إيران ليست ملة واحدة لكي يهبَّ كل مواطن إيراني لنجدة حكومته في حروبها وأزماتها. وحتى لو كان داخل ملته الواحدة موالون ومعارضون للحكومة فإن النعرة القومية أو المذهبية أو الدينية قد تجعل قسما كبيرا منهم يؤجل خلافه معها، في حالات الضيق، وينهض لعونها وحمايتها وليشدَّ من أزرها.
ولكن الواقع المُثبت بالوقائع والتواريخ يؤكد أن إيران هي أكثر من إيران واحدة، وأن شعبها أكثر من شعب واحد، ومن الصعوبة البالغة أن تتمكن حكومةٌ تمثل مذهبا واحدا وقومية واحدة ودينا واحدا من إرغام الآخرين على تأييدها ونصرتها، حتى لو كانت مظلومة لا ظالمة.
والنظام الحاكم في إيران، منذ أن أقدم الخميني على الغدر بالأحزاب الإيرانية الشيعية الفارسية التي عاونته على قلب نظام الشاه، في أول ثورته الإسلامية الحامية، كان ووما زال يفتك بأبناء طائفته وقوميته، مثلما يقمع أبناء القوميات والمذاهب والأديان الأخرى ويسكتها بالنار والحديد.
وفي كثير من الحالات تمردت عليه شعوبٌ إيرانية متنوعة، وتظاهرت واعتصمت واتهمته بالتفريط بأمنها ورزقها وكرامتها وحريتها من أجل بناء امبراطورية فارسية شيعية لا تعني أحدا منها بشيء.
وهذا هو موطن الخلل في طبيعة النظام الحاكم في إيران، وهي نقطة ضعفه والثغرة الخطيرة التي قد يتسلل منها أعداؤه الخارجيون، دون أن يتعض ويتنازل، ولو قليلا، عن غلوائه وعنجهيته وحروبه الخارجية والداخلية معا، والتي لم تحقق، ولن تحقق له ما يريد.
ونفس هذه الحقيقة غابت عن صدام حسين، بالأمس، ولم يُعرها اهتماما، الأمر الذي وسَّع عليه دوائر الناقمين العراقيين في الداخل، وجمَّع عليه الناقمين العراقيين في الخارج، فصار معارضوه هم الفئران التي أكلت صخور مأربه، وعجلت بانهيار سده، وشنقه، في أسهل ما يكون، وأسرع ما يكون.
ومنذ العام 1979، وهو عام سقوط الشاه وهبوط خميني على أرض مطار طهران، والحكم الديني الطائفي العنصري الإيراني (وهذه ليست شتيمة) موغلٌ في تحدي شعوبه الأخرى في الداخل الإيراني، وسادر في تدخلاته وغزواته الخارجية، بادئا بالعراق، وعابرا إلى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وما زال حاملا خناجره وسيوفه ورماحه ويقاتل كل من يرفض احتلاله من عرب ومسلمين وأوربيين وأمريكيين، دون هوادة.
ويصعب حتى على أكثر أجهزة الكومبيوتر كفاءةً إعطاءُ أرقام صحيحة ودقيقة عن الذين ماتوا شنقا أو حرقا أو جوعا أو مرضا في إيران ذاتها، أو الذين قضوا تحت جنازير دباباته وبصواريخ طائراته ورصاص ميليشياته في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ناهيك عن تفجيراته الإرهابية في عواصم عربية وأجنبية عديدة لا تحصى.
فكم فقدت إيران من رجالها ونسائها، وكم دفن العراقيون والسوريون واللبنانيون واليمنيون والفلسطينيون من أبنائهم الذين اغتالهم جواسيس الحرس الثوري وقاسم سليماني واسماعيل قاآني بكواتم المليشيات التي يحارب خامنئي أعداءه بدمائهم وأرزاقهم وكرامة أوطانهم وحريتها التي ينتهكها كل ساعة وكل يوم؟.
وفي كل عام وكل شهر، وأحيانا في كل أسبوع وكل يوم، يتلقى الإهانة بعد الإهانة، وتَدكُّ أوكارَ حرسه الثوري في سوريا والعراق طائراتٌ مجهولة معلومة، وتقتل العشرات، وأحيانا المئات من جنوده وضباطه ولا يرد، ولا يتعض فيحمل عصاه ويرحل ويريح ويستريح.
وأخر أخبار حصاد نتياهو لما يزرعه خامنئي في سوريا والعراق أن غارات إسرائيلية على مخازن أسلحة ومواقع عسكرية في شرق سوريا يوم الأربعاء الماضي، فقط، قتلت 57 على الأقل من قواته ومن المجموعات الموالية له.
وقد أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان بأن قصفا إسرائيليا مكثفا استهدف المنطقة الممتدة من مدينة الزور إلى بادية البوكمال عند الحدود السورية –العراقية، ودمر مستودعات سلاح وذخيرة، ومعسكراً في أطراف مدينة دير الزور، ومواقع عسكرية في بادية البوكمال، وأخرى في بادية الميادين، تابعة لكل من قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها.
وقال الجيش الإسرائيلي قبل أسبوعين في تقريره السنوي إنّه قصف خلال العام 2020 حوالى 50 هدفاً في سوريا، من دون أن يقدّم تفاصيل عن الأهداف التي قصفت.
وتعهدت إسرائيل مراراً بمواصلة عملياتها في سوريا حتى انسحاب إيران منها. وكرّر نتانياهو عزمه “وبشكل مطلق على منع إيران من ترسيخ وجودها العسكري عند حدودنا المباشرة“.