خاص: قراءة- سماح عادل
مجموعة “أصداء الخنادق الضبابية” للكاتب الكردي “حميد مرعي”، تحكي عن حلم الوطن الذي لا يتحقق لأن الانتهازيين من كل الأنواع يقفون كحائل دون تحقيق الحلم، كما تحكي مأساة أناس آخرون بسبب فساد المجتمع وتحلله.
أصداء الخنادق الضبابية..
في قصة “أصداء الخنادق الضبابية” يحكي الكاتب عن شخصيات متعددة يجمعهم حلم الوطن الكبير الذي يلم شتاتهم، منهم من ضاع عمره في السجون والمعتقلات لأجل النضال، ومنهم من صارعته الحياة، ومنهم من غلبه الفقر، لكن حلم الوطن لا يمكن تحقيقه طالما هناك انتهازيين سواء من الأغنياء الطفيليين الذين لا يكترثون سوى بطموحاتهم الفردية الشخصية، والذين يقفون عائقا أمام الحالمين بالوطن بل ويحيكون المؤامرات لهم.
أو من تجار الدين الذين يستغلوا الدين لتحقيق مصالحهم الشخصية، ويدعون الناس إلى لقيام بأشياء لا ينفذونها على أنفسهم، مثل ترك التعليم والمدارس وهم يعلمون أبنائهم.
التجار الذين يربحون من الأوضاع الحالية من فساد السلطات وفساد النظام، هم من يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه، إنما الحالمون بوطن كبير يجمع الأكراد هم من يطالهم الأذى سواء بالقتل أو الاعتقال أو الموت كمدا وحزنا.
وهناك شخصيات عدة في هذه القصة الطويلة، طالب جامعي يحب فتاة لكن يتزوجها من يستطيع تحقيق أحلامها وتوفير حياة كريمة لها، فتاتان تحلمان بالزواج لأن أقصى طموحهما أن تتزوجان وتنتقلان إلى بيت رجل.
والموت غالب على القصة، سواء القتل غدرا بيد الانتهازيين من الرأسماليين أو الموت حزنا وكمدا، على حلم لن يتحقق بسبب فساد الواقع.
شرفات منهوبة..
القصة الثانية “شرفات منهوبة” هي قصة طويلة أيضا، عن شاب حزين لموت أمه وحزين لأن حبيبته التي ظل يحلم بها تزوجت برجل آخر أكثر غنا، لكنه مع ذلك لا يهتم بها ولا يحبها بما يكفي، وحزين لانتحار صديقه والذي كان نتيجة لموت حبيبته، حيث عرف والدها بقصة حبهما فدس السم لها ولم يستطع الصديق العيش مع واقع موت حبيبته غدرا بسبب حبهما، مما يعكس ضيق أفق والد الفتاة وتعنته في مجتمع لم يتخلص من ذكوريته وتخلفه، مجتمع يحارب الحب ويعتبره وصمه عار يجب إخفاءها، مجتمع مازال يعاني من جرائم الشرف التي تقهر النساء، ويعتبر حيوات النساء وأرواحهن لعبة في أيدي ذويهم من الذكور، رغم أن نفس المجتمع تختفي فيه علاقات سرية وآثمة مثل علاقة جارة البطل به بعد موت أمه، حيث يستمر عام ونصف في علاقة جسدية معها يشبعها فيها ويشبع نفسه رغم إنها متزوجة ولديها أطفال.
يجبر البطل على الهجرة لأنه لم يعد يحتمل العيش في مجتمع لا يوفر له حياة كريمة، ويمتلئ بسلوكيات وممارسات تنم عن تخلف وجهل، مجتمع يموت فيه الشباب لأنهم تجرءوا وأحبوا أو لأنهم ناضلوا لأجل مجتمعهم حيث الآلاف من الشباب يذهبون إلى الجبال دون نتائج تذكر على أرض الواقع، وما يخلفه النضال في الجبال سوى موت أرواح كثيرة من الشباب الواعد والمتحمس.
أحيانا في نيسان..
والقصة الثالثة والأخيرة “أحيانا في نيسان” أكثر مأساوية من القصتين الأخرتين، فهي تحكي مأساة انهيار عائلة بأكملها بسبب فساد المجتمع وتحلله، يحكي فيها الكاتب بطريقة مميزة حيث يترك أبطال القصة يحكون عن أنفسهم بأصواتهم حتى بعد موتهم، قصة مليحة وبول زوج وزوجة فقراء كانا يعيشان حياة بسيطة ولديهم أربعة أطفال، ثم تحل مصيبة على بول الذي كان يعمل نجارا يصاب في ساقه لكنه يواصل الشقاء ويعمل رغم عجزه ويعول أبناءه لكن القدر لا يمهله ليصاب بسرطان في المعدة، ويموت في خلال شهور معدودة لتجد مليحة نفسها وحيدة تتحمل مسؤولية أربع أبناء مع فقر شديد لكن كل ذلك لا يكفيها.
حيث تتآمر عليها بعض نساء من القرية خوفا من أن تخطف أزواجهن فيقمن بعمل ألاعيب وإثارة الإشاعات حولها حتى أصبحت مضطهدة ومنبوذة من الجميع، وخافت على نفسها من أن يعتدي عليها أحد من رجال القرية فكرت في الهرب، لكنها هربت وتركت أبناءها وحدهم لتكتمل المأساة وحلقاتها ويذهب الأبناء لمؤسسة لرعاية الأيتام، ويعيشون حياة بائسة بدون أب ولا أم وفي ظل مؤسسة فاسدة لا تحميهم.
ويكبر الأبناء، أكبرهم ينتحر بعد أن تزيد عليه الضغوط النفسية وأختهم تتزوج من رجل عجوز رغما عنها بعد أن تبيعها مديرة مؤسسة الأيتام وتتقاضى مبلغا كبيرا مقابل بيعها، وينتهي أمرها بالقتل لأنها أرادت أن تهرب من زوجها العجوز الذي يعاملها بقسوة، وأخت آخرى يتبناها أناس أغنياء ولا يعرفون عنها شيئا وأخوهم الرابع ينتحر أيضا بعد أن يهرب من المؤسسة. مأساة محكمة الحلقات تنبئ عن فساد الناس وخراب أرواحهم، نتيجة الجهل والتخلف وغياب القيم والأخلاق في مجتمع متحلل ومنهار.
المجموعة عبارة عن ثلاث قصص طويلة، يغلب عليها الموت والحزن والإحباط من عدم تحقق الأحلام، تقدم ربما صورة واقعية عن المجتمع الكردي أو على بعض القصص فيه، تعتمد على لغة عذبة ومميزة أقرب إلى اللغة الشعرية، كما يبتكر الكاتب في اختيار أسماء الشخصيات، كما استطاع الكاتب أن يرسم الشخصيات بعمق، ويقدمهم للقارئ مستعرضا تاريخهم وانفعالاتهم واستجاباتهم في الوقت الحاضر.
الكاتب..
حميد مرعي، كاتب كردي سوري، من مواليد 1986 في قرية اسمها “موسى كورا” بأقصى الشمال الشرقي السوري، حاصل على إجازة في علم الاجتماع من جامعة حلب، مقيم في ألمانيا، صدر له مجموعة قصصية “أصداء الخنادق الضبابية” عن دار هاوار في مدينة دهوك بشمال العراق، و مجموعة شعرية “عالقون في مراتب الأفق” في بلغاريا عن دار الدراويش للنشر والترجمة.