أصبح ملفِتا في عصر تلاشي الأيديولوجيات السياسية، انتعاش النقاش مجددّا بين النخب السياسية والاقتصادية الغربية
حول اليسار واليمين، واشباح الاشتراكية التي تنسلّ الى الرأسماليات الغربية، ووفقًا لمجلة غالوب، يبصر الرأسماليون الديمقراطيون في الغرب الآن إلى الاشتراكية بمنظور أكثر إيجابية، ونجم عن ذلك ارتقاء سياسيين يؤمنون حتى بإبدال الرأسمالية بالاشتراكية، فيما المحافظون يدركون الخطر ويتداركونه برفع شعار “الموت أفضل من الأحمر” وهم في حالة من انفعال فكري، معتبرين انّ من غير الممكن، على سبيل المثال لا الحصر، التعامي عن رؤية نجاحات الرأسمالية، العظيمة، والسير على هدي تجارب مثل فنزويلا الاشتراكية، حيث “يموت الناس جوعًا”.
لا يخلو النقاش حول رواج “الاشتراكية” في المجتمع الرأسمالي من استقطاب لمشاعر الناس على حساب الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، ومخرجات التطبيقات الفعلية، طالما ان السياسة تلوي اعناق الحقائق، فالقول ان الرأسمالية قد خذلت الناس وأن الاشتراكية هي الحل، ما هو في الحقيقة الا تبسيط كاريكاتوري للواقع، لا يخلو من ارهاصات سياسية انتهازية، فيما الواقع ان الاقتصادي الغربي واقتصاديات روسيا والصين واليابان، بإنجازاتها العظيمة، ماهي الا مزيج ناجح بين مؤسسات السوق الرأسمالية، والحكومية المركزية، والتجزئة الاشتراكية.
لعقود عديدة، تساجلت القيم الرأسمالية والاشتراكية على نيل الاعتراف بشهادة “الاصلح” لبناء اقتصاديات الدول، وخلّف
اليسار واليمين، الكثير من المعارك الأيديولوجية، لكن الحقيقة انّ كل ذلك لم يُبرِز منتصرا، لان الخاتمة كانت للنظام الهجين الذي يزاوج بين الاشتراكية والرأسمالية.
يحتاج اليسار ووراءه الاشتراكيون، إلى تقدير دور الرأسمالية في تعزيز انتاج الوفرة، وما صاحبه من ترف، فيما يحتاج اليمين إلى الإقرار بالدور الذي لا غنى عنه لشبكات الأمان الاشتراكية والضمان الصحي، في تهدئة مشاعر عدم اليقين بالرأسمالية.
الاشتراكيون الديمقراطيون الجدد في الولايات المتحدة، مثلا، الذين يترشحون للمناصب لا يطالبون بتأميم الصناعة أو إلغاء الملكية الخاصة، بل يدعون إلى دولة رفاهية معزّزة بشكل كبير بضمانات الضبط الحكومي لمختلف الصناعات.
فرق كبير بين الديمقراطية الاجتماعية كما في هولندا و الدنمارك أو السويد وبين مثيلاتها في الاقتصاديات الرأسمالية لانها تمارس منهج الحرية الاقتصادية، اذ تتفوق الدنمارك والسويد، -حيث الضرائب مرتفعة والإنفاق الواسع على الرفاهية-، على الولايات المتحدة في أمن حقوق الملكية، وسهولة التأسيس للأعمال، والانفتاح على التجارة، و الحرية النقدية.
وفي التطبيق الفعلي، فان الضمانات الاشتراكية الناعمة المصحوبة بالابتكار الرأسمالي والمنافسة والكفاءة والتجارة والنمو، تعطي درسا مفيدا عن جدوى الديمقراطيات الاجتماعية في بلدان الشمال الأوروبي.
إنّ أشدّ أنصار الرأسمالية مثل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومذهبه التجاري البحت، الذي يؤمّن تدفقًا ثابتًا من الفرص، يدعو أيضا الى الأسواق العادلة ذات القواعد التي لا تجعل الأغنياء يأخذون كل شيء، ويتعلق الأمر بالأقوياء أيضا، ومثلما نجحت تجربة الاقتصاد الهجين بين الاشتراكية والرأسمالية في خلق أسواق أكثر ثراءً، فإنها أيضا جعلت جميع المواطنين، أكثر غنى.