التأريخ يحدثنا بموضوح أن الفُرَق والجماعات والفئات التي تنسب نفسها لدين , حالما تجد لها موضعا في الكرسي فأنها تنتقم من الدين , وتمعن بالظلم والفحشاء والمنكر وبإسم الدين , وما شذ دين عن ذلك أو فرقة أو جماعة.
وهذه علة سلوكية متكررة أذاقت البشرية علقم الويلات ومرارة التداعيات الفتاكة , حتى أكثر الفرق تعقلا وإحتكاما للعقل أصابت الأمة بمقتل , فعندما صار لفرقة المعتزلة دور في الكرسي أيام المأمون وبعده , فأنهم قد قضوا على أنفسهم وعانت الأمة من وجودهم أشد العناء.
ولا فرق بين أي فرقة وفرقة أو جماعة وجماعة , لأن الدين عندما يكون منطوقا ومنطلقا يحرر البشر من المسؤولية , ويسوّغ له رغبات ونوازع النفس الأمّارة بالسوء فيه.
وعندما نتأمل اليوم واقع بعض المجتمعات التي إستحوذت فيها العمائم على الكراسي , نجد إستشراء الفساد والظلم والقهر والنهب والسلب , والإعتداء على حقوق الناس أجمعين بإسم الدين.
والحالة تتكرر بين حين وحين وتتسبب بفواجع وتداعيات قاسية في المجتمعات , وما تمكن الدين من الوصول إلى جوهره المبين , والتعبير عن رسالته الرحمانية الإنسانية الأمينة , بل تخبط فيما يبرر ضدها ويجهض جوهرها , حتى صار الدين عدو الدين , وإنقلب النور إلى نار , والخير إلى شر , والباطل إلى حق , وكل ما يجري فوق التراب ألقي بعواقبه وأسبابه على أكتاف خلاّق رحيم!!
واليوم تجدنا أمام عمائم شرسة تبرر أفعال الشيطان الرجيم , وتسوّغها وتزيد عليها وتفاقمها وتحسبها من صدق الفعل والإيمان , ومن هدي الرحمن الرحيم , وهي تغطس بالفساد والإفساد , وتصلي في محاريب التبعيات والخنوع والمذلة والهوان , وتحسب الدين ما يملأ بطونها وجيوبها , ويغذي جشعها الفتاك المهين , فربها يرزق مَن يشاء ويعز مَن يشاء بغير حساب , ولا تسأل عن الوسائل والأسباب.
فهل من وعي لجوهر الدين؟
وهل آنَ للعمائم أن تغادر مواطن الفساد وقتل الدين بالدين؟
فالأمة بحاجة إلى عقول فاعلة لا إلى عمائم عاطلة قاتلة!!