تحليل نص الفنديداد ونقده
ممّا مرّ ذكره، فإن هناك عقوبات قاسية وعجيبة ومُنكرة فرضتها الزرادشتية على أتباعها المُذنبين، كتكفيرعما ارتكبوه من ذنوب. على سبيل المثال لا الحصر، منها مثلا عقوبات تتعلق بالعقود: سأل زرادشت إلهه أهورا مزدا بقوله :” إذا انتهك رجل عقد الأغنام ، فكم عدد من تشملهم خطيئته ؟ “. فأجاب أهورا مازدا: ” إن خطيئته تجعل أقرب أنسبائه مسؤولا لمدة 700 سنة”. و” إن روحه ستقيم لمدة سبعمائة سنة في الجحيم” . كتاب الفنديداد، الفصل الرابع، ص59؛ آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن، فاركارد 4، ص241.
وأمّا إذا انتهك رجل عقد الحقل، فكم عدد من تشملهم خطيئته، فأجاب آهرامزدا:” إن خطيئته تجعل أقرب أنسبائه مسؤولاً لمدة ألف سنة” . كتاب الفندياد، الفصل الرابع، ص60؛ آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن، فاركارد 4، ص242.
وأمّا إذا انتهك عقد الثور، فإن خطيئته ” تجعل أقرب أنسبائه مسؤولا لمدة 900 سنة” . كتاب الفندياد، الفصل الرابع، ص60؛ آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن، فاركارد 4، ص242. وإذا انتهك عقد الحقل فإن خطيئته ” تجعل أقرب أنسبائه مسؤولا لمدة ألف سنة” . كتاب الفندياد، الفصل الرابع، ص60؛ آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن، فاركارد 4، ص242.
ومن جانب آخر فإن الفندياد تذكر نصوصاً تشير إلى الاحترام الشديد للكلب وإعطائه مكانة مقدسة بالدين الزردشتي، حيث يحتل المرتبة الثانية بعد الانسان، وكرس له الفاركارد (= الفصل) الثالث عشر كاملاً، وغدت جثته مدنسة أيضاً، ولهذا تطلب دفنه مراسيم مشابهة لطقوس دفن الانسان . آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن (دمشق: دار الحياة،2007م)، فاركارد 8، ص280، هامش(1)، على صيغة احترام الكاهن المجوسي، مع وجود قواعد صارمة عند قتل الكلب. ومنها أن الفنديداد ذكرت أن أهورامزدا شرّع لأتباعه أن من ضرب كلبا صغيرا- له أربعة أشهر- ضربة مميتة يُجلد 500 جلدة، ويطبق هذا العقاب أيضا على من فعل ذلك مع القنفذ، وابن عرس ذي الأسنان الحادة، والثعلب ذي الفرو السميك. وأشار إلى أن هذه الحيوانات هي من مخلوقات روح القدس، ويعني أهورا مزدا.
فضلاً عن ذلك هناك نصوص كثيرة في الفنديداد وخاصةً الفاركارد الخامس والسادس عشر تشيران إلى تحقير المرأة في الدين الزردشتي بدليل اعتبارها نجسة ويجب عزلها على غرار المرأة اليهودية، واعتبار المرأة الحائض نجسة وغير طاهرة، ومن يلامسها يصبح نجساً.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاهن الزرادشتي (فيراز) عندما ذهب في معراجه السماوي (= آردا فيراز نامك)، يقول:[ … ذهبت أبعد من ذلك، ورأيت امرأة تأكل القذارة ومخلفات البشر، فسألت: “ما الذنب الذي اقترفه الجسد لتدفع روحه هذا الجزاء المخيف؟ “، ” فأجاب النبيل سراوش والإله آدور: هذه روح الاثمة، المرأة التي لم تحافظ على نفسها ولم تراعِ التقاليد بألا تتقرب إلى الماء والنار أثناء فترة الحيض، لكنها تقربت إليها”]. آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن، كتاب الاسراء والمعراج الزرادشتي، ص962؛ وقد علق المترجم والمعد على هذا الاجراء القاسي بحق المرأة بالقول:” سنت الزرادشتية قوانين صارمة بحق المرأة في أثناء حيضها، حيث عزلوها في مكان مظلم كي لا تدنس بدمها الارض، المياه، النار، والمؤمن، وكذلك منعوها من تحضير الطعام والتحدث الى الآخرين، وسمحوا لها بإرضاع وليدها فقط عند الضرورة”.
مما مر ذكره تبين لنا بواسطة النصوص الصريحة من الكتاب الزرادشتي المقدس الآفِستا الذي يتكون من 21 نسكاً، التاسع عشـر منه كتاب – الفنديداد – الذي يحوي نصوصاً صريحة في امتهان المرأة ونجاستها وحقارتها وعدم إنزالها مستوى الكلاب – حاشاها – وخاصةً في فترة الحيض التي تستمر لفترة طويلة من عمرها، وتكاد تكون حياتها جحيماً، لا تطاق؛ ويبدو في اعتقادي أن صعوبة الطقوس الدقيقة للزرادشتية وتكاليفها الشاقة والطهارة المبالغة فيها إلى حدٍ لا يوصف، وفق وجهة نظر المستشرقين البريطانيين (توماس أرنولد المتوفى سنة1930م)، و(أدوارد براون المتوفى سنة1930م)، والنصوص المملة والمشوهة للافستا على حد تعبير المستشرقة البريطانية المختصة بالزرادشتية (ماري بويس).
كما أن الفنديداد أشارت في الفصل الاول إلى تعداد المدن الايرانية التي أوجدها هرمزد(= آهورامزدا) والبلايا التي صبها عليهم أهريمن (= أنكرمينيو – الشيطان)، وجميعها تقع ضمن المنطقة التي كان الفرس الساسانيون يحكمونها أو كانوا متواجدين فيها، أي بعبارة أخرى أن الكتاب المقدس الزرادشتي وخاصة – الفنديداد – تثبت بأن الزرادشتية هي الديانة القومية للامبراطوريتين الفارسية الاولى والثانية: الاخمينية – الهخامنشية (529-331ق.م)، والساسانية (224-651م)، بدليل أن نصوص الفنديداد تركز على الاجزاء الشرقية من ايران. والباحثون الايرانيون لايلتفتون كثيراً إلى حكم البرث الاشكانيين (250ق.م-226م) لأنهم ليسوا فرساً، بل ينتمون إلى الاسكيثيين؛ لذلك ما أن زالت الدولة الفارسية الساسانية من عالم الوجود وانطفأت نيران معابد الزرادشتيين المجوس في خلافتي الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وخاصةً بعيد معركة فتح الفتوح(= نهاوند) في 21هـ/640م، حتى بدأت الديانة الزرادشتية تضعف شيئاً فشيئاً حتى كادت تتلاشى، يقول المستشرق البريطاني توماس أرنولد:” إزاء هذه الحقائق، لا يمكن أن يعزى انقراض الدين الزردشتي إلى الحركات العنيفة التي قام بها الفاتحون العرب (= المسلمون) لتغيير دين الايرانيين. وربما كان عدد من قبلوا الإسلام من الإيرانيين في أوائل حكم العرب (= المسلمون) كبيراً جداً… لكن بقاء الدين الزرادشتي وإقرار الوثائق بأن الزرادشتيين كانوا خلال القرون المتعاقبة يسلمون بين الحين والآخر… يدل على احتمال إسلامهم بكامل رغبتهم ورضاهم…”. ادوارد براون، تاريخ الادب في إيران، ترجمة: أحمد كمال الدين حلمي (الكويت: مطبوعات جامعة الكويت، 1984م)، الجزء الاول ، البابان الأول والثاني، ص310 – 311.
والقرآن کتاب محبب ومقبول حتی لغير المسلمين بعكس الافستا – الآوستا وغيرها، يقول إدوارد براون: ” يتضمّن كتاب أوستا مباديعقائد شخص شهير هو زرادشت، ويحتويعلی أحكام دين العالم القديم. وقد لعب هذا الدين دوراً هامّاً في تأريخ العالم؛ ومع أنّ عدد أتباعه الفعليّين في إيران لا يتجاوز عشرة آلاف نفر، ولا يتجاوز في الهند تسعين ألفاً، فقد كانت له آثار عميقة في الاديان الاُخرى التي فاقته في أهمّيّتها. ومع ذلك، فلا يمكن وصف أوستا بأنّه كتاب مقبول أو محبوب. صحيحٌ أنّ الشكّ يعترينا عند تفسير أكثر عباراته، وأنّ قيمة ذلك الكتاب ستتّضح بصورة أفضل إذا جري الوصول إلی مفاهيمه. لكن، بإمكاني أن أقول عن نفسي هذه النكتة، وهي أنّني كلّما طالعتُ القرآن أكثر فأكثر، وكلّما سعيتُ لإدراك روح القرآن أكثر، زاد إدراكي لقدره ومنزلته. أمّـا التحقيق في كتاب أوسـتا فمملٌّ ومُضـجر ومتعـب، إلاّ أن يكون ذلك بهدف إجراء دراسة في علم اللغة أو علم الاساطير وغيرها من الاهداف التطبيقيّة “.
ومن جانب آخر فإن الكتاب المقدس الزرادشتي يحرض مباشرةً على قتل جميع الناس الذين لا يؤمنون بشريعة زرادشت، بالقول:” … جميع الذين لا شريعة لهم كفرة، جميع الكفرة يستحقون الموت” . كتاب الفنديداد، الفصل السادس عشر، ص154 -155؛ آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن،فاركارد16، ص340، والغريب أن مترجم ومعلق الكتاب لم يعلق على هذا النص القاطع بقتل الكفار المخالفين للزرادشتية، ولو وجد مثله أو ما يشابههه في القرآن الكريم، مع الجزم بعدم وجوده أصلاً، لصب غضبه ونقمته على الاسلام والمسلمين!؟
والغريب أن مترجم ومعلق كتاب (آفِستا) إلى اللّغة العربية لم يعلق على هذا النص القاطع الخاص بقتل الكفار- وهم الذين لا يؤمنون بالديانة الزرادشتية – والمذكورة في الصفحة(340) من كتاب الفنديداد تحديداً؛ ولو وجد مثله أو ما يشابههه في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة!، مع الجزم بعدم وجودها أصلاً، لصب غضبه ونقمته على الاسلام والمسلمين ولأتهمها بالارهاب! والظلامية! والرجعية! … وما أكثر مفردات هذا القاموس!!!؟