22 نوفمبر، 2024 2:08 م
Search
Close this search box.

العراق…الاستاذ الجامعي يتساءل موازنة دولة أم موازنة أحزاب!

العراق…الاستاذ الجامعي يتساءل موازنة دولة أم موازنة أحزاب!

لعل الاستاذ الجامعي يمثل الصخرة التي تتكسر عندها كل محاولات واستراتيجيات التجهيل والإلهاء وغيرها من الإستراتيجيات التي إنتهجتها الاحزاب الحاكمة للعراق بعد 2003 في محاولة تفكيك البنى والاواصر الاجتماعية ونشر الطائفية وإقامة حكومات مذهبية حاولت ولا تزال تحاول جاهدة لزرع اسفين التفرقة بين المجتمع العراقي والعزف على اوتار نشاز لا يستسيغها الشعب العراقي عامة ولكن من يعرف جذورها ويفكك رموزها ويتصدى إليها هو الاستاذ الجامعي في جامعات العراق كافة بما في ذلك جامعات إقليم كوردستان العزيز علينا. وإن التواصل العلمي والاجتماعي المستمر والمتنامي كان يشكل الحاجز الصلب لمقاومة المد الشعوبي القذر الذي تمييز فيه نظام الحكم بعد 2003. أمام هذا الصمود والمعارضة واسعة النطاق من قبل الاستاذ الجامعي للنهج الحزبي ونظام المحاصصة الذي فرضته الاحزاب الحاكمة في العراق كأمر واقع جديد يعيشه البلد وإكذوبة الانتخابات ومهزلتها وتزويرها كان لا بد ان تكون الكفاءات العراقية في مرمى أسلحة الاحزاب الحاكمة من إغتيالات وشراء ذمم بعض النفوس الضعيفة للإلتحاق بمنهجية الاحزاب والدفاع عنها وإبعاد الكثير من الكفاءات عن الحرم الجامعي من خلال تشريع قوانيين إحالتهم على التقاعد وإبعادهم كليا عن التأثير في الدوائر المحيطة بهم وضرب لقمة عيشهم وتحميلهم تبعيات فشل الحكومات المتتابعة والتسويق لمخصصات عالية يتقاضاها اساتذة الجامعات كذبا والايحاء إلى المجتمع بإن راتب الاستاذ الجامعي يتعدى الأربعة ملايين في حين إن واقع الحال يشير إن معدل راتب الإستاذ الجامعي الكلي بجميع المخصصات يكاد لا يصل إلى مليون وسبعة مائة وخمسون الف والغرض من هذا التسويق هو لتشويه سمعة الاستاذ الجامعي بين طبقات المجتمع العراقي الذي يجهل إن 80% من اساتذة الجامعات العراقية أما يسكنون في بيوت تشغيلية تعود إلى الجامعات وقسم كبير منها عبارة عن كرفانات أو شقق لا تصلح للسكن أو يسكنون بيوت إيجار يدفعون نصف رواتبهم لغرض السكن وفي سياق النيل من مكانة الاستاذ الجامعي والطعن باللقب العلمي الذي يحمله جاء تشريع القانون الفريد من نوعه في العالم وهو القانون رقم 20 لسنة 2020 قانون “اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية”. رغم المعارضة الشديدة لتشريع هذا القانون من قبل النخبة من أساتذة الجامعات ومن نقابة الأكاديميين والذي من خلاله يمنح الشهادات والالقاب العلمية لفئة الجهلة والفاشلين ممن يتصدرون المشهد السياسي في العراق من الاحزاب الحاكمة المتسلطة على رقاب العراقيين في حكم استبدادي لم يشهد له العراق مثيل في العصر الحديث رغم كل ما توصف فيه انظمة الحكم السابقة لكننا لم نشهد فيها تشريع قوانيين تحاول تفكيك الدولة العراقية بنظام محاصصة بالشكل الذي نشهده اليوم. إن هذه الحرب ضد الإستاذ الجامعي تمثل حربا بين نظام يتبع إستراتيجية التجهيل للمجتمع العراقي وبين كفاءات عملاقة تعرف كيف تحلل كل ما يصدر عن هذا النظام وتفكك رموز ما يصدر وتحلل بكل دقة البيانات التي يصدرها ويعرف الإستاذ الجامعي بالضبط إن جميع الموازنات السابقة بعد 2003 لم تكن موازنات دولة إنما كانت ليس أكثر من موازنات أحزاب متسلطة، ولكن عندما حاولت هذه الاحزاب المساس بقوت المواطن العراقي ولقمة عيشه كان لا بد للاستاذ الجامعي من التحرك والدفاع بقوة عن مظلومية الشعب العراقي ولعل مسودة موازنة 2021 سوف تكون القشة التي تقصم ظهور هذه الاحزاب وتفضحهم أمام الشارع العراقي وبقراءة بسيطة لمسودة هذه الموازنة نستطيع القول وبالفم المليان إنها فعلا موازنة أحزاب لا موازنة دولة من خلال ما سوف نورده أدناه:
إن الموازنة تبنى على أرقام تخمينية عن أبواب الصرف المتوقعة خلال العام القادم.
هناك أرقام مصروفات في الموازنة تعتبر ثابته لا تتغير إلا بنسب قليلة تعتمد على نسب الزيادة السكانية ومن أهم هذه الارقام رقم ما يسمى بالميزانية التشغيلية للدولة وأهم رقم في هذه الميزانية التشغيلية هو رواتب موظفي الدولة زائد النفقات الاساسية لتسير عمل الحكومة.
إذا كانت واردات الدولة تغطي هذا الجزء من الميزانية التشغيلية فلا يجوز أن نتحدث عن عجز في الموازنة، بسبب إن جميع الارقام المتبقية في الموازنة هي أرقام متحركة قابلة للزيادة أو النقصان حسب الواردات.
أي موازنة تتحدث عن عجز فيها بينما وارداتها تغطي الجزء المشار إليه أعلاه هي موازنة لم يشرف عليها إقتصاديين في إعدادها أو إنها موازنة معدة لغرض تلبية نفقات أخرى لم يكشف عنها.
أخر ما تلجأ إليه الدول عندما تكون وارداتها لا تغطي الجانب المشار إليه إعلاه هو تخفيض رواتب موظفيها أو تعويم عملتها، لكنها تحاول قبل ذلك معالجة الموقف عن طريق طرح سندات خزينة أو الاقتراض الداخلي، أو غير ذلك من الخيارات التي يعرفها كل من يعلم أ ب الاقتصاد ولا يحتاج ذلك لمتخصصين، يحضرني في هذا المجال موقف للملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية عندما واجهت المملكة موقف مماثل لجأ الملك لبيع قسم من ممتلكات الاسرة الحاكمة الخاصة لدعم الموازنة، كما فعلها بعده رئيس جمهورية مصر العربية الرئيس عبد الفتاح السيسي. لكننا في العراق لم ولن نواجه موقفا مثل هذا الموقف ومع ذلك لجأت الحكومة إلى تخفيض رواتب الموظفين و تخفيض سعر صرف الدينار.
لجوء الحكومة العراقية إلى تخفيض سعر صرف الدينار وإلى تخفيض رواتب الموظفين يعكس حاله واحدة فقط هي إن مسودة الموازنة ليس أكثر من موازنة أحزاب وليس موازنة الدولة العراقية.
لو كان من اعد مسودة الموازنة يملك الحرية الكاملة وغير مقيد بما تفرضه الاحزاب من أرقام عليه لكانت مسودة الموازنة تأخذ شكلا مغايرا كليا تنعكس بالفائدة على عموم الشعب العراقي، لكن للاسف الشديد هو مقيد بنقاط يجب الالتزام بها عند إعداد الموازنة والتي تفرضها الاحزاب. وقد سمعناها مرة من قبل رئيس أحد الاحزاب عندما تم الحديث عن تخفيض أو قطع رواتب المشموليين بقانون السجناء السياسيين سيء الصيت حيث قال بالنص “حتى لو لجأت الحكومة للأقتراض لتلبية إستحقاقات هذا القانون فالتقترض”. لذلك من المفيد أن نشير إلى بعض النقاط والتي تكلف الدولة ثلثي الموازنة أكرر ثلثي الموازنه وتمثل هدر كبير في المال العام مما جعل الحكومة تبحث عن أليات مختلفة لتلبية متطلبات الاحزاب في الموازنة، علما إن النقاط التي سوف اذكرها تشمل من درجة وكيل وزير صعودا حتى رئيس الجمهورية وهذه النقاط هي:
هناك هدر كبير في المال العام فيما يخص المخصصات الممنوحة لإعضاء مجلس النواب والوزراء والمستشارين والرئاسات الثلاثة وهذه المخصصات لا مبرر منطقي لها غير إنها لخدمة الاحزاب الحاكمة في العراق وهذا الهدر قد يصل إلى أكثر من عشرة مليار دولار في السنة. أي إقتصادي حر في إعداد الموازنة فإن الخطوة الاولى التي يلجأ إليها هي قطع هذه المخصصات والأكتفاء بالرواتب الاسمية فقط الممنوحة لهذه الفئات علما إن أقل راتب لهم بدون مخصصات تعادل ثلاثة أمثال راتب إستاذ جامعي له خدمة أكثر من 30 سنة وهذه الرواتب الاسمية تعتبر الأعلى في العالم.
تجميد العمل بالقوانين التي تعطي رواتب ومخصصات لفئات محسوبة على الاحزاب الحاكمة مثل قانون السجناء السياسيين وغيرها من القوانيين الشاذة وإلغاء كل تقاعد غير مشمول بقانون التقاعد الموحد رقم 14 لسنة 2008 وتعديلاته.
إلغاء ما يسمى بالمنافع الاجتماعية التي تعطى للفئات المشار إليها أعلاه.
تخفيض نثريات الفئات المشار إليها أعلاه بنسبة 95% والاكتفاء 5% فقط كانثريات بما في ذلك مخصصات الضيافة لأن هذا البند في الموازنة والمخفي تحت رقم أخر يكلف الدولة ليس أقل من 10 إلى 15 مليار دولار في السنة وهو يعادل ميزانيات دول.
إلغاء ما يسمى بمخصصات العلاج خارج العراق والتي تمنح للفئات اعلاه.
إيقاف السماح للوزراء بالتصرف في ايرادات وزاراتهم وتدوير هذه المبالغ إلى وزارة المالية.
تخفيض المبالغ المخصصة للإيفادات بنسبة 75% ولا يسمح بالإيفاد إلا لضرورة قصوى.
وهناك نقاط كثيرة أخرى تؤدي لهدر المال العام ونحن هنا لسنا في معرض تغطية كافة النقاط التي لم تعد مخفية على أبسط طبقات الشعب العراقي ناهيك الاستاذ الجامعي الذي يعرف بالضبط وبدقة متناهية مواطن هدر المال العام وقيمة المبالغ المهدورة والتي تصب في النهاية في جيوب الاحزاب الحاكمة في العراق. في نظام حكم استبدادي كما هو في العراق قائم على اساس المحاصصة الحزبية حيث الحقائب الوزارية توزع بينهم والمناصب العليا في البلد توزع بينهم و مناصب المحافظين توزع بينهم ولكل حزب حصته من المبالغ التي تخصص للوزارات وللمحافظات ولا يتنازل عن حصته من هذه المبالغ مهما حدث من ظروف طارئة جعلت واردات الدوله لا تغطي متطلبات الأحزاب الحاكمة وحصصها في الموازنات المتعاقبة لذلك فإن صاحب القرار في صرف موارد الدولة يكون أمام خيارين لا ثالث لهما أما رفض الضغوط التي تفرضها الاحزاب عليه فعند ذلك سوف يكون معرض للإقالة من من منصبه أو تقديم إستقالته والإنزواء جانبا. لكن ما يحدث في العراق إن الاحزاب تصر على تسمية أشخاص يحتلون مناصب مهمة في الدولة العراقية وهم في حقيقة الامر مواطني دول أخرى ولم يعد إرتباطهم في العراق غير مسقط الرأس ليسهل عليهم التحكم به يمينا وشمالا لأن متولي هذه المناصب لا يهمهم العراق أو خدمة الشعب العراقي فالمنصب بالنسبه لهم مجرد عقد عمل أخر لمده اقصاها اربع سنوات سوف يجني منه أرباح كبيرة مدى الحياة ولذلك تجده لا يعرف عن هيكلية وزارته شيء ولا حتى موظفي وزارته في مقر الوزاره لأنه ينطلق من مبدأ “إربط الحمار في المكان الذي يحدده صاحبه” والحمار هنا تلك الارقام الفلكية والتي تشوبها الضبابية وتنعدم الشفافية فيها التي حملتها مسودة موازنة 2021 وصاحب الحمار هم مجموعة الاحزاب التي تدير دفة الحكم في العراق.
لذلك فمن الاصح لا نطلق عليها مسودة موازنة العراق للعام 2021 إنما الاصح هي مسودة موازنة الاحزاب للعام 2021.
أما ما يثار عن وصول أو عدم وصول هذه الموازنه إلى قبة البرلمان واللغط الإعلامي من قبل بعض النواب فهو ليس اكثر من الخلاف على مبالغ المحاصصة في مسودة الموازنة بين هذا الحزب او ذاك أما المواطن العراقي فقد تضرر كثير عند صدور قرار تخفيض سعر صرف الدينار وأول المتضررين هم الطبقة الفقيرة في المجتمع العراقي والقادم اسوء على حياة المواطنين فالفقراء غير مسموع لهم التمتع في الحياة الدنيا لأن “الفقراء لهم الجنة”.
اما أصحاب الاحزاب الحاكمة والوزراء وغالبية النواب لو تسأل عنهم اليوم لتجدهم يتسكعون في شوارع اوربا من لندن الى باريس الى هولندا والسويد والدنمارك الى امريكا وصالات القمار في لاس فيغاس او صالات القمار في مدينة كان الفرنسية يهدرون اموال العراق المسروقة من فم طفل جائع ورجل عجوز جاوز السبعين من العمر لم يجد ثمن الدواء،
في الملاهي وعلى العاهرات حول العالم وملذاتهم الشاذة. إنها جريمة كبرى ترتكب بحق الشعب العراقي اجمع اليوم وعلى الاجيال القادمة،
لذلك تجد الاستاذ الجامعي وقف يتصدى لها لينقذ شعبه من حكم إستهان بكل معاني الإنسانية وأحزاب إنغمست ايديها في وحل الرذيلة وبات لزاما على الشرفاء قطعها.

أحدث المقالات