الأجيال العربية تبدو وكأنها في حالة تنافرية متواصلة , مما تسبب بدفع المسيرة إلى الحفر الظلماء والمهاوي الدهماء , التي تستنقع فيها وتتناحر , حتى تغيب بلا مشاركة إيجابية في بناء الحياة.
وهذا التنافر التناحري يبدو جليا في العمارة والبناء , إذ تجد القديم يُنسَف نسفا شديدا , والجديد ينهض متهاويا مجردا من طاقات التعبير عن الأجيال , بينما في المجتمعات التي تتفاعل فيها الأجيال , تتكاتف البنايات القديمة مع الحديثة , والحاضر وليد طبيعي مكتمل من رحم الماضي القريب المولود من رحم ما قبله.
ولهذا فأن الأجيال في تلك المجتمعات تتفاخر ولا تغمط حقوق بعضها , وكل جيل يعتز بالجيل الذي سبقه ويثمن جهوده ويحفظها ويبني عليها.
وتجد روحية التواصل حية في السلوك اليومي للناس , إبتداءً بالأطفال الذين يمثلون المستقبل , وآليات الإهتمام بهم والحرص على نشأتهم , وضخهم بالمعارف الضرورية للبناء الأرقى , وتحميلهم الرسائل التي لم تكتمل بعد.
وفي السلوك التفاعلي للأجيل يتحقق التكامل الحضاري اللازم لمسيرة الحياة , ونموها والإنطلاق بها نحو آفاق أرحب.
فالحياة نهر دفاق الجريان تتكاتف أمواجه لإدامة التيار , والحفاظ على قدرات التجدد والنماء , والتفاعل مع معطيات المكان والزمان.
ولكل جيل دوره وأثره في صناعة عمارة الحياة , وبموجب التراكم المتجدد تمضي مواكبها ويتحقق البقاء , وتنتفي الإندثارية النكراء.
وفي بعض المجتمعات تصاب الأجيال بالسكتة الحضارية , التي بموجبها تتحرك وفقا لرؤى الأموات , وتتوقف عن الإضافات الحية , مما يتسبب بتنامي أسباب الذبول , ونراه واضحا في معالم الأبنية وغيرها من الشواهد التي أكلها الزمن , وما نالت العناية والإدامة , وهذا ينطبق على مناحي الحياة المتنوعة , ويأتي في مقدمتها العقل الذي أصبح إندثاريَ الطباع والمواصفات.
فهل للأجيال أن تتكاتف؟!!