منذ سنوات ، لم يخلو يوما من حديث الكثير عن الوظيفة العامة من حيث الترهل والزيادة غير المنضبطة بعدد الموظفين ، لحد إن بعض ( الخبراء ) يذكرون إن معدل وقت عمل الموظف العراقي الواحد لا يزيد عن 8 دقائق او 17 دقيقة في اليوم ، ولا نعلم كيف يروجون لهذه الأرقام ومعالي وزير التخطيط الحالي يقول علنا بان أية جهة رسمية بما فيها المالية والتخطيط ليست لديها معلومات على وجه الدقة عن عدد الموظفين في الدولة ، وقد بادر مجلس الوزراء الحالي في جلساته الأولى للطلب من جميع الجهات في البلاد لتزويده بمعلومات عن هذا الموضوع إلا إن نتائجه لم تعلن بعد للجمهور ، وبسبب هذا الغموض فان الاجتهادات عديدة بخصوص العدد الحقيقي للموظفين الذين يستلمون الرواتب فعلا من الحقيقيين والفضائيين ، فالبعض يقول إنهم اقل من 4 ملايين والبعض الآخر يعتقد إن عددهم قرابة 6 ملايين ومعظم التخمينات لا تميز بين الموظفين العسكريين والمدنيين أما خشية من زعل البعض او لأنهم يتم تعدادهم كموظفين ماداموا يشكلون نفقات واجبة التمويل من الموازنة الاتحادية ، وقد يعتقد من يعتقد إن هذا الكلام مردود لان قوانين الموازنة الاتحادية التي تصدر كل عام تحتوي على جداول مرافقة ومنها جداول الملاك حسب الدرجات الوظيفية في وتشكيلات الدولة لكل البلاد ، وهو كلام فيه نوع من الموضوعية ولكنه ليس بمستوى الدقة المتوقعة والثبات لان هناك جهات تقوم بالتعيين بأجور يومية او عقود او على الملاك دون علم وزارة المالية المختصة بحركة الملاك فهي تفرض أمرا واقعا يتم تصحيحه فيما بعد ، وكما يعرفه الكثير فان التوسع بعدد الموظفين لا ينبع من احتياج فعلي للأعمال والمهام مما يوجد موظفين غير قادرين على إنتاج رواتبهم شهرا بشهر او على خلال السنة المالية ، وأسباب التضخم غير المبرر معروفة للجميع فمنها لدواعي انتخابية او ارضاءا للمكونات واغلبهم يتعينون بطرق شتى منها ( المحسوبية والمنسوبية والوساطة ، التحزب ، الفساد الإداري والمالي ، الاستحقاق ، ضربة الحظ ) ، ولا يملك أحدا مطلقا نسبا محددة عن هذا الموضوع لأنه يتم من خلال الوزارات ودوائرها او المحافظات او الجهات غير المرتبطة بوزارة ، مما يشير إلى وجود فوضى حقيقية في التعيينات يدفع ضريبتها الجميع ، فالدولة ملزمة بدفع رواتبهم والإدارات ربما يصعب عليها التمييز بين الكفوء والكسول والمواطن قد يقع تحت ضغط الفساد لان الموظف تعين مقابل مال مدفوع ، والمشكلة إن معظم من يتعينون يتم تثبيتهم بالوظيفة بعد تقييم روتيني ويستحقون الترفيعات والعلاوات بمواعيدها حالهم حال المخلصين ، وتقييم الأداء عموما هو عبارة عن توقيعات وتطوير كفاءة الموظف بالتعلم والتدريب متروكا له لكسب الامتيازات .
وفي بلد يضم هذا العدد الكبير من الموظفين وتشكل فيه الرواتب أكثر من نصف النفقات التشغيلية ، فان عدم وجود مجلس للخدمة ينظم شؤون الوظيفة العامة من التعيين للتقاعد يعد خيانة للوطن ومخالفة صريحة ترتكب ضد الدستور، ولكنها لا تشكل خيانة او مخالفة عندنا لان الحكومة قدمت مشروع قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي ، وقد ناقشه مجلس النواب أصوليا وتم إقراره والمصادقة عليه بموجب القانون رقم 4 لسنة 2009 الذي اعتبر نافذا من 6/6/2009 أي بعد مرور 60 يوما عن تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) بعددها 4116 في 5/4/2009 ، ولكن هذا القانون بقي نائما في الأدراج بحجة عدم تسمية الرئيس والنائب والأعضاء السبعة لمجلس الخدمة نظرا للاختلاف على طريقة التوازن في توزيع ( الاستحقاقات ) المعمول بها في البلاد ، فقد استغرق هذا الموضوع أكثر من عشر سنوات لحين حسمه حين صوت مجلس النواب على من سيشغل هذه الدرجات بجلسته المنعقدة في 28 تشرين الأول 2019 ، ورغم إن التصويت جاء متأخرا إلا أن الكثير تنفسوا الصعداء لشعورهم بان الوظيفة العامة ستدار استنادا للمواد التي تضمنها القانون آنف الذكر ، ولكن هذا المجلس لم يمارس عمله رغم مرور 11 سنة على تشريعه وبعد مرور سنة على تسميت مكونات المجلس ولا أحدا يبرر أسباب هذا التأخير وما نتجت عنه من خسائر للبلاد ، فعبر تلك السنوات مررت الكثير من التعيينات وخلال السنة التي تم بها تسمية المجلس وحتى اليوم تم تعيين عشرات الآلاف من الموظفين رغم وجود نص صريح في موازنة 2019 يتضمن إيقاف التعيينات ، كما تمت ترقية ومنح العلاوات وتبديل العناوين ومنح المناصب لمئات الآلاف او الملايين من الموظفين وبعضها استنادا للطريقة السائدة ( شيلني وأشيلك ) ، ولا نعلم إلى متى سيستمر الحال في شراء الوظائف والمناصب بالورق ( الدولار ) وإبقاء المناصب بالوكالة او تسيير الأعمال او التكليف بالطرق المعروفة للجميع .
وقد تحولت الوظيفة لما يخالف محتواها لتكرار تأخير صرف الرواتب لان نفقاتها أكثر من مبيعات النفط التي باتت المصدر الرئيس للإيرادات ، وهو موضوع بحاجة إلى معالجة من قبل السلطة القضائية فمن حق الادعاء العام التحري عن أسباب عدم تنفيذ تشريع صادر منذ سنوات ، كما إن من حق السلطة التشريعية الحالية أن تسأل عن مصير قانونها الذي اعتبر نافذا منذ 2009 حيث يرتبط مجلس الخدمة بمجلس النواب ، ويحق للسلطة التنفيذية أن تطالب وبإلحاح بتفعيل هذا القانون لكي تعتمد أساسا في تخطيط وتنظيم وإدارة الوظيفة العامة كما نص عليها القانون ، فالسكوت عن تطبيق هذا القانون رغم نفاذه منذ 11 عام ورغم تحديد مجلسه ليس فسادا فحسب وإنما هو أس الفساد في الوظيفة العامة بشكل لا يمكن السكوت عنه ، وأكثر من يقع عليه الظلم من تغييب قانون مجلس الخدمة هو المواطن الذي هو غاية التشريع في الأول والأخير ، فلو كانت هناك معايير تطبق بشكل صحيح في الاختيار والتعيين لما احتاج المواطن للمبيت لأشهر بحالة اعتصام بحثا عن حقه المغبون ، ورغم إننا اعتدنا بان نشهد أمورا مفيدة غالبا ما تطمس او تغيب ، لكننا نعول على وعود السيد مصطفى ألكاظمي بتفعيل مجلس الخدمة العامة عند عقده مجلس الوزراء قبل أيام في محافظة ذي قار .