هنا يتم تناول مصطلح نظرية المؤامرة من وجهات نظر سياسية او النزاعات والاختلافات بين الدول او اتخاذ التدابير الاحترازية، باحتمالية احداث اضرار في بنية الدولة، لغرض تخويف الشعوب، لكن هذا المصطلح يأخذ في مستويات اخرى تتمدد افقيا او عموديا في العلاقات الاجتماعية وتفاصيلها، وكذلك بيئة العمل والأسرة الواحدة، وأغلب المتداولين لهذا المصطلح لايستندون الى الحقائق الموضوعية، وانما الى شكوك وأوهام للإزاحة او الاستبدال، خصوصا في مجال العمل الذي يشكل البيئة في معظم الأحيان الركيزة الاساسية في تنامي نظرية المؤامرة لتقاطع المصالح الوظيفية.
وترتكز نظرية المؤامرة على عدة مؤشرات، قد تكون معرفية أو سيكولوجية او اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وربما تتعدى ذلك إلى أسباب انطولوجية، ولكن جوهر هذه الأسباب سايكولوجية والعوامل الأخرى مغذيات لها، فالأسباب الاجتماعية تتعلق بالهوية والانتماء عندما ينبأ الفرد ويهمش يشعر بأن وراء ذلك مخططا لاقصائه، واقتصاديا البطالة والحرمان والفقر يشعر الفرد خلالها بوجود مؤامرة لاستلابه حقوقه، وأما الأسباب المعرفية وجود الأدلة والبراهين، وقد تكون بسبب امتلاك الشخص لثقافة نقدية وقدرة على التحليل”.
واما في مجال السياسة، فترتبط بمتغيرات عدة، قد يكون سببها الانتماء الحزبي أو الولاء لجهة سياسية، وتحصيل حاصل تكون الأسباب السيكولوجية هي محور هذه الاسباب، نتيجة دوافع لا شعورية، فالاعتقاد بالمؤامرة وسيلة دفاعية ومن جانب آخر الإسقاط بسبب التشكيك بما يحدث، والخوف من مما يحدث، وانطولوجيا هي البحث عن معنى للوجود ومحاولة التخلص من القلق الوجودي، وبالرغم من كل ذلك لا يعني عدم وجود مؤامرة، فطالما توجد مصالح يوجد صراع، وطالما يوجد تخطيط لإقصاء الآخر، وهناك مؤشرات عديدة ما يجري في دول كثيرة”.
وحيث ان النية الصادقة وصفاء القلب من أرقى الصفات الانسانية التي يفترض ان تقود الحياة الاجتماعية والتعامل مع الآخرين، اما واقع الحال فيعرض شيئا اخر!، فالتعامل بحسن الظن مع الاخرين تم استبداله بسوء الظن او ما يسمى بنظرية المؤامرة، الخالق سبحانه وتعالى لم يفطر الانسان على ذلك ولم يفطره على اي سوء، بل وعلى العكس من ذلك فطره على أرقى الفضائل، اذ إنها ممارسة مكتسبة وليست فطرية، فالصدق والامانة ونكران الذات والقناعة اذا ما قادت الانسان لن تكون هناك حاجة او ميل لسوء الظن، ولكن اذا ما كان العكس بان يحل الكذب محل الصدق والخيانة بدل الأمانة والانانية عوضا عن نكران الذات والجشع عوضا عن القناعة، فسوء الظن سيحل بديهيا محل حسن الظن”.
وسوء الظن او ما يدعى بالمؤامرة الاجتماعية قد تكون إحدى آليات الدفاع التي يتخذها الانسان وسيلة لحماية نفسه، او وسيلة للدفاع عن النفس ضد ما يسمى الغدر او الخيانة، الموضوع يكاد يكون رد فعل دفاعيا، ولكي يتم العمل على تقليله او الحد من هذا الفكر يحتاج الى وعي انساني لتعزيز الصدق، فلو اصبح الصدق قائدا لاعمال الانسان فسيحل ذاتيا حسن الظن وتصبح نظرية المؤامرة شيئا من ممارسات ماضية، وهذا بدوره يقودنا الى حياة اجتماعية صحية معززة بالثقة والطمأنينة والحب”.
وللمؤامرة وضعا نفسيا وذاتيا، ويعد المتآمر واحدا من الشخوص الذين يبحثون عن هدف، لذا فإن هذا الجانب دائما ما نجده عند العاملين في المضمار السياسي، ولعل سمة مؤامرة تبرز في ظروف محيطة بالأطماع العامة، وحين يمر المتآمر عليه ممن يشتغل في ميدان معين بظلم، هذا يعني أن هناك عوامل غير منتظمة في عمله، أعتقد أن الحالة هذه أصبح لديها حضور كبير وقاعدة واسعة في حياتنا المعاصرة الآن، لأمر يتعلق بالأزمات الكبيرة في جميع الجوانب وهناك أهداف عدة يشتغل عليها من المتآمر، منها ما يقف بجانب توسيع جانبه الأيديولوجي، ومنها ما يقف بجانب استثماري، ومنها ما يقف بجانب اجتماعي و مهني، وفي الجانب المهني نجد الكثير ممن لا يمتلكون سمات النهوض بواجبهم العملي، تظهر عليهم سلوكيات غير مرضية”.”.
المؤامرة نظرية!!! هناك شبيه لصدام حسين، بغداد لم تسقط بل هناك بغداد أخرى تحت بغداد، عبد الناصر لم يهزم في ٦٧ بل عمل خدعة لإسرائيل، هذا الرئيس ليس هو بل شبيهه، ابن لادن لم يمت بل يعيش الآن في البيت الأبيض، البغدادي اسمه جيمس رالي وهو أمريكي عميل مخابرات وليس عراقيا.. محمد مرسي لم يمت بل رفع إلى السماء وسيعود”… إلخ من أمثلة ما زال كثير من مروجيها ومحبيهما أحياء يرزقون.
ومهما اختلفت مرجعيات رواد تلك النظرية -علمانية يسارية أو إسلامية- فإنهم يتفقون على أمر واحد جامع وهو تغييب العقل، والإرادة، والتعامل على أن هناك حكومة خفية تدير العالم، وتخطط لكل شيء حتى حركة الشمس والقمر، لا أحد يستطيع أن يقف في وجهها حتى الله نفسه، هؤلاء في الغالب شعبويون، ليسوا مثقفين، ولا يقرؤون التاريخ، كما يجهلون الجغرافيا. عموما لا يفهم من المقال أعلاه أنه استهزاء، بل هو محاولة لتشخيص هذه الحالة وقراءة مسبباتها. وفي محاولة للفهم يبدو أن سلسلة الهزائم التي تعرض لها العربي والمسلم منذ سقوط الدولة العثمانية، قبل قرن من الزمان هي السبب الأبرز الذي يقف خلف ذلك، فسقوط الخلافة العثمانية بمؤامرات داخلية وخارجية، تسبب كذلك بمؤامرات كثيرة بقيت متجذرة في الذاكرة والوجدان.
عموما حتى لا نطيل، فإن كورونا فايروس ومرض مشكلته تتلخص في أنه معد، وأن لا علاج له حتى هذه اللحظة، وليس مؤامرة كونية ننوية ولا بيولوجية، فأعظم اقتصادين في العالم “أمريكا والصين” اكتويا بناره ولا يمكن أن يكونا قد أطلقا النار على خاصرتيهما
لكن ينبغي قراءة الأحداث بعمق ووعي، فسقوط الدولة العثمانية وإن حدث جراء تآمر داخلي غذّاه دعم خارجي، إلا أنه وبالضرورة توفر على أسباب أخرى ذاتية، وخلل بنيوي أصاب الدولة، سهل من نجاح خصومها في إنفاذ مؤامرتهم. ولو لم تكن السياسة سلسلة مؤامرات فماذا تكون؟ وحيث أننا في العالم العربي نتلقى الهزائم منذ أكثر من ١٠٠ عام، فمن غير المستغرب أن يتجذر في وعينا السياسي بأن كل العالم يتآمر علينا، بينما أو التفتنا قليلا إلى اليمين أو اليسار، سنرى أننا مشغولون في التآمر على بعضنا البعض أكثر من المتآمرين أنفسهم، ولو جلدنا الذات قليلا، لوجدنا أن شعوبنا العربية هي ذاتها تعاون الأنظمة المتآمرة في إنجاح مؤامراتها التي تستهدفهم في الأصل، وتستهدف مقدراتهم وحقهم في العيش الكريم، وقبل ذلك تستهدف حرياتهم.
ومع تفشي وباء كورونا، وبدلا من السعي ككل أمم الأرض بحثا عن ترياق أو علاج، تلبس كثير من العرب عفريت المؤامرة، فكورونا مؤامرة وليس فايروس، لكن لا أحد من منظري تلك النظرية يجيب عن سؤال المليون دولار من هو المتآمر؟ بداية قالو إنها أمريكا وإسرائيل، واليوم أمريكا تتصدر العالم في نسبة الإصابات فهل ممكن أنها تتآمر على نفسها؟ والسؤال الأهم للأذكياء من أصحاب نظرية المؤامرة إذا كانت أمريكا هي التي صنعت هذا المرض لماذا لم تصنع الترياق وتحتكره؟ أو تعطيه لمواطنيها المصابين على الأقل؟ وكيف لترمب أن يصنع مؤامرة تقوض فرص إعادة انتخابه؟ كما هوت باقتصاد بلاده؟
نظرية المؤامرة !!! لن ننتهي من تبادل مقالات وفيديوهات تؤسس لنظرية المؤامرة. إلا أن هناك ملحوظتان تستحقان الانتباه: أولهما يحتاج الإجابة على سؤال يلح علي بإستمرار وهو “بالنظر إلى جودة الإنتاج العالي لهذه الفيديوهات، من ينفق على إنتاجها؟”. الموضوع ليست لقطات عابرة من هنا وهناك، ولكننا نشاهد إنتاج محترف فيه خلفية موسيقية وجودة في الصوت واللقطات التي من المؤكد أنها ليست من يوتيوب. ظني يذهب إلى أنها لقطات لشركات تصوير متخصصة تبيع إنتاجها لأغراض التسويق والأعمال المهنية وما شابهما. الملحوظة الثانية تصب في توقيت خروج هذه الفيديوهات كالماء المنهمر في نفس التوقيت. هذا يعطيك إتطباع أن هناك سيمفونية إعلامية تعمل بتنسيق رائع لإدارة تفكير الناس بإتجاه معين.
والذي أميل له أن هناك وبلا شك متآمرين وأنهم لا ينقطعوا عن التدبير الشرير لإحكام قبضتهم على الأمور من خلال اقتصاد أو سياسة أو تدخل عسكري مباشر. غير أن كل هذه التدابير يلزمها حكومات ضعيفة وقبلها شعوب أضعف. فأما الحكومات فما أيسر أن تخترق المنظومة الحكومية بالرشوة والجنس أو الاغتيال الجسدي أو المعنوي. ولكن إخضاع الشعوب يلزمه خطة طويلة الأمد لتجهيل الناس وإبعادهم عن الطريقة المنطقية في التفكير.
الإيمان وسيلة العاملين وسفينة نجاتهم، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فهلم إلى التكاتف لقهر هذا الوباء وهلم إلى التكافل لإغاتة الناس
حتى في أمريكا، الناس يتداولون نظرية المؤامرة في تفسير انتشار فيروس الكورونا وإرجاعه إلى تسرب الفيروس من معامل تعمل في الأسلحة البيولوجية. وبغض النظر عن النفي المستمر لهذه النظرية على جميع المستويات ومن كافة الحكومات كما هو متوقع سواءً كانوا صادقين أو كاذبين، إلا أن نظرية المؤامرة لا تستطيع أن تفسر سرعة انتشار المرض في كل جوانب العالم. ومهما حاول أصحاب النظرية في نشرها إلا أنهم يقفون عاجزين أمام إعطاء منطق بالدليل الإحصائي لصدق ادعائهم.
تداول مثل نظرية المؤامرة بين الناس أصحاب الديانات بالتحديد مقصود، وخاصة بين المسلمين لأنهم أقرب الطوائف لإعمال العقل في شؤونهم أكثر من غيرهم. المسلمين مستهدفين بنظرية المؤامرة في كثير من الحوادث منذ القرن الماضي. ولأن التعليم الحالي بالعالم الإسلامي قد نحى الدين جانباً وخاصة في تفسير مجريات أمور الدولة، فقد أصبح سهلاً أن يميل الناس وفيهم حملة الدكتوراة لتصديق المؤامرة التي لا يمكن هزيمتها أو التصدي لها.. وهذا جل ما يبغيه المتآمرون من اصباغ حالة من الإحباط في نفوس الناس ومن ثم تفريغ عقولهم من فقه المقاومة التي يدعو لها الدين.
وعلماء الدين ورجاله انقسموا بين الدروشة وبين الاعتدال، فهناك قساوسة دعوا إلى الاحتفال بعيد الفصح ضاربين بعرض الحائط بكل تحذيرات الحكومة، أنا أحدتك على عقلية عربية وكذلك أمريكية. وكذلك عقدت الطرق الصوفية إجتماعاً كبيراً بأندونيسيا في ظل هذه الظروف، ليرجع كل مسافر ومعه الفيروس لينشره بين ذويه. التداعيات لمثل هذه التصروفات تؤدي إلى مد فترة النقاهة من الوباء لا محالة. لا شك أن المعتدلين قد انصاعوا راغمين في كثير من الأحيان لتجنب المخلفات القانونية، لا بأس والأعمال بالنيات.
فإذا كان المتآمرون استطاعوا أن ينشروا هذا الوباء بالعالم كله، فمن يستطيع أن يتصدى لهم؟ لو تسألني رأي في إنتشار الوباء على كوكب الأرض وبهذه السرعة، فلم أجد إلا الله المسبب لكل هذا. وكأننا نسينا بديهياً أن الأمر كله لله وأنه وقد غابت كل الأسباب البشرية، فقد تعين علينا أن نتفكر في مراد الله من الوباء وصرف النظر عن مصدر تفشيه. إن مثل هذا التفكر سيجعلنا نتعامل مع الوباء بجدية على المستوى العقدي والمستوى العملي وهما لا يفترقان بحال بل يشد بعضهما البعض. فالإيمان وسيلة العاملين وسفينة نجاتهم، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فهلم إلى التكاتف لقهر هذا الوباء وهلم إلى التكافل لإغاتة الناس، دعونا من المتآمرين فسيصيبهم ما يصيب الناس وتعاونوا بما يحقق النجاة. اللهم أرفع مقتك وغضبك عنا.
نشرت صحيفة “يو أس إيه توداي” الأمريكية مقالة تتحدث فيها عن الأسباب النفسية التي تدفع الكثير من الناس إلى تصديقِ نظريات المؤامرة “مهما كانت حماقتها”؛ وأهمها “التحيّز المعرفي” الذي يجعل الفرد فريسة سهلة لتصديقها. وتستند الصحيفة في مقالتها إلى بحوثٍ علمية عدة في هذا المجال، وتؤكد أن علماء النفس لم يطلقوا العنان لأبحاثهم في هذه الظاهرة سوى منذ سنوات معدودة.
وفقًا لكثيرٍ من الإحصائيات الحديثة، هنالك “شبكات” من أناسٍ انفعاليين وعاطفيين وملتزمين في جميع أنحاء العالم، يعملون على تخريبِ بعض معتقداتنا العميقة جدًا، ويسعون إلى تخريبِ النظام العالمي المتوارث. يُطلق على هؤلاء الناس اسم “منظّري المؤامرة”. هؤلاء الأفراد يمشون بيننا، ويعيشون معنا، وربما يكونون أصدقائنا، أو جيراننا، أو حتى من أحبابنا، وقد نكون نحن منهم كذلك.
وبالرّغم من تفشّي نظريات المؤامرة وتغلغلها في مجتمعاتنا، إلا أن دراسة أسباب انجذاب الناس نحوها حقلٌ جديدٌ نسبيًا لدى علماء النفس. يقول جان ويليم فان برويجن، أستاذ مشارك في علم النفس الاجتماعي والتنظيمي في جامعة فو أمستردام، إن البحث في هذه الظاهرة لم ينطلق فعليًا إلا خلال السنوات السبع الماضية.
https://youtu.be/0z0I7Y1_UTQ
ووفقًا لأستاذيّ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، إيريك أوليفر وتوماس وود، فإن ما يقرب من نصف الأمريكيين يؤمنون بنظرية مؤامرةٍ واحدة على الأقل. وقد خلُصَت دراستهما التي أجرياها في عام 2014 إلى أن 19% من الأمريكيين يؤمنون بأن الحكومة الأمريكية هي من خططت لهجمات 11 سبتمبر، بهدف شنّ حربٍ في الشرق الأوسط؛ و24% من الأمريكيين يعتقدون بأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة؛ و25% يعتقدون بأن المصرفيين في “وول ستريت” تآمروا للتسبّب في أزمة مالية حصلت عام 2008. وبالطبع، أعدادٌ كبيرة جدًا من هؤلاء يدركون عدم وجود أيّة أدلّة على أيٍّ من هذه النظريات.
ووفقًا لاستطلاعٍ أُجري عام 2013، فإن 61% من الأمريكيين لا يصدّقون النتائج الرسمية التي أصدرتها لجنة “وارن” بخصوص اغتيال الرئيس جون كيندي، والتي أفادت بأن “لي هارفي أوزولد” نفّذ الاغتيال منفردًا، دون أن يكون جزءًا من مؤامرة محلية أو أجنبية. وحتى في السنوات الأربع الماضية، لم تنخفض النسبة عن 50% في مختلف الاستطلاعات.
وحتّى الرئيس ترامب، فقد عبّر شخصيًا عن اعتقاده بمؤامرتين على الأقلّ من المؤامرات المذكورة أعلاه؛ فهو من أشدّ مناصري الادّعاء -العاري عن الصّحة- بأن أوباما لم يُولد في الولايات المتحدة. وفي حملته الانتخابية عام 2016، ألمَحَ ترامب إلى أن والد السيناتور “تيد كروز” كان على علاقة بـ”لي هارفي أوزولد” واغتيال الرئيس كينيدي. وبالإضافة إلى ذلك، قال ترامب في وقتٍ سابق إن تغيّر المناخ “خدعة صينية” تهدف إلى تدمير الولايات المتحدة.
قد يكون منظّرو المؤامرة محافظين أو ليبراليين أو من أي طيف سياسي آخر، ذكورًا أو إناثًا، فقراء أو أغنياء، متعلمين أو أمّيّين.
يقول “فان برويجن” إن الدّماغ البشريّ يميل إلى الإيمان بنظريات المؤامرة الجذابة؛ إذ يتحمّس الناس إلى استخلاصِ النتائج، والتنبّؤ بالعواقب بناءً على البيانات الحسّية والمراقبة. ولكن في بعض الأحيان، تؤدي العمليات ذاتها إلى تبسيطٍ مفرط وإدراكٍ خاطئ من خلال ما يسمّيه علماء النفس “التحيّز المعرفي”.
ومن بين التحيّزات المعرفية التي تساهم في الانجذاب نحو نظريات المؤامرة، وفقًا لعلماء النفس، ما يلي: “التحيّز التأكيدي”: استعداد الناس لقبول التفسيرات التي تتناسب مع ما يؤمنون به مسبقًا؛ “التحيّز التناسبي”: الميل إلى الاعتقاد بأن الأحداث الكبيرة يجب أن يكون لها أسباب كثيرة؛ “إدراك النمط الوهمي”: الميل إلى رؤية علاقاتٍ سببية في الأحداث غير المرتبطة أصلًا.
وحسب دراسةٍ حديثة في جامعة ايلينويز، فإن الناس الذين يتمتعون بخبرةٍ في وسائل الإعلام الإخبارية أقلّ احتمالًا للاعتقادِ بنظريات المؤامرة. ووفقًا لمؤلفة البحث ستيفاني كرافت، من شأن معرفة أساسيات هيكل ومحتوى وتأثيرات الإعلام الإخباري أن تساهم في إنقاذ الفرد من الوقوع فريسة لنظريات المؤامرة، حتى وإن كانت تتماشى مع ميوله السياسية.
ويؤكّد “أوليفر” أن المؤشّر الأكبر لاحتمال قبول الفرد لنظريات المؤامرة هو درجة اعتماده على الحدس والتفكير التحليلي، فبهذا، “يطلق العنان لمشاعره الفيّاضة، ويعتمد عليها بشكلٍ أساسي، ويكون عرضةً للاستعارات والمجازيات، ويصبح فريسةً لأية نظرية مؤامرة تتماشى مع معتقداته السابقة”.
ومن بين الأسباب الأخرى التي دفعت الكثيرين إلى الانجذاب نحو نظريات المؤامرة، وفقًا لـ”فان برويجن”، هو أن هذه النظريات تخدم عملًا نفسيًا هامًا للأشخاص الذين يحاولون التعامل مع أحداثٍ كبيرة ومجهدة مثل الهجمات الإرهابية. وحسب دراسة حديثة، يميل الناس إلى تصديرِ قلقهم من خلال إلقاء اللّوم على مجموعاتٍ مختلفة، والنتيجة هي نظرية مؤامرة. وفي هذا السياق، يشير “فان برويجن” إلى أن القلق من “حدثٍ كبيرٍ” يدفع المرء نحو الاعتقاد “بأن هنالك مجموعة من الفاعلين يتآمرون سرًا من أجل الوصولِ إلى أهدافٍ شريرة وخبيثة”.
ووفقًا لدراسة في مجال علم النفس الاجتماعي أجريت عام 2017، ينجذب الناس نحو نظريات المؤامرة لحاجتهم إلى الشعور “بالتميّز” و “الانفراد”؛ ليمنحهم شعورًا بامتلاك المعرفة السريّة.
هنالك بعض المؤامرات تتحوّل إلى حقيقة واقعة في بعض الأحيان، مثل محاولةِ الرئيس نيكسون التّسترّ على “ووتر غيت”، وقيام إدارة ريغان ببيع أسلحةٍ لإيران بهدف تمويلِ متمردي كونترا في نيكاراغوا بشكل غير قانوني.
ولكن هذا ليس مبررًا للاعتقاد بنظريات مؤامرة لا يمكن أن نراها إلا في أفلام هوليوود، مثل فلميّ “المرشّح المنغولي” أو “اختلاف المنظر”. ففي هكذا أفلام، يوظّف المخرجون سيناريوهات تحاكي نظريات المؤامرة تمامًا، مثل قيام حكومةٍ أجنبيةٍ بتجنيد مئات المقاتلين المدربين الذين لا يخطئون أبدًا، على غرار جيمس بوند، ويقومون باغتيال رئيس بلدٍ ما. وهذا ما عجّت به نظريات المؤامرة إزاء اغتيال الرئيس جون كينيدي، إلا أن لجنة التحقيق وجدت في نهاية المطاف أن شخصًا واحدًا تورّط في الجريمة دون اشتراك أي جهة أجنبية أو محليّة.
يتضح لنا وفقًا لآخر البيانات أن أعداد منظّري المؤامرة ازدادت بشكلٍ هائلٍ في مختلف دول العالم في أعقاب ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وبات من السهل تبادل وجهات النظر “التآمرية” وانتشارها بين الأفراد عبر هذه المنصّات. وهذا يبعث علينا القلق إزاء مستقبل أبنائنا العقلي تجاه ما يحصل من مختلف الأحداث.
وفي النهاية، يعتقد “فان برويجن” أن من شأن نظريات المؤامرة أن تقوّض الديمقراطية بشكلٍ كبير، وأن تؤدي إلى انعدام الثقة بين الناس، وفي نهاية المطاف، اشتباه البعض بالبعض الآخر، واعتبارهم “أعداء”.
تنبع نظريات المؤامرة، والتي تبدو مجنونة أحيانًا من أي حدث أو ظاهرة، مثلًا يعتقد البعض أن ظاهرة الاحتباس الحراري خدعة مصممة لتدمير الصناعة الأمريكية. يعتقد حوالي 30٪ من البالغين في الولايات المتحدة أن فيروس كوفيد-19 تم تطويره مخبريًا ونشره عمدًا، وأن تهديده قد تم تضخيمه. مقتل الرئيس ألامريكي جون كينيدي كان وما يزال حديثًا خصبًا لنظريات المؤامرة.
يبحث الناس عن تفسيرات ملموسة لما هو غير مرئي أو غير قابل للتفسير. نظريات المؤامرة هي سمة سائدة في الثقافة والسياسة، ليس العربية فقط، وإنما معظم الثقافات، ويمكن أن تهدد مثل هذه النظريات الصحة العامة، والفكر المجتمعي، والتنموي، والسياسي، والاقتصادي، كما هو الحال عندما لا يرتدي الناس كمامات الوجه في حالة انتشار فيروس كوفيد-19، أو يرفضون التطعيم ضد الأمراض المعدية والقاتلة، أو عند استخدام نظريات المؤامرة كشماعة لعدم العمل والتطور والشعور بقلة الحيلة.
يشير البروفيسور ماثيو جراي في كتابه نظريات المؤامرة في الشرق الأوسط: المصادر والسياسة، إلى أنها ظاهرة شائعة، وقد تصل إلى أن تكون شعبية بين جميع طبقات المجتمع. بينما اتخذت الدول الغربية مسارًا آخر من خلال دراسات نظرية المؤامرة من زاوية مختلفة، حيث أصبح علماء الاجتماع والسياسة والنفس مهتمين بمثل هذه الدراسات وتفسيراتها المجتمعية. في غضون ذلك يخشى عدد كبير من الباحثين والعلماء تدهور الثقة في العلم في ظل تزايد دعم السياسيين والحكومات للاستقطاب السياسي والأيديولوجي.
يُعرف د. جوزيف أوسينسكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي بولاية فلوريدا، نظرية المؤامرة بأنها انطباع بوجود شبهة ما حيث تعمل مجموعة صغيرة من الأشخاص المتنفذين في الخفاء لمصلحتهم الخاصة (اقتصادية، أو مالية، أو سياسية، أو سلطوية) وضد الصالح العام وبطريقة تقوض القواعد الأساسية والعادلة للمارسات الاخلاقية في المجتمعات، يشرح د. أوسينسكي أن هذا الانطباع لم يتم التحقق منه من قبل الخبراء المختصين باستخدام الحقائق والبيانات والأساليب المتاحة والمفتوحة. فيبقى الانطباع مجرد شك إلى أن يثبت من خلال الأدلة والحقائق الحسية. بناءً عليه لا يمكن اعتبار قضية «ووترجيت» نظرية مؤامرة لأن الأدلة أظهرت أن الرئيس ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة وآخرين تآمروا على تقويض الديمقراطية والفوز بالانتخابات والتستر على مدخلات الجريمة.
يقول د. أوسينسكي: «لقد آمن الناس دائمًا بنظريات المؤامرة». يمكن العثور على دليل على هذا في العصور القديمة. قيل إن الإمبراطور نيرون تآمر على حرق روما في 64م، على سبيل المثال، على الرغم من عدم وجود دليل مقنع على قيامه بذلك. لذلك فإنه ليس شيئًا جديدًا، وليس من الواضح أنه أكثر انتشارًا الآن مما كان عليه في أي وقت مضى.
في بحث منشور بمجلة علم النفس الاجتماعي يلخص د.أنتوني لانتيان وآخرون السمات المرتبطة بالاشخاص المرجحون للايمان بنظريات المؤامرة، مثل الانفتاح وحب التجربة، عدم الثقة بالآخرين، ودوام المعارضة والرفض.
يعتقد بروفيسور ماثيو جراي أنه أحيانًا يُمكن للحكومات والنخب السياسية أن يكونوا في الواقع مروجين لنظريات المؤامرة لاسباب عديدة، منها تحويل الانتباه عن القضايا الملحة وبناء حقيقة مضادة لإرباك الناس، وبعد فترة، خاصة في سياق النظم الاستبدادية والأمنية الصارمة، يصبح من الصعب معرفة الحقيقة.
عشرة أسباب لعلاقة العشق بين العقول ونظرية المؤامرة حسب دراسة فريق د.أنتوني لانتيان وغيرهم
نظريات المؤامرة تجعل بعض الاشخاص يشعرون بأنهم مميزون بين أقرانهم: يشعرون أنهم أكثر دراية واطلاعًا من غيرهم بالأحداث الاجتماعية والسياسية الهامة.
نحن جميعًا منظري مؤامرة بالفِطرة، هكذا يشرح الدكتور روب براذرتون، عالم النفس في كلية بارنارد الأمريكية في كتابه «العقل المشكك»: «إن نظريات المؤامرة لها عمق بسبب التحيزات المتجذرة والمتضمنة في عقلنا الباطن، والتي تعكس رغباتنا ومخاوفنا وافتراضاتنا حول العالم والناس.
كثيرًا ما يُلقَى باللوم على انتشار استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كمصدر معلومات من غير تحقق، في زيادة تعلق العقول بنظريات المؤامرة. وفقًا لدراسة نُشرت في 4 أغسطس (آب) في مجلة Media International Australia، هناك شائعة مفادها أن تقنية 5G كانت تنقل بالفعل فيروس كورونا – وهو ادعاء مرتبط بنظرية المؤامرة بأن 5G سيئ بالنسبة لنا وساعدة منصة Facbook في انتشار هذه النظرية بشكل كبير.
من وجهة نظر بروفيسور ماثيو جراي، المحاضر أول في مركز الدراسات العربية والإسلامية، يعتبر الأيديولوجيا محرك لنظريات المؤامرة، ويزعم أن أيديولوجيات مثل الاشتراكية والقومية العربية قد فشلت في جذب خيال غالبية الناس، وبالتالي، في غياب أيديولوجية مقنعة، تنتشر نظريات المؤامرة.
ينسِب بعض الصحافيين والباحثين في علم النفس وآخرون حب نظريات المؤامرة إلى كونها الملاذ النهائي والأخير للضعفاء، والذين يملكون انطباعات انهزامية وعجزهم عن التأثير بمجريات الأمور. يظهر هذا جليًا في مجتمعات الدول النامية.
ازدياد عدم الثقة بالحكومات والعلم، وهذا واضح خلال جائحة كوفيد-19 حيث الفوضى وغياب النهج الموحد والفعال في التعامل مع الأثر الاجتماعي، والصحي، والاقتصادي للحد من انتشار الفيروس.
القلق والبارانويا والانعزال وفقدان السيطرة على مجريات الحياة والسياسة، كلها مشاعر يمكن أن تُمكن عشق العقول إلى أفكار المؤامرات السرية.
يزعُم د. أوسينسكي بأن التنشئة الاجتماعية والهوية الجماعية قد تساعد في تبني عقولنا لنظريات المؤامرة.
يتعلم الناس عن مصادر المعلومات الموثوقة من آبائهم، ومعلميهم، وأصدقائهم، ومن وسائل الإعلام التي يشاهدونها. يمكن أن تتأثر نظرة الشخص عن قضايا العالم والمواضيع المحلية بشكل كبير بهوية المجموعة ووسائل الإعلام والرغبة في الشعور بالاندماج والانتماء للمجتمع، والتي في أسوأ حالاتها يمكن أن تؤدي إلى ظهور الجهوية والقبلية حتى في نظريات المؤامرة.
عشق بعض العقول لنظرية المؤامرة هو تحقق بعضها أحيانًا. فقد أثبت التاريخ حقيقة ما كان يشك فيه الناس في بعض الحوادث كبرامج ناسا السرية.
ستستمر نظريات المؤامرة بالازدهار في ظل تزايد عدم الثقة في الحكومات والعلم وتزايد استخدام وسائل االتواصل بانواعها وتقنيات الاتصال والتي تتطور بسرعة البرق. تكمن المفارقة هنا أن نفس تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل والإنترنت تُمكن نشر الحقيقة والتعلم بسهولة شديدة، الاختلاف الوحيد يعتمد على طريقة الاستخدام والالتزام بالأخلاقيات والقيم.
تستحق نظريات المؤامرة الدراسة الجادة من قبل الباحثين في علم الاجتماع السياسي والنفس والسياسة، وخصوصًا العالم العربي لأنها ظاهرة مجتمعية حقيقية مرتبطة مباشرة باللغة السياسية والثقافة العامة، وعلى الرغم من أن انتشار الكثير من القصص التي لم يتم التحقق منها من خلال الحقائق وخاصة العلمية، يمكن أن تتحول بسهولة إلى نظريات مؤامرة. إلا أنها مع ذلك مؤشرات مهمة للاهتمامات الداخلية والمخاوف والتفكير المجتمعي تجاه موضوع أو قضية ذات اهتمام، ويمكن أن تكشف عن أفكار أساسية غالبًا ما يتجاهلها الخطاب الرسمي. ويجب أن يتصدى العلماء والمثقفون لضحد هذه النظريات عبر بناء الثقة مع المجتمع من خلال إنشاء قنوات وأدوات معاصرة ذات مصداقية عبر منصات التواصل الاجتماعي تمامًا مثل تكتيكات ناشرين نظريات المؤامرة.