رغم تفاوت اللحظات الصادرة من عقارب ساعة ” جرينتش” مع عقارب ساعة مدينتي، الا انني انتظر كل ليلة بعد المنتصف ما تنشره الصديقة “هديل” على حسابها الازرق من موسيقى رائعة، مصحوبة بشيء من الامل والكلام الجميل، حتى اصبحت هذا الموسيقى او هذا الكلام كحبة مهدء اقرها طبيبي الخاص لاتناولها كل يوم قبل النوم..! هديل التي تنتمي لمحل ولادتي.. والتي تشبهني الى حد كبير في الموسيقى، ابنة النهر..! فكلانا ولد على شواطىء الماء ومن هدوءه تعلمنا اولى النغمات الموسيقية الهادئة التي تنحدر من اعلى المسامع الى اقصى الروح.. وهل رأيت يوما موسيقى تجري مع الدم..!
في ليلة ما ودون اي موعد للاتصال، اتصلت..! كان صوتها الطفولي يوحي الي بكلام منزل من السماء.. حتى انها كانت تحدثني بصيغة الجمع وكأنها تتلو عليّ ما تيسر لها من يقين . شعرت وهي تحدثني بصيغة الجمع، ان جميع الناس متساوون لديها، وانها تقف على مسافة واحدة من الكل، كرجل دين قرر في لحظة ما مع ربه ان لا يستمع الا لصوت الاذان الذي يناغم روحه كموسيقى الفجر .
صيغة الجمع هذه لم تزعجني كثيرا، فأنا احب كثيرا نزول الوحي على مسامعي عند اخر النهار..! واحب ايضا ان اكون الكل معها، لان في موسيقاها اختيار للكل..!
في هذا اليوم كنت اقلب في حاسوبي المحمول بعض ملفات عملي.. واذا بملف فيديوي فيه اغنية تراثية بصوت الرائع ” كاظم مدلل” وهو يأن على من فارق اضلعه منذ سنوات ( واتمنه بيه.. كون المرض مابيك واتمنه بيه) مع ايقاع هذه المفردات هنالك امرأة تحرك تفاصيلها بنسق عالً مع انغام موسيقى “المدلل” وكأنها تحاول بأقدامها رسم لوحة شرقية على بساط ريفي وسط الصحراء..! كانت كلما حركت جانب اوجعت قلب المدلل فيعلو صراخه ويشد وتر عوده اكثر..! فقلت مع نفسي لو سمعتها تلك اللندنية مرة، قبل ان تغفو ويغف متابعيها على مقام النهاوند.
يا سيدتي اللندنية” جميعنا متساوون في الموسيقى وفي الحزن وفي الحب.. ننقض على سماع الموسيقى كمن ينقض على فريسته فنأخذ منها ما نريد حد الاشباع.. هكذا نحن معجونون بالفن وبالموسيقى..!