عايشنا كلنا حالة الجذب والشد بين الحكومة العراقية وبرلمانها، وعملية اللعب بأعصاب خمس الشعب ممن يعلمون في الوظيفة الحكومية، وهم وعوائلهم ربما يمثلون نصف المجتمع، وعملية الضغط والإبتزاز السياسي المتقابل بينهما..
حرب التصريحات بين الطرفين كانت عالية، وربما مثلت لمحة لما ستكون عليه الحملة للإنتخابات القادمة، لكنها جعلت البرلمان يبدوا وكأنه في جبهة واحدة قبال الحكومة..
بعد تقليص البرلمان لحجم المبالغ المطلوبة من الحكومة، ووصول القرار مرحلة التصويت الأخيرة ظهرت أفاعي المحاصصة بكل أنواعها القومية والطائفية والحزبية والسياسية حتى, وليكشر بعظهم عن أنياب يخفيها لهكذا أوقات.. وتطلب إقرار القانون “سهر” البرلمان للفجر وإيقاض نواب “نائمين” وقيادة ماراثون استمر لساعات طويلة جدا، لتحقيق تسوية ترضي الأطراف كافة.
عملية إسترضاء الكل صارت سياقا سيئا يظهر مقدار تشوه ديمقراطيتنا أمريكية الصنع، وهذا القانون أظهر ذلك بوضوح.. فرغم توصل أغلب الكتل النيابية لتوافق مقبول فيما بينها ومع الحكومة، ظهرت مشكلة عدم قبول الكورد بوضع فقرة تلزمهم بتسليم عائدات النفط وجزء من عائدات المنافذ الحدودية، رغم كل الحلول الوسطية التي قدمت لممثليهم لتحقيق إجماع مقبول وتفاديا لإستغلال ساسة الكورد المعتاد لتفكك الموقف العربي وسعيهم لتحقيق أكبر منافع من ذلك.
في موقف نادر لم نشهده منذ سنوات، إستطاع النواب من غير الكورد تمرير القانون.. ليصرح بعض ساستهم بشكل غاضب و إنفعالي، بل ويصدر بيان بإسم زعيم الإقليم السابق مسعود البارزاني، يتهم مجلس النواب وكتله وبقية المكونات “بالخيانة” وتوجيه “طعنة” للشعب الكردي.. ويصبوا جام غضبهم على عمار الحكيم، في تلميح مبطن بأنه هو وكتلته عرابو تمرير هذا القانون..
لاحقا حاول الإتحاد الوطني أو “الطالبانيون” التبرؤ والتنصل من هكذا تصريحات متشنجة، في موقف يظهر بوضوح عمق الإنقسام بالموقف الكردي، وإستيائهم من التصريحات التي ربما أساءت كثيرا لحليف لطالما عد معتدلا ومساندا لقضايا الشعب الكردي تاريخيا.. لكن هذا الموقف يظهر أيضا تبرم الجمهور الكوردي، من طريقة الحكم التي لازالت تدير الأمور في الإقليم بطريقة قبلية عائلية، تحاول أن ترمي فشلها في تحقيق تطلعات الناس ومحاربة الفساد المستشري هناك بإفتعال المشاكل مع المركز..
أسلوب الإنتهازية للفرص وإستغلال مشاكل المركز وتفكك مواقف كتله وأحزابه، لتحقيق مصالح سياسية ومالية لحكام الإقليم كان سائدا لفترة طويلة، ولم يحصل توحد قبال ذلك إلا في مواقف نادرة، كانت تعد “صفعة” للمواقف الصلفة لبعض الساسة والزعماء الكورد.. وتلك الصفعة والصدمة أو مهما كان توصيفها كانت ضرورية بإتجاهين.. للزعماء الكورد لتوصل رسالة أن هناك حدودا لما يمكن السكوت حتى من حلفائهم..
الرسالة الأخرى كانت لساسة الأغلبية الشيعية ليفهموا بأنهم هم ربان هذه السفينة والمسؤولون عنها، ورغم إستضعافهم سابقا لكنهم يملكون من القدرة والقوة، ما تمكنهم من توحيد كل الصفوف وتوجيه صفعات قوية لمن ينسى نفسه وحجمه، ويحاول إغراق السفينة.