19 ديسمبر، 2024 12:50 ص

سواء كان معلما ابتدائيا ام مدرسا ثانويا ام استاذا جامعيا
هذه الشخصية المؤثرة في حياة الناس والمطبوعة في ذاكرة طلبتها صغارا او كبارا الفاشل منهم يهدم المجتمع هدما تاماكما لايفعل رئيس الدولة الفاسد و لا العدو الخارجي الغاشم. ستقول و كيف ؟ اجيبك : لن يصل الى رئاسة الدولة فاسد ولن يسيطر عليها عدو خارجي لوكان المدرس ناجحا .هذا المعلم في صوره الثلاث ينشيء جيلا ناجحا محصنا واعيا واثقا و متفتحا على الحق و الفهم ، شجاعا قويا ضد الفساد بانواعه والخداع باصنافه فيمنع هذا الجيل بعد ذلك بالانتخاب الصحيح او بالتصارع الصريح الفاسدين من ان يصلوا الى سدة الحكم ، فبعد ان تشكل جيل كامل يغلب عليهم الوعي والفهم والقوة والايمان بدور الفرد والجماعة و تاثيرهم ، اصبح من غير الممكن ان يخترقهم رجل اخرق او يغرر بهم رجل مغرور فيتسيد على مقدراتهم و يوردهم موارد المهالك (حتى و إن صحت نظرية المؤامرة) . وأمامك فانظر الامم التي تطورت ونجحت وتزعمت و فلحت . وامم مثل امتنا كيف سقطت و تهاوت و صارت مرتعا للجهلة وملعبا للفشلة من الحكام ومن يسوقهم الاجنبي ليتسلط على ثروات الانام .

و نفس الجيل الذي صنعه المدرس الناجح لا يمكن ان يتسلط عليه عدو اجنبي لما حصنه التعليم الصحيح وزرعته التربية المقدسة بهم من قيم الشجاعة للدفاع عن وطنهم بحب واندفاع دون جبر أو انصياع . و المدرس الفاشل اساس كل جانب فاشل في المجتمع عمليا وعلميا و بنائيا و صحيا واداريا دون ادنى مجال للجدل . ستقول لي وكيف ؟ اجيبك : جانب الاعمار الفاشل في المجتمع يديمه المهندس الفاشل ، و هل تخرج المهندس والفني الفاشل الا من تحت يد استاذ فاشل زور له علاماته ومرر له غلطاته بسهو او برشوة او بجهل او باهمال أو كسل من المتابعة الدقيقة ، وكان همه ما وصل اليه من مكانة مزيفة و غرف مكيفة و رواتب و مراتب ، و راح يمرر الطالبة الغبية الجميلة التي تغازله ويوقف العفيفة الجليلة التي تجادله ، ويقدم ابن فلان و يبعد ابن فلتان و يسهل امر الكسالى الراشين ويصعب الامر على الموهوبين المعوزين . و قبل ذلك فهل وصل هذا الطالب الجامعي الفاشل الى قسمه هذا الا من تحت مدرس ثانوي فاشل كان قد زور له علاماته فادخله امتحان القبول ثم رتب له المدرس المراقب الاخر اجاباته دون جهد او علم او ارتشى من المركز التصحيحي او اهمل او او،، مما يحدث عندنا على وجه القاعدة و ماصلح منهم فهو استثناء ! و قبله الم يأت هذا الطالب الثانوي المتكاسل العاطل من الابتدائية ناجحا دون استحقاق من تحت يد معلم فاشل ؟! و هكذا الطبيب الفاشل اصله معلم و مدرس و استاذ فاشل ، وكذا القاضي و المحاسب والاعلامي و حتى امام المسجد وخطيبه !

فالمدرس الفاشل اساس كل فشل في المجتمع لانه يصنع النظام الفاشل الذي يرعى الفاشلين و يعرقل مسيرة النابغين و يغبن الموهوبين ويقدم لنا الفاسدين . وكل فئات المجتمع الاخرى بريئة من دم المجتمع المتخلف ابتداء من محاميها الى موظفيها الى اطبائها الى بلديتها الى الى . كلهم لاعلاقة لهم بهدم المجتمع ابتداء ولا دور . الا المدرس الفاشل .

و المدرس الفاشل يزرع الظلم في الذاكرة فيشوه شهادتك التي ترافقك طوال حياتك ان ظلم و لا احد سيذكر انك انما ظلمت من معلم ابتدائي كان يعاديك او مدرس ثانوي لم يحتمل بعض عوارض مراهقتك في طريقة الحوار او من استاذ جامعي راى انك اجدر منه في علمه فاحب ان يطمسك و مااكثرهم ، بل انهم الفئة الغالبة في جامعاتنا و مدارسنا اليوم فكم من مدرس فاشل كسر عزيمة تلاميذه وطموح طلابه و استحقاق الباحثين لمجرد ان الوثائق العمياء و النظام الفاشل جعله مشرفا او مدرسا لاحدهم لنيل الدرجات العلمية العالية .

في دراستي لنيل درجة الماجستير (في احداها قبل سنوات حتى لايظن استاذ ممن حاضر لي حينها انه المعني فيزعل) قدمت بحثا فصليا مطلوبا لاستاذ مادة ما في الكورسات التحضيرية و كنت ارهقت نفسي به جدا و اردته ان يكون نموذجا لرسالتي التي عزمت ان اقدمها في نفس التخصص الفرعي . و جاءت الدرجة مخيبة و لانه يعرفني و احس انني ممتعض و كان من الجيدين نسبيا ، خاطبني و قال : كيف حالك يا استاذ قلت الحمد لله يادكتور ، قال : هل انت معترض قلت لا ،، انا اقدر انشغالكم والضغط الذي عليكم كان الله في العون و اعرف انكم لاتقراون البحوث حقا .فتغير لونه و انزعج او ارتبك من الجواب الصادم . قال : لماذا تقول هذا ؟ (قلت يادكتور انا مدرس كما تعلم و لدي شهادة عالية قبل هذه في تخصص اخر وهذا مالاتعرفه ، و لدي طلبة ولدي زملاء اساتذة و اعرف كيف تسير الامور فلا تغضب من صراحتي ،(ولم اقل له ان بعض الاساتذة يقرا الاسم فقط و للعلم ان الباحث كتب بحثه فيضع الدرجة تقديريا او حسب ماتعلق في الذاكرة حول هذا الباحث و بطريقة كيفية) . ولكني قلت له : و انا اعرف بحثي و اعرف ماذا كتبت و لم اسرقه من مصدر او استعن باحد و اعرف جهدي العلمي و كم يستحق . فذهب الرجل مطرقا و للامانة فقد عاد بعد ايام و منحني 98 عن البحث و اشاد به و استغرب من اتقانه و اصالته و شكرني لمنهجيته و لطريقة اهدائي المميزة له ، فقلت : ارايت ؟ انت حتى لم تكن تعرف انني اشرت اليك بتلك الطريقة أي انك لم تفتح حتى الغلاف ،فسكت .

و المدرس الفاشل اساس فشل المجتمع بحثيا و من ثم الارتقاء حيث يحطم نفس طلابه المستعدين اصلا للكفاح العلمي و اذا صادف ان يمر على مسيرة الطالب اكثر من واحد منهم تتغير حياته جذريا وتنقلب نكدا و فشلا بدلا من التقدم و الابداع .كنت مدرسا ثانويا و كنت عندما اوزع اوراق الامتحان المصححة لادخل درجات الطلبة الشهرية في السجل الرسمي ، اجلس في مقدمة القاعة و اخصص درسا كاملا اعطيهم الاوراق و اطلب منهم ان يدققوها مع الكتاب او المحاضرات و ان يقارن كل منهم درجة كل سؤال و فرع مع زميل له فان وجد انه حصل على اقل منه رغم ان الاجابة نفسها يعترض بالاضافة الى الجمع و غيره ، وبعد حين ابدا بقراءة الاسماء حسب القائمة و ياتيني الطالب حاملا ورقته فان قال تمام يااستاذ انزلتها وان اعترض نظرت في اعتراضه حتى ارضيه بالحق ان كان له . و لم اكن انقص ان كان الخطأ في الزيادة حتى لايتردد الطالب في الاعتراض و ازيد ان كنت مخطئا في النقصان . و لذلك فقد كنت ارى طلبة متميزين ياتون الي يشكون من غبنهم عند مدرس آخر لم يسمح لهم بالاعتراض بل يهدد ان اعترض احدهم سينقص منه. و هذا هو المدرس الفاشل الخائف المتردد غير الكفء ، و هو سبب مصائب التخلف العلمي عندنا .فكم من رجل معلم او مدرس او استاذ يظن انه على خير و هو احمق مرتبك فاشل و قاده كثرة الحفظ فقط او المصادفات و الاساتذة الفاشلين الى ان يصبح في مكانه هذا ، او المحسوبيات ربما او الرشاوى . و اكثر ماتعرف هؤلاء من حبهم للمديح دون حق ، فترى طلبته الذين يمتدحونه كل حين هم المقدمين الناجحين عنده و الطالب الذي يجتهد و لايمدح و لايتملق يقبع في اخر القائمة من الدرجات حتى و لو كان اجدرهم . و اوضح الامثلة في ذلك الاساتذة الذين يدرسون الدرجات العلمية العالية او يشرفون عليها . فعندما يصل الفاشل الى هذا المركز او الوظيفة وهم كثر طبعا ، يبدا بالرعب من الطلبة الباحثين في الدراسات العليا ذلك ان من بينهم كثير نابغين اومتميزين في اختصاصاتهم عمليا سواء في الاداب او العلوم ، فهذا كاتب و ذلك مخترع ، وانما قاد النظام الاعمى ان يكون الاحمق استاذا يقرر مصير النابغ ، فترى ان المحاضرات او المناقشات هي عبارة عن تملق و مديح لهذا الاستاذ الفاشل من طلبة افشل منه ، فيعطيهم العلامات الاعلى او ينجحهم و يهمل الاخرين ، و هكذا تستمر مسيرة الفشل و التخلف عبر السنين جيل يسلم جيلا بعده العلما . و هذا المدرس اساس العقد النفسية المستقبلية التي ستستمر في المدارس و الجامعات و معه المدرس الظالم العشوائي الذي يضع العلامات دون تمحيص و جهود مستحقة او مواهب و انما وفق مزاجات او معايير اخرى ما انزل بها العلم من سلطان . فقد رايت مدرسا ثانويا ينقص درجات طالب متميز ولما استخبرت قال : قصة شعره ليست محترمة! ورايت استاذا جامعيا يؤخر احسن الطلبة ويقدم غيره و يبرر ذلك بكثرة مجادلة الطالب له (و المقصود ان هذا الطالب كان ذكيا ومطلعا فيحرج الاستاذ الفاشل الذي هو اقل منه جدارة في هذا العلم ) متكئا على عبارة مشهورة حمقاء رددها لي عندما عاتبته :(مهما يكن فانا استاذه و لايمكن ان يكون اعلم مني ) فقلت له هامسا في اذنه على جنب : بل هو اعلم منك يا احمق و انا وانت نعرف كيف حصلت على شهادتك ، فدع الامر و ادعوني على الغداء ، ففعل طائعا بكل امتنان .

ملحوظة : الطلبة المميزون هم الذين يواجهون المدرسين الفاشلين ، بمعنى ان من لم يذكر مدرسا فاشلا او معلما او استاذا في مسيرته التعليمية الطويلة فهذا ليس لانه كان ذو حظ عظيم كما سيقول ، بل لانه كان فاشلا عاطلا ايضا ، فلم يتعرض لازعاجاتهم بل و لم يلاحظهم اصلا ، و هل يميز المعفر بالرائحة الكريهة ريحها ؟