خاص : كتبت – نشوى الحفني :
صراع بين الحكومة والبرلمان يدفع ثمنه الموظف العراقي يومًا بعد يوم بسبب تأخير دفع الرواتب، حيث يتقاذف الطرفان المسئووليه عن ذلك بالرغم من مرور نحو أسبوعين على استحقاق دفع الرواتب، إلا أن الحكومة لم تدفعها، وهو أمر نادر الحدوث، ما يشير إلى وجود أزمة مالية كبيرة.
وتطالب الحكومة، البرلمان، بالإسراع في تشريع قانون يتيح لها اقتراض الأموال من البنك المركزي، لتمويل النفقات الجارية، ودفع مستحقات الموظفين، فيما يقول البرلمان، إن الحكومة لم تقم بالإصلاحات اللازمة خلال فترة القرض الأول في شهر حزيران/يونيو الماضي، والبالغ 15 مليار دولار.
وواجه ذلك وزير المالية، “علي عبدالأمير علاوي”، بقوله إن: “صرف رواتب الموظفين مسألة متعلقة بتصويت مجلس النواب على قانون الاقتراض”، منوهًا إلى أن: “هذه الخطوة ستعالج العجز الراهن في البلاد”.
وأضاف “علاوي”، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية: أن “رواتب المتقاعدين للشهر الحالي تم إطلاقها دون أي مشكلة، وأن رواتب ومخصصات الموظفين سيتم إطلاقها خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة”.
مشيرًا الوزير إلى أن: “المبالغ ستكون متوفرة في حال وافق مجلس النواب على قانون الاقتراض”، مؤكدًا على أن: “قانون الاقتراض مهم جدًا، لأنه يلبي احتياجات الدولة المالية ويعالج العجز الموجود بالموازنة”.
يُذكر أن أرقام غير رسمية كانت قد أظهرت عجزًا بنحو مليار ونصف المليار دولار في موازنة الرواتب، بعد أن غطت مبيعات النفط الشهر الماضي، نحو ثلثي الحاجة المطلوبة.
التجاذبات والصراعات تنعكس سلبيًا على المواطن..
من جانبه عدّ (التيار الصدري)، بزعامة “مقتدى الصدر”، تأخير صرف رواتب الموظفين، “سابقة خطيرة”؛ وأشار إلى أسباب ذلك التأخير.
وقال القيادي، “حاكم الزاملي”، إن: “على الحكومة الإسراع بتوزيع رواتب الموظفين”، مبينًا أن: “التجاذبات والصراعات بين أعضاء مجلس النوب تارة و بين وزارة المالية ومجلس النواب تارة أخرى والصراع بين مجلس النواب ومجلس الوزراء، فيما يخص صرف رواتب الموظفين، ينعكس هذا الصراع بالسلب على المواطن البسيط الذي يقتاد على الراتب الشهري”.
مبينًا أنه ليس من العقل والمنطق يبقى التجاذب والتصارع على لقمة عيش المواطن، ألا يعلمون أن المواطن البسيط هو بغنى عن هذه الصراعات، ألا يعلمون أن الموظف ينتظر راتبه بفارغ الصبر، ألا يعلمون أن تأخر صرف الرواتب هو مشكلة بحد ذاتها، إن الموظف البسيط والجندي والشرطي إذا لم يستلم راتبه لا يمكن أن يوفر لقمة العيش لعياله وهذا يشكل تهديد لوجودهم.
الاقتراض الجديد سيؤدي إلى تدهور قيمة الدينار العراقي..
الصحافي الاقتصادي، “سلام زيدان”، من جهته قال إن: “هناك عجزًا في تمويل رواتب شهر أيلول/سبتمبر بقيمة 300 مليار دينار، (300 مليون دولار)، وتسعى الحكومة إلى تمويله من قانون الاقتراض الجديد، للحصول على تمويل إضافي من البنك المركزي، وطرح سندات وطنية في السوق، كما حصل في 2015”.
مضيفًا أن: “أي اقتراض جديد، ممكن أن يؤدي إلى تدهور في قيمة الدينار العراقي، مقابل الدولار، حيث يتم الاقتراض عادة من البنك المركزي، ما يعني ارتفاع نسبة التضخم في السوق”، لافتًا إلى: “أهمية تنويع مصادر الدخل بشكل سريع لتلافي الأزمة الحاصلة، مثل تعظيم واردات الجباية، والكشف عن الموظفين مزدوجي الرواتب، وملاحقة الفساد، وضبط المنافذ الحدوية، وتفعيل قطاعات السياحة وغيرها”.
العجلة المحركة للاقتصاد الداخلي..
ومع وجود نحو 7 ملايين موظف مدني وعسكري ومتقاعد ومستفيد، إلا أن المراقبون يعتبرون أن الرواتب التي تدفعها الحكومة، العجلة المحركة للاقتصاد الداخلي في البلاد، وأي مساس بها، قد يؤدي إلى ارتدادات تشابه الحركة الاحتجاجية.
وتمول الحكومة العراقية برنامج “بطاقة التموين”، وهو عبارة عن مواد غذائية تُمنح للمواطنين كافة كل 40 يومًا، مثل “الأرز والزيت والسكر، والطحين”.
ويدفع العراق نحو 50 مليار دولار، سنويًا، مرتبات إلى موظفي الحكومة، والمؤسسة العسكرية والمتقاعدين وحاملي اشتراكات الرعاية الاجتماعية، مثل المطلقات والأرامل وضحايا العمليات العسكرية، جراء المواجهة مع (داعش).
أنباء عن خفض الرواتب..
ومع هذ السجال الدائر بين الحكومة والبرلمان، انتشرت أنباء عن عزم الحكومة خفض مرتبات الموظفين بنحو 30%، غير أن عضو اللجنة المالية النيابية، “مثنى السامرائي”، نفى ذلك.
وقال “السامرائي”، في تصريحات صحافية: إن “الحكومة لم تتقدم بأي قانون جديد للاقتراض لغاية الآن، كي يتأخر في مجلس النواب”، مشيرًا إلى أن: “الحكومة تتحمل مسألة تأخير الرواتب”.
مضيفًا أن: “مجلس النواب قدم دعمًا كبيرًا بدون قيد أو شرط للحكومة، خلال عملية الاقتراض الأول، حيث طالبنا – فقط – بالورقة الإصلاحية التي لم يتم تقديمها بشكل رسمي لغاية الآن”، مبينًا أن: “وزير المالية عرض أجزاء من الورقة الإصلاحية، خلال استضافته في اللجنة المالية مؤخرًا”.
ضعف إدارة السيولة..
أكد الخبير في الشأن الاقتصادي، “صفوان قصي”، إن تلكؤ وزارة المالية في إطلاق الرواتب لموظفي الدولة في الوقت المناسب يُظهر ضعف عملية إدارة السيولة المالية في العراق.
وقال “قصي” أن وزارة المالية استغلت قانون الاقتراض الداخلي، الذي سمح لها باقتراض 15 تريليون دينار عراقي من المصارف العامة والبنك المركزي، في تسديد رواتب الأشهر السابقة، دون إيقاف الصرف على البنود الأخرى المتمثلة بالنفقات السلعية والخدمية، مبينًا أنه: “كان يفترض إعلان حالة الطواريء المالية منذ وقت مبكر وحصر صلاحيات الصرف بوزير المالية أو من يخوله البرلمان، لكننا لم نلاحظ ذلك للأسف واستمر الإنفاق العالي استنادًا إلى نسبة 1/12 من الإنفاق الفعلي لسنة 2019 العالي جدًا والذي لا يتناسب مع أسعار النفط الحالية”.
وأضاف أنه: “على الرغم من ذلك كان بالإمكان إطلاق الرواتب لشهر أيلول/سبتمبر في الوقت المناسب ببعض الإجراءات التي تقع ضمن صلاحيات وزير المالية، ومنها سحب السيولة الموجودة في حسابات الوزارات الاتحادية لتمويل الرواتب، وفي الوقت نفسه إيقاف تمويل الوحدات التي تتمكن من تمويل نفسها بعيدًا عن تمويل وزارة المالية وكذلك المباشرة ببيع جزء من ممتلكات وزارة المالية لتمويل العجز الحاصل في السيولة”.
ودعا إلى: “إتباع حلول جديدة تغير من منهج الإنفاق العام، بعيدًا عن الحلول السهلة المتمثلة في تكرار الاقتراض وإضعاف المركز المالي للبنك المركزي الذي سيؤدي إلى الفشل المالي، كما يحدث الآن في بيروت وغيرها من الدول التي لم تتبع سياسات مالية ونقدية واقتصادية مثالية تنسجم مع خطط فعالة تعتمد على الموارد المتاحة واستثمارها بالشكل الأمثل”.
بسبب سوء الإدارة وليس نقص الأموال..
كما قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، “عصام الفيلي”، إن: “أزمة الرواتب في العراق سببها سوء الإدارة وليس نقص الأموال، والمشكلة تتمثل في غياب بناء الدولة على أسس دولة المؤسسات، فضلاً عن عدم الشفافية في معرفة المداخيل وأبواب الصرف، كما أن هناك مستوى عال جدًا من الصراع بين السلطة التنفيذية والبرلمان”.
وأكد “الفيلي” أن: “عدد الموظفين في العراق لا يتجاوز عشرة في المئة من عدد السكان، لكن القوى السياسية تمتلك أسماء وهمية تستنزف موارد الدولة”.
واستطرد قائلاً: “كما أن المجتمع لم يتثقف بثقافة القانون، وهناك أيضًا التهويل الإعلامي والحديث عن إفلاس الدولة وهو كذب، ويمكن أن يرفد العراق الميزانية بكثير من الأموال، حيث أن الأرقام الرسمية تشير إلى تحقيق دائرتين فقط لمداخيل تزيد عن 600 مليون دولار شهريًا”.
معتبرًا أن: “المشكلة الأكبر هي أن معظم أموال العراق تذهب للخارج من خلال مزاد العملة الذي أدى إلى تقويض السلم الاقتصادي في البلاد”.