17 نوفمبر، 2024 4:46 م
Search
Close this search box.

ملامح سياسة بايدن في الشرق الاوسط

ملامح سياسة بايدن في الشرق الاوسط

تميزت سياسة ترامب في العالم ومنطقة الشرق الاوسط بالتوتر وعدم اليقين . ويتطلع العالم الى التغييرات التي ستحدث في عهد الرئيس الديموقراطي جو بايدن في منطقة الشرق الاوسط التي تعد من اهم مناطق العالم الساخنة . ويبدو ان بايدن السيناتور المخضرم سوف لن يكون نسخة جديدة من اوباما الذي كان نائبا له خلال سنوات طويلة.
ومن خلال مسيرته السياسية وماطرحه من اراء ووجهات نظر ، يمكن قراءة بعض سياساته العامة في منطقة الشرق الاوسط .

ويعد الملف النووي الايراني من اكثر المسائل الجدلية في المنطقة .
وفي تقديرنا فان بايدن سيبدي مرونة اكبر في تعامله مع هذا الملف ، ولكن ليس بالشكل الذي ينتظره قادة إيران الذين توقعوا انفراجا حادا في الازمة النووية الايرانية ، خصوصا بعد تصريحه بانه يفضل مقاربة أكثر ليونة للجمهورية الاسلامية ، حيث إن سياسات ترامب جعلت إيران “أقرب إلى امتلاك ما يكفي من المواد النووية لصنع قنبلة” على حد قوله .
ولذلك فان العلاقات الأميركية الإيرانية ستشهد تحسناً طفيفاً ، ولكن هذا الأمر مرتبط بمدى تجاوب إيران مع الشروط التي وضعها بايدن للعودة الى طاولة المفاوضات . وان ذلك سوف لن ينعكس بالسلب على العلاقات الأميركية الخليجية كما يضن البعض . فدول الخليج والسعودية على الاخص تعتبر من المجال الحيوي الامريكي الذي لايمكن التفريط به الى امد ليس بالقصير . رغم وجود خشية مبطنة من قادة الخليج في العودة لسياسات أوباما المعادية للعرب ، والتي ساهمت في التمدد الايراني في المنطقة .

ان التحدي التقني الذي اثاره استئناف ايران للمشروع النووي سيكون محل خلافات جديدة مع طهران . وفي كل الاحوال سوف لن تكون هناك عودة لنفس الاتفاق النووي ، حسبما تتوقع ، او تريده ايران .

وعلى الصعيد الخليجي فان الحوار الاقليمي السعودي الاماراتي مع قطر سيظل مستمرا . كما لايمكن استبعاد محادثات سعودية إيرانية للتوصل الى توافقات في العديد من القضايا ، وهذا الأمر دعمه الأوروبيون منذ فترة لتحقيق استقرار المنطقة ، ولوضع حد للحرب اليمنية التي طالت كثيرا وتسببت في معاناة انسانية متفاقمة . ولذلك فان ادارة بايدن ستكون بحاجة الى الجهود الاوروبية بهذا الخصوص .

وفيما يتعلق بفلسطين فإن معظم حكومات المنطقة ستستقبل مقترحات بايدن بشأن القضية الفلسطينية برحابة صدر ، نتيجة التوتر الذي احدثه ترامب وصهره في الضغط على الدول العربية للتطبيع المبكر مع اسرائيل ، قبل ايجاد حلول مقبولة للقضية الفلسطينية .
كما نتوقع تجديد المساعدات الأمريكية للفلسطينيين ، وإعادة فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن . اضافة الى العودة لمشروع الدولتين ، التي يؤمن بها العرب والاتحاد الاوروبي . على الرغم من ان بايدن قد رحب باتفاقيات التطبيع السابقة ، الا انه يعارض المنطق الأحادي الذي مارسه ترامب تجاه إسرائيل .

وقد يكون بايدن مقيدًا أيضًا من قبل الكونغرس الأمريكي الذي يتمتع بسلطة كبيرة في هذا الملف. ومع ذلك ، فإن التغيير في مزاج واشنطن قد يحدث فرقًا تجاه القضية الفلسطينية . وعلى الارجح فان المفاوضات الفلسطينة الاسرائيلية ستعود مجددا برعاية الولايات المتحدة .

وفي الموضوع السوري المعقد فان بايدن سيدعم العملية السياسية للأمم المتحدة بشكل كبير ، لانه يرغب في اطفاء حرائق المنطقة، مع الإبقاء على العقوبات تجاه الحكومة السورية . وسيتفق الأوروبيون مع هذا النهج ، لكن ينبغي استمرار الضغط من أجل سياسة أكثر فاعلية بالنظر لتمسك نظام الأسد بالسلطة ، وماتبعه من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي المتفاقم في البلاد ، والمعاناة المتزايدة لشعبها .
ولكن من غير المرجح أن يقود بايدن أي مسعى دبلوماسي في المسألة السورية حتى لايثير غضب روسيا وهذا مالايريده .

وبخصوص العلاقة مع تركيا فاننا على الارجح سننتظر شهورا عديدة لإعادة ضبط العلاقات المتوترة نتيجة عقوبات ترامب عليها .
وهناك سببان يدعوان تركيا للقلق من سياسة بايدن تجاهها . الأول هو الخوف من اثارة المسألة الديمقراطية ، وحقوق الإنسان فيها . والثاني تقييد النفوذ التركي المتنامي من جديد . ولذلك فانه سيدعم سياسة احتواء تركيا في ليبيا وسوريا وشرق البحر المتوسط ​​.

المسألة الكردية
يولي بايدن اهتماما كبيرا بالكورد ، وستكون هناك تداعيات مهمة للسياسة الامريكية في المنطقة لكون توجهاته بهذا الشأن ستثير حفيظة كل من تركيا وايران والعراق .

وفيما يتعلق بمصر فقد انتقد بايدن ومستشاروه انتهاكات حقوق الإنسان فيها ، وسوف تتخذ مواقف أكثر صرامة تجاه هذه المسألة مستقبلا . مما قد يؤدي الى توتر في العلاقات بينهما ، ويعتقد بعض مستشاري بايدن أن نهج الرئيس عبد الفتاح السيسي القاسي يؤدي إلى نتائج عكسية لأنه يشجع على التطرف على حد زعمهم .
ولكن من المستبعد استخدام الإخوان كورقة ضاغطة على مصر لكون الظروف الامنية والسياسية الحالية لاتحتمل مثل هذه المناورات .
وعلى العموم فان بايدن يدرك جيدا ان الشعب المصري قد اثبت اكثر من مرة ان ارادته الشعبية هي المحرك الرئيسي للسياسة المصرية ولايمكن النيل من المكتسبات المتحققة باي شكل كان .

اما موقفه تجاه الاوضاع في ليبيا
فقد كان ضد التدخل فيها عام 2011 . ولذلك فمن غير المرجح
أن يعطي الأولوية لتحقيق الاستقرار فيها . ولكن الدور ألامريكي سيكون أكثر حزماً في حال ظهور اي تهديد أمني جاد فيها ، مثل عودة تنظيم الدولة “داعش” ، مما قد يؤدي الى تدخل عسكري محدود جدا فيها .

وفيما يتعلق بالعراق. فان الاحزاب السياسية الحاكمة والميليشيات المسلحة قد استبشرت خيرا بفوز بايدن على خصمه ترامب ، حيث استفاد قادة هذه الأحزاب من العلاقة الجيدة التي كانت تربط إدارة أوباما ونائبه بايدن بإيران ، إذ شجعت هذه الإدارة على التدخل الإيراني في العراق بعد توقيع الاتفاق النووي ، وقد اثار هذا المخطط نزاعات طائفية اوشكت على تقسيم البلاد وفق اسس عرقية وطائفية .
الا ان قتراح بايدن السابق بتوزيع السلطة في العراق، عبر ثلاث حكومات محلية سوف لن يكون له اي اثر في سياسة بايدن المستقبلية تجاه العراق ، لكون الاوضاع الداخلية والاقليمية قد تغيرت تماما ولايمكن العودة الى نفس الاطروحات السابقة .
وبكل الأحوال ستكون أمام بايدن فرصة كبيرة لإصلاح أخطاء الماضي في العراق، ومعالجة مخلفات أوباما السيئة ، مع تفادي طريق ترامب المتناقض وغير الواضح .
ولكن الولايات المتحدة في عهد بايدن ستستمر في سحب قواتها بحوالي 3000 جندي .
الا ان كل المعطيات تدل على ان واشنطن سوف لن تنسحب كليا من العراق ، وان انسحاب بعض قواتها لايمكن ان يضعف نفوذها في بلد يمثل الركيزة الاساسية لاستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط ، لكون العراق يقع في وسط منطقة ملتهبة ، تعد من اكثر مناطق العالم حيوية لوفرة النفط والمعادن فيها اضافة الى الموقع الاستراتيجي المهم .

يأمل كثير من العراقيين في الخروج من عنق الزجاجة لتحقيق نوع من الاستقرار السياسي والامني ، وتحسين الوضع الاقتصادي المتردي والقضاء على الفساد ، من خلال الحد من النفوذين الامريكي والايراني في بلادهم . ويطمحون في عراق مستقل ذو سيادة وطنية بعيدة عن كل الصراعات الدولية والإقليمية .

أحدث المقالات