الجزء الثاني
اما في الباب الاول من الكتاب الفصل الاول منه والموسوم” ليبنتز ومسألة الشر ” نجد الكاتب عقيل يوسف عيدان ينبري ليفصل ويحلل الشر بسؤال يسأله الفقراء :اذا كان الله كلي القدرة والصلاح والخير فلماذا لايوقف الشر؟ سواء كان طبيعيا ام خلقيا ناشئا من الارادة البشرية الحرة ، ولماذا سمح بالشر على الاطلاق؟ ” وهو سؤال ابدي آخر يذكره الكاتب ويجيب عليه وفق رؤيته التساؤلية الاشكالوية الجدلية ومن هذه الاسئلة التنويرية : لماذا هناك شر على الاطلاق؟
كيف ينسجم الشر بانواعه او في شتى مظاهره مع خيرية الاله؟
اذا كان الاله/الله لايستطيع محو الشر ،اليس في هذا ما يتنافى مع صفة المقدرة الكلية له؟ فالعليم مدرك لكل الام البشرية والقادر على كل شيء يستطيع منع المآسي ولان الاله خير كله ، فهو” يريد ان يمنع جميع الالام والكوارث” على حد تعبير الاستاذ عقيل. ويستند وفق هذه الجمل بانه وفقا للمنطق الديني يجب الا تكون هنالك كوارث لانها تتنافى مع خيرية الاله ومع وجودها الكثير في حياة البشرية فنحن امام طريقين : اما ان الاله /الله غير موجود او انه لا يمتلك هذه الصفات التي اسبغت عليه وهذه النتائج حسب استنادات الاستاذ عقيل المرجعية التي يذكرها في هوامش الكتاب.
وهكذا يصل الاستاذ عقيل الى نتيجة ان الشر بوجوده في العالم لاتستطيع اية قوة ان تقهره او تبعده سوى قوة الخير التي تتواجد في البشرية ، وان الشر موجود لنفع البشرية حسب ليبنتز وضمن اسباب اخلاقية أي ” ان الشر نفسه الذي يسمح به الاله ويطلق يده في عالمنا هو خير لنا بتبسيط يسهل ولايعقد ” ولكن هذه الاطروحة كانت بالضد من اطروحة سبينوزا الذي كان ليبنتز لايحبه فسبينوزا في كتابه الاخلاق” يقرر ان الاله ليس لديه نية وانه لم يكن كائنا متعال ومن ثم فشكل الاله عنده لايمكن ان يختار افضل عالم ممكن، طبقا لاطروحة ليبنتز” ص 65 .
كما ان رؤية ان هذا العالم هو افضل العوالم الممكنة قد رده الكثير من الفلاسفة ومنهم شوبنهاور الذي يركز عليه الكاتب عقيل والذي “قلب راسا على عقب فكرة ليبنتز واعلن انه اسوأها” وعندما يصل الكاتب عقيل بنقاشاته الى ان اطروحة ليبنتز قد فشلت فكأنما يريد ان يقول ان اية اطروحة شابهتها دينية كانت ام فلسفية فانما هي فاشلة لان هذا العالم هو ليس افضل العوالم كما اسماه ليبنتز ووصفه.
ان عقيل يوسف يبحث عن حجر يلقى في بركة “الركود والخمول والسكون المخدر ، فكثير من الاشخاص ولاسيما المعتقدين والمؤمنين بدين من الاديان الكتابية ، ومن الذين يصدقون بمبدأ “ليس بالامكان ابدع مما كان” لو فعلوا ذلك لأصابهم القلق والفزع والغضب والفتنة ايضا، هذا ما يفسر حنقهم ومقتهم وعنفهم تجاه من يشذ عن تلك القاعدة ، ويؤكد” ان بالامكان ان يكون الواقع ابدع مما كان وماهو عليه ايضا” الكتاب ص 70 ، وهو هنا يقصد بالتحديد رجال الدين الذين يقفون وقفة مضادة ضد أي فكرة تحرك السكون وتفعل فعل حركي داخل المجتمعات ، من هنا تم محاربة اهل الفكر عبر التاريخ من قبل المحدثين واهل الحديث وعلى راسهم المعتزلة الذين حوربوا من قبل اهل الحديث بقيادة احمد بن حنبل وكذلك تمت محاربتهم من قبل الاشاعرة وهكذا لانهم خرجوا عن المألوف وقالوا ان هنالك حقيقة اخرى غير ما العالم بصدده,وهكذا القرامطة تمت محاربتهم من قبل رجالات السلطة بتعاضد مع رجالات الدين والمؤرخين والسبب انهم خرجوا عن المالوف خروجا كبيرا ، وهكذا فان التسليم بمبدأ ليبنتز وشركاه يعني وفقا لفولتير حسب رؤية الكاتب عقيل ” اننا ما دمنا نعيش في افضل عالم ممكن، فليس هناك ما يدعو لبذل أي جهد لتغيير الاوضاع، او بعبارة اخرى ، قتل ارادة التغيير وشل طموح التقدم من ناحية والانصياع والاستسلام للواقع المعيش بكل ما يكتنفه من نقائص فاضحة ومطاعن جلية من ناحية اخرى ” وطبع الاستسلام للقدر حسب الكاتب عقيل ان يولد في عقل ونفس صاحبه فتورا عند الكد والعمل والفعل ويزرع ميلا الى الدعة والراحة لدرجة العطب.
وهكذا فما زال البعض حتى اليوم يرفض العمل للاصلاح او يصبر على الاستبداد والضيم والسبب انه ينتظر شخصا لانقاذه قد يخرج في يوم ما ، دون ان يقدم شيئا للعمل الجدي الصالح والواضح للنهضة بنفسه وبأمته.
ونستمر مع افكار الاستاذ عقيل للوقوف على اصل المشكلة وهي ان المسلمين اليوم يعتقدون جلهم بان “دين الاسلام قد بلغ حد الكمال في كل مناحي الحياة وشؤونها وان احدا اذا ما فارق او اختلف مع هذه العقيدة المطلقة فان الغايات السامية لجماعة الدينيين المسلمين سوف تبرر لهم لجوءهم الى قدح وبغض ومحاربة الرأي المخالف لهم – للجماعة- وذلك بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يتسنى للواقع السائد ان يبقى بخير ، علما بان اصرار سدنة الشريعة الاسلامية ومن لف لفهم على ان الله خلق احسن العوالم الممكنة للبشر ، يحرم المسلمين من فهم منطق الطبيعة الداخلي فضلا عن الخارجي” وهذه العبارة العقيلية ان صح التعبير استطيع فهمها بعدة اوجه ، فالوجه الاول لها ان سدنة الشريعة يحاربون أي فكر مخالف ليس فقط بالقدح والتشهير لصاحبه بل حد قتله والتمثيل به فعلى مر التاريخ ، قتل السهروردي والحلاج قتل وصلب على ابواب بغداد ونودي عليه “هذا احد القرامطة فاعرفوه” وحرقت كتب ابن رشد وهكذا حورب ابن الهيثم وابن خلدون والكثير من مفكري الاسلام ، الذين خرجوا عن الاطار العام الذي اختطه سدنة الشريعة كما وصفهم عقيل ، وفي العصر الحالي كفر الكثير من العلماء وشهر بهم وقتل بعضهم ومنهم فرج فودة مثلا وكفر طه حسين وعلي عبدالرازق طرد من الازهر والسبب كتابه الجري “الاسلام واصول الحكم” اما الوجه الثاني دعوة السدنة للحفاظ على واقع المسلمين المتردي اصلا هو خلاف لطبيعة الكون والطبيعة والبشرية المتفاعلة مع التغيير وليس السكون فمنطق الطبيعة هو الحركة وليس السكون. فكل شيء في الطبيعة متحرك من الجينات وحتى الجمادات ، فقد اثبت العلم الحديث ان اصغر وحدة في الاشياء واصغر من الذرة هي الكواركات والتي تكون بحركة راقصة ، فلا ثبات ولاسكون في الكون. وهكذا نصل مع الاستاذ عقيل وفولتير بان” الواقع المعيش محكوم بالمرارة والعبث والجنون والدمار والوجع الثقيل الذي يصل الى تخوم العقم والياس وغيرها؟” والفكر الاسلامي الرسمي لا يخوض في سؤال مفاده: لماذا وجد الشر؟ بل يسال لماذا خلق العالم؟ وهكذا فان الغرض الاساس هو دحض ما يقال حول التفاؤل وانه” لا ينبغي لاحد ان يتصور ان التعاليم الدينية لاي دين او معتقد مواتية لاطروحة التفاؤل فقط ، انما في الرؤية الدينية وفي الشر ، كثيرا ما تستخدم تعبيرات وكلمات مترادفة ان لم تكن شقيقة”
في الفصل الثاني يستبق الحديث بقول ل فولتير “لننظر الى الحرائق وتلك الاطلال، لنستمع الى هذه الانات وتلك الصيحات، لنلاحظ ان الابرياء والعادلين هم الذين نكبوا، فهل ما نزال نجرؤ على ان نقول بصوت مولول” ان كل شيء حسن”
ومن مظاهر افق الدمار في العالم والذي فجر سجالات غير منتهية حول الخير في العالم هو الزلزال العنيف الذي وقع في لشبونة البرتغالية “زلزال لشبونة الكبير” في 1/11/1755م والذي لقي فيه حوالي 100 الف شخص وكان مساهما في اهتزاز اعماق وقناعات فولتير امام هول الدمار والاذى ، “كيف يمكن ان نفهم بان ما جرى يمكن ان يكون جزءا من خطة الهية اكبر؟” وهكذا وصل الى قناعات ان هذا الدمار الهائل ليس له تبرير معقول وهكذا فان رجال الدين المسيحيين آنذاك لم يجدوا تبريرا للزلزال الا هذا العبث الذي نطقوا به” ان الزلزال كان نتيجة اللعنة التي صبتها على الارض خطيئة ادم وحواء الاولى” والخطيئة هي السبب المعنوي للزلزال مهما كان سببها الطبيعي ” واعتقد الناس اتباعا لرجال الدين “ان زلزال لشبونة كان تعبيرا عن غضب الهي ولاسيما انه وقع في يوم عيد جميع القديسين ” وهذه مبررات رجالات الدين عبر العصور ، فمثلا ماذا كان تبريرهم لجائحة كورونا التي نحن بصددها انها غضب الهي ، موجات التسونامي :غضب الهي ، في حين ان البشرية صارعت الفايروسات عبر تاريخها الكبير وتغلبت عليها ومعاركها ما زالت معها وستبقى بعيدا عن الآلهة ، وكذلك تصارع البشرية التسونامي والزلازل منذ وجود الارض وحتى انقضائها لذلك ونتيجة هذا التبرير الديني الزائف”الغضب الالهي” ممن لا ادري؟ خرج فولتير عن صمته ازاء تبريرات الزلزال وقال” آه ايتها المخلوقات الفانية التعسة ، ايتها الارض المحزنة ، ايها الجمع الرهيب من بني البشر ، ايها الحكماء الحمقى الذين ينادون باعلى صوت: ان كل شيء حسن، تعالوا وتاملوا هذه الخرائب والاطلال الرهيبة وهذا الحطام واشلاء ورماد جثث بني جنسكم ، وانظروا الى النساء والاطفال الذين حصدهم الموت بالجملة ، الى الاعضاء المتناثرة تحت الاعمدة المحطمة ، لقد التهمت الارض 100 الف حالفهم النحس، لقد سالت دماؤهم وتمزقت اوصالهم واندفنوا وهم احياء تحت السقوف التي انهارت عليهم، فانهوا من دون اية مساعدة ايامهم التي تبعث على الاسى في عذاب كريه، هل تواجهون صيحاتهم الضعيفة التي تؤذن بالفناء والدخان المتصاعد في هذا المنظر البشع بقولكم ان هذا جرى وفق قوانين ابدية ، طبقا لمشيئة الله المطلقة الخيرة؟ وهل تقولون امام هذه الاكداس من الضحايا ،لقد انتقم الله منهم وان موتهم جزاء جرائمهم ، ولكن اية جرريمة واي خطئ ارتكب هؤلاء الاطفال الذين اغتالهم الزلزال وسالت دماؤهم وهم في احضان امهاتهم ؟ وهل كانت رذائل لندن ، او باريس اقل من رذائل لشبونة ؟ ومع ذلك دمرت لشبونة وباريس ترقص ، الم يكن في مقدور الله العلي الخبير ان يصنع عالما ليس فيه هذا الشقاء الذي لا معنى له، اني اجل الهي، ولكني احب الجنس البشري” وهكذا وحسب المفكر عقيل فان زلزال لشبونة المأساوي شكل اساس رواية”ادم بعد عدن” او “كانديد” علما بان فولتير حسب عقيل اراد من كانديد ان تكون الوثيقة للواقع ولكنه ادرك انها لن تكون الا على شرط المضي أبعد. والسؤال هنا كم من الزلازل والكوارث البشرية والطبيعية التي حدثت وتحدث في بلاد العرب الا انها لا تحرك “المثقفين” او” المفكرين” على نسف مقولة الخير المطلق ، بل تجد انهم وياللعجب يبررون لهذه الكوارث بمثل ما برر ليبنتز. وبذلك هم يبتعدون عن روح التجريبية ويوعزون كل شيء للمطلق/الاله/ لما فيه خير البشر / الخ…. وهكذا استمرت الحروب والمجاعات والضربات المتوالية للبشر من قبل البشر انفسهم او من قبل الطبيعة ، فلا يوجد شيء اسمه افضل العوالم ويذهب استاذ عقيل لابعد من ذلك منتهجا منهجا حكيما عقلائيا ناظرا للواقع بشكل كبير يقول” ان القرن العشرين لم يكتف بافناء ملايين الناس في الحروب، وانما بالتضحية بكائنات بشرية حية ، على مذابح الافكار المجردة ، ودعاواها الفارغة كالامة الخالدة ، الزعيم الخالد، الكنيسة المقدسة الكتاب المقدس، الحزب الاوحد، الطبقة النقية ، الجماهير المؤمنة ، اذ تطلبت تلك المجردات حتى تستمر وتبقى ازهاق ارواح كائنات آدمية جمة” ص86 ، الكتاب. هذا كمثال بسيط نسوقه في منطقتنا العربية الشرق اوسطية .
وبنظرة فاحصة لما يجري وجرى حولنا في منطقتنا العربية وتطبيقا لما عبر عنه عقيل نرى ان الاحزاب الفاسدة واحزاب الخراب كحزب البعث في العراق مثلا افنى مئات الالوف من البشر بدعواى فارغة وتحت عناوين واهية : القائد الضرورة ،حفيد المختار ، المدافع عن الامة العربية ونتيجتها خاض حروبا مع ايران استمرت لثماني سنوات اهلك من خلالها الحرث والنسل كما يعبر ، واحتل الكويت وهجر شعبها وزج العراق باشكاليات لما تزل يعيشها ، وكانت حروبه على شعبه لا توصف فالمقابر الجماعية وحرب الانفال ضد الكرد كانت اكبر دليل على جرائم نظام القائد الضرورة ومن لف لفه . من البعثيين .ولذلك فان ااي دعوى لتقديس رمز وتحت أي عنوان كان ديني ام سياسي ، هي دعوى مرفوضة جملة وتفصيلا لان تقديس الرموز يقود للاتباع الاعمى والاستبداد والدكتاتورية وقتل والغاء الاخر . كما ان غاية فولتير حسب رؤية عقيل من روايته هذه هو “تطوير وعي مختلف لتحرير الناس من علم ميتافيزيقا لاهوت تركيب الكون” ومن ثم ” فهم وفضح السياق الفكري والديني والسياسي والاجتماعي والثقافي للناس الذين يعيشون ويتعاطون ويشتبكون ويتواجهون مع الشر” “لقد اوقف فولتير عمله لتحطيم نظام تفاؤل ليبنتز ومن لف لفه ولانهاء عملية احتجاز وتكبيل وتخدير الناس حول العالم، او ل”نسخ” توقف عمل التفاؤل/الاذعان الذي نظر له الفيلسوف الالماني ومن تبعه على الاقل، فكان تهكمه مسعى جاد لكسر الجدران الجامدة بين الانتشاء بافيون العقيدة (دينية،فلسفية،سياسية،اجتماعية، اقتصادية ،…) والمسعى العقيلي هنا هو استكمال لمسعى فولتير وهو كما وصفه عقيل” امداد دعم الناس الواعين العقلاء ، وهم المرشدون الحقيقيون الاصائل ، الذين يسعون الى اظهار الواقع الصحيح كما هو فعلا” ويعتبر الاستاذ عقيل ان فولتير في عمله “ادم بعد عدن” كان قد سبق ما اشاعه من بعده بعقود الفيلسوف المنظر الالماني كارل ماركس من ان العقيدة الدينية بمعناها الاوسع هي “أفيون الشعوب” أي :انها تستخدم لتخدير الناس حتى يقتنعوا بالطفيف القليل ، او بالموجود الزهيد في هذا العالم جزاء الحصول على الكثير من الطيبات في العالم الآخر ، ومن ثم يتركوا الحكام وحاشيتهم مع التجار الاغنياء والمتنفذين ومن اليهم يتمتعون بالثراء والوفير من الاملاك وكثرة المال، من دون ان ينغصوا عليهم ويطالبوهم باقتسامها معهم او حتى اخذ اليسير منها” وهكذا يتحدث عقيل عن علاقة رجال الدين بالسياسة وبالساسة بصورة غير مباشرة ، فرجل الدين متعاضد مع السياسي ويشكل معه حلف كبير ووطيد ، فيضفي عليه شرعية مقابل الاستفادة الكبرى التي يمنحها السياسي له ، وهكذا فعل رجال الدين عبر التاريخ في الامبراطوريات الاستبدادية الكبرى كالرومانية والعباسية والاموية وحتى اليوم في الانظمة الاستبدادية يكاد يكون رجل الدين بوق للسلطة مقابل امتيازات كثيرة ووفيرة .
وهكذا تحدث العالم علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين وبصورة مبكرة على امتيازات رجالات الدين التي يمنعون عامة الناس منها ، في حين يفعلونها هم وينعمون بها ويطالبون الناس بان ياخذوها في “الجنة” هذا المتخيل الاسطوري ، ومن النتائج التنويرية التي يصل اليها الكاتب عقيل ” ان ادراك اهمية المواجهة مع الطبيعة يتبعه ايضا قيام وعي عقلاني /علمي، او علماني، فلا وعي تأريخي مع الاستغراق في المطلقات والمجردات والثوابت واليقينيات ، وانما يكون الوعي التاريخي مع الارتفاع الى مستوى العالم الحاضر/القائم، ورؤية الذات وتأريخها في اطاره” وهكذا فالتنويري يريد من الناس الالتزام بالشغل وبالعمل الجاد في الآن والاوان المعيش وليس انتظار “الذي ياتي ولا يأتي” حسب تعبيره فبمواجهة وباء معين مثلا لا ينبغي الانكفاء على الذات والايمان بالخرافات والغيبيات انما باكتشاف علاج لهذه الاوبئة والعمل في الواقع لانهائها. وتحقيق مفهوم العدالة بالانتصار على الظلم بانواعه “ظلم الطبيعة للانسان، ظلم الانسان لنفسه، ظلم الانسان للانسان، ظلم الانسان لمحيطه، ظلم الصدفة..” فالعدالة عندئذ حسب عقيل متحققة وقائمة، اما انتظار عدالة السماء الناجزة وما يجود به”الغيب” فليست هنا في هذا العالم، وهذه رؤية تنويرية علمية ثاقبة وتطويرية رائدة يوردها الاستاذ عقيل وعلى سبيل المثال يقول عقيل” تحققت العدالة في اليابان “الوثنية” ولم تتحقق في اندونيسيا الاسلامية ، ففي اليابان استطاع العلماء ومن اليهم ان يسيطروا على الاثار المدمرة لغضب الطبيعة وثورتها ، فتحققت عدالة الطبيعة لهم ، أي : عجز الطبيعة عن ظلم اليابانيين في مواجهة الزلازل مثلا وهي ارض الزلازل، في حين ان الطبيعة سيطرت بالكامل على اندونيسيا ودمرتها وظلمتها في ملاقاة تسونامي عام 2004 ” ويصل عقيل الى اساس كانديد ورؤيته الاستنتاجية حول الرواية الى “ان التشاؤم الواعي على العكس مما هو شائع ، او قد يظن، يستطيع ان يكون في كثير من الاحيان اسمى من التفاؤل المتطرف، من حيث هو قيمة اخلاقية صادقة ، فاذا كان التشاؤم الواعي دليلا على فرط تأثر في الحس الاخلاقي، فان التفاؤل المتطرف دليل على وهن هذا الحس ذاته وعلامة على تخدره” اذن التشاؤم الواعي هو الطريق لاصلاح الوضع ووضع الخطط الكفيلة لانجاح القضايا الملحة . واخلاق كمثل التعاون والمشاركة والدعم والامانة والاستقامة كفيل بوضع حلول للمشاكل الانسانية الكبرى اذا آمنا بالتشاؤم الواعي. والوعي اصبح اليوم على الشاكلة التالية ” ما كان من ايمان الناس قديما بان الموت قدر محتوم لايتغير او يتحول، لكننا راهنا نطالب من وزارات الصحة بان تنقص عدد الوفيات في بلداننا، وكان الناس قديما يعزون الفقر الى القدر والقضاء، ولكننا الان نعزوه الى اسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ونطالب الحكومة بان تعالج الفقر اينما نزل وحل” علينا اذن ترك مقولة “ليس بالامكان افضل مما كان” والمضي بانجاز ما ينبغي انجازه بعيدا عن رؤى المدينة الفاضلة واليوتوبيات المفقودة .