18 نوفمبر، 2024 12:59 ص
Search
Close this search box.

الدراما العراقية  .. عنف ودموع بلاانتهاء

الدراما العراقية  .. عنف ودموع بلاانتهاء

يحتاج المؤلف الدرامي في العراق الى الاطلاع العميق على مباديء وافكار علم النفس بغية الاستناد عليها لدى الشروع في الكتابة .
فالمعادلة الابداعية تتمثل في ثلاثة اطراف معروفة هي الباث والرسالة والمتلقي ،ويعتبر كل من الاول والاخير العنصران المتجذران في هذه المعادلة كون الامر بمجمله لايخرج عن اطار التاثير المقصود من قبل الباث في وعي وذائقة واحاسيس المتلقي من اجل اعادة صياغة المرتكزات والبنى الفكرية التي يتأسس عليها كيانه .
ان السعي الى التأثير في الاخر يوجب على المبدع اللجوء الى لغة خاصة يبتكرها بحذق ولايغترفهامماهو موجود امامه . فالابداع بصورة عامة والفن خصوصا يحتاج الى لغة تتولد من مخيلة خصبة مهذبة تكشف عن مدى عمق معرفة صاحبها بالدور الذي يضطلع به .
ان المتلقي يبحث دائما عما هو مغاير وغير سائد ، واذا ماتعاملنا مع الحال واقعيا نجد ان المتلقي العراقي تحديدا ، وبحكم قساوة الظروف المعاشةوتاثيرها النفسي السيء عليه ، يبحث دائما عن لغة بديلة تحمل كما من الترويح المفقود من حياته لكي  يستعيظ  بها عن لغة الواقع ذات الطابع الفجائعي المغمس بالدماء وروائح الموت والفقر والجوع .. لغة تبعده مؤقتا عن محيطه المعتم من اجل ان يستمتع بلحظات انتشاء وفرح تنقذه من وضع سوداوي محاصر بالظلام .
لقد اكد علم النفس على اهمية الميكانزمات الدفاعية التي يستخدمها الانسان للخلاص من التوترات والضغوط التي تجابهه في حياته  ، وحللها بعمق فوجد ان التجاء الفرد اليها يعد حالة ضرورية في بعض  المواقف التي تتطلب توازنا نفسيا ينقذه من الانهيار .
ولكون الاخر – ايا كان نوعه – مارس عادة دور المثير الخارجي مع الفرد ، فأن الاستجابة لديه تكون متعلقة بنوع المثير عادة ، واذا ماطبقنا الامر على المعادلة الابداعية فسوف نجد ان المؤلف ومايطرحه من مواضيع حياتية مختلفة يلعبان  دور المثير ، وان الاستجابة من الناحية النفسية والسلوكية عند المتلقي سوف ترتبط بهما معا.
فاذا ماانفتح عقل المؤلف على افاق رحبة ونأى عن اسوار الواقع التي تحيط به في لحظة الكتابة ،وفهم بعمق قيمة الابعاد الفكرية والجمالية وضرورتها بالنسبة للمتلقي ، فانه يستطيع في مثل هذا المناخ ان يصوغ نصا دراميا تتجاور المتعة فيه مع الفائدة والتسلية الضائعة عن حياة الانسان العراقي ليحقق في النتيجة هدفة الاساسي وهو الوصول الى عقل وعاطفة المتلقي وايصال مااراد قوله اليهما .
ان احد اشد الامراض المزمنة التي تعاني منها الدراما العراقية هي الجدية المزعجة التي تكتنف غالبية الاعمال المقدمة من خلال مختلف الفضائيات والتي تتجسد من الناحية الادائية بصور ثابة متكررة هي :
الغضب . العنف . الصراخ . البكاء . العويل . الدماء . لطم الصدور .حوارات صارمة جافة تغيب عنها الليونة العاطفية والطرفة التي يميل اليه الفرد العراقي عادة ويستخدمها  اثناء تحدثه مع الغير حتى وان كان الحديث جادا في بعض الاحيان  .
وهذه كلها تتوزع على امتداد  حلقات المسلسل وفي معظم مشاهده بدون ان تنكسر حدتها بمحاور كوميدية تخفف من سوداويتها المقرفة .
لقد دفع هذا اللون القاتم الذي يحمل اصحابه تبريرهم الجاهز معهم ( الواقع هكذا) الكثير من المشاهدين (المتلقين) الى الاستجارة بالمسلسلات ذات الطابع الكوميدي الحاملة لمضامين سطحية لاقيمة لها ، وبالبرامج المنوعة ذات الطابع الكاريكاتيري التي تتناول ماهو هامشي وغير مهم ،  بحثا عن الترويح والتسلية والضحك وهذه عوامل نفسية تساعده على التخلص من نكد الحياة اليومية وماتتركه على مزاجه من اضطراب وتعكير .
ان اغلب المؤلفين يمتلكون المقدرة على صياغة المشاهد الجادة ذات الطابع التراجيدي ،  وهي بالمناسبة مشاهد يجيد اداءها الممثل العراقي لقناعات غريبة يمتلكها هو شخصيا ، تتمثل بان النجاح الحقيقي يكمن في تجسيد الادوار المركبة تجسيدا دقيقا ، لكنهم ، واقصد المؤلفين بشكل خاص ، لايمتلكون القدرة على صياغة المشاهد الكوميدية التي تحمل مضمونا عميقا ينسجم مع محتوى العمل عموما ، وهذا ما اكدته المسلسلات العراقية منذ زمن بعيد جدا ، غير انه  تجلى اكثر في الاعمال التي عرضت في زمن مابعد التغيير .

أحدث المقالات