18 نوفمبر، 2024 2:38 ص
Search
Close this search box.

التهديدات الامريكية ضد سوريا ومبدأ تحريم استعمال القوة

التهديدات الامريكية ضد سوريا ومبدأ تحريم استعمال القوة

في شهر تموز من عام 1955 اصدر برتراند راسل والبرت انيشتاين رسالة الى شعوب العالم واضعين تلك الشعوب امام خيار (صارخ ، مروع ومحتوم : هل نعمل على وضع نهاية للجنس البشري او تعمد البشرية الى نبذ الحرب ) ولكن على مايبدو ان الطبيعة البشرية تأبى ان تنبذ الحرب فهاي هي اليوم تدق طبول الحرب منتشية بخمر القطب الاوحد في العالم الذي اسكرته تلك القوة ليفقد الاتجاة الذي وضعته المباديء التي قامت عليها تلك القوة وان يكون اعلى الاصوات المنادية بالحرب تخرج من مايطلق عليها عاصمة القانون الدولي ومباديء الديمقراطية باريس التي خرجت منها مباديء العدالة والاخوة والمساواة .
بالرغم من ان مبدأ تحريم استخدام القوة أهم المبادئ التي يقوم عليها تنظيم العلاقات الدولية المعاصرة في ظل نظام الأمم المتحدة، حيث جاء الميثاق ليؤكد وبصفة قاطعة عمومية وإطلاق المبدأ كما ورد في الفقرة الخامسة من الديباجة التي جاء فيها “أن شعوب الأمم قد اعتزمت أن لا تستخدام القوة في غير المصلحة المشتركة”، أما أساسه فقد كرسته المادة 2/04 من الميثاق.التي نصت على انه« يمتنع اعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة او استخدامها ضد سلامة الاراضي او الاستغلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لايتفق مع مقاصد الامم المتحدة» مع استثناء حالة واحدة من ذلك وهي حالة الدفاع الشرعي عن النفس وكما ورد في المادة (51) من الميثاق والتي نصت على انه « ليس في هذا الميثاق مايضعف او ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى او جماعات في الدفاع عن النفس، اذا ما اعتدت قوة مسلحة على احد اعضاء الامم المتحدة، وذلك الى ان يتخذ مجلس الامن التدابير اللازمة لحفظ السلم والامن الدولي» وفي حالة تطبيق اجراءات الامن الجماعي التي يقررها مجلس الامن وفقاً لنصوص الفصل السابع من الميثاق، هذه الاجراءات قد تصل الى حد استخدام مجلس الامن للقوة المسلحة ضد الدولة المعتدية التي تتمادى في العدوان.
بتفحص تام لنصوص واحكام ميثاق الامم المتحدة، وماجرى عليه العمل في الواقع الدولي نستطيع ان نجزم ان حق استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية، وفقاً للمبدأ العام السابق، والاستثناءات التي ترد عليه، هو من اختصاص مجلس الامن وحده، بحسبان ان المجتمع الدولي قد القى على عاتق هذا المجلس -حصراً- التبعيات الرئيسية لحفظ السلم والأمن الدوليين، فالمادة 24/1» من الميثاق تنص على انه « رغبة في ان يكون العمل الذي تقوم به الامم المتحدة سريعاً وفعالاً يعهد اعضاء تلك الهيئة الى مجلس الامن بالتبعيات الرئيسية في امر حفظ السلم والامن الدولي، ويوافقون على ان هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعيات».
على هذا الاساس تم تخويل مجلس الامن سلطات واسعة جرى النص عليها في المادة« 39» من الميثاق عندما نصت على ان « يقرر مجلس الامن ما اذا كان قد وقع تهديد للسلم او اخلال به، او كان ماوقع عملاً من اعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته او يقرر مايجب اتخاذه من التدابير طبقاً لاحكام المادتين «41،42» لحفظ السلم والامن الدولي او اعادته الى نصابه».
تلك الاحكام وغيرها تؤكد مانذهب اليه من ان مجلس الامن وحده المكلف بمسألة حفظ السلم، كما يعد صاحب الاختصاص المطلق في تكييف الحالات التي من شأنها ان تهدد السلم اوقوع عمل من اعمال العدوان ، علاوة على ان لهذا المجلس -حصراً -تحديد مايتخذ من اجراءات وتدابير لمعالجه كل حالة، فالمادة «42» من الميثاق منحت هذا المجلس ان يتخذ بطريق القوة الجوية والبحرية والبرية من الاعمال مايلزم لحفظ السلم والامن الدوليين. اما الوسائل التي يتعين عليه اتباعها للحصول على هذه القوات فقد اقرتها المادة« 43/1» من الميثاق بقولها :« يتعهد جميع اعضاء الامم المتحدة ، في سبيل المساهمة في حفظ السلم والامن الدولي ان يضعوا تحت تصرف مجلس الامن ، بناءً على طلبه او طبقاً لاتفاق او اتفاقيات خاصة مايلزم من القوة المسلحة.. » في حين قضت المادة «46» على ان «الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الامن بمساعدة لجنة اركان الحرب».
من خلال هذه المعطيات نعود للاجابة على التساؤل المثار: هل في قواعد القانون الدولي مايخول الولايات المتحدة الامريكية حق استخدام القوة ضد سوريا او اي بلد آخر بدون العودة الى مجلس الامن مهما كانت المبررات والحجج ؟
كانت الشرارة التي اشعلت فتيل التهديدات الامريكية هي الهجوم الكيمياوي الذي وقع في الغوطة الشرقية في ريف دمشق وبالرغم من ان الحكومة الامريكية لم تخفي دعمها للمعارضة المسلحة في سوريا الا انها قررت عدم انتظار تقرير لجان الامم المتحدة في تحديد الجهة التي قامت باستخدام الاسلحة الكيمياوية والقت باللوم على النظام السوري وقررت ان تتحرك لضرب النظام متذرعة بحماية حقوق الانسان وكانت بذلك بدور الخصم والحكم في نفس الوقت واضعه نفسها محل مجلس الامن على الرغم من ان محكمة العدل الدولية في قرارها في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة قد قررت ان استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الدول .
تتلخص تلك القضية التي عرضت على محكمة العدل الدولية عام 1986، التي أقرت خرق الولايات المتحدة للقانون الدولي من خلال دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد حكومة نيكاراجوا وبتفخيخ الموانئ في نيكاراغوا. حكمت المحكمة لصالح نيكاراغوا -ضد الولايات المتحدة الأمريكية- مما دفع أمريكا إلى رفض الحكم الصادر، وأقرت المحكمة بأن الولايات المتحدة قامت باستخدام القوة بشكل غير شرعي، “لقد أوقعت حرب ريغان ضد نيكاراغوانحو 75 ألف ضحية بينهم 29 ألف قتيل ودمرت بلدا لا رجاء لقيامته”.اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا غير ملزم بهدف الضغط على أمريكا لتسديد الغرامات المالية التي فرضها قرار المحكمة، وقد صوتت إلى جانب أمريكا كل من إسرائيل والسلفادور ورغم ذلك لم تسدد الولايات المتحدة الغرامات المستحقة متنكرة لمضمون حكم محكمة العدل الدولية . إن حكم المحكمة قاطع في دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي ادعاء بوجود حق يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية .
عندما وجدت الولايات المتحدة ان الادعاءات بحماية حقوق الانسان لايمكن الاعتماد عليها في دعم تحركها العسكري خصوصا مع انسحاب اقرب حلفائها وهو الحليف البريطاني الذي كان الاعلى صوتا في الدعوه للحرب متذرعا بعدم موافقة البرلمان لينتقل الحديث الى حماية المصالح العليا للولايات المتحدة محتمية بالتفسير الواسع لنص المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة فعلى الرغم من أن ممارسة أعمال الدفاع الشرعي عن النفس تتوقف بصريح نص المادة51من الميثاق على تعرض دولة ما لهجوم مسلح بما يعني أنه لا يجوز للدولة أن تلجأ للقوة المسلحة لاتخاذ إجراءات وقائية دفاعا عن النفس، إلا أن هناك من الفقه من يرمي إلى توسيع تفسير هذه المادة بما يسمح باتخاذ إجراءات وقائية ولو لم يقع هجوم مسلح فعلي حماية لمصالح الدولة العليا او مصالح مواطنيها في الخارج .وسبق لوزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كيسنجر ان اكد هذا التفسير، في ندوة عقدت بمجلس الشيوخ الإيطالي تحت عنوان “العولمة وآثارها على العالم الجديد”حيث قال أنه: “عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فمن حق الدولة المهددة أيا كانت أن تتحرك منفردة للدفاع عن أمنها دون انتظار موافقة دولة أخرى” ثم أضاف “لا يقلقنا الحصول على قرار من الأمم المتحدة لأن الرأي العام الأمريكي لا يعتقد  كثيرا في دور الأمم المتحدة لا أثناء الحرب الباردة أو بعدها”. في ظل هذا الوضع يمكن للولايات المتحدة ان تستخدم هذا الاستثناء في أي وقت وفي مواجهة أية دولة، وتحوله من مجرد استثناء الى قاعدة عامة في علاقاتها الدولية. وبهذا تحل نفسها محل مجلس الامن وتحل نفسها من كافة الالتزامات التي يفرضها ميثاق الامم المتحدة الذي ولد على ارضها .
مما يؤسف له ان تسارع جامعة الدول العربية التي من المفترض ان تدافع عن مصالح الدول العربية الى منح الغطاء الشرعي للتدخل العسكري الامريكي في ضرب دولة عربية عضو كامل العضوية في الجامعة العربية .

أحدث المقالات