا التنظيم من خلال السقوط الدراماتيكي لحكومة (مرسي ) وتم تقديمه للمحاكمة العلنية وبالتالي كان الشارع المصري ينبذ هذه الايديولوجيات بكل تفاصيلها بعدما كان يعطف على مظلوميتهم ويعتبرهم من ضمن المضطهدين .
لدينا تجربة اخرى في العراق حيث لم يتمكن حزب البعث من اجتثاث حزب الدعوة خلال خمسة وثلاثون عام مستخدما كافة الوسائل القمعية والتصفيات الجسدية لأعضاء التنظيم وممن لهم علاقة ولو من بعيد بأحد اعضاء هذ التنظيم ،فقد اسس النظام قواعد المظلومية لهذا الحزب وبالرغم من هذا القمع وتشظي حزب الدعوة الاسلامية الى عدة احزاب ، الا انه عاد بعد الاحتلال ليحكم العراق من خلال عدة حكومات اولها الجعفري والمالكي والعبادي وحتى عبد المهدي هو جزء من هذا الحزب وبالتالي فقد استطاعت الجماهير العراقية من اسقاط هذا الحزب في اكتوبر، ولكنها لم تتخلص من احزاب الاسلام السياسي التي تغلغلت في مفاصل الدولة ونهبت ثرواتها وتمكنت من السيطرة من خلال ميليشياتها على مفاصل الدولة .
لقد بقي هناك درع اخير لهذه الاحزاب وهو التيار الصدري وهو يمثل الجدار الواقي في هذه المرحلة لأحزاب الاسلام السياسي .لقد ادركت هذه التنظيمات اهمية التيار الصدري بما يمثله من قاعدة جماهيرية واسعة مؤدلجة عقائديا وذات تأثير سياسي قوي في الشارع العراقي لما تمتلكه من قوة ردع وقمع ميليشياوية كبيرة ،فقد اتفق الشركاء على اعطاء امتيازات كبيرة لهذا التيار في الحكومة القادمة وربما سيكون تمثيلهم في الحكومة على مستوى رئاسة الوزراء وهذا ما اكده السيد الصدر في عدة احاديث له ملوِّحاً باستخدام القوة والاغتيالات في حالة عدم حصوله على ما يريد ولعل تلويحه باستخدام سيارات تويوتا والتي يطلق عليها اسم (البطة )في هذه العمليات .
ان اسقاط هذه الحركات لم يكن سهلا على مدى التاريخ العربي الاسلامي ،فكل حركات الاسلام السياسي التي ظهرت في تاريخنا القديم والحديث لم يتمكن الحكام من اسقاطها وكانت مهمة اسقاط هذه الحركات تقع على عاتق الجماهير ،فهذه الحركات سرعان ما تكشف عن نواياها عند استلامها السلطة وتسقط بفعل جماهيري كبير لا تستطيع الصمود امامه مهما استخدمت من اساليب قمعية .
في حالة ان تمت الانتخابات في الفترة القادمة فسيكون رئيس الوزراء من التيار او لم تتم فسيتسلط التيار الصدري على مقاليد الامور في البلد وستشهد السنتين القادمتين مخاضا عسيرا ليشهد بعدها العراق سقوطا دراماتيكيا لآخر قلاع الاحزاب الدينية ،ان عملية نبذ هذه الاحزاب وانكشاف الغطاء العقائدي من خلال مزاولة السلطة لأفرادها هو معيار حاكم للشعب في تقييم مدى حقيقة وصلاحية هذه الاحزاب للحكم .
في نهاية حقبة حزب البعث وحكومة صدام كان يتردد في الاوساط الشعبية والشارع العراقي بأنهم سيقبلون بأي حكومة حتى لو كانت صهيونية عدا هؤلاء ،فكانت تهيئة نفسية للشارع العراقي تم من خلالها اسقاط نظام البعث .واعتقد ان الاون قد حلَّ ليتخلص العراقيون من هذه الحقبة التي سلبت العراقيين حتى كرامتهم وحقهم بالعيش الكريم .
—
null