18 نوفمبر، 2024 1:22 ص
Search
Close this search box.

تَدْمِيْرُ سُوْرِيّْا لِصَالِحِ مَنْ؟ – 1

تَدْمِيْرُ سُوْرِيّْا لِصَالِحِ مَنْ؟ – 1

فِي 21 آب 2013، حَبَسَ العَالمُ أَنفَاسَهُ، حِينَما أُثيرَتْ مَوجَهٌ  صَاخِبَةٌ، اتَّهمَتْ فِيها أَمريكا، بِأَنَّ سُوْرِيّْا اسخدَمتْ السِّلاحَ الكيميَاوِيّ، ضِدَّ المُعارضِينَ لنظامِ الحُكْمِ، فِي مَنطِقَةِ الغَوْطَة. وَ بدأتْ الإِدَارةُ الأَمريْكِيَّةُ، بتَوجيهِ الاتِّهاماتِ إِلى النِّظامِ السُوْرِيّ. فَأَعادَتْ أمريكا إِلى الأَذهانِ، سِينَاريو حَرْبِ العِرَاقِ على خَلفِيَّةِ، الإِدِّعَاءِ بامتِلاكِهِ لأَسلِحَةِ الدَّمَارِ الشَامِل.
فَتَحرَّكَ وَزيرُ الخارجيَّةِ الأَمريكيَّةِ جون كيري، لقِيَادَةِ حملةٍ دُبلوماسيَّةٍ، باتّجاهاتٍ مُتعدِدَةٍ، أَكَّدَ فيها: أَنَّ أَمريكا راعِيَةُ الدِّيمُقْراطِيَّةِ، وَ حُقوقِ الإِنسانِ. وَ أَنَّ أَمريكا لا تَسمَحُ لنِظَامِ بَشَّارِ الأَسَدِ، باستخدامِ هذهِ الأَسلِحَةِ، ضِدَّ المدنيِّين.
وَ قالَ كيري: إِنَّ السُكوتَ على ذلكَ، سَيجعلُ مِنْ أَطرافٍ دُوَليَّةٍ أُخرى، وَ مِنها إِيرانَ، قَادِرَةٌ على استخدامِ هذا السِلاح. إِذَا لَمْ يَتُمْ مُعَاقَبَةُ النِّظامِ السُورِيّ على مَا فَعَلَه. وَ إِنَّ هيّْبَةَ أَمريكا فِي العَالَمِ، سَتَتَزَعْزَعُ إِذا سَكتَتْ عَنْ هذا المَوضُوع. وَ استخدَمَ جون كيري، إِسْلُوباً دِعائِيَّاً بَيَّنَ فيه؛ أَنَّ الأَسلِحَةَ الكيْميَاوِيَّةَ، إِذا تَمَّ التَّغافُلُ عَنْ استِخدامِها، مِنْ قِبَلِ النِّظامِ السُورِيّ، فإِنَّها سَتَقَعُ بِأَيْدِي عنَاصِرَ مِنْ تَنظِيمِ القَاعِدَة، وَ بذلكَ لَنْ يَكُنْ أَحَدٌ خَارِجَ هَذا التَّهديْدِ، وَ مِنهُمْ أَمريكا.
وَ قَالَ أَوْبَامَا فِي خِطابِهِ يوْم 28/8: (إِنَّ العمَلَ العَسْكرِيّ، سَيكونُ رسَالَةً للأَسَدِ، حَولَ عواقِبِ اسْتِخْدَامِ السِّلاحِ الكيْميَاويّ). وَ طلَبَ مِنَ الكُونكِرس الموافَقَةَ، على تَوْجيهِ ضَربَةٍ مَحدُوْدَةٍ لِسُوْرِيّْا، كَعُقوبَةٍ لَها. وَ كانَ الكُونكِرسُ الأَمريكيّ حِينَها، في إِجَازَةٍ لغَايَةِ 9 أَيلول 2013.
فِي 31/8 / 2013  (نَشرَتْ وزارةُ الخارجيةِ الأَمريكيةِ مقتطفاتٍ، مِنْ تَقريرٍ استِخْبَاراتِيّ، كدليلٍ على مسؤوليَّةِ النِّظام السُّوري في الهجومِ الكيمياوي، على الغوطةِ الشرقيَّة. وَ استندَ التقريرُ على اتصالاتٍ لمسؤولينَ سُوريينَ وَ معلوماتٍ استخباراتيَّةٍ. لكنَّهُ أوضحَ أَنَّ تحميلَ النِّظَامِ مسؤوليَّةُ الهجومِ ما زالَ لا يرقى إِلى مُستوى التَّأكيدِ بل يعتمدُ على التَّقييم). (موقع البي بي سي).
وَ في مُقابَلةٍ مَع وِكالَةِ (أسوشييتد برس)، وَ القنَاةِ الأُولى للتلفِزيُونِ الرُوسِيّ، نُشِرَتْ على مَوقِعِ الكْرِملِينْ في (4 أيلول 2013)، قَالَ بُوتِين: (إِنَّ الهُجومَ الكيماويّ الّذي وقعَ يوم 21 اغسطس على مشارفِ دِمشقَ، قَدّْ يَكونُ مِنْ اختِلاقِ جَماعاتٍ (مُرتَبِطَةٍ بتَنظِيْمِ القَاعِدَةِ). …. وَ اتَّهَمَ بُوتِينُ وَزيْرَ الخَارجيَّةِ الأَميركِيّ جون كيري، بالكَذِبِ على الكونغرسِ بشَأْنِ دَوْرِ تَنظِيْمِ (القَاعدَةِ)، فِي الصِّراعِ بسورية. وَ قالَ بُوتِينُ: (هُمْ يكذِبونَ بِكُلِّ تأكيد. لَقَدّْ شاهَدتُ نِقاشَاً فِي الكونغرسِ، عِندَما سَأَلَ أَحَدُ الأَعضَاءِ كيري، إِنْ كانَ تنظيمُ القَاعِدَةِ مَوجُوداً هُناك؟. وَرَدَّ كيري قائِلاً: لا، إِنَّني أُخبِرُكَ وَ أَنَا مَسْؤولٌ عَمَّا أَقولُ، لا وجُودَ لِلقَاعِدَةِ هُناك).
وَ قَالَ بُوتِينُ: (وحداتَ القَاعِدَةِ، هيَ القيادَةُ العسكريَّةُ الرئيسيّةُ (في المعارضَةِ السوريَّةِ). وَ هُمْ يَعرفُونَ ذلِك (مُشيراً إِلى الولاياتِ المتَّحِدَة). وَ استطردَ قائلاً: (الأمرُ الّذي لَمْ يُسعِدُنِي وَ الّذي فاجَأَنِي، أَنَّنَا تَحدَثنا مَعهُم، وَ انطلقنَا مِنْ افتراضِ أَنَّهُم أُناسٌ مُحترَمون. لكِنَّهُ (أَي كيري)، يَكذِبُ وَ يَعرِفُ أَنَّهُ يَكذِب. إِنَّهُ لأَمرٍ مُحزن)(موقع المختصر.كوم).
كما صَرَّحَ (وليدُ المعلِّم) مِنْ رُوسيا في 9 أيلول: (نتساءَلُ كيفَ سَيُبَرِرُ الرَئيْسُ الأمريكيّ باراك أَوْبَامَا، هَذا العدوانَ لصالحِ الذينَ فجَّروا مركزَ التجارةِ العالمي في نيويورك؟. نتساءَلُ أَلَمْ تَتَعلمْ الولاياتُ المتحدةُ، ممّا حدثَ في أفغانستانَ عندمَا دَعمَتْ القَاعِدَةَ في ثمانينياتِ القرنِ الماضي، وَ الآنْ هيَ تُواجِهُها؟. ….  هلْ تُريدُ (أَمريكا) أَنْ تجعلَ مِنْ سُوْرِيّْا، قاعِدَةً للقاعِدَةِ لمهاجمةِ دُوَلٍ مُجاورة؟.)(موقع سي أن أن).
فِي دَوَّامَةِ هَذا التَصعِيدِ، كانَتْ اسرائِيْلُ تُمَارِسُ دَوْرَ الضَاغِطِ على الدُّبلومَاسِيَّةِ الأَمرِيكيَّةِ، عَنْ طَرِيقِ لُجْنَةِ الشُؤونِ العَامَّةِ الأَمرِيكيَّةِـ الإِسْرائِيلِيَّةِ (إيباك). الّتي تُعتَبرُ أَقوَي (لُوْبي إِسْرَائِيليّ) فِي الوِلاياتِ المُتَّحِدَة.  لِحَمْلِ أَمرِيكا على ضَربِ سُوْرِيّْا. لِذا كانَ الخِطَابُ الصِّهيُونِي مُوَجَّهَاً باتْجَاهَينِ، الأَوَلُ: نَزْعُ الأَسلِحَةِ الكيميَاوِيَّةِ مِنْ سُوْرِيّْا. وَ الثَاني: تَوْجيْهُ رِسَالَةٍ لإِيْرَانَ تُحَذِّرُها  مِنْ بَرنَامَجِها النَوَوِّيّ.
مُقابِلَ ذلكَ، كَانَ المَوقِفُ العَربيّ مِنْ هَذهِ الأَزمَةِ، مُختَزَلاً بِمَوقِفِ السَعودِيَّةِ، وَ تَجْرِي خَلْفَها دُوَلُ الخَليجِ الأُخْرى. كَمَا أَنَّ تُركِيا، ضَبَطَتْ إِيْقَاعَ سِيَاسَتِها الخَارجِيَةِ، لتَكُونَ مُتَناغِمَةً مَعَ سِياسَةِ أَمْريكَا، وَ دُوَلِ الخَليجِ أَيضَاً. بيّنمَا نَأى العراقُ بنفسِهِ، عَنْ تأييدِ الضَربَةِ العَسكريَّةِ لسُوْرِيّْا، و أَبدى مَوقِفاً مُغَايراً، يَتبَنى إِسلوبَ الحِوارِ بَيّْنَ اطرافِ النِزاع. وَ قَدَّمَ مَشروعاً بتِسْعِ نُقاطٍ لحَلِّ الأَزمَةِ السُوريَّة. وهي : – ( 1. وقفٌ فوريٌ لإطلاقِ النَّارِ داخل الأراضي السوريّة. 2. وَقفُ تزويدِ أَيِّ طرفٍ بالسلاح. 3. سحبُ المقاتلين الأجانبِ وَ العربِ مِن داخلِ سُوريا. 4. رفضُ التدخلاتِ الأَجنبيةِ وَ العربيةِ في الشأْنِ الداخلي. 5. الالتزامُ بعدمِ استخدامِ الأَراضي العربيةِ، لضربِ سُوريا أَو أي دولةٍ أُخرى . 6. إلزامُ النظامِ وَ المعارضةِ، بجدولٍ زمني لإجراءِ انتخاباتٍ حُرَّة. 7. دَعمُ التحقيقِ الّذي تُجريهِ الأُممُ المتّحِدةُ، بشأْنِ الضَّربةِ الكيمياوية. 8. إِنشاءُ صندوقٍ عربي لدعمِ عودةِ اللاجئينَ، وّ إِعادةِ بناءِ سُوريا. 9. اعتمادُ آليةٍ لتنفيذِ هذهِ النُقاطِ، وَ تشكيلِ حكومةٍ مؤقَتةٍ متفقٍ عليها، منَ المعارضةِ وَ النظام).
فِي يومِ 11 أيلول، وَجَّهَ الرَّئيسُ أُوباما خطاباً إِلى الشَّعبِ الأَمريكي. وَ ذكرَتْ شَبكةُ  فوكس نيوز: (أَنَّ أَوْبَامَا كانَ ينوى فى خطابهِ أَصلاً، أَنْ يَحشِدَ الشَّعبَ الأَمريكيّ، لدعمِ الضربةِ العَسكريةِ الأَمريكية ضِدَّ سُوريا ، وَ لكنّه – بدلاً مِن ذلك – طلبَ مِنَ الكونجرس، أَنْ يتوقفَ مؤقتاً عَن الاستجابةِ لدعوته ……… وَ تابعَ التقريرُ يقولُ: (أَنَّ اوباما أَعلنَ الآنَ، أَنّهُ يريدُ السماحَ باعطاءِ فرصةٍ للمفاوضاتِ، بشأنِ الاقتراحِ الروسيّ، بوضعِ الأَسلحةِ الكيماويةِ السوريةِ، تحتَ الرقابةِ الدوليّةِ، وَ إنَّ هذا التَطوّرَ يأتى فى الوقتِ الذي، أَعلنَ فيهِ الرئيسُ الروسيّ فلاديمير بوتين، أَنَّهُ سوفَ يسحبُ اقتراحَهُ بتأمينِ الأًسلحةِ الكيماويّةِ السُوريَّةِ، إذا لمْ يَسحبْ أُوباما تهديدَهُ بالقيامِ بعملٍ عسكريٍ ضِدَّ سُوريا)(موقع جريدة الدستور).
 فِي الحَلَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هذا المَقالِ، سأَسْتَعِرِضُ الاسْتِنتَاجَاتِ، ذَاتِ البُعدِ الاسْتِراتِيْجِي، الّتي سَتُلقِي بِظِلالِها عَلى المَنطقَة. مُستَقْرِئً مِنَ التَّصريحَاتِ وَ التَّصريحَاتِ المُضَادَّةِ، حَوْلَ الأَزمَةِ السُوْرِيَّةِ، أَمْراً يُوْحِي بِأَنَّ المَنطِقَةَ العربيّةَ، سَتَتَخَطّى المرحَلَةَ النَمَطِيَّةِ، الّتي عَاشَتْها بَعدَ تَفَكُكِ الإِتِّحادِ السُوفييتيّ. وَ تَلُوحُ فِي الأُفُقِ مَلامِحُ مَرحَلَةٍ جَدِيْدَةٍ، تَرسِمُها المَصَالِحُ الدُّوَلِيَّةُ، المُؤَطَّرَةُ بِبُعدَينِ، آيِديُولوجيّ وَ ثَقَافِي. البعدُ الأوّلُ مُتَمَثِّلٌ بالخَطِّ الإِسْلامِيِّ المُنفَتِحِ المُعتَدِلِ. وَ أَمّا البُعدُ الثَانِي، فَهوَ المُعادِلُ الثَّقافِيّ النَّاضِجُ، عِنْدَ الشُّعوبِ المُحِبَةِ للسَلامِ. هَذَانِ البُعدانِ، سَيَكونَانِ رَدَّةَ فِعْلٍ ضِدَّ آيديولوجِيَّةِ التَّكفيرِ وَ الإِرهابِ، الّتي أَصبَحَتْ هَوِيَةً للأَنظِمَةِ الوِرَاثِيَّةِ المُهتَرِئَة، في عَالمِنَا العَربي.
وَ رداً على سُؤالٍ وُجِهَ إلى (هنري كيسنجر) حَوْلَ حَقِيقةِ مَوقفِ (موسكو)؟. (قالَ (كيسنجر): وَ ما يريدُهُ الرئيسُ الروسي بوتين، يَعتبرُ أَنَّ الإسلامَ المُتشَدِّدَ، هوَ التهديدُ الأَمني الأَكبرُ لبلاده، كما أَنَّهُ لا يَرغبُ بأَنْ تُحَدِّدَ أَمريكا منفردةٌ، اتِّجاهَ الأُمُورِ في الشرقِ الأَوسَطِ، وَ لذلك عندما باتَ البيّتُ الأَبيَضُ بموقفٍ مُحرجٍ، معَ إمكانيةِ رَفضِ الكونغرس، المصادَقَةِ على ضَربةٍ عسكريّةٍ لسُوريّا، رَأَى بوتين في الأَمرِ فرصةً مِنْ أَجلِ التَدَخُلِ، عِبرَ تَخفِيفِ العِبءِ عَن الجانبِ الأَمريكي، وَ مُعالَجَةِ مُشكِلَةٍ مُشتَركَةٍ (بيّن)الجَانبَيّن)(موقع سي أنْ أنْ)(بشيءٍ مِنَ الاختصَار)
وِ فْقَ هذا المَنظُورِ، سَيَتحرَرُ عَالمُنا العَربِي، مِنْ قَبضةِ مُعاهدَةِ (سايكس بيكو)، وَ يرسِمُ لِنفسِهِ مُستقبَلاً جَديداً. خُصوصَاً إِذا مَا أَخَذْنا بالحُسبَانِ، التَّغيُراتِ الّتي حَصَلَتْ، والّتي ستَحصَلُ  فِي المَنطِقَةِ العَربِيَّة. وَ مِنَ المُؤَكَّدِ أَنْ تنهارَ الأَنِظمَةُ الخَليجيَةُ تِباعَاً، وَ خُصُوصاً النظامُ السَعوديّ. هذهِ الأَنظِمَةُ الّتي أَغرَقَتْ العَالَمَ، بالفِكْرِ الإِرهَابيّ التَكفيرِيّ. عِلماً أَنَّ الأَنظِمَةَ الخليجيَّةَ، وَ ضَعَتْ كُلَّ إِمكانِيّاتِها المَادِيَّةِ، فِي خدمَةِ أَمريكا وَ الصِّهيُونِيَةِ العَالمِيّة. فَأَخَذَتْ شُعُوبُها تُدرِكُ، خُطُورَةَ المُنزلَقِ الّذي سَارَتْ بهِ، تِلكَ الأَنظِمَةُ  لِخِدمَةِ المَصَالِحِ الاستِعماريَّةِ فِي المَنطِقَةِ وَ العَالَم.
[email protected]

أحدث المقالات