23 نوفمبر، 2024 1:25 ص
Search
Close this search box.

عزيز محمد شيوعيـة بـلا جنـاح: الاستعبار والاستبصار

عزيز محمد شيوعيـة بـلا جنـاح: الاستعبار والاستبصار

الحلقة الثانية عشر
“ليت لي رقبة كرقبة البعير كي أزن الكلام قبل النطق به”
الإمام علي
وثائق
استكمالاً لهذه الإطلالة التقويمية الموسومة “عزيز محمد- شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار” ننشر وثيقة محورية وجهها عامر عبدالله ونوري عبد الرزاق إلى عزيز محمد بعد حوارات مطولة معه ، وفيما يلي نص الوثيقة:
وتعكس هذه الوثيقة الحياة الداخلية للحزب التي شهدت توترات ونزاعات واستهدافات وتسلّطاً واستقواءً ، وسأكتفي هنا بالإشارة إلى كتابين الأول للرفيق رحيم عجينة ” الاختيار المتجدد” الصادر عن دار الكنوز الأدبية في بيروت، 1998، والثاني للرفيق آرا خاجادور ” نبض السنين ” الصادر عن دار الفارابي ، بيروت، 2016، ولم يكن كلاهما من المساهمين في المعارضة الداخلية، بل أن خاجادور كان أحد المخططين للمؤتمر الرابع والمتحمسين لنتائجه وذلك قبل اختلافه وتنحيته في العام 1989، لأنهما يعرضان وقائع صادمة عن الاستهانة بالعلاقات الرفاقية والاستخفاف بمصائر الرفاق وعن محاولات الاستتباع والهيمنة التي لم يحرّك الرفيق عزيز محمد ساكناً في مواجهتها، ناهيك عن قضايا أخرى. كما يمكن الاطلاع على المذكرة التي وجهها عامر عبدالله ونوري عبد الرزاق إلى الرفيق عزيز باسم مجموعة من الرفاق لكي تكتمل الصورة.
مذكرة عامر عبدالله ونوري عبد الرزاق إلى عزيز محمد

إلى الرفيق عزيز محمد المحترم
تحية رفاقية حارة،
استكمالاً للحديث الذي أجريناه في براغ مؤخراً، ولغرض مساعدتك على عرضه على الرفاق في ل.م. وبعد استعادة مضامينه الرئيسية واستعراض وتدقيق الأوضاع في حزبنا، وجدنا من الضروري أن نضع أمامك سجل تصوراتنا لهذه الأوضاع ومسبباتها وظروفها، والصعوبات التي يواجهها الحزب حالياً، وما نقترحه من حلول لتجاوزها، واستعادة وحدة الحزب على أسس مبدئية، ونهج سياسي صحيح.
لقد تعرّض حزبنا في السنوات الأخيرة- كما تعلمون- وفي الفترة الراهنة خاصة، إلى انتكاسات وخسائر جسيمة، وإلى تصدع في وحدة الحزب، وصراعات وأجواء لا مبدئية، بأوضاع مؤسفة تعود (في رأينا) وفي مجمل أسبابها ومسبباتها إلى:
أولًا- ابتعاد الحزب عن ساحة عمله الرئيسي داخل الوطن ولاسيما في المنطقة القريبة من العراق، وإقصائه من ميدان التفاعل والعمل بين الجماهير الشعبية، إلى جانب ظروف النضال الشاقة التي اقترنت بحملات متواصلة ومشتدة من القمع والتنكيل والملاحقة ضد الشيوعيين بأنصارهم وحلفائهم والمواطنين الأكراد بوجه خاص.
ثانياً- اعتماد بعض التوجهات والمواقف السياسية والتكتيكات الخاطئة، التي ألحقت بالحزب ضرراً بليغاً، كانت موضع خلاف داخل هيئاته وبين أعضائه في مراحل مختلفة، وخاصة ما يتعلق منها: بالموقف من الحرب مع إيران، في ظروف الاجتياح العسكري والتهديد المعلن بـ غزو العراق، وباختيار الكفاح المسلح أسلوباً رئيسياً في النضال والمجابهة مع الجيش العراقي، وبسلوك نهج في التحالفات والعلاقات أفضى إلى إضعاف استقلالية الحزب بالانتقاص من إرادته الحرة.
ثالثاً- تفشّي وتفاقم بعض الظواهر الغريبة في حياة الحزب الداخلية، فضلاً عن العديد من الاختلالات في المقاييس والقيم التي تتناقض مع المبادئ اللينينية، والقيم الاجتماعية، وتقاليد التضامن الرفاقي بين الشيوعيين.
رابعاً- اتخاذ إجراءات تنظيمية جائرة ضد العديد من العناصر القيادية الكفوءة وذلك في سياق نهج متسرّع وأساليب بيروقراطية، تفتقر إلى الشرعية وتتعارض مع المبادئ الديمقراطية، مما أدى إلى التفريط بطاقات وخبرات كان الحزب وما يزال بأمس الحاجة إليها.
لقد آلت هذه المواقف والإجراءات – كما تعرفون- إلى تصدع في كيان الحزب، وإلى إضعاف دوره في حركة شعبنا، والتأثير على مكانته الوطنية وسمعته في الأوساط العربية والدولية، كما أضعفت بالتالي من قدراته السياسية، الفكرية والتنظيمية.
وقد ساهمت هذه الأوضاع بمجملها، في إشاعة التوتر وردود الفعل، الذي أسفر بدوره في تبلور وبروز حلقات ومحاور، ومواقف واجتهادات بين مجاميع الشيوعيين الذين تعرضوا للتنكيل. وفي ظل هذه الظروف والأجواء، بادر العديد من هؤلاء الشيوعيين إلى المجاهرة بآرائهم وانتقاداتهم للخط السياسي الخاطئ الذي كرّسه (المؤتمر الرابع) والإجراءات التنظيمية المجحفة التي اتخذها ، وذلك من خلال بعض البيانات والنشرات أو الرسائل إلى الأحزاب الشقيقة، ولكننا نقول بصراحة، لا بمنطق المتظلم والتبرير، بل من منطلق الصدق والقناعة، وبالاستناد إلى الكثير من الوقائع التي تعرفونها، بأن الأجواء التي سبقت (المؤتمر الرابع) أو تلك التي عاصرته أو أعقبته كانت مشحونة بالمناورات والأساليب التحريضية وانعدام الشعور بالمسؤولية؛ وفي اعتقادنا أنه كان بالإمكان معالجة كل هذه الأوضاع لو خلصت النوايا وأقصيت الضغائن، ونزعات الهيمنة، وتصفية الحسابات.
ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل للأسف.
فبدلاً من اعتماد المنهج اللينيني في التحليل والاحتكام إلى الواقع ورسم البرامج والأهداف، وبدلاً من المبادرة إلى تحديد وتسبيب بعض المواقف السياسية والأساليب التكتيكية الخاطئة، من خلال المشاورة والإصغاء إلى الآراء المخلصة والحريصة على سلامة الحزب وصواب نهجه، تواصل الإصرار على ذات النهج الخاطئ باللجوء إلى المكابرة والتبرير والإنعزالية المقرونة بالجمود وضيق الأفق ويضعف الحصانة إزاء الضغوط الخارجية.
وبدلاً من تحكيم مبادئ الديمقراطية، والعدالة إعادة النظر بالتدابير المجحفة، التي تعرض لها العديد من الرفاق المخلصين، وبدلاً من المبادرة لمعالجة وتدارك ظاهرات التفتت في كيان الحزب، وتصفية الظواهر الغريبة في حياته الداخلية بروح الحرص على وحدته وتلاحم صفوفه، جرى التمادي في ما يناقض ذلك كله، وخاصة في ما يتعلق بتصعيد حملة القمع والإقصاء والطرد، ومواصلة التأليب والتشهير، والإتهام بـ” التخريب” وبالكلل ووهن العزائم… وما إلى ذلك من طعون مهينة، ما أدى إلى تسميم أجواء العلاقات الرفاقية، وانعدام روح التضامن بين الشيوعيين والتحريض على النظام، الأمر الذي ساهم في تعميم ظاهرات التفكك والانشقاق في صفوف الحزب وبالطبع، لا يمكن للحزب في وضع كهذا أن يتعامل بصواب ومقدرة مع الأوضاع العسيرة والمعقدة إبان الحرب، وخاصة إثر اقتحام إيران الأراضي العراقية، كما لا يستطيع، بداهة، أن يتعامل بجرأة وكفاءة، وبرصانة ومبدئية مع الأوضاع والظروف المستجدة في بلادنا في فترة ما بعد الحرب إذا لم يكن موحداً في النهج والموقف والكيان التنظيمي.
وفي اعتقادنا، فإن الوضع الراهن لحزبنا وحركتنا الوطنية، ومتطلبات الوضع الحالي في بلادنا، تستدعي بإلحاح، عمل كل شيء من أجل استعادة وترسيخ وحدة الحزب، وتلك مهمة خطيرة وملحة ندعو للنهوض بها، بصفوف موحدة .
إن تحقيق وحدة الحزب وتلاحم صفوف الشيوعيين، والعمل الموحد لاستعادة دوره الفاعل في الحياة السياسية للبلاد، هو مهمة جليلة ومشرفة، سيتحمل المتهاونون أو المفرطون بها مسؤولية كبرى أمام الشعب والوطن، ونحن نقترح، من أجل المباشرة بأداء المهمة التاريخية: تكوين هيئة عمل مؤقتة من الرفاق المؤهلين فكرياً وسياسياً بصرف النظر عن عددهم، على أن تبدأ عملها فوراً، ونقترح، مبدئياً، أن تناط بهذا الفريق مهمتين ملحتين:
الأولى: وضع وثيقة سياسية مركزة تتضمن الأهداف والمهمات الآنية والملحة التي تواجهها بلادنا حالياً، وتنسجم مع أهداف وتطلعات شعبنا في الظرف الراهن، وخاصة ما يتعلق بإنجاز التسوية السلمية الدائمة والعادلة مع إيران، واقتراح الحلول المناسبة لمعالجة عواقب ومخلفات الحرب، وحل القضية الكردية والمسائل المتعلقة بالحريات الديمقراطية، والبناء الاقتصادي والاجتماعي، وتقويم النهج السياسي للبلاد.
الثانية: تدارس إمكانية التعامل مع الأوضاع المستجدة في بلادنا في فترة ما بعد الحرب وذلك من موقع واحد، وموقف واحد وبضمنه الاتفاق على الأساليب والوسائل التي تضمن استعادة الحزب إلى ميدان عمله الرئيسي بين الجماهير.
ولكي يتم تحركنا نحو الهدف بالواقعية والمبدئية، وبالجدية والجدوى، نرى ضرورة المباشرة بما يلي:
أولا- اعتماد مبدأ النقد والنقد الذاتي الصادق والجريء لمعالجة كل الأخطاء السياسية والاختلافات التنظيمية ، مع الاحتكام إلى إرادة كل الشيوعيين بوضع كل كالوثائق والحقائق تحت تصرفهم إذا اقتضى الأمر.
ثانيا- وقف إصدار الصحف والبيانات والنشرات واستعادة مركزية الإعلام الحزبي وفق المنهج الذي يتم الاتفاق عليه وإناطته بعناصر كفؤة تتسم بسعة المعرفة والخبرة، والسجايا الأخلاقية الرفيعة، وعدم السماح باستخدام الإعلام الحزبي أداة في التنديد والتأليب والتحريض على الانقسام وتسميم أجواء العلاقات الحزبية.
ثالثاً- إجراء معالجة أولية لسياسة الحزب في السنوات السابقة، بهدف تعديل وتصويب مواقفه، مع المباشرة بتنقية أجوائه الداخلية وترسيخ مبادئ الشرعية والديمقراطية وروح التضامن الرفاقي في صفوفه.
رابعاً- إعادة النظر بقرارات الفصل والطرد والإقصاء، واستعادة جميع الشيوعيين المخلصين إلى أحضان حزبهم، مع عرض ما قد يتم من قرارات بهذا الشأن على المؤتمر القادم للحزب للمصادقة عليها، أو تعديلها أو رفضها .
خامساً- تدارس إمكانية عقد للكونفرس الرابع للحزب في أقرب فرصة ممكنة، لمناقشة وإقرار ما سبق من توجهات وإجراءات، وتخويله حق انتخاب اللجنة المركزية والإعداد لـمؤتمر جديد.
هذا، وبالنظر إلى أن حزبنا يعيش أوضاعاً غير طبيعية – كما تعرفون ويعرف جميع الشيوعيين- فإننا نعتقد أن تحقيق كل ما سبق يتطلب البدء بتوفير أجواء صحية للعمل، من خلال تطهير ومعاناة أجواء الحزب الداخلية- وذلك من خلال :
تطبيع العلاقات بين جميع الرفاق وإحلال روح التعاون والحوار، محل المشاحنة والجفوة والمقاطعة الاجتماعية وما إليها من مبتكرات ذميمة.
وقف الطعون المتبادلة، والتشهير المغرض، والصراعات اللّامبدئية، وتصفية كل أساليب الرصد والوشاية، وإشاعة جو الثقة المتبادلة بين الشيوعيين.
معالجة الظاهرات المتفاقمة للنزعات القومية، واستعادة الالتزام بمبادئ التآخي القومي والروح الأممية لتعزيز التضامن والمساواة بين العرب والأكراد وأبناء الأقليات القومية، ونبذ مظاهر الاستعلاء القومي والتمييز الديني والمذهبي.
ترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية في التعامل والعمل، وتصفية مظاهر التملق والمسايرة والتخضع والتكيف، والولاءات الشخصية والدينية والطائفية، ونزعات الارتزاق والوصولية.
إقصاء مظاهر الاستعلاء والتسلط والغطرسة والضغائن وميول الانتقام وتصفية الحسابات من حياة الحزب، ونبذ أي شكل من أشكال المناورات والمحاور والتواطؤ لدى رسم السياسات أو اختيار القيادات أو توزيع المسؤوليات.
اعتماد معايير الكفاءة والمعرفة والثقافة والتجربة السياسية والتكوين النظري- الى جانب السجايا الثورية والسمات الأخلاقية والإنسانية والتوازن النفسي والعلاقة الحميمة – أساساً في اصطفاء وتقديم الكوادر والقيادات.
التقديم المتواصل للعناصر الكفؤة والواعدة من الشباب والنساء إلى المواقع والمسؤوليات الحزبية، وإنهاء ميول التشبث بالمواقع القيادية، بتحديد فترة إشغال هذه المواقع بما لا يتجاوز دورتين انتخابيتين للمؤتمر الوطني.
وضع نظام لرعاية وتكريم قدماء المناضلين، والاستفادة من خبرتهم، وإشراكهم في حياة الحزب، مع وضع حد لمحاولات عزلهم ولأساليب التطاول عليهم أو الانتقاص من قدراتهم وتضحياتهم، أو محاولة إذلالهم.
رد الاعتبار إلى مبادئ الشرعية والديمقراطية والعدالة وخاصة ما يتعلق بالمحاسبات الوجاهية والأصولية، ووقف أساليب المحاسبات والعقوبات الغيابية.
إطلاق حرية النقد والمجاهرة بالرأي والموقف، واستنطاق الساكتين واللّامبالين، ومطالبة من يلجأ إلى قمع النقد، وتصفية مظاهر التوجس والخوف، وأساليب الإغواء والوعيد، مع توفير الضمانات الديمقراطية لحياة حزبية صحيحة، يسودها الانضباط الواعي، والالتزام المبدئي والأخلاقي.
تحرير إرادة الشيوعيين بإعتاقهم من صعوبات الغربة، وإخراجهم من دائرة الإذلال والمحاصرة، وإنهاض هممهم وإطلاق طاقاتهم، وتحكيم مبدأ المساواة والإنصاف والرعاية في التعامل معهم.
وذلك من أجل توحيد قوى الحزب كلها وفقاً للمبادئ اللينينية في التنظيم والقيم الأخلاقية في التعامل ومن أجل تحقيق وحدة الحزب واستعادة دوره النضالي الفاعل بين جماهير الشعب، باعتماد نهج سياسي صائب، وأساليب نضالية صحيحة، تتناسب مع تطورات الوضع ومستجدات العصر، من أجل: إقرار خطة عمل صائبة، وشعارات واقعية تتناسب مع استعداد الجماهير، وتنسجم مع أماني الشعب، وتخدم مصالح الوطن.
هذا، ونرجو عرض هذه الرسالة على الرفاق أعضاء اللجنة المركزية في أول اجتماع يعقدونه، آملين مناقشتها بجدية وحرص، بغية الوصول إلى نتائج إيجابية تخدم مصلحة حزبنا وشعبنا.
مع أطيب التحيات وفائق التقدير
نوري عبدالرزاق- عامر عبدالله – براغ في 8 آذار 1989

أحدث المقالات

أحدث المقالات