لدى شروع الأنسان الفقير بتشييد داره، على أرض تجاوز عليها، دار من الصفيح أو الطين يتوجب عليه أن يضع أساس متين وقوي، لشبه الدار الذي يبنيه، فما بالكم بالذي يشرع ببناء دولة تمتلك أرضية غنية بكل شيء حتى سراقها!
بناء الدولة عملية هيكيلة طويلة الأمد، تشتمل على مفاصل متعددة، منها سياسية وأقتصادية وأجتماعيه، فبناء دولة عصرية عادلة ليس بالآمر ألعسير، لكنه يحتاج تضافر الجهود وحنكة العمل ودربة الأداء، من قبل منظرين وقادة فاعلين في أوساطهم،هذا هو سبب تقدم أكثر الدول العصرية.
لنستعرض نموذج على المستوى الفرنسي، فولتير أحد أبرز من وقفوا في وجه القوى الظلامية، مابين عامي 1694 و 1778، واجه الحكم القائم في فرنسا آنذاك، ودعواته للحرية ومطالبته بالملكية الدستورية ودفاعه عن شعور الانسان وكرامته، وأصبح مرجعاً لكل من يسعى للنهوض بمجتمعه، ففولتير لما رأى الفساد والتدمير والتهميش والأقصاء، صاح عاليا ” اسحقوا العار” العار بالنسبة لنا هو كل تلك الأدران الدخيلة على الدين الأسلامي الحنيف، التي يحاول البعض المحافظة عليها، لأنها تخدم مصالحه الدنيوية ألبغيضة، وكل تلك العبارات الرنانة التي يطلقها البعض، ما هي إلا شعارات لتضليل فقراء هذا المجتمع.
دعونا نبحث عن فولتير العراق، هل هو موجود؟ وأن وجد ماذا قدم؟
عشر سنوات مضت على ألتغيير، وسقوط الصنم البعثي العفن، لم يشهد العراق أي تطور يستحق الذكر، امنياً اصبحت شوارعنا مشاريع ناجزة لمقابر جماعية، فبات الأمان معدوماً والحمد لله، خدميا ً تذيلت بغداد المرتبة الأولى بين العواصم العربية، كأسوء عاصمة عربية، سبقتها الخرطوم عاصمة السودان وصنعاء اليمن، حسبكم القائمة التي نشرها الموقع العالمي ”انترناشيونال ليفينغ” كما تصدر ساسة العراق المركز الاول بلائحة الفساد وسوء الإدارة وافتعال الازمات وحروب الملفات ورداءة العلاقات مع المجتمع الدولي المحيط بنا، ذلك طبقاً لقائمة مشتركة وضعتها اثنان من المجلات المعروفة، برصانتها وموضوعيتها وهما (فورن بولسي) و(فوند فور بيس) والبلدان التي تسبق العراق في القائمة هي (الصومال، الكونغو، السودان، جنوب السودان، تشاد، اليمن، أفغانستان، هاييتي، أفريقيا الوسطى، زيمبابوي).
بعد تذوقنا لمرارة تلك الحقيقة، يتضح أن ما بني بعد سقوط الصنم الدكتاتوري، لا يمكن ان نطلق عليه أسم الدولة العادلة! وأقل ما يمكن وصفه هو دولة فاشلة، لا يحمل ساستها الأسلوب والنهج الصحيح والرؤية الواضحة لبنائها بالشكل الامثل، الا القلة القليلة، ممن يحاول أن يقود القافلة الى الأمام، ولا نعلم أن كان تمخض العراق سيلد فولتير ام فرعون آخر.