الجميع يعرف قبيلة المنتفك وفرعها الرئيس آل السعدون، ولشيوخ هذه القبيلة كثير من العبيد واولاد العبيد، وكان الشيخ منهم اذا ارسل ولده الى المدرسة او الكتاتيب يرسل معه عبدا صغيرا في سنه، ووظيفة هذا العبد الصغير ليست المحافظة على ابن الشيخ، بل ان وظيفته تحمل ضرب الاستاذ عندما يخطىء ابن الشيخ، فمثلا اذا اخطأ فالح بك السعدون في القراءة لايتجرأ الاستاذ او (المله) على ضربه، بل يأمر فورا فالح بك غلط اطرحوا العبد مرجان للفلقة، واذا اخطأ مزعل بك السعدون في الهدوء صاح المله: مزعل بك سوه وكاحه اطرحوا فيروز تحت الفلقة، وياليت شعري نحمل اوزار من ايها الشعب الذي يدعو للضحك؟ من المؤكد اننا نحمل اوزارهم، اوزار المسؤولين وابنائهم، نتحمل اخطاءهم في الامن وفي النزاهة وفي الفساد، واخطاء اخرى كثيرة، المحير في الامر اننا صامتون، لماذا لان الحكومة شيعية، ولان الحكومة لم تفعل شيئا للشيعة كما لم تفعل لباقي مكونات الشعب العراقي، على الشعب ان يدع الصمت جانبا.
كل 4أعوام كان يحمل هويات ابنائه ويصطحبهم وسط الزحامات، الى اين ابا علي؟، ساذهب للانتخابات، علينا ان نختار، وبعد ان فقد احد ابنائه بانفجار والآخر غادر العراق هاربا، التقيته بالصدفة، قلت له هل ستذهب للانتخابات؟ فقال: نعم سأذهب، ولكن لامزق البطاقة الانتخابية، ضحكت كثيرا، قلت له والفتاوى، فرد علي” بحزن شديد: لم يفقد اي واحد منهم ابناءه مثلما فقدت، لاطفته لازيح الغمامة عن صدره، ومسحت دمعته التي اخضلت منها لحيته، نعم يا ابا علي لم يفقد احد منهم ابنا او اخا او بنتا صغيرة عادت من المدرسة على خشبة مسجاة والدماء تملأ صدريتها الزرقاء، لم يشعر احد منهم بحجم المأساة التي نمر بها، نسير في شوارع بغداد، وكأننا نسير في حقل للالغام، حتى حقول الالغام كنا نستطيع ان نتعامل معها بحذر ومعرفة، لكن ماذا نفعل للعبوات المجنونة، وماذا نقول لاجهزة السونار الغبية، هذا هو الوطن يا اباعلي، موت يتبعه موت ويتم وثكل وفقد، هذا هو الوطن للفقراء، لكنه جنة في الخضراء يا ابا علي، مقاولات وصفقات ونساء وسفرات.
عدت حزينا متضامنا مع ابي علي، وقررت ما قرره ابوعلي، وانا وسط كومة احزاني التي اضفت اليها احزان ابي علي، التقيت صديقا ركب الموجة وهرول نحو المنصب والجاه، وتنقل من حزب الى حزب ليبحث عن اللقمة الاكثر دسومة وهناء، ترجل من سيارته التي لا اعرف حتى اسمها، وبعد السلام والحماية تحيط بنا من كل جانب، سألني: (انشاء الله ماكو شيوعيين هالمرة اعتيادي راح تنتخبنه)،ابتسمت بوجهه ابتسامة دعوت اليها منذ زمان لتكون تعويضا وبديلا عن البكاء والدموع، ومضيت دون ان اودعه، هذا الحال سيستمر اذا ما استمر الشعب المسكين يمتثل لطلبات هؤلاء، وصدقاتهم عليه من امواله وثرواته، انهم يتصدقون علينا من اموالنا، وقفت بمنتصف الزقاق وصرخت بصوت عال: سأمزق بطاقتي الانتخابية، فمن منكم سيمزق بطاقته.