أن ذبح المدرس الفرنسي من الرقبة بسكين، وكما قتل لاحقا بعد ايام؛ ثلاث من الفرنسيين في مدينة نيس جنوب فرنسا، على مقربة من كنسية نوتردام. ان العمليتين احيلت الى العمل الارهابي اي الارهاب الاسلامي، فيما الاسلام هو دين محبة وتسامح، وهو بعيد كل البعد عن الارهاب، اي هذه البشاعة والوحشية. أن قتل المدرس الفرنسي بوحشية، لا يمت باي صلة الى الانسانية والى روح الاسلام وهذا لا يعني تبرئة المدرس الفرنسي الذي استغل حرية التعبير ليتجاوز بلا ادنى مبرر عقلاني واخلاقي على الرسول الكريم وبالتالي على الاسلام وعلى مشاعر المسلمين. الى هذا، نشير؛ أن الارهاب والذي احيل الى الاسلام في مخاتلة واضحة ومقصودة، ومخالفة تماما لواقع الاسلام وحقيقته وروحه؛ لم يكن ليكون او انه لم يولد من فراغ بلا اسباب وموجهات قصدية وغائية، بل له؛ مداخيل حقيقية هي من قادت الى ما قادت إليه حتى الآن. أن القوى الدولية الكبرى وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الامريكية هي من قامت بصناعة الارهاب، وألبسته جسد الاسلام؛ بدءا بالحرب في افغانستان في بداية الثمانيات وحتى نهايتها؛ في استثمار الاسلام في صراع القوة والهيمنة بين السوفييت والامريكان في ذلك الحين، الذي انتج من لحظة البدء؛ تنظيم القاعدة الراديكالي المتشدد والذي اساء اساءة بليغة للإسلام. وليس انتهاءا (بالربيع العربي) الذي جرى حرف مساره عن خط سيره الحقيقي؛ بفتح جميع الطرق امام التنظيمات الارهابية والتي ليس لها علاقة بالكامل بقطار الربيع العربي الحقيقي، الذي تم تغيره بقطار اخر من صنع غربي وامريكي واسرائيلي؛ ليكون وبالا على شعوب العرب في المنطقة العربية التي ثارت شعوبها من اجل الحرية والحياة الكريمة؛ وليتم به اي القطار البديل؛ تدوير الدكتاتوريات العربية بوجوه جديدة؛ تم (مكيجتها) بطلاء الديمقراطية الكاذبة من ناحية الواقع المعيش على الارض. هذه السياسة هي ذاتها ولو بطريقة ربما مختلفة حسبما يفرضه ظرف الواقع؛ الذي يجري الآن كما كان قد جرى في السابق، العمل بها في البقاع الاخرى من الدول الاسلامية. هذه الاتجاهات او التوجهات الغربية والامريكية والاسرائيلية هي ذاتها في العقود السابقة على الربيع العربي او الخراب العربي ولو ان الاخير كان الخراب فيه بما لا يمكن القياس عليه في الذي سبق من عقود وعقود والتي فيها لم تحدث تنمية حقيقية يؤشر لها بالبنان كما حدث في الصين او في الهند او في دول جنوب شرق اسيا أو في بقية بقاع المعمورة. هذه الدول والشعوب الأخيرة لها، وضع مختلف بالكامل عن الذي جرى ويجري الى الان في بقية دول وشعوب العالم الثالث ومنها الشعوب العربية والاسلامية. (لا ضرورة الى التطرق لها في هذه السطور) أن هذه العوامل مجتمعة هي من جعلت العالم الثالث ( الشعوب العربية والاسلامية) يفتقر الى البنى العلمية والمعرفية اي قاعدة للعلم والمعرفة في حقول الصناعة والزراعة والبحوث وما هو متصل بها أو في هيكليتها البنيوية تأسيسا وانتاجا، بالإضافة الى القهر وتقييد الحريات على منصة التفكير الحر الذي طوق بأسوار حديدية غير منظورة بدعم وحماية من القوى الدولية الكبرى وعلى راسها امريكا والغرب بصورة عامة، وروسيا بدرجة اقل كثيرا. هذا من جانب الانظمة التابعة والذليلة والخانعة، أما من جانب الانظمة الاخرى ولو انها انظمة دكتاتورية، لكنها، من الجانب الثاني، كانت تريد تنمية جدية لمواردها البشرية وايضا او تبعا لهذا تنمية واستثمار ثروات بلدانهم، لكن امريكا والكيان الصهيوني خلق لهم؛ الحروب سواء من كان منها مع الجوار او من كان منها في الداخل. هذا الوضع، دفع الكثير من الناس من الذين ليس لديهم او لا يمتلكون ما هو كاف من خبرة وتأهيل، اضافة الى المؤهلين والنخب، الى الهجرة، وترك اوطانهم؛ كي يجدوا الحياة الكريمة والحياة الافضل، في دول المنافي الغربية وغيرها، القريبة منها في التقدم وتوفير فرص العمل. أن أغلب أو الكثرة الكثيرة جدا منهم؛ كانوا عمال شباب لا غنى عنهم في تدوير عجلة الصناعة، وسياقة جرارات الحراثة والنثار وحصادات القمح، او في الخدمات الاخرى، في دول ليس فيها طاقات شابة بعدد كاف؛ فهم في هذه الحالة اصحاب فضل كبير على هذه الدول، ومنها فرنسا، وليس العكس. هؤلاء تم اسكانهم في الضواحي وفي احياء بائسة، تفتقر الى ابسط مقومات الانسانية ومنها قلة فرص التعليم؛ وانتشار المخدرات والدعارة، مما حدا في البعض منهم في البحث عن الضد النوعي في هذه البيئة الموبؤة. ليكونوا في بحثهم عن السلام الداخلي؛ مادة مناسبة للفكر المتطرف أو بصحيح العبارة؛ المنحرف عن روح وفكر الاسلام، سواء في بلدانهم بدوافع مختلفة كليا عن دوافعهم في بلدان المهجر، لكنها اي هذه الدوافع التي يحملها الناس على اكتافهم وفي نفوسهم وعقولهم بحثا عن الامان والسلام وراحة النفوس، هي عينها في المنفى الاضطراري وفي الوطن. عليه فان الغرب (وفي اول دول هذا الغرب هي امريكا وفرنسا)، مسؤول عن هذا التطرف بالإضافة الى ما سبق الاشارة له؛ اي في اتجاهين؛ حماية انظمة الفساد في العالم الثالث وهنا المقصود، هي المنطقة العربية والاسلامية؛ التي تخنق شباب شعوبها سواء في الحرمان من الحرية او في الحرمان من العيش بكرامة لانعدام فرص العمل بسبب من ان حكوماتهم لم تعمل على تنمية جدية للموارد البشرية فيها وكذلك الثروات؛ لأن هذه الانظمة اداة طيعة بيد الغرب الرأسمالي بشكل او باخر، وفي المقدمة من هذا الغرب، الولايات المتحدة الامريكية؛ بما له علاقة بالاقتصاد الذي لم يكن اقتصادا منتجا اي اقتصادا استهلاكيا بإرادة استعمارية امريكية وغربية، نفعية واستغلالية في آن واحد.. في الاتجاه الثاني حرمان هؤلاء من العيش بكرامة في دول الغرب المتقدم؛ بتحويلهم الى طبقة ادنى منزلة، والتعامل معهم بطريقة غير انسانية؛ ومنها بل في مقدمتها عدم احترام معتقداتهم كما حدث في الصور المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، او في نشر صور كإرتيرية تسيء لرسول المحبة والرحمة بحجة حرية التعبير. عليه فان الغرب المتقدم مسؤول مسؤولية كاملة عن الذي يحصل في بلادهم، وبنفس الدرجة ان لم نقل اكبر منها؛ مسؤولون عن الخراب والدمار في البلاد العربية والاسلامية؛ ومسؤولية اعمق عن الانحراف عن الاسلام الحقيقي بروحه وتسامحه؛ باستثمار روح الاسلام في استراتيجياتهم كما تم في اعلاه التطرق لها باختصار شديد. ان الاصرار على الاساءة الى المعتقدات؛ عملية ليست بريئة ابدا بل ان لها اهداف سياسية؛ تتعدى حرية التعبير. العملية برمتها يراد منها تشويه صورة الاسلام (بعد ما انتجوا ما انتجوا من لوي لروح الاسلام وفكره المتألق، بحرف مساره عن اصله وجوهره؛ في تنفيذ خططهم منذ نهاية سبعينيات القرن السابق والى الآن..)، برسم صورة مناقضة تماما لحقيقة الدين الاسلامي؛ لذا، فهي لها اهداف سياسية بدرجة او بأخرى. الاعلام الغربي، والمؤسسات الغربية؛ تقيم الدنيا وترفعها في الهواء ولا تنزلها؛ وتتركها معلقة هناك، تسبح صورها المكبرة في اثير العالم الافتراضي في السعة المكانية والامتداد الزمني لتصل الى اكبر عدد من الناس في تغطية اعلامية ممنهجة؛ لتشكيل الرؤى والموقف على قاعدة صلبة من السعة في الانتشار والثبات. هذا التوجه الثابت في هذه السياسة لا يستثني منها حتى مواطنيهم من حملة راية الفكر الحر والعادل والمنصف في قراءة التاريخ والاحداث والكينونات التي صنعها هذا التاريخ المزيف في اغلبه. روجيه جارودي فليسوف التاريخ، عندما اكتشف الحقيقة اثناء قرأته المسبارية للتاريخ؛ حقيقة الكيان الصهيوني، في كتابه؛ اساطير الخرافات الصهيونية، هذه القامة الفلسفية العالمية قبل ان تكون فرنسية، عُزل وهُمش بل تمت محاربته.. ان العملية كلها ليس لها علاقة بحرية التعبير بل ان لها علاقة بأهداف سياسية بتوائم مع تأجج النزعات العنصرية في فرنسا والغرب بصورة عامة ..هناك امثلة كثيرة جدا على تعامل الغرب المزدوج أو التعامل بالمعايير المزدوجة في الذي يخص حرية التعبير وحدود هذه الحرية، وتوقفها حين تجرح معتقد الاخر المختلف بل محاربتها وأدانتها وتجريمها ولا تعتبر حرية في التعبير بل تعتبر مس وتخريب لهذا الفضاء من الحرية عندما يتعلق الامر في السامية او في الهولوكوست تشكيكا او بحثا في درجة واقعيتها لجهة السعة والعدد، بينما حين يكون امر هذه الحرية التي لها علاقة بالإساءة الى الرسول الاكرم او في اي امر اخر يخص معتقدات او قناعات او حقوق العرب والمسلمين؛ يكون هنا ان المساس بحرية التعبير امرا يلحق ضررا بليغا بقيم الجمهورية الفرنسية او بقيم الغرب بصورة عامة. في صناعة الارهاب، هناك ثلاثة امور او اوضاع مترابطة ترابطا عضويا لصناعته: – ان الارهاب صناعة امريكية بتخليق بيئة منتجة له..- انظمة فاسدة، مدعومة امريكيا وغربيا؛ فشلت في بناء دول قوية، جعلت منها بيئة طاردة للناس او جعلتهم يبحثون في اوطانهم عن الضد النوعي لهذه النظم الفاسدة..- استغلال حاجة الشعوب العربية للتغيير، في الربيع العربي، بإدخال قوى الارهاب والذي هو في الاصل والاس، صناعة امريكية؛ ليكون بديلا عن ادوات الشعوب بالتغيير. الى ذلك؛ تم ابدال المستهلك من النظم العربية بالجديد منها أو من رحمها وان اختلف هذا الرحم بالتخضير والمغذيات والتوليد، لكن المُنبت والمُولد من ذات الطريق.. ما جعل هروب الناس من اوطانهم يستمر بوتيرة مرعبة، اعلى بأرقام فلكية من السابق. في الخلاصة: ان هذه العوامل بمجملها هي من تم بها صناعة الارهاب، وايضا تم بها الإساءة الى الاسلام بهدف قصدي سياسي.. اي جعل قيم الاسلام وروح الاسلام تتراجع في النفوس والاذهان على الامد المتوسط وحتى المنظور ولو بدرجة اقل حاليا، لكن الاستمرار على هذا النهج من دون ايقافه والتصدي له؛ قد يصل الى الغاية في اعادة صياغة المجتمعات العربية والاسلامية، في السياسة والثقافة وما له ارتباط بالاثنين من علائق اخرى كثيرة، ومن ثم وبالنتيجة اعادة تشكيل الاوطان العربية حصريا، بحجة انعدام الحلول الا هذه الحلول.