الى أستاذي.. الذي علمني كتابة التاريخ بمهنية وحيادية وصدق وأمانة.
الى استاذي.. البروفيسور وميض عمر نظمي.
ـ السلام عليك يوم ولدت.. ويوم رحلت عن هذه الدنيا الفانية.. ويوم تبعث حياً.. إن شاء الله.. في جنات خالداً فيها.. فهذا مكان العلماء الأمينين في علمهم ومسيرتهم ووطنيتهم.. حت الله تعالى ذكرهم في آياتٍ كريمة عديدة.
ـ أستاذي الفاضل الدكتور وميض عمر نظمي: عرفتكً من ستينيات القرن الماضي.. مناضلاً شجاعاً.. عربياً.. وعراقياً مخلصا لبلده العراق.. ووطنه الكبير الوطن العربي.. وفدائيا شجاعاً ضد الصهيونية وإسرائيل.. وعقلية علمية ماركسية بإطارها القومي.. إن صح التعبير.
ـ عرفتكً شخصياً عندما قبلتُ أنا في الدراسات العليا العام 1975.. ولم يكن القبول في تلك السنة على أساس حزبي.. بل على أساس المعدل والدرجات.. فكان اسمي الأول في صفحة القبول.. وكنتً أنت رئيس قسم الدراسات العليا.. في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد.
ـ عرفتك علمياً حقيقياً.. فالعلم عندك لخدمة الوطن.. والشعب.. والتطور.. والرفاهية.. ولا غير ذلك!!
ـ عرفتكً متواضعاً.. ككل علماء العراق والعالم الحقيقيون.. لم تتقبل المناصب التي حاولوا بها شراء ذمتك.. بل رفضتها كلها.. بأسلوبك الهادئ العنيد.. ومهما حاولوا.. بقيتً أنت الشجاع.. مرفوع الرأس.
ـ عرفتكً ترعى الطلبة صغيرهم وكبيرهم.. لا تفرق بينهم.. عرفتكً تربويا يشيد به زملاءه وطلابه.
ـ عندما جئتكً.. وأنا في حيرة من أمرني عن موضوع رسالتي.. وطرحت لك موضوعين.. قلت لي: اكتب عن الأحزاب السرية في العراق في العهد الملكي حتى قيام ثورة تموز 1958.. لكنكً اعتذرت في البداية على الإشراف على رسالتي.. ومن ثم قبلتً.. بعد أن اقتنعتً بأنني كد الموضوع.. إن صح التعبير.
ـ كنتً سيدي واستاذي وملهمي.. عندما طلبوا تغيير موضوعي.. فقلت لا تخشى شيئاً.. يبقى موضوعك نفسه.. فقط نغير العنوان.. وهو ما تم!!
ـ أستاذي الكريم: كان الامتحان الأكبر عندما قدمتُ لك البحثين الأولين عن رسالتي.. فبعد أسبوعين جئتكً.. فقلت ليً بحزم: وما زالت كلمتك ترنُ في أذني.. وأنت توصيني:
(كن أميناً في كتابتكً.. وتضع جانباً أحكامك المسبقة أو رأيك.. سواء كنتص مؤيداً أو معارضاً.. وان وجدتً رأيين مختلفين عن حقيقة أو حادثة معينة أكتب الرأيين.. ولا ترجح أحدهما على الآخر إلا بالحقائق الملموسة.
ـ أتذكركً أستاذي الجليل كل يوم.. وكل ما أبدأ بكتابة مقال أو دراسة أو حتى في كتابة منشور.. أو ترجيح رأي لأنني معه أو إخفاء رأي لأنني أختلف معه.. فحصلت على مرتبة الامتياز في رسالتيً “الماجستير والدكتوراه”.. مع التوصية بطبعهما على حساب جامعة بغداد.
ـ وعندما أصبحنا أصدقاء.. والتقيكً خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية كانت آراءك سديدة.. أتذكرك.. وأنت تقول أخاف على العراق أن يدمر بعنجهية الحكام.. وملامح وجهك كانت يقينية في انه سائر نحو التدمير.
ـ أستاذي الفاضل: تميزكً إنكً أحد أبرز الأكاديميين العراقيين.. أستاذاً.. وباحثاً موسوعياً في مجالات الحقوق.. والعلوم السياسية.. والتاريخ السياسي المعاصر للعراق.
ـ كثيرة هي المناصب التي عرضت عليك.. لكنك كنتً تعتذر بأدب مصراً على عدم تسلم أي منصب.. فانت كنت سبقاً لزمنك.. وتعرف ماذا يريدون من منحك المناصب العليا!!
ـ أستاذي الفاضل.. العراقيون لا ينسون مواقفكً.. فكنتً في طليعة الشخصيات الوطنية والقومية التي وقفت ضد الحصار والعدوان الثلاثيني الظالم على بلدنا 1991.. حين ترأست اللجنة العربية للتضامن مع الشعب العراقي بوجه الحصار.. ففي الوقت الذي كانت المعارضة العراقية في الخارج تنعق ليل نهار بتشديد الحصار على العراق.. ولم يميزوا بين النظام والشعب.
ـ أستاذي الفاضل.. رفضتً بإصرار الدكتاتورية.. وبقيت تبشر بالديمقراطية والتعددية.. ومورست ضدك اقسى الأساليب من سجن وتعذيب ومطاردة وتغريب.. وكل هذا لم يمنعك في الاستمرار في أداء رسالتك.
ـ وعندما وقع الاحتلال البغيض.. كانت أول الرافضين له.. وعملتً كل ما بوسعهدك من نشاط على المستوى الجماهيري والكتابة لمحاربة هذا الاحتلال البغيض.
ـ كنتً أنت أهلاً للوقوف الى جنب شعبكً.. فوقفت ككل الرجال الميامين مقاتلاً من أجل جلب لشعبك الدواء من كل مكان.. ليعش الإنسان العراقي.. ليتعافى المريض.. بلا ثمن.. ونجحت في المهمة نجاحاً باهراً.. ولم تكل أو تمل.. بل كنتً بوحدكً خلية نحل متكاملة.. ولم تتوقف حتى عندما كنتً مريضاً.
ـ ساهمتً أنت منذ اللحظات الأولى للغزو والاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003 في معظم الجهود الوطنية التي سعت بإخلاص لمواجهة الاحتلال والعملية السياسية.. وظل حلمكً بناء جبهة وطنية عراقية شاملة في العراق بجهد متميز.. لدعم المقاومة الوطنية الباسلة ومناصرة أحرار العراق في كل المحافل الوطنية والقومية والدولية.
ـ التقيتكً أستاذي العزيز ونار الحرب الطائفية العام 2007 تتأجج أوارها في كل شارع من العراق.. فقلتً أنت كلماتك الحازمة.. “تموت الطائفية ويحيا العراق”.. وقلبكً يعتصر دماً على العراق.
ـ وبرغم مرضكً.. كنت أنت مريضاً أيضاً على العراق.. وكيف ينحدر شعبنا في الطائفية.. ولا من عاقل في الحكم.
ـ أستاذي الجليل.. وأنا هذه الأيام منشغل في تأليف كتابي الجديد (شخصيات العراق الديمقراطي).. ما أحوجني لكلماتكً.. وآراؤكً الوطنية السديدة.. وما زالت كلماتكً ونصائحكً ليً نبراساً في طريقي البحثي.. والعلمي.. والعملي.. لخدمة وطني العراق وشعبي الجريح.. الذي لم يتوقف دمه يسيل منذ 50 سنة.. إلا إن كلماتكً مازالت ترنُ في أذني.. عندما كنتً تقول: “يبقى الشعب.. ويرحل الآخرون”.
ـ نعم.. يا أستاذي الشعب العراقي.. بدأ يعي ما هو المطلوب منه.. لكن الطريق شاق.. شاق وطويل.. والأعداء وخدمهم والفاسدين كثيرون.. ولا يهمهم الشعب.. بل تهمهم.. أنفسهم كصدام وزبانيته.
ـ أستاذي العزيز: نحن في أدق مرحلة اليوم.. أما الشعب أو الأعداء.. أما الوطن أو لا وطن.. اما التحرر والسيادة الكاملة.. واما الاحتلال بكل صيغه السياسية والاقتصادية والاجتماعية!!
ـ أستاذي الفاضل.. غادرتنا إلى جوار ربكً يوم الثلاثاء 11/10/2016.. وأنت تحمل هًم العراق معكً لقبركً.
ـ رحلت سيدي.. وأنت تشعر بالأمل وبقدرة العراقيين على دحر الاحتلال.. والتخلص من توابعه الكارثية ومن المتعاونين معه.
ـ غادرتنا.. يا أبرز الشخصيات الوطنية العراقية.. أحقاً أستاذنا الدكتور وميض عمر نظمي يغادر العراق.. والألم يقتله على وطنه.
ـ أبكيكً يا أستاذي.. مثلما أشمخ وافخر بكً.. ومثلما يشمخ بك كل العراق.. وكل شعب العراق.. وكل علماء العراق.
ـ وأكرر ان للعلماء الحقيقيون الوطنيون مكاناً خاصة في جنات ربنا.. هنيئا لك سيدي.. وهنيئاً لكل علماء العراق الحقيقيون.. الذين نذروا علمهم وانفسهم للعراق.
ـ ربي وَسع رحمتكً على أستاذي الجليل وميض عمر نظمي.. وأنت أعلم كم خدمً من أجل العراق والعلم والعلماء.. وأنت أرحم الراحمين.
طالبك.. الذي كنت تسميه: (ايها الشجاع.. ايها الهادي.. كن هاديا بعلمك لخدمة العراق).