ان الديمقراطية تتبناها الدول من خلال انظمة سياسية تقوم على وجود احزاب سياسية تتنافس بينها في مسابقة انتخابية حرة وعادلة ونزيهة كألية لاحداث التداول السلمي للسلطة، ان هذا المفهوم للديمقراطية يحمل في طياته الكثير من المعاني والدللات التي تلزم بها النظام السياسي على احترام حرية الرأي والحفاظ على الحقوق والاحتكام الى القانون لكن هذه المعايير قد تختلف بعض الشئ في تطبيقاتها بين الاحزاب السياسية عند تسنمها المناصب الرسمية بين حدتها ومرونتها ولكنها تلتقي في اطار تحقيق المصلحة الوطنية.
هذا الاختلاف نجده بشكلٍ واضح في الدول الديمقراطية المتقدمة عندما اصبح معيار التنافس الانتخابي يدور حول تلك المعايير وتباين تطبيقها الذي تجسدة من خلال وجود توجهين في عملية ادارة الدولة الاول يميني محافظ يذهب الى قوننة كل انشطة الدولة الرسمية وغير الرسمية بشكلٍ واسع والثاني يساري يرى ان عملية ادارة الدولة لابد ان تقوم على التخلص من بعض القيود القانونية التي تكبل نشاطات الحرية الفردية.
وكلتا التوجهان يتسابقان في تقديم افضل شكل للدولة لتحقيق اكبر قدر من التنمية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة والتي تنعكس على خدمة المواطن مما ادى ذلك الى عملية استقطاب للاحزاب السياسية حول تلك التوجهين فتشكل حزبان فاعلان تصدرا المشهد السياسي مما سهل المهمة على الناخب في اختيار احد المشروعين لادارة الدولة التي اثبتت نجاحهما، فاصبح هناك تناوب على ادارة الدولة وفقاً لتلك المشروعين واعطى للناخب حرية الاختيار وهذه حالة صحية كون ادارة الدولة مهما كانت ناجحة فهي بحاجة الى رؤى وافكار جديدة بين الحين والاخر تخرجها عن حالة الجمود وتزيد من فعالية عمل النظام السياسي سواء أكان ذلك في جانبه الرسمي المتعلق بعمل السلطتين التشريعية والتنفيذية ام في جانبه غير الرسمي الذي يلزم الحزبان على التفاعل المستمر مع المجتمع لسماع احتياجاته وجعلها الاولية في جداولهم عند تسنمهم المناصب الرسمية وهذا ما وجدناه في الولايات المتحدة بين الحزب الجمهوري اليميني المحافظ والحزب الديمقراطي اليساري وفي بريطانيا بين الحزب المحافظ اليميني وحزب العمال اليساري وغيرهما.
اما في الدول ذات الديمقراطيات النامية التي حاولت ان تنقل تلك التجربة من العالم المتقدم فإنها لم تدرك واقعها ومستلزماتها المتعلقة بتوفير البيئة المناسبة والمشروع الذي تختلف من اجله الاحزاب السياسية في عملية ادارة الدولة لاقناع الناخب على التصويت له.
نتج عن ذلك تشضي كبير في عدد الاحزاب السياسية لافتقارها الى عامل جذب تصطف خلفه في عملية ادارة الدولة وكان مشروعها ينصب نحو الاستحواذ على السلطة ومكتسباتها ووجدنا ذلك جلياً في واقع التجربة الحزبية في العراق بعد العام 2003 عندما لم يكن لها اية مشاريع تطرحها الى الناخب العراقي تتعلق بادارة الدولة بالشكل الذي يساهم الى تحقيق الامن والازهار لتصويت لها فقد ذهبت الى المشروع الاثني والقومي ونجحت من خلاله الوصول الى السلطة وغذت النظام بذلك المشروع وظهر على سلوكه في ادارة الدولة نحو الفشل في تقديم ابسط مشاريع التنمية في البلد.
وبذلك نصل الى نتيجة مفادها الى ان الاحزاب في الديمقراطيات المتقدمة تمتلك مشروع يرتكز في الاساس على المبادئ الحقيقة للعملية الديمقراطية واعتمدتها كأساس في برامجها الانتخابية كأسلوب لادارة الدولة، اما الاحزاب في الديمقراطيات النامية كانت مشاريعها تنصب نحو السلطة بعيداً عن الممارسة الحقيقية للديمقراطية لادارة الدولة فأضحت الديمقراطية في تلك الدول طريق الى الفوضى.