كنت قارئا للأديب يوسف الصائغ الذي سحرتني كتاباته ، كان موهبة أصيلة ومثقف كبير ، ومن المؤسف لم يأخذه مكانته المناسبة في خارطة الأدب العربي خارج العراق ، فهو أجدر من عشرات الأسماء المصرية واللبنانية المتصدرة المشهد الأدبي التي قذفت بها دور النشر والصحف والمجلات والتي لاتملك أدنى موهبة ماعدا توفر ظروف النشر التي خدمتها ، وإنضمامها الى زمر أدبية معينة طبلت لها !
أغلب الظن ان الصائغ بسبب كونه مسيحيا عاني من الشعور انه أقلية في العراق محرومة من حقوق المواطنة الكاملة بسبب الدين ، ولهذا بهرته أفكار الحزب الشيوعي حول العدالة والمساواة التي صيغت وصُدرت الى الشعوب من قبل أروقة مخابرات الإتحاد السوفيتي السابق بهدف السيطرة على العالم ، وتلقف تلك الأفكار الجميلة الخادعة الشباب البريء قليل الخبرة بعد ان غُرر بهم ، ثم تورطوا بالعمل الحزبي الذي أصبح مصدرا لإستمداد مشاعر الرومانسيات الثورية والبطولات الوهمية ، وتم التغاضي عن أصل الشيوعية كفكرة تخريبية للأوطان تحرض على الشغب وتعطيل الدولة والقيام بالإنقلابات العسكرية !
وحينما رأى الصائغ قيام الحزب الشيوعي العراقي بالتحول الى أداة بيد الميلشيات الكوردية وحمل السلاح ضد الدولة العراقية والقتال الى جانب الجيش الإيراني وقتل أفراد الجيش العراقي .. أدرك انه أمام جريمة خيانة وطنية واضحة من قبل الحزب الشيوعي الذي تحكمت به في وقتها مجموعة كوردية ضحكت على أفراده العرب وجيرتهم لصالح الأهداف القومية العنصرية الكوردية ، ثم نفس الكورد هجموا على الشيوعيين من عرب العراق ونفذوا مجزرة جماعية فيهم لم تسلم منها حتى النساء زوجات الشيوعيين .. عندها قرر الصائغ إعلان خروجه من الحزب الشيوعية وإنهاء علاقته به ، فمن هو الخائن يوسف الصائغ أم الحزب الشيوعي الذي جدد تعاونه القديم مع إيران بتحالفه مع الميليشيات التابعة لها حاليا ؟ّ!
كمواطن عراقي بسيط كنت معارضا لنظام صدام .. وفق معطيات الواقع العراقي الراهن لم يكن نظام صدام شراً كله ، بل كان في بعض جوانبه حاجة وطنية للحفاظ على الدولة العراقية من مؤامرات التنظيمات التخريبية : الشيوعية والإسلامية والكوردية ، وقد تصدى نظام صدام بشجاعة للأطماع الإيرانية في إجتياح العراق وآخرت بطولات الجيش العراقي الباسل سقوط البلد بيد النظام الإيراني مثلما رأينا الآن كيف إنكشفت الأطماع الفارسية التوسعية والخيانات الوطنية التي صدرت عن مجاميع من الشيعة الذين ساعدوا العدو الإيراني على إحتلال العراق وسرقة ثرواته ، وبعد كارثة هذا الإحتلال عرفنا قيمة وضرورة دكتاتورية صدام حسين للعراقيين الذين إتضح انهم لايصلحون للممارسة الديمقراطية ولاينفع معهم إلا القوة ، طبعا مع الإدانة الكاملة لأخطاء وجرائم نظام صدام في قتل الأبرياء وخطف النساء وإغتصابهن ، وحرمان الشعب من ثرواته ، وإشعال الحروب مع الكويت وأميركا .
بناءا على كل هذه المعطيات والخراب الحالي ، وإنهيار الأحلام بشأن الحرية والديمقراطية وتحول الشعب العراقي الى رهينة بيد الميليشيات الإيرانية .. المقاربة الجديدة لقضية الصائغ هي : كانت للصائغ رؤيته السياسية التي رأت ضرورة وجود نظام صدام حسين للعراق ، ومن منطلق واقعي رأى ان البلد بحاجة الى حاكم دكتاتور لضبطه في الداخل والتصدي للخطر الإيراني كي لايقع في قبضة نظام ولاية الفقيه الإيراني كما حصل الآن ، صحيح الصائغ لم يعلن حرفياً هذه الرؤية لكن ليس صعبا إستشفافها والتعرف عليها من تصريحاته المتناثرة وموافقته على العمل في مؤسسات الدولة في عهد صدام حسين ، اما الجانب الشخصي في الأمر فهو لم يحقق مكاسب كبيرة من موقفه ذاك وبالتالي ولو كان طامعا لتحقيق المكاسب من السلطة كانت تربطه علاقة الصداقة بإبن مدينته الموصل الشاعر ووزير الخارجية الأسبق وأحد كوادر حزب البعث شاذل طاقه فقد كان بإستطاعته التقرب الى نظام البعث بواسطته لكنه لم يفعل حتى وقت وفاة شاذل طاقه مما دلل على تعففه عن الإنتهازية ، أعتقد على ضوء هذه المقاربة لم يخطيء الضائع ، بل إتخذ موقفاً وطنياً مبدئيا ، ثم لماذا نطالبه بمواقف إستشهادية من أجل وطن لايحترم الصائغ ولم يمنحه حقوق المواطنة بسبب دينه وعامله كمواطن هامشي ليس له الحق في تسلم المناصب العليا في الدولة !
من تناقضات الوسط الأدبي العراقي سكوته عن خطيئة الشاعر الجواهري في مديح الطغاة والمجرمين من أمثال : القذافي وحافظ الأسد ، وتجريم بعض أفراد هذا الوسط الأدبي ليوسف الصائغ ، الجواهري بسبب الحماية الإعلامية التي يتمتع بها من اليسار ومن يسير في ركابهم مسكوت عنه ، بينما الصائغ الذي مارس حريته في الإختيار مغضوب عليه !