الإنهيار الحضاري لأية أمة يتحقق بإستهداف معينها الروحي والثقافي , وإدخالها في مضطربات ضياع الهوية وهوان الذات , والسقوط في مسارات التبعية والخنوع للآخر.
المعين الروحي يتمثل في دين الأمة ومعتقدها , والمُثل والقيم والأخلاق التي تواصلت على هديها الأجيال , متراحمة متكاتفة ومعتصمة برؤية ذات صالح مشترك.
والمعين الثقافي تعبر عنه إرادة الأمة بما يسودها من إبداع يتحكم بمنطلقات سلوكها وتفاعلاتها المتوارثة , ولكل أمة نوع من الإبداع الذي يرسم خطاها , وينظم آليات تفكيرها ويوجهها إلى حيث تكون.
ومن الإبداعات الفاعلة في بعض الأمم هو الشعر , وفي غيرها الحكايات والقصص والروايات , والبعض الموسيقى , فلكل أمة ما يميزها من الإبداعات والفنون الفاعلة فيها.
وأمتنا مضت ومنذ قبل الإسلام على أن العمود الفقري لثقافتها هو الشعر , حتى صار ديوانها وموسوعة وجودها وخزينة أفكارها ورؤاها ومنطلقاتها الحضارية , فالشعر منار الأمة ودليلها في دروب وجودها الآمن السامق النبيل.
وبقيت الأمة تتمسك بعمودها الفقري الثقافي حتى العقد الخامس من القرن العشرين , عندما إنطلقت الجهود لكسره وتدميره بدعاوى التجديد والتحديث.
ومع توالي العقود وولادة أجيال من رحم هذا التشويش والتجهيل , فقد الشعر قيمته الثقافية ودوره في حياة الناس , وصار مجرد كلام باهت منزوع من القدرة على التفاعل وصناعة الحياة.
أي أن المعين الثقافي للأمة قد تم الإنقضاض الشديد عليه , مثلما تحقق الإفتراس الطائفي والمذهبي والتكفيري للدين , فأوصلوه إلى حالة لا يمكن فيها رأب أصداعه , وإنما دفعه إلى مزيد من التصدعات والتنافرات والإحترابات , وبقيادة دول , وبتمويلات نفطية تبررها فتاوى الغنيمة النكراء.
وهكذا تجد الأمة اليوم حائرة لفقدانها مكنونها الروحي والثقافي , وأبناؤها يقودون مسيرة تداعياتها , وإياك أن تشير إلى سقم ينعر فيها وينخرها , فأنت من أعداء الثقافة والدين , وهم الحماة الأباة الذين يسحقون الأمة بالدين والقلم الرَهين!!