بعد قيام النظام السياسي العراقي الجديد ، الذي شرعته السلطة الاميركية بعد الغزو، وسمحت للاطراف الاقليمية بالتدخل بشؤون العراق ، ومهدت للنظام السياسي بدستوره المليء بالالغام في العراق، على خلق نظام يؤمن بالطوائف والحصص، على شتى المكونات ومهدت كل الطرق والأساليب، لهذا المشروع الخبيث ،بدعم طرف على اخر وتغذية الصراع الطائفي والمذهبي في العراق، والملاحظ وفق التجارب السياسية للحكومات المتعاقبة بانه نظام طائفي محاصصاتي في كل مفاصل نظامه التكويني، وهذا بحد ذاته ليس المشكلة، بل المشكلة تكمن بتصديق النظام بفكرة الطائفية والمحاصصة في تكوينه الجديد، وبدأ يؤسس نظامه على هذا النمط الجديد باللفظ والمعنى، واستسلم كما يبدو لنعوت مستفزيه لحقيقة كامنة داخل المجتمع العراقي، منذ تكوينه من الاصل. وبدات حصة المناصب والرئاسات متعارف عليها كالعرف العشائري نصيب كل جهة سياسية وطاىفة .
وفي قراءة لظاهرة التحالفات السياسية والصراعات المتبادلة بين الكتل العراقية ، يتطلب قراءة اولية لمفهوم الطائفية السياسية وتشكلها وارتباطها بتعثر الخطاب الديمقراطي والحداثة وضعف المدنية والوقوع في فخ المحاصصات. حيث بدات الظاهرة بتكوين الكتل والاحزاب السياسية وتجييش الجماهير،واستقطابها في كل مرحلة انتخابية على اساس المذهب والطائفة والقومية، في ظل غياب المشروع الوطني والوعي الجماهيري،لارتباط الموضوع بالمعتقد الديني والمذهبي او المتغير الديني، حيث ان الدين من اهم المتغيرات الاساسية التي بنيت عليها الطائفية، في مجتمع متعدد الاديان مثل العراق، ويعتبر احد معايير التباين بين الجماعات.
حيث ان التنوع الديني في نفس المجتمع لا يكتسب اهمية سياسية ،الا اذا ترتب عليه تنافس او تنازع او صراع في مجالات القيم او الثورة او السلطة. وبرزت عدة مشكلات خطيرة، وتفاقم الصراع وادت الكثير من العوامل السياسية والفوارق الطائفية، والصراعات السياسية والطائفية المحتدمة، الى نشوب خلافات عميقة وانسلاخ لمكونات المجتمع العراقي، وتدهور عام على مستوى اركان الدولة العراقية، التي غرقت في بؤرة الفتنة الطائفية والارهاب والكساد الاقتصادي والفساد الاداري، نتيجة الهيمنة السياسية وسوء ادارة البلاد وتعرض العراق الى غزو عصابات داعش الاخير نتيجة الفجوة الكبيرة التي خلفتها ازمة الحكم السياسية وتداعياتها الخطيرة ..
وما تمخض عنها من نشوب ثورة شعبية عارمة في العراق بقيادة التيار الصدري لرفض السياسات الطائفية ونظام المحاصصة، والتدخلات الخارجية والفساد الاداري، والدعوة لمحاكمة الفاسدين والمتسببين بسقوط الموصل، وابرزها الدعوة: الى تشكيل حكومة مدنية مستقلة بدون محاصصة تعتمد على الكفاءة والمهنية بعيدة عن التدخلات الاقليمية والدولية ،وفق اسس ومعايير وطنية والتي اثمرت عن تقارب القوى المدنية مع التيارالاسلامي المتمثل بالخط الصدري، للدخول الى الانتخابات الاخيرة،تحت رؤية جديدة ومشروع وطني يساهم في تخليص العراق من ازمة الحكم الطائفية . وقد افرزت نتائج الانتخابات عن فوزالقوى المدنية المتحالفة مع الاسلاميين(التيار الصدري) والتي شكلت صدمة كبيرة للقوى السياسية الأخرى، المتهمة بملفات الفساد الكبرى،وباحداث سقوط الموصل والتي واجهت فوز القوى المدنية بقيادة “زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر “مما دفع تلك القوى المعارضة الى تكوين كتلة داخل البرلمان المنحل، من المعترضين والخاسرين والمتراجعين بالمقاعد الانتخابية، في محاولة لاعادة الانتخابات او اعادة العد والفرز اليدوي بعد عملية الطعن بنتائج العد الالكتروني، التي نجحوا في إعادتها لكن بنتائج مخيبة للآمال تمكنوا بعدها من عرقلة جهود تشكيل الكتلة الاكبر المنافسة وتشكيل تحالف في مواجهتها من القوى المتشددة والمؤمنة بالمشروع الطائفي في العراق من كلا الفريقين للمحافظة على مناصبهم ومواقعهم السيادية والحزبية في الدولة ومن خشية الوقوع تحت طائلة المحاسبة القانونية من جراء ملفات كثيرة اهمها ملف سقوط الموصل وملف الفساد وجرائم ارهابية وميليشيوية واستخدام السلطة للمنافع الحزبية والشخصية وهدر المال العام، ملفات خطيرة وكبيرة تهدد بها نواة الكتلة الاكبربزعامة سائرون وتجعلها نقاط مركزية ضمن ادارتها للسلطة الجديدة في مشهد ارباكي مخيف للقوى الاخرى المتورطة بمشكلات وازمات العراق
لكن المثير بالموضوع ان تشكيلة التحالفات الجديدة وفق الخارطة السياسية الجديدة ومعادلة القوى الاقليمية الجديدة بعد سحب البساط تدريجيا من النفوذ الايراني، انتجت تحالفات وقوى خارج التركيبة المألوفة ضمن التحالفات السابقة التي كانت تجرى بعد كل عملية انتخابية على اسس طائفية ومذهبية وتحت رعاية دولية ودعم اقليمي . فاعداء الامس اللدودين اصدقاء اليوم الحميمين برغم كل الاختلافات الفكرية والعقائدية والايديولوجية والتناقضات والتوجهات السياسية في محاولة لجمع الخصوم لتشكيل كتلة اكبر تحت رعاية اقليمية والعودة مجددا الى مستنقع الظلام والمحاصصة الطائفية وتقسيم المناصب والمسؤوليات بشهية حزبية ونزعة طائفية ..وهذا ماجرى وما حصل بعد اجهاض عملية الكتلة الاكبر لصالح مشروع سائرون ليجيء بعبد المهدي كشخصية توافقية لحل منصب رئيس الوزراء وانهاء الصراع السياسي بين الفرقاء
لتاتي بعدها مرحلة خطيرة وحرجة من تاريخ العراق باندلاع ثورة شعبية عارمة غاضبة تحت اسم( ثورة تشرين ) في محاولة للانتقام من الاحزاب الحاكمة المهيمنة وقد ساهم التيار الصدري في دعمها وحمايتها والمشاركة بها ..لكنها سرعان ما افل نجمها بعد مرور عام من قيامها رغم التضحيات الجسيمة التي قدمتها الثورة وسرعان ما انحسرت بعد ان خسرت تأييدها الشعبي بسبب المندسين والعملاء والمخربين الذين شوهوا صورتها الوطنية وتم تحريفها عن مسارها السلمي والوطني .لكنها نجحت بتغيير الحكومة وتعديل قانون الانتخابات تحت ضغط جماهيري وسياسي من القوى الوطنية .
وفي خطوة لافتة وجريئة وقوية يتدخل التيار الصدري بقوة لمسك زمام الثورة بقاعدته الواسعة مجددا ليعود في قمة المواجهة الثورية السلمية واعلانه خوض الانتخابات القادمة بقوة للحصول على منصب رئيس الوزراء بما يتمتع من صلاحيات وقرارت نافذة فالمعارك السياسية التي خاضها الجناح السياسي للتيار الصدري في البرلمان ضد الفاسدين لتحقيق مشروع الاصلاح لم ياتي بالثمار المرجوة والاهداف المطلوبة وصار لزاما على التيار الصدري ان يجد له مكانة اقوى وموقع اخطر في الدولة العراقية ليكون العنصر الابرز واللاعب المؤثر وصاحب القرار الاعلى في السلطة التنفيذية وهذا ما اكده في بيانه الذي تزامن مع التظاهرة المليونية واقامة صلاة الجمعة في ساحة التحرير
ابرزها :
نص الخطبة التي ألقاها زعيم التيار الصدري، السيد مقتدىالصدر، تزامناً مع إنطلاق تظاهرات تابعة للتيار الصدري، وإقامة صلاة موحدة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد
جاء فيها:
“اليوم نحن ملزمون بالدفاع عن ديننا وعقيدتنا ووطننا أمام هذا الإنحلال والإنحراف والإلحاد العلني وازدياد الفسق والفجور وكثرة الفاحشة والإنحلال الخلقي والتبعية والتشبه بالغرب الكافر.
ملزمون بالدفاع عن معتقداتنا السماوية بالطرق المشروعة، لا بالعنف والقتل والحرق وقطع الطرق أو بالإحتلال والقصف والظلم، ونحن أيضا ملزمون بالدفاع عن العراق أمام الفاسدين الذين اعتلوا الكراسي والمناصب الحاسة في البلد فمشروع الإصلاح أمانة في أعناقنا ولن نحيد عنه.
أيها الأخوة الأحبة نحن وإياكم تستلهم ثورتنا ضد الظلم والإحتلال والفساد والإنحراف من ثورة إمامنا الحسين عليه السلام والذي ضحى بنفسه وأبنائه وأتباعه من أجل الحق ومن أجل الإصلاح في أمة جده، ونحن اليوم نصلح في وطن أجدادنا وسادتنا وأوليائنا وأنبيائنا وآبائنا الذي مازال شعبه أسيرا للظلم والفقر وقد تكالبت عليه الأيدي من الداخل والخارج.
ويا أيها الأخوة ، إنا لسنا طامعين بالحكم إنما نطمع برحمة الله وتوفيقه ونصره.. اللهم فانصرنا على القوم الفاسدين والقوم الظالمين والقوم المنحرفين الذين يريدون بعراقنا السوء، فمنهم من يريدون إخضاع الشعب والتسلط عليه ومنهم من يريد نهب ثرواته ومنهم من يريد أن يبقى العراق أسير الخارج شرقا أو غرباً، ومنهم من يريد التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب ومنهم من يريد أن تشيع الفاحشة والزواج المثلي والثمالة وما إلى غير ذلك كثير.
فاليوم نحن ملزمون بأن ندافع عنه تحت قبة البرلمان بأغلبية صدرية مؤمنة بالإصلاح ومؤمنة بالدين والعقيدة والوطن بأغلبية مضحية بدنياها أمام دينها ومضحية بنفسها أمام وطنها لا تنحرف مقدار ذرة أمام مغريات الدنيا..
فمن حصن نفسه ليعينني بورع واجتهاد وعفة وسداد على إكمال المشروع وبوحدة الصف والتعالي على الخلافات أو أطماع دنيوية كما تعاهدنا سابقا أمام أسوار المنطقة الخضراء لنصلح لرئاسة وزراء أبوية عادلة تحب وطنها وتريد له الهيبة والاستقلال والسيادة والرفاهية بلا فاسدين ولا شغب ولا إحتلال ولا إرهاب ولا إنحراف.
نعم، ندافع بكل سلمية ونريد هداية الجميع، فالقتل والعنف آخر الكي ولسنا بصدده ولا هو ما تربينا عليه فالناس ما بين أخ لنا أو نظير لنا ولن نتوانى عن ما ينفعهم وينفع الوطن وجيرانه وضيوفه وبعثاته وزواره وفسيفسائه العقائدية والقومية والفكرية من أغلبية وأقلية .
فصلوا صلاتكم داعين للجميع بالهداية والصلاح تحت كلمة الحق والإصلاح
والاعتدال.. والسلام على من اتبع الهدى”.
بيان واضح تماما على السعي لمنصب رئاسة الوزراء والعمل على اصلاحه وفق رؤية وطنية خالصة لقيام دولة صدرية وطنية تؤمن بحقوق الشعب العراقي مستلهمة من الدين الاسلامي الحق والفضيلة وصلاح الانسان
ومن البديهي والمنطقي جدا وبما انه السيد مقتدى الصدر متصدر مشهد المنافسة السياسية في العراق ومتصدر مسؤولية مشروع الإصلاح الكبير
بديهيا انه لا يزال تحت وطاة الاستهداف والتاثير الدعائي والسياسي من قبل الذيول والتبعية واصحاب المصالح السياسية والجهات الخارجية والدولية التي تتعارض مشاريعها الطائفية والاستعمارية والصهيونية مع مشروع الاصلاح الوطني بقيادة مقتدى الصدر فقد سخرت كل ماكناتها الاعلامية وجيوشها الالكترونية في اثارة الشبهات حول شخصية مقتدى الصدر ومشروعه الوطني والذي يحاول البعض الصاقه بالمشاريع الخارجية واثارة اجواء الاضطرابات والفتن .
الشعب العراقي اليوم بوعي تام ويعرف الحقائق جليا من هو المتصدي لمشاريع التبعية والاحتلال ومن هو الغارق في وحل التبعية والشيطان والاحتلال ويسعى جاهدا لاغراق شعبه وبلده في وحل اعمق من التبعية والتدمير والفساد من خلال واقع ملموس يراه المواطن العراقي منذ عقد ونيف .الوجوه ذاتها المعروفة بتاريخها ومواقفها وتصريحاتها العلنية وجنسيتها المزدوجة وعمالتها ودورها التآمري على العراق وشعبه .
لقد تمثلت قيادة مقتدى الصدر بسمة الوطنية والجهادية والسلمية والاستقلالية التامة عن كل التأثيرات الخارجية، قيادة حكيمة وطنية تسعى لخدمة العراق رغم كل حلقات التأمر والتهديدات بالتصفية والاطاحة .قيادة لها وزنها على المستوى الداخلي والاقليمي فوق كل الشبهات والاباطيل وفوق خط النار اللاهب المعبأ بالاكاذيب والافتراءات والأراجيف التي يروجها صغار وكبار القوم اللاهثون على هوس السلطة لارضاء اسيادهم. والقيادة التي تمتلك تاريخا وطنيا وجهاديا وجمهورا واسعا على كل المستويات من المستحيل ان تتخلى هكذا قيادة عن دورها ومسؤوليتها التاريخية ونهجها الوطني من اجل مكاسب دنيونية وانية فيها خسارة في الدنيا والاخرة .لكن قد يراها الاخرون زينة الحياة الدنيا من اجل مكاسبهم الدنيوية الزائلة .