17 نوفمبر، 2024 6:31 م
Search
Close this search box.

الحكومة العراقية وتبعيتها وأشكالياتها ومحدداتها وسلطة الفصائل المسلحة والمليشيات وأرادات الجيران وأمريكا !

الحكومة العراقية وتبعيتها وأشكالياتها ومحدداتها وسلطة الفصائل المسلحة والمليشيات وأرادات الجيران وأمريكا !

وبقي العراق حتى اليوم يعيش أزمات تتلو الأخرى، حتى بات أشبه بأرخبيل من الطوائف والميليشيات والأحزاب، بل حتى أن الميليشيات المسلحة في العراق وصلت البرلمان والحكومة وسيطرت على مفاصل الدولة، لتنخر بها أفكارها وأيديولوجياتها المختلفة، والتي بعضها نبع من خارج الحدود.

والناظر اليوم إلى العراق يرى حجم الفوضى والتدخلات الخارجية التي انعكست على اقتصاد البلاد ومعيشة المواطن، حتى بات من أفقر الدول العربية رغم غناه بالموارد الطبيعة.

فكيف نشأت الميليشيات المسلحة بالعراق ومن يدعمها مالياً ولوجستياً، ومن أين تستمد قوتها حتى سيطرت على مفاصل الدولة وبدأت تشارك باتخاذ القرار، بل وأنها تُحرج الحكومات المتتالية بالعراق مع المجتمع الدولي.

نشأت الميليشيات المسلحة في العراق

في بحث أجرته وكالة ستيب الإخبارية مع باحثين وناشطين عراقيين، ومن خلال أبحاث تاريخية أخرى، تبيّن أن نشأت الميليشيات المسلحة في العراق مرّت عبر عدّة مراحل.

المرحلة الأولى:

بدأت عمليات تشكيل ميليشيات مسلحة في العراق قبل سقوط النظام السابق “نظام صدام حسين”، حيث نشأت أولى تلك الميلشيات في إيران تحت اسم “منظمة بدر” الجناح المسلّح لما يُعرَف الآن بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي عام 1981، والتي انبثقت مع عدد آخر من الميلشيات بين عامي 1958 حتى 2003، وجاءت امتداداً من “حزب الدعوة” الذي يُعتبَر التنظيم الأم لجميع الإسلاميين الشيعة، والذي تأسّس في عام 1958.

وتأسست منظمة بدر على يد عالم الدين الشيعي محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في عام 2003، بعد أشهر من الدخول الأميركي للعراق، وكان يتلقى الدعم والتدريب من إيران، ويشن عمليات عسكرية ضد نظام صدام حسين.

المرحلة الثانية

بدأت هذه المرحلة بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث كان قياديو منظمة بدر الأكثر استعداداً لتولي أمور البلاد بعد انهيار مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وتأسست حينها عدة ميليشيات أخرى أبرزها “جيش المهدي”، الجناح المسلّح للتيار الصدري، حيث انبثق الصدريون عن تيار أنشأه محمد صادق الصدر الذي أصبح نجله مقتدى الصدر رمزاً للتيار.

المرحلة الثالثة

بدأت حين وصل نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء في العراق، حيث يربط العراقيون اسم المالكي كعرّاب لعشرات الميليشيات، نتيجة اتجاهه إلى إيران واستجداء الدعم منها.

وبدأ المالكي يرعى الميليشيات ويسهّل دخولها إلى المعترك السياسي، والتحالف معها من أجل الاستفادة منها في الهيمنة على البرلمان والحكومة وباقي مفاصل الدولة برعاية إيرانية.

وبحلول يونيو 2014، عندما انهارت فرق الجيش التي كانت تدافع عن الموصل، وتراجعت أمام الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش، وكان قد أصبح لمنظمة بدر وعصائب أهل الحق وميليشيات شيعية أصغر حجماً حضور راسخ في العراق.

بعيد ذلك، أنشأ المالكي المنظمة الجامِعة للميليشيات المسمّاة الحشد الشعبي، والتي تُعرَف اختصاراً بالحشد، وقد عرض المالكي نحو 750 دولاراً في الشهر على المتطوعين تشمل الراتب وتعويض المخاطر وبدل الطعام.

تلي ذلك انخراط السواد الأعظم من المتطوعين في القوات غير النظامية، وأبرزها المجموعات التي تدين بالولاء لإيران والتي تشمل منظمة بدر بقيادة العامري، العرّاب السياسي لقوات الحشد، وعصائب أهل الحق.

ميلشيات أخرى

لكن على الرغم من بروز المجموعات الموالية لإيران، ثمة مجموعة أخرى من القوات الشيعية التطوعية التي تتماهى بوضوح مع الدولة الإسلامية، إنها مرتبطة إما بمؤسسة السيستاني في كربلاء وإما بالأحزاب الشيعية الراسخة، لاسيما الصدريين والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، حيث أنشئت ميليشيا الصدر الأساسية، “سرايا السلام”، خلفاً لجيش المهدي.

التنظيم و”التأميم” عام 2017

أقرّ البرلمان العراقي في السادس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016 القانون المقدم من قبل حكومة رئيس الوزراء العراقي حينها، حيدر العبادي، المتضمن تشريع عمل مليشيات الحشد الشعبي في العراق واعتبارها قوات رسمية مستقلة لا ترتبط بوزارتي الدفاع والداخلية إنما بمكتب رئيس الوزراء بشكل مباشر.

وبدأت الحكومة العراقية بعملية اعتماد تلك المليشيات وتسجيل أسماء أفرادها ومناطق تواجدهم بما فيها تلك التي شكلتها إيران بعد يونيو/حزيران 2014 وأشرفت على تدريبها وتمويلها، ويدين أفرادها بالولاء لما يُعرف بنظام ولاية الفقيه.

ومطلع شهر شباط/فبراير عام 2017، اعتمدت الحكومة العراقية رسمياً عشرات المليشيات المسلحة وضمتها إلى ما يُعرف بـ “هيئة الحشد الشعبي”، وبات أفرادها يتقاضون مرتبات شهرية ثابتة وبعضهم مرتبين: الأول من بغداد والثاني من طهران. وبلغ عددها 61 مليشيا مسلحة فضلاً عن 6 مليشيات صغيرة أخرى لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة مئات من المسلحين.

قائمة أسماء الميليشيات المسلحة في العراق

و عشرات أسماء الميلشيات المتشعبة والتي يتبع السواد الأعظم منها إلى إيران، وأثبت الجنرال الإيراني، رحيم صفوي، ذلك من خلال حديثه في ذكرى مقتل قائد ميليشيا فيلق القدس، قاسم سليماني، العام الفائت، حين ذكر أن سليماني ساهم بتشكيل 82 مليشيا في العراق وسوريا.

الميليشيات المعتمدة من الحكومة العراقية

1 بدر المرجعية الدينية إلى المرشد الإيراني / القائد: هادي العامري قاطع صلاح الدين / ديالى / سوريا

2 حزب الله المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ له أكثر من فصيل وقائد قاطع الأنبار/ صلاح الدين/ النخيب / سوريا

3 عصائب أهل الحق المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: قيس الخزعلي / قاطع صلاح الدين/ النخيب/ سوريا

4 سرايا الخراساني المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: علي الياسري حزام ومركز بغداد

5 سيد الشهداء المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: هاشم بنيان الولائي حزام بغداد/ صلاح الدين

6 سرايا السلام التيار الصدري محمد صادق الصدر / القائد: كاظم حسين العيساوي قاطع سامراء

7 النجباء المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: أكرم عباس الكعبي حزام بغداد / سوريا

8 أبو فضل العباس المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: أوس الخفاجي حزام بغداد/ سوريا

9 كتائب الإمام علي المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: شبل الزيدي حزام بغداد / سوريا

10 سرايا الجهاد المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: حسن راضي الساري الأنبار

11 فرقة العباس المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: ميثم الزيدي النخيب

12 جيش المختار المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: واثق البطاط العراق وسوريا

13 كتائب مالك الأشتر المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: جعفر عباس الموسوي حزام بغداد

14 حركة الأبدال المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: جعفر الموسوي حزام بغداد

15 كتائب جند الإمام المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: أحمد الأسدي الأنبار / صلاح الدين

16 أنصار العقيدة المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: جلال الدين الصغير ألأنبار

17 سرايا أنصار عاشوراء المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: كاظم الجابري النخيب

18 كتائب التيار الرسالي المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: عدنان أرميض الشحماني العراق / سوريا

19 كتائب الشهيد الأول المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: واثق الفرطوسي النخيب

20 كتائب الشهيد الصدر الأول المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: عبد الكريم الغزي سامراء

21 كتائب النخبة المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: عبد الكريم العنزي ومناف الحسيني الأنبار

22 لواء الشباب الرسالي المرجعية الدينية لليعقوبي/ القائد: ميثم العلاق كربلاء

23 أنصار المرجعية المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: حميد الياسري سامراء

24 أسد الله الغالب المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: سهيل الأعرجي العراق وسوريا

25 فيلق الوعد الصادق المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: عمار الحداد العراق وسوريا

26 كتائب أنصار الحجة المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: محمد الكنامي حزام بغداد

27 كتائب قمر بني هاشم المرجعية الدينية كمال الحيدري/ القائد: أبو طالب المياحي الأنبار

28 حزب الله الثائرون المرجعية الدينية نصر الله والكوثراني/ القائد: رحمن الجزائري حزام بغداد

29 عماد مغنية -كتائب حزب الله العراقي المرجعية الدينية حسن نصر الله/ القائد: سعد الفتلاو الأنبار

30 لواء قاصم الجبارين المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: محمد الموسوي النخيب

31 لواء الإمام القائم المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: طالب العلياوي حزام بغداد

32 كتائب أئمة البقيع المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: جهاد التميمي العراق

33 حركة أنصار الله المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: حيدر الغراوي حزام بغداد

34 لواء المنتظر المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: داغر الموسوي حزام بغداد

35 كتائب ثائر الله المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: وليد الحلي حزام بغداد

36 كتائب القصاص المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: عبد الله اللامي سامراء

37 كتائب أشبال الصدر المرجعية الدينيةكاظم الحائري/ القائد: محمد حسين الصدر سامراء

38 كتائب ثائر الحسين المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: غسان الشاهبندر النخيب

39 كتائب الدماء الزكية المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: مؤيد الحكيم حزام بغداد

40 لواء ذو الفقار المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: حسين التميمي حزام بغداد

41 كتائب مسلم بن عقيل المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: أحمد الفرطوسي حزام بغداد

42 لواء أنصار المهدي المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: ناجي الحلفي حزام بغداد

43 لواء المؤمل المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: سعد سوار العراق

44 كتائب العدالة المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: سمير الشيخ علي حزام بغداد

45 كتائب الفتح المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: السيد علي حزام بغداد

46 سرايا الزهراء المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: ممتاز الحيدري حزام بغداد

47 حركة العراق الإسلامي المرجعية الدينية صادق الشيرازي/ القائد: جمال الوكيل حزام بغداد

48 العتبة الحسينية المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: عبد المهدي الكربلائي حزام بغداد / بيجي / كركوك / الانبار / القيارة

49 لواء زينب المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: حسن الشكرجي حزام بغداد

50 لواء الطف المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: مصطفة الموسوي حزام بغداد

51 كتائب الإمام الغالب المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: محمد اللامي حزام بغداد

52 كتائب الإمام الحسين المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: حسن الربيعي حزام بغداد

53 كتائب القيام الحسيني المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: محمد الخفاجي حزام بغداد

54 كتائب درع الولاية المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: علاء المهلهل حزام بغداد

55 كتائب القارعة المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: أحمد الزاملي حزام بغداد

56 كتائب يد الله المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: أحمد الساعدي حزام بغداد

57 كتائب بقية الله المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: مصطفى العبيدي حزام بغداد

58 كتائب الشبيبة الإسلامية المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: مصطفى الموسوي حزام بغداد

59 كتائب الطفل الرضيع المرجعية الدينية كمال الحيدري/ القائد:وسام الحيدري حزام بغداد

60 سرايا المختار الثقفي المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: عبد المهدي الكربلائي حزام بغداد

61 سرايا لواء السجاد المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: عبد المهدي الكربلائي حزام بغداد

62 كتائب وعد الله المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: سامي المسعوي حزام بغداد

63 كتائب جمعية آل البيت المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: موسى الحسني حزام بغداد

64 سرايا الدفاع الشعبي المرجعية الدينية للمرشد الإيراني/ القائد: مزهر الخافجي حزام بغداد

65 كتائب الغوث الأعظم المرجعية الدينية للسيستاني/ القائد: فراس العلاق حزام بغداد

66 بابليون المسيحية القائد: ريان الكلداني حزام بغداد

67 لواء علي الأكبر المرجعية الدينية صادق الشيرازي/ القائد: علي الحمداني النخيب

ميليشيات تحت حماية الدولة

إن “المليشيات المسلحة في العراق، تتخذ من هيئة الحشد الشعبي كمظلة لها تمارس عملها من خلالها بشكل رسمي، ويوفر هذا الأمر إمكانية الحصول على رواتب لأفرادها، بالإضافة إلى الدعم التسليحي من معدات الجيش الرسمية”.

و أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فلهذه المليشيات مكاتب اقتصادية، و(هي عبارة عن إدارة اقتصادية خاصة بكل ميليشيا على حدا)، تحصل من خلالها على العطاءات الحكومية من المشاريع المختلفة، بالإضافة إلى مشاركة المقاولين في مشاريعهم التي ترسو عليهم مع الدولة بطريقة تشبه ما تفعله عصابات “المافيا”، كما تفرض هذه المكاتب الاقتصادية على المقاولين وكذلك أصحاب المشاريع الصغيرة وأرباب الأعمال البسيطة وصغار التجار من المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها، أتاوات غير محددة بحجة توفير الحماية لهم.

واستمرار هذه المليشيات وعدم حلها، حتى بعد انتفاء الحجَّة التي كانت من وراء تشكيلها، وهي مقاتلة عصابات داعش، رغم المطالبات العديدة بحلها، يدل بشكل واضح على أنها من وراء بقائها، اجندة سياسية تبتغي صبٍغ العراق بصبغة سياسية من لون واحد، تتمثل بتكريس السيطرة الشيعية على جميع أجزاء العراق، وهذا يصب تمامًا في مصلحة النظام الإيراني الذي يريد تمكين هذه المليشيات التي تدين له بالولاء، لتثبيت سيطرة إيران على العراق على اعتباره إحدى الدول التي تمتلك فيه نفوذًا كبيرًا لها”.

و أن بسبب السيطرة العسكرية والاقتصادية التي تمتلكها المليشيات، بالإضافة إلى الدعم الإيراني المعنوي والمادي لها، جعلها الفاعل رقم واحد في العراق، ولا يمكن لأي حزب سياسي ولا حتى الحكومة العراقية أن تتجاوز هذه المليشيات، فهي مؤثرة في القرار السياسي والعسكري في البلد.

“وحينما جرب مصطفى الكاظمي التصدي للمليشيات، خاصة في موضوع استهدافها للسفارة الأمريكية في بغداد، فشل فشلًا ذريعًا في ذلك، بل وتعرض لإهانات شخصية من قبل بعض قادة تلك المليشيات، ولم يستطيع الرد عليها. وكان لهذه المليشيات دورًا كبيرًا في قمع التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت ضد أحزاب السلطة وميلشياتها، ولم تستطيع أية جهة محاسبتها على قتل وسفك دماء الناشطين في تلك التظاهرات”.

أهداف ونفوذ الميليشيات المسلحة في العراق

الأهداف كثيرة لوجود تلك الفصائل منها سياسي، ومنها اقتصادي ومنها هدف ديني حيث عمدت تلك الجهات المسلحة على القيام بحملات ممنهجة وغير مباشرة أحياناً في عملية التغيير الديموغرافي في الكثير من المناطق وخصوصاً في صلاح الدين وديالى وبما أن داعش تعد ذريعة للإعلان عن تلك الجهات المسلحة والإبقاء على بعض بؤره يطيل عمر وتواجد تلك الفصائل خاصة في المناطق العربية السنية، حيث أنّ الكثير من الفصائل قد تأسس قبل مرحلة داعش أو حتى قبل العام 2003”.

و أنه لا توجد تحالفات معلنة لتلك الفصائل وإنما هنالك أهداف مشتركة في كل مرحلة وهذا متوقف على الجهات السياسية والدينية التي تتبعها تلك الفصائل، لأن الحال فيما بينها أشبه بالصراع كل جهة أو فصيل يحاول بسط نفوذه وإعلاء كلمته على الآخر، وهذا يتوقف على حجم الدعم والإمكانيات والخطط التي تنفذها إضافة إلى مساحة جمهور تلك الفصائل على الأرض

وتتمتع تلك الفصائل بنفوذ كبير على المستوى السياسي، الاقتصادي وحتّى المستوى الاجتماعي وكذلك لديها أجندات خاصة في مجال الرياضة والأدب وكذلك الفن، ولديها ممثلين في شتى المجالات وهذا ما قوض سلوكياتها، إذ أنها دأبت على تقويض الحياة المدنية في العراق وأصبحت تنفذ أجنداتها في أبسط التفاصيل عبر فرض هيمنتها وتصفية كل من يعترض طريقها”.

و أن وجهات النظر السياسة، لتلك الفصائل مختلفة، فبعضها يتواجد ضمن المنظومة السياسية بشكل رسمي، في حين أن جزءً آخر من هذه المنظومة لا يعترف بتلك الفصائل أصلاً.

النفوذ داخل البرلمان والحكومة

وأنه بعد نجاح تلك المليشيات في حصولها على الشرعية من خلال تشريع قانون الحشد الشعبي في البرلمان العراقي، قامت بالمشاركة بانتخابات 2018 عبر تنظيمات سياسية تابعة لها، واستطاعت الحصول على عدد لا يستهان به من المقاعد البرلمانية في تلك الانتخابات التي شابها الكثير من شبهات التزوير، واستطاعت أن تشكل ثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان العراقي وهي كتلة “الفتح” بقيادة هادي العامري.

و أن هذا ما جعلها متحكمة بشكل كبير في تشكيلة الحكومة العراقية، ومتحكمة أيضًا في توجيه القرارات السيادية الكبرى في البلد من خلال أغلبيتها في البرلمان، مثل قرار البرلمان بإخراج القوات الأجنبية (القوات الأمريكية) بالرغم من مقاطعة النواب الكرد والسنة لهذا القرار.

ويلفت إلى أن المليشيات تتحكم عبر ممثليها السياسيين، في التشكيلة الحكومية وأغلبيتها في البرلمان العراقي، تمكنها من التحكم بخيارات العراق السياسية، الخارجية منها والداخلية إلى حدٍ بعيد.

وبدوره يؤكد “البيدر” أن “تحالف الفتح” الذي يعتبر أبرز الممثلين لتلك الفصائل ويضم أكثر من أربعين نائباً في البرلمان العراقي، استطاع من خلالها الحصول على أربع وزارات (نقل وزراعة وثقافة وكذلك الموارد المالية)، بينما يعتبر أن هنالك الكثير من الفصائل التي تمتلك أحزاب سياسية لكنها لم تستطع الحصول على تمثيل برلماني وحتى وزاري لأنها تمارس عملاً سياسياً ممنهجاً وتعمل على بسط نفوذها السياسي في الشارع العراقي تهيداً للمرحلة المقبلة.

أصناف للميليشيات في العراق

أن تلك الميليشيات لا يوجد لها أعداد حقيقة، وذكر حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي السابق، أن بغداد وحدها تحوي 100 ميليشيا على الأقل،.

ولا يمكن إحصائها رغم وجود قوى كبرى واضحة منها مثل منظمة بدر وسرايا السلام وعصائب أهل الحق وغيرها، أما تمويلها غالباً يكون من الموازنة العامة نظراً لاعتبارهم جزء من وزارة الدفاع”.

ويمكن تقسيم الميليشيات المسلحة في العراق الى 3 أصناف هي (1-الفصائل التابعة لوزارة الدفاع، 2-الفصائل الولائية التابعة لولاءات خارجية وخصوصاً إيران، 3-الفصائل المرجعية التابعة للمرجعية الدينية في النجف)”.

و أن هذه الفصائل تؤثر بشكل لا يمكن إنكاره في الملفين الأمني والسياسي والاقتصادي، وحتى باتوا يضغطون في عملية تسمية رئيس الوزراء ضمن الاستحقاق السياسي القادم، ومجلس النواب، حتى أنهم يمثلون أكثر من نصف البرلمان العراقي، حسب تعبيره.

الدعم والموارد المالية

أن هنالك الكثير من الجهات الداعمة منها أطراف داخلية ومنها خارجية، أما داخلياً بحسب البيدر، فهناك جهات سياسية ودينية تتبادل المنفعة مع تلك الفصائل.

أما خارجياً فهنالك الكثير من الحضور والنفوذ والرؤية الإيرانية في دعم وتمويل تلك الفصائل وتسليحها وتدريبها من قبل إيران، وهذا الأمر واضح للعيان حيث تتبجح تلك الجهات بالولاء السياسي والعقائدي والمذهبي والعسكري والأمني لإيران التي لا تخفي بدورها هذا الشيء وقد تراه تلك الفصائل أشبه بحسنة كونها تمتلك دولة إقليمية كبيرة مثل إيران تدعم وجودها، وترعى مصالحها في العراق أو حتى خارجياً.

بينما فرض الأتاوات والمكاتب الاقتصادي، هو إحدى سبل الدعم المالي لهذه التشكيلات، ويقول: ” أما المليشيات الكبيرة مثل مليشيا بدر والعصائب وغيرها من المليشيات ذات النفوذ الكبير والقوي، فهي تمول نفسها بطريقة أخرى من خلال سيطرتها على أبار النفط في بعض المناطق مثل آبار منطقة الفرحاتية، وحقول نفط غرب الموصل، وحقول عجيل وعلاس الواقعة في محافظة صلاح الدين، وحقول نفطية بالقرب من كركوك”.

كما تسيطر هذه المليشيات ايضًا على معابر حدودية عديدة مع دول الجوار وتستفيد من فرض الجمارك لصالحها من مرور البضائع التجارية إلى العراق“.

الموقف الأمريكي من الميليشيات المسلحة في العراق

يعتبر الموقف الأمريكي أكثر وأبرز المواقف الدولية الهامة تجاه تلك الفصائل، إل أنه متباين نسبياً، فهناك حدة وخشونة في التعامل مع بعضها خصوصاً الولائية منها، والتي تقاتل في سوريا ودول أخرى مثل اليمن، ووصلت إلى حد استهداف زعاماتها وعناصرها بعقوبات أو بالتصفية المباشرة، فيما تتخذ الإدارة الأمريكية موقفاً إيجابياً في دعم وإسناد المنضبطة منها، والخاضعة لإشراق القائد العام للقوات المسلحة كما في “حشد العتبات”.

وأن واشنطن تعتبر أن تلك الفصائل تمثّل أذرع إيران في المنطقة والتي يجب بترها لتحجيم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وخصوصاً في العراق الذي يعتبر المنطقة الأكثر قلقاً للولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم بعمليات منظمة لتحجيم دورها الإعلامي والسياسي وحتى الأمني عبر زيادة الدعم لـ القوات الأمنية العراقية كالجيش والشرطة المحلية، والشرطة الاتحادية، إضافةً إلى جهاز مكافحة الإرهاب، لكن تلك الفصائل تمتلك الكثير من الإمكانيات التي تضاهي بها المؤسسة الأمنية العراقية الرسمية وهذا ما يزعج واشنطن وأطراف محلية..

و أن تلك المليشيات تلقّت دعماً عسكرياً أمريكياً غير مباشر، لكن هذا الموقف الأمريكي عاد وتغير في الفترة الأخيرة بسبب الضربات المستمرة من قبل تلك المليشيات على التواجد الأمريكي وبالأخص السفارة الأمريكية في بغداد.

و مع إدراك الأمريكيان بأن تلك الضربات التي تقوم بها المليشيات هي بدفع من إيران، فإن واشنطن كانت تحمل مسؤولية تلك الهجمات على النظام الإيراني، ولم تفعل شيئًا لتلك المليشيات، سوى الضربة التي طالت قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لكن ومع نهاية فترة ترامب قامت الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على بعض قادة المليشيات العراقية بسبب انتهاكاتها لحقوق المتظاهرين”.

ويتابع: “أما الإدارة الأمريكية الجديدة فإنه من المرجح أنها ستنتهج نفس نهج ترامب في تعاملها مع المليشيات العراقية، وهذا ما توقعه جيمس جيفري، المبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، من استمرار لنهج دونالد ترامب في تعاملها مع إيران أو سوريا والعراق في إدارة بايدن، وبالتالي فإن الضغط على المليشيات العراقية وداعميها الإيرانيين، سوف يستمر ولكن لا نتوقع أن تقوم إدارة بايدن بعمل عسكري كبير ضدها بالأخص في بداية توليها الإدارة في واشنطن”.

وسواء أحب العراقيون أو كرهوا تواجد هذه الميليشيات في العراق فإنها اليوم تفرض سيطرتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بخلفيات دينية وطائفية على البلاد، ورغم بعض المحاولات التي تأتي بين الفينة والأخرى من قبل بعض الساسّة لفك ارتباط العراق بإيران إلا أن استمرار تشابك تلك الميليشيات ومرجعياتها الدينية مع إيران سيبقي العراق منعزلاً عن المحيط وغارقاً بالمشاكل الداخلية والخارجية حتى لا تقوم له قائمة

قبل أسابيع معدودة من مغادرة حيدر العبادي منصبه أعلن وبصراحة في واحدٍ من مؤتمراتهِ الإسبوعية أن القتل والترهيب يُستخدمان كسلاحين فعالين من قبل بعض الكتل السياسية لإسكات أخرى. و أُنهما استخدما أيضاً لإسكات أصوات حرة تمشي عكس التيار، وإن كانت بعيدة عن السياسة والمناصب الحكومية. في العراق الآن عدد مُذهل من السلاح البسيط والمليشيات المرتزقة التي بدأت مع إحتلال القوات الأمريكية للعراق. ووتيرة الإغتيالات والقتل والترهيب تزداد بفعالية و نسبة كبيرة مع كل دورة إنتخابية أو ظرف محدد. ومن بين ضحايا الإغتيالات كانت الدكتورة رفيف الياسري، أخصائية تجميل وسفيرة النوايا الحسنة للمنظمة الفرنسية لحقوق الإنسان والسلام، و السيدة رشا الحسن، خبيرة التجميل، وكان لهما دور مهم في مساعدة منكوبي الإنفجارات الإرهابية وعمليات الإعتداء على النساء والمثليين. تلتهما في مسلس الإغتيالات السيدة سعاد العلي، المحامية والناشطة الحقوقية، في البصرة. وأغتيلت بالرصاص أيضاً في وضح النهار وفي مكان مزدحم في بغداد الفاشينستا الشابة تارة فارس. وآخرهم كان مقتل الشاب، إبن الخمسة عشر ربيعاً، حمودي المطيري، في إحدى مناطق بغداد الشعبية بسبب إهتمامه بملبسهِ وشكله خارج قيود المسموح دينياً. بالطبع لم ولن تقوم الدولة بإجراء أي تحريات لكشف هوية القتلة والجهة المسؤولة عنهم.

لكل من الـ ٣٢٠ حزب و إئتلاف سياسي في العراق ميليشيات مسلحة، ربما بإستثناء الحزب الشيوعي. وهذه الميليشيات ليست متغلغلة في أروقة الدولة فحسب، بل لها كيانات مستقلة خارج الدولة و(مظاهر ممارسة) القانون. وهي تُمارِس العنف متى يحلو لها ومتى ما شعرت أن مصالحها تتعرض لأقل مساس. ما يربط جميع هذه الأحزاب هو المصالح المالية المشتركة، إذ استفاد كل حزب أو جهة سياسية و كل مَن إستوزرَ أو شغلَ منصباً مهماً في أروقة الدولة. و استفادت أيضاً، و بجشع قلَّ نضيره، عوائل ومُقربّي المسؤولين. وفي خضم المفاوضات واللقاءات في فنادق بغداد وعمّان بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، بلَغَت عملية شراء الذمم أوجّها لعقد الصفقات بخصوص “الكتلة الأكبر” لتشكيل الحكومة. وأعلن أحد “الشخصيات السنيّة” على إحدى القنوات الفضائية العراقية أنه أُعطيَ ستين مليون دولارا أمريكياً لكي يدخل في تحالف “دولة القانون” للمالكي! و كان هذا الشخص مستاءً لإنه توقعَ ضعف المبلغ… أولاد قُراد الخيل! لا يوجد أي وازع أخلاقي أمام أي “سياسي” عراقي، الكل ينظر للعراق كأنه مِلكٌ له ولأقربائه. وقد يتباكون على الحسين أو يذمّوه، و لكن كلهم، ليبراليين وإسلاميين، سرّاق ومنافقون بدون إستثناء.

في ٧ آب ٢٠١٨ انطلَقت مظاهرة في منطقة باهلة في قضاء المدينة في البصرة مطالبة بماء صالح للشرب ووظائف للشباب خريجي الجامعات والمعاهد. كانت مظاهرة سلمية ككل المظاهرات الإحتجاجية على مدى ثمانية سنوات أو أكثر، كل صيف في جنوب العراق البائس. وكان ردّ القوات الحكومية، أيضاً كما حصل في السنين السابقة، إطلاق الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين السلميين. وهكذا قُتِلَ الشاب يوسف يعقوب المنصوري في ٨ آب، و كان مقتله وحالات التسمم بالمياه الملوثة التي فاقت الألفي شخص النقطتين الأساسيتين اللتين أججَّتا الشباب البصري لتنظيم مزيد من الإحتجاجات.

واستمرت الإحتجاجات في البصرة دون إنقطاع، وخرج المساندون لها في الناصرية والعمارة والديوانية والكوت والنجف وكربلاء. وخرجت تظاهرات مساندة، خجولة نوعا ما، في بغداد، بينما ظلَّت بقية محافظات العراق تتفرج. وتناقلت وسائل التواصل الإجتماعي اللقطات والتسجيلات عن غضب الشباب ومطالبهم بأبسط الأمور الحياتية: الماء الصالح للشرب والكهرباء وتوفير فرص العمل. وتناقلت كالنار في الهشيم صرخة رجل خمسيني في الناصرية: “عمي، نريد وطن”! أين الوطن؟ لقد نهبَ سياسيو ٢٠٠٣ كل شئ من هذا الوطن، وسرقوا حتى القطع الأثرية من الموصل المحتلَّة من أوباش داعش وهربوها الى الأردن و قطر والإمارات، كما فعلوا قبلها بآثار بابل وأوروك و حتى القليل الموجود في المتحف العراقي. وما كان من الأشقاء العرب إلا أن يعرضوا تاريخ العراق المسروق على تجار القطع الأثرية في أورپا، أو يُتحفوا متاحف مدنهم بتراث العراق المنهوب. ومتحف اللوڤر-أبو ظبي يضمّ بعض المسروقات العراقية، لمَن يصبو التقصي، وكذلك متاحف و معارض الدوحة.

لم يكترث سياسيو المحاصصة الطائفية في بغداد يوماً لمذهبٍ أو مبدأ، وأحداث البصرة بالتحديد بيَّنَت ذلك بوضوح لا غُبار فيه. محافظ البصرة السابق، ماجد النصراوي، هربَ الى إيران وفي جعبته ميزانية المدينة بأكملها. والمحافظ الحالي، أسعد العيداني، الذي كان مديراً لمكتب أحمد الچلبي أيام “المؤتمر الوطني العراقي”، تركَ المحافظة وذهبَ الى بغداد. فالمسؤولية مفردة غريبة عن قاموس السياسيين العراقيين. الإهمال التي تعرضت له البصرة، وبقية مدن العراق، على مدى خمسة عشر عاماً، شئ لا يتخيله العقل. تبدو البصرة مدينة منكوبة وهي واحدة من أغنى مدن العالم. هذا الإهمال يضاف إلى أنقاض دمار القصف الجوي الإيراني منذ ١٩٨٢ الذي دمرَّ كثيراً من المنشآت الحكومية الصناعية والتقنية، وإجحاف حكومة صدام حسين على إثر إنتفاضة آذار ١٩٩١ التي أشعلها الجندي العراقي المهزوم من الموت والإذلال عقب هزيمة حرب ١٩٩١ التي شاركت فيها معظم الدول العربية من مصر وسوريا والسعودية والإمارات و بقية إمارات الخليج والمغرب لضرب العراق وشعبه ومنشآته وبنيته التحتية. البصرة المسؤولة عن ضخ ما يزيد عن ثلاثة ملايين برميل يومياً، بحسب إحصائيات منظمة أوپك (OPEC) لعام ٢٠١٧، وكانت إيرادات العراق للعام نفسه ٥٩,٧ بليون دولار أمريكي (أو ٥٩٧٣٠٠٠٠٠٠٠ دولاراً بالتحديد). أين مشاريع الإعمار و البناء؟ أين المستشفيات والمدارس والجامعات؟ أين وسائل النقل الحديثة؟ أين مكائن تحلية المياه؟ و إتضح لنا أن ما يزيد على ٧٠ مليون دولاراً صُرِفت لشراء أجهزة لتحلية المياه للبصرة، وبالفعل حضر رئيس الوزراء نوري المالكي حينها لإفتتاح مكائن التحلية وسط ضجة إعلامية حكومية، ولم يحصل أي شئ إطلاقاً بعدها لأن الجهابذة أكتشفوا أن المكائن لم تكن مناسبة لتحلية المياه! و هكذا ذهبت سبعين مليون دولاراً في مهب الريح، وسكان البصرة بدون ماء صالح للشرب.

أضحى الفساد في العراق سلعة للتفاخر. مَن يسرق الأكثر، ومَن يُهين الشعب أكثر. وبينما ينهمك السياسيون بالسرقة والنهب، تمارس مليشيات الأحزاب الإسلامية الضغوط على السكان العُزَّل وتحمي السرّاق أنفسهم. ولم تشهد البصرة أي تحديث لبنيتها التحتية (مستشفيات، مدارس، جامعات، مراكز ترفيهية، طرق ومواصلات، مراكز توليد الكهرباء وتحلية المياه، الخ)، بل تفاقمت فيها القذارة والإهمال واللاتخطيط و إضمحلت الآمال. هذه البصرة كانت تنتفض كل عام على مدى عقد أو نيف، وهذا العام وصلت ذروتها بعد أن وصلت البطالة نسبة تزيد على الأربعين بالمئة (كل أربعة شباب من بين عشرة عاطلون عن العمل). وأعربت الجموع عن غضبها بإحراق مكاتب الأحزاب الإسلامية الشيعية والقنصلية الإيرانية، وحطمت يافطة كبيرة تعلوها صورة الخميني في أهم شوارع المدينة. وذهبت جموع الشباب في غضب لحقول النفط التي تضخ الملايين لمنفعة الشركات العالمية. وحينئذ أرسلت الحكومة العراقية الجيش لحماية آبار النفط والمنشآت النفطية، واستخدٍمَ الرصاص الحي مرة أخرى ضد المتظاهرين. هل تُعتبَر أفعال الشباب المُحبَط تخريبية؟ بالتأكيد الجواب سيعتمد على وجهة نظر المتحدث/المتلقي. مَن المُخرِب، الشركات النفطية الأجنبية المستمرة بنهب خيرات البلد مقابل صفقات لسياسيين فاسدين، أم الشعب الجائع الذي لا يجد حتى ماءً صالحاً للشرب؟ وهذه الشركات نفسها تستورد الأيدي العاملة، دون أن تَفرض عليها حكومة بغداد تعيين أهل البلد.

لخصَّ رجل عراقي بطريقة ساخرة، أُجريت معه مقابلة بالصدفة من قبل إحدى القنوات الفضائية العراقية في سوق السنك التجاري ببغداد، الوضع العراقي و رأي كثير من الشعب. “منذ خمسة عشر عاماً لم تُوفر الحكومة شيئاً غير اللطم وضرب الزنجيل والرز و مَرَق القيمة أيام المواكب الحسينية. لا خدمات ولا فرص عمل، وخريجو الجامعات عاطلون يجوبون الشوارع. مَن يُخالف هؤلاء الفاسدين سيُقتَل. لَن يتغير شيء في العراق طالما هذه النخبة الفاسدة في الحكم. وهم مأجورون من قبل السيّد الأمريكي، يًُجدِّد عَقْد هذا ويُنهي عقد ذاك، والأمريكي هو الحاكم الناهي.”.

قد يتسائل المرء عن دور المرجعية الشيعية في النجف، والسيستاني تحديداً. كان للمرجعية الشيعية ميزة مهمة هي عدم تدخلها في الأمور السياسية إطلاقاً، وكان هذا موقفها لقرون عدة. و لم يتناقض ذلك مع أن يكون لها دور إيجابي في التغييرات المجتمعية. فعلى سبيل المثال، سانَدتْ المرجعية، و بصورة فعّالة، ثورة العشرين ضد البريطانيين و أصدرتْ فتوى بوجوب مجابهة المُحتل. ومن نفس المنطلق، أصدرَ آية الله المرجع علي السيستاني، تحت تأثير الحكومة العراقية حينها، حسب رأي البعض، أو دون أي تأثير حسب رأي البعض الآخر، فتوى في ٤ أيلول ٢٠٠٢ تنص على وجوب محاربة الغزاة الأمريكان وأن التعاون معهم يُعتبَر من كبائر الذنوب (وقد نقلها حينها مراسل قناة الجزيرة ماجد عبد الهادي). وتعرّي هذه الفتوى، من ناحية، موقف السلفيين من كون الشيعة والمرجعية عملاء لأمريكا، ومن ناحية أخرى، تقف ضد خنوع الإسلام السياسي الشيعي للمُحتل. وفي مناسبة أخرى، أصدرتْ المرجعية فتواها المعروفة بحمل السلاح ضد داعش التي احتلت ثُلث العراق في ظل حكم الإسلام الشيعي، وحزب الدعوة الإسلامية بالتحديد. .

أحدث المقالات