لم يتبق الكثير من العمر لننتظر الجمال والحياة ، فالبؤس الذي قابلناه في سنوات طويلة قتل في داخلنا كل تلك الأحلام والأمنيات والرغبات . نلتقي كل يوم بوجوه نحبها وأخرى نكره أصحابها ولكننا مجبورين على المضي قدما دون تراجع حتى لو كان الطريق يؤدي بنا إلى الهاوية السحيقة التي لاخلاص منها ، ورغم أن اليأس يطبع حياتنا لكننا لا نستعيض عن الصبر بشيء فهو الوحيد الذي يسلينا في زحمة الإنتظار والعذابات المرة في بلد تعود أهله الموت والحزن وعويل الثكالى والأمهات الفاقدات لفلذات أكبادهن والمتجرعات مرارة الدموع والحزن والبكاء الثقيل في أيام مثقلة بالهم مثل غيوم سوداء .
ساحات الموت عديدة في العراق ويمكن أن ينفجر الموت في الشارع أو على مدرسة أو مسجد أو مشفى أو سوق ويقتل أصنافا من الناس لكنه في ساحات البؤساء يؤدي إلى نتيجة مختلفة ويترك صورا صادمة لضحايا معذبين متهالكين يقفون عند عربات بائسة ومتكسرة ، بعضهم يبيع ملابس مستعملة يسمونها البالات وبعضهم يبيع الشاي ومنهم من يبيع العلكة وبعضهم يبيع أشياء مستعملة ورخيصة ، والمهم عند هولاء جميعا أن يحصلوا على البسيط من الطعام والنقود التي لا تكفي .
عندما يصعد المنبر رجل دين مختل ويقول اقتلوا هؤلاء وفي ذمتي قاتلوهم فإن قتلتموهم فأنتم في الجنة وهم في النار وأن قتلوكم فأنتم في الجنة وهم في النار ، فقد منح الجنة في كل الأحوال للقتلة ونصب نفسه بديلا عن الرب الذي كتب على نفسه الرحمة بينما كتب أمثال هذا المخبول على أنفسهم القسوة وبالجرم المشهود وبالوحشية التي لا نهاية لها وكان قلوبهم خلت من الرحمة ومات عندهم الضمير والشرف والمروءة حيث يثكلون النساء وييتمون الأطفال دون أن يرف لهم جفن أو يهتز ضمير ، فلعنة الله عليهم في الدنيا والآخرة وباءوا بغضب من الله ولعنهم وأعد لهم عذابا عظيما لا يخرجون منه وهم فيه خالدون إلى ما شاء سبحانه وهو الحكم العدل .
في ساحة الطيران حيث الفقر والبؤس والبرد والحاجة جاء القاتل متوهما أنه في عين الله فيفجر نفسه في جموع الفقراء والجياع ويحيلهم إلى أشلاء متناثرة ويترك صغارهم وذويهم للبكاء والحزن والعذابات التي لا تنتهي ويسير في دوامة الألم والإنتظار واللوعة وفراق الأحبة فيطير الكبار والشبان الصغار بلا أجنحة إلى السماء فقد تلاشت الأحلام وأنتهت في ساحة الطيران . [email protected]