يعتبر الشباب القوة القادرة على التغيير والبناء والإعمار ، وهم الشريحة الأهم في المجتمع لأنها قادرة على العمل والتطوير ، لذلك تولي الامم والدول المتقدمة شريحة الشباب اهمية قصوى من اجل خلق جيل واعي قادر على تحمل المسؤولية مستقبلا. فنراها تسعى جاهدة الى استثمار طاقاتهم من خلال توفير فرص العمل والانتاج لهم في مختلف مناحي الحياة وافضل ما يمكن تصوره هو التوجه الجديد بدعوة الشباب لولوج الحياة السياسية والتدريب على المشاركة في صنع القرار وهذا ما نشاهده بالعديد من الدول الغربية وفي تجارب اخرى بتركيا وتونس وحتى بعض الدول الافريقية.
إذن إهمال الشباب وعدم إيلاء أحلامهم وتطلعاتهم هو إهمال للمستقبل وتدمير للحاضر ، ومع الاسف هذا ما حدث لشريحة الشباب في العراق… فالولاء للوطن تشتت بينهم الى الولاءات الاخرى الطائفية والعشائرية والمناطقية ، وضاعت منهم الهوية ومعه الانتماء؛ وهما اللبنة الاساسية في بناء جيل واعي قادر على النهوض بمتطلبات الحاضر ومواجهة مصاعب الحياة.
لقد ترك العراق شبابه طيلة اربعة عقود يواجهون اصعب مرارات الحياة من حرب طويلة اكلت الاخضر واليابس الى حصار خانق الى احتلال بغيض وارهاب ومفخخات وازمات سياسية واقتصادية عاصفة لا تتوقف ، فاصبح لدينا اكثر من جيل ينظر الى المستقبل نظرة سوداوية ملؤها اليأس من التغيير الى الافضل. ويورثها الى الجيل الذي يليه. وتقف اسباب اخرى وراء ذلك اضافة الى ما تقدم منها:
١. سياسات النظام البائد في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
٢. الاحتلال الذي اخل بالكثير من القيم في الدولة والمجتمع.
٣. السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة بعد عام ٢٠٠٣ والى الان ، والتي تتحمل الجزء الاكبر من مشاكل الشباب لانها جاءت في حقبة التغيير التي كان من المفترض ان تفتح ابواب الأمل من جديد بعد مرحلة قاتمة وطويلة من الديكتاتورية والحرب والحصار.
٤. الطبقة المثقفة التي تتحمل جزءا من المشكلة لانها هربت من البلاد مع اول هزة عام ٢٠٠٦ ، وتركت فراغا لم يملئه احد وشجعت الشباب على الاقتداء بهم في التفكير بترك البلاد وسيادة حال اليأس من القادم. ونقصد بالمثقفين الأساتذة والعلماء والفنانين وكافة المبدعين بكل المجالات.
اما المؤسسة الدينية فانها لم تكن قادرة منفردة على احتواء الشباب وتطويع سلوكهم وبث روح الأمل في نفوسهم لعدة اسباب منها: اختلاف ميول الشباب اولا؛ اندفاعهم وسرعة تغير قرارهم ثانيا؛ وثالثا؛ سهولة وقوعهم في شباك الأفكار المنفرة من الدين والبعيدة عن اخلاقياته.
ان مسألة الشباب اليوم تعتبر قضية ذات أولوية كبرى تفوق كل المشاكل المطروحة ، فالاهتمام بالشباب ينبغي ان ينطلق من توفير حياة حرة كريمة لهم لا بالتعيين الحكومي بل بتوفير فرص العمل لهم بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية والفساد في القطاع العام والخاص على السواء ، والاهم من كل ذلك صياغة هوية وطنية لكل شاب عندما يدرك ان الأمل موجود في بلاده وان القادم خير والمستقبل افضل وهذا لن يأتي من فراغ بل من برامج توعية تتحمل مسؤولياتها الحكومة وكافة الفعاليات الوطنية والاجتماعية.
فامنحوا الشباب الفرصة للتعبير عن انفسهم قبل كل شيء ليس في ساحات التظاهر هذه المرة ، بل في اطار ضوابط النظام الديمقراطي واسمحوا لهم بتنظيم صفوفهم وتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات المبكرة؛ لا ناخبين بل قوائم ومرشحين.