يقال بأن التجربة خيرُ برهانٍ ودليل، لكونها تعكس حقائق وأحداث قد حصلت في المجالات الحياتية المختلفة، حيث تعتبر التجارب العملية بمثابة الدروس والعبر التي يتم الإستفادة منها في جميع الأصعدة، وعلى اختلاف مشاربها ومناشئها، مما يعزز منطق المعرفة والفهم والخبرة، وعدم الوقوع بالهفوات والأخطاء تارةً أخرى.
التجارب السياسية السابقة التي حكمت العالم، هي كانت عبارة عن محطات مهمة للأجيال اللاحقة، في توجيه بوصلاتها نحو التصحيح، والإستفادة من تلك التجارب الموروثة، في تعزيز مواقفها وتصويب مساراتها، وتعديل وتقويم مناهجها في الإدارة والحكم، معتبرةً من أخطاء الماضي، لتستشرق المستقبل بأدوات تصحيحية واعدة وفاعلة.
التجربة الدينية في الحكم، برزت بشكل ملحوظ من خلال الحكم الديني ألمسيحي، فكانت تجربة قاسية على الشعوب الأوربية، حتى وصفت بأنها الأسوأ من حيث تأثيراتها السلبية الجائرة، فقد منحت القوة والسطوة والحاكمية المطلقة للكنيسة، والتي بدورها قد تحكمت بخيرات ومقدرات وثروات وأرواح الشعوب.
العلمانية، هي فصل الدين عن الدولة، وبعبارة أصح فصله عن السلطةِ والحكم، وهي نظرية أوربية غربية، جاءت كنتيجة حتمية ومنطقية لحكم الكنيسة، والتي اتسمت بالإرهاب والبطش والظلم، لعقود طويلة من الزمن، مما جعلها تجربة مؤلمة ونازفة في ذاكرة الشعوب، لهذا أصبحت العلمانية هي المطلب ألمنقذ والمخلص، بغية قطع الطريق أمام عودة المسيحية السياسية للحكم.
النظرية الإسلامية في الحكم، ترتكز على أسس شرعية وعقائدية وفقهية، تستمدها من القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة وسيرة الأئمة المعصومين، وأن الحاكمية الإسلامية تشترط على من يتصدى لشؤون الأمة، أن يكون مؤمناً ورعاً تقياً عادلاً عارفاً ومختصاً في شؤون الدولة، لان الدين الإسلامي قادر على قيادة الأمة وإقامة دعائم الدولة في حاضرها ومستقبلها، مستمداً ذلك من إرثها التأريخي والتجربة الناجحة، آبان الدولة التي أقامها نبي الأمة محمد عليه وآله أفضل الصلوات، وكذلك الخلافة الشرعية والحقيقية التي جسدها الإمام علي عليه السلام.
التجربة الإسلامية في الحكم تختلف عن التجربة المسيحية في ذلك، وانطلاق العلمانية هي كانت كردة فعل طبيعية لتلك الممارسات التعسفية التي قامت بها الكنيسة، ولهذا فإن فصل الدين عن الدولة، يجب أن يفهم بأنه يستهدف الحكم المسيحي وليس الحكم الإسلامي كما قد يتوهم بعضهم، ممن ينادون اليوم بالعلمانية.