لا أعتقد أني سأكون متسرعا في حكمي بأن التعليم عن بعد والذي أقرته الجهات التعليمية بالعراق وعلى كافة المستويات والمراحل التعليمية بسبب تداعيات جائحة كورونا، يعد أضافة جديدة لمسلسل الفشل والأحباط الكبير الذي أصاب جسد العملية التربوية والتعليمية في العراق منذ الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، بل يراه البعض أشبه بأطلاقة الرحمة على شيء أسمه التعليم بالعراق!. فلو تابعنا الخط البياني للتعليم بالعراق نرى أنه أصيب بالتراجع والأنحدار والهبوط بسرعة مخيفة نحو نهايات مجهولة هي أقرب الى الأمية منها الى التعليم!. ومن الطبيعي أن سرطان الفساد الذي وصل الى كل مرافق الدولة ووزاراتها ووصل الى التعليم أيضا يقف كسبب رئيسي واضح ومكشوف وراء هذا الأنحدار الخطير وتدني مستوى التعليم في العراق، ألا أن السبب الخفي والأخطر هو أن هناك مؤامرة ممنهجة!، تقف وراء ذلك غايتها تدمير عقول الأجيال العراقية وتجهيلها في كل المراحل الدراسية، المؤامرة التي تنفذها وتديرها قوى الشر العالمية الخفية التي يطلق عليها الدولة العميقة!، والتي تدير وتحرك شؤون هذا العالم من أقصاه الى أقصاه!، ولكن الشيء المؤلم في ذلك أن المؤامرة تخطط من الخارج ولكنها تنفذ بأيادي عراقية قذرة ملوثة بالفساد والدم العراقي معا!. فتحولت الكثير من المدارس في جنوب ووسط العراق على أيدي الفاسدين الى مجرد أكواخ من الطين وصرائف سقوفها من جذوع النخيل لا تقي الطلاب حر الصيف ولا من برد الشتاء، وهذا ما نقلته الفضائيات بتحقيقات أخبارية مصورة عن واقع التعليم والى أين وصل به الحال، بعد أن كان العراق عام 1975 متقدما على الدول الأسكندنافية ( السويد – الدانمارك – فنلندا- النرويج) من ناحية جودة التعليم وأرتقاءه، حسب تقرير منظمة اليونسكوا!. نعود لنكمل صورة واقع التعليم وما وصل أليه، فلا يهم كيف يجلس الطلاب على رحلات أم على الأرض وهل هناك سبورة يكتب عليها أم قطعة خشب، أو حتى على الحائط يكتب عليه والسلام!. المهم أن أسماء هذه المدارس الطينية والصرائف والأكواخ، تحمل أسماء الأئمة الأطهار عليهم أفضل السلام!!، هذا هو المهم ، أما كيف يدرسون وأين يجلسون وكيف يقرأون وأين يكتبون، وهل لديهم كتب وقرطاسية ، وهل لديهم حمامات لقضاء حاجتهم فهذا كله لا يهم!. من المعروف أن جميع دول العالم تولي التعليم بكل مراحله الدراسية من الحضانة ومرورا بالأبتدائية والثانوية ووصولا للجامعة أهمية كبرى لأنه يمثل بناء الأنسان وبالتالي يمثل بناء المجتمع فالدولة ، فكلما كان بناء بناء الأنسان صحيحا فهذا ينعكس يالتالي على قوة الدولة وبنيانها الأجتماعي والفكري والثقافي بشكل متكامل. أن جائحة كورونا التي ضربت العالم أجمع أحدثت أرباكا كبيرا حتى في الدول المتقدمة والمتحضرة والمعروفة بالتنظيم والتخطيط وسيادة القانون، فما بالك بالدول التي تعيش الفوضى والفساد وغياب القانون وسلطة الدولة وهيبتها كما في العراق!. فبالوقت الذي أصاب الحزن والقلق والحيرة دول العالم المتقدم والمتحضر بسبب حالة الأرباك الذي أصاب التعليم، لأنه يعتبر أساس لرقي المجتمع والدولة، فأن طلبة وتلاميذ العراق والمعلمين والأساتذة كانوا عكس ذلك تماما فقد عاشوا فرحا كبيرا!، وكأن جائحة كورونا هي أحسن هدية نزلت عليهم من الله لتكون لهم عيدا طويلا، ولتزيد الوضع الدراسي العام أرباكا وفوضى، فلا دوام منتظم ولا هم يحزنون، والطالب يدرس بالبيت وفاتح الكتاب ويجاوب على الأسئلة! وبالتالي طبعا لازم الكل ينجحون، والمدرس والمعلم والأستاذ يستلم راتبه نهاية الشهر!، فطرفي المعادلة التعليمية (الطالب والأستاذ) كلاهما راضين ومقتنعين بذلك بأعتباره واقع حال!، ومما يزيد الوضع أرباكا وفوضى هو تلك القرارات غير المهنية وغير المدروسة التي تصدرها الجهات التعليمية والبعيدة عن واقع الحياة العراقية وظروفها البائسة!. ومما لا شك فيه أن نجاح التعليم عن بعد يعتمد على توفر شبكة أتصالات( أنترنيت) ممتازة وسريعة تغطي كل أجواء الدولة من الشمال الى الجنوب، مع توفر (الحاسبات واللابتوبات والأيباد) عند الطلاب والتلاميذ، لأتمام عملية التعليم عن بعد. أقول حتى وأن توفر كل ذلك فمع ذلك لا يرتقى مستوى التعليم عن بعد ودرجته والفائدة المرجوة منه، مثل الحضور والدوام اليومي والسماع والشرح والمناقشة المباشرة داخل الصفوف بين الطالب والمدرس، فالتعليم عن بعد مهما بلغ من نجاح وتكامل لا يمكن أن نقيمه ونعطيه أكثر من درجة مقبول!، هذا التقييم يحدث في دول العالم المتقدم والمتحضر التي وفرت كل أسباب نجاح النتعليم عن بعد للطالب والأستاذ. فما بالك بالعراق، المعروف بأن شبكة الأتصالات فيه ( الأنترنيت) تعتبر الأعلى أجرا والأسوء خدمة ( من ناحية كثرة الأنقطاعات والبطأ) مقارنة مع دول الجوار وليس مع العالم!، حيث أن ملف فساد وزارة الأتصالات والشركات المتعاقدة معها عليها شبهات فساد رهيبة ومرعبة، وكل العراقيين بل العالم كله يعرف ذلك!. وأذا كان أهالي العاصمة بغداد ومراكز المحافظات قد دبروا ورتبوا أمورهم وبشق الأنفس وقطعوا من قوتهم من أجل توفير مستلزمات التعليم عن بعد لأبنائهم ( في ظل أزمة أقتصادية خانقة، تأخرت فيها صرف الرواتب الحكومية لقراية الشهر ولازال موظفي القطاع الحكومي مدنيين وعسكريين يعيشون هاجس الخوف والقلق كل شهر مخافة من عدم أمكانية الحكومة تأمين رواتبهم!). نعود بالقول فأذا كان هذا حال مراكز المحافظات والمدن، فكيف بطلاب ومدارس الأقضية والنواحي الذين يدرسون في بيون وأكواخ من الطين التي أشرنا اليها آنفا، والمحرومين من أبسط مستلزمات الحياة الأنسانية الكريمة حيث غالبيتهم بلا عمل وليس لهم مصدر عيش ثابت، حيث لا زالوا يعتمدون على الفانوس واللالة في حياتهم، بل أن أجيالهم الجديدة لا تعرف شيء أسمه الكهرباء!؟. أن أكثر الشعوب تضررا من التعليم عن بعد هم الشعب العراقي بسبب ظروفه الأجتماعية والأقتصادية البائسة وفوضى الحياة التي يعيشها الشعب. أن مؤامرة تدمير العراق وقتل أنسانه فكريا وتجهيله لا زالت مستمرة وتسير ضمن ما مخطط لها. ولا منقذ لنا من ذلك ألا الله ورحمته التي وسعت كل شيء.