لم تتحقق مطالبها بعد .. العراق بعد عام على انتفاضة تشرين .. هل تستعيد زخمها من جديد ؟

لم تتحقق مطالبها بعد .. العراق بعد عام على انتفاضة تشرين .. هل تستعيد زخمها من جديد ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

عام مضى على خروج احتجاجات غير مسبوقة في العراق، في تشرين أول/أكتوبر 2019، لتطالب بإسقاط الطبقة الحاكمة، قتل فيها نحو 600 متظاهر، ورغم تغيير الحكومة لم تتغير الظروف.

تعددت أسباب المظاهرات التي بدأت في الأول من تشرين أول/أكتوبر الماضي، والتي تحولت إلى حركة لا مركزية، فانتقدت تفشي البطالة وسوء الأحوال المعيشية والخدمات العامة وحتى الفساد والطبقة السياسية الموالية لـ”إيران” أو “الولايات المتحدة”.

أدت هذه الحركة الاحتجاجية إلى استقالة رئيس الوزراء وقتها، “عادل عبدالمهدي”، وذلك بعد شهر من إندلاعها تقريبًا، وتولي “مصطفى الكاظمي”؛ رئاسة الوزراء، والذي تعهد بدوره بدمج مطالب المحتجين مع خطط حكومته، لكن على أرض الواقع، لم يتحقق الكثير.

وقد حدد “الكاظمي” موعدًا للانتخابات البرلمانية المبكرة، في 6 حزيران/يونيو 2021؛ أي قبل نحو عام تقريبًا على الموعد المفترض.

كما وعد “الكاظمي” بتقديم المسؤولين عن مقتل نحو 600 متظاهر وناشط، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، إلى العدالة، وفي أيلول/سبتمبر الماضي؛ أعلنت حكومته أن أهالي الضحايا يمكنهم التقدم بطلب للحصول على تعويضات من الدولة، لكن حتى الآن لم يتم صرف أي تعويض لأي شخص.

وكان “الكاظمي” قد أشار إلى إقامة نصب تذكاري في “ميدان التحرير”، معقل الاحتجاجات في “بغداد”، وكذلك في “الناصرية” جنوبًا للضحايا، أحد الناشطين علق على هذا الوعد بقوله: “لا أذكر أن من بين مطالبنا أن نقيم تمثالاً”. وتزداد الهجمات الصاروخية على البعثات الدبلوماسية والقوافل العسكرية .

يُذكر أن البنك الدولي كان قد أكد أن معدل الفقر في العراق يتضاعف إلى 40 بالمئة هذا العام، وأن البطالة بين الشباب تبلغ 36 بالمئة، وقد ترتفع، وتعهد “الكاظمي” بخفض الرواتب الحكومية التي تصل إلى ملايين العراقيين إلا أنه تراجع عن خطوته هذه بعد الانتقادات التي لقيها.

وفي آب/أغسطس الماضي؛ وظف المئات في وزارة الدفاع، لكن هذه الخطوة لم تكن كافية لوقف الاعتصامات في صفوف من يطالبون بوظائف.

وقال مسؤولون عراقيون إن وزير المالية، “علي علاوي”، لم يقدم خطة إصلاح اقتصادي، وكان “الكاظمي” قد أكد أنه سيعطي الأولوية لمكافحة تفشي فيروس (كورونا) في البلاد، الذي أسفر حتى آيار/مايو الماضي؛ عن مقتل مئة شخص تقريبًا، أما اليوم فيصل عدد ضحايا الوباء إلى 9000.

وحذرت وزارة الصحة من أن المستشفيات قد تفقد السيطرة في حال لم يتم كبح الفيروس وتفشيه.

عدم تحقيق المطالب الأساسية..

وتعددت آراء المحللين والمتابعين للشأن العراقي حول ما حققته الثورة بعد عام من اندلاعها، فقال “هاشم الشماع”، عضو مركز العراق للتنمية القانونية، لـ (كتابات)، أنه لا يخفى على الجميع أن ثورة تشرين هي ثورة مجتمعية شبابية طلابية بعد تغييب استمر عدد من السنوات للمطالبة بالحقوق المشروعة، وكانت مطالب هذه الثورة هي إصلاح العملية السياسية وتطويرها لما يرتقي مع الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم، وعلى الرغم من الإستجابة إلى المطالب من قِبل الكتل السياسية لما طرحه الشارع، وتم على إثره تغيير حكومة السيد “عبدالمهدي” بحكومة “الكاظمي”؛ إلا أن المطالب الأساسية لم تتحقق إلى هذه اللحظة على الرغم من مرور عام على هذا الحرك، وأبرز ما لم يتم إنجازه هو، عدم الإقرار النهائي على قانون الانتخابات الجديد الذي يعتمد على البطاقة البيومترية وتعدد الدوائر الانتخابية، والترشيح الفردي، مع أن مجلس النواب مازال يناقش هذه الفقرات من القانون إلا أن الكثير من القوى السياسية لا ترغب بالموافقة على هذه الفقرات كونها تضر بمستقبلهم السياسي وتفقدهم الكثير من المكاسب على الرغم من أن الأرض رخوة للعملية السياسية حاليًا.

مضيفًا “الشماع” أن الوعد الذي قطعه “الكاظمي” للشعب في برنامجه الحكومي الخاص، بتقديم الجناة الذين أراقوا دماء المتظاهرين السلميين إلى القضاء وهو أيضًا من مطالب المتظاهرين، هذا أيضًا لم يتحقق، وإنما الذي تحقق قضايا شكلية وليست جوهرية، ومازال الكثير من الفاسدين والفساد مستشري في الدولة العراقية، متوقعًا لموضوع الانتخابات المبكرة هي الأخرى ستكون في خبر كان على الرغم من تحديد موعدها من قِبل رئيس مجلس الوزراء وهي ليست من اختصاصه الدستوري، هذه الجزئية أيضًا ستؤجل وتذهب إلى خانة المهملات بسبب الخلافات السياسية وعدم رغبتهم في تنفيذها.

وأوضح “الشماع” أنه على الصعيد الاقتصادي، فما زال ذاهبًا إلى الإنحدار والتضييق على المواطن العراقي بسبب جائحة (كورونا) وهبوط أسعار النفط، إذاً عام مر على تشرين ولَم تتحقق المطالب الرئيسة، ولكن هذا ليس كل شي إذ أن هذا الحراك أنتج ثمرة مهمة وهي التصدي لأي إنحراف.

وتوقع أنه في حال إهمال المطالب وعدم تنفيذها فإن الحراك سيعود وبشكل أقوى على الرغم من تهديد الفيروس القاتل، وهذه رسالة للكتل السياسية إلى مراجعة حساباتهم وترتيب أوراقهم لما يخدم الشارع .

نقطة تحول تاريخية..

من جهته؛ قال “د. حيدر حميد”، رئيس مجلس خبراء دعم صناع القرار، لـ (كتابات)، أن انتفاضة تشرين تمثل نقطة تحول تاريخية في سياق حركة الجماهير في العراق بدأت حركة الاحتجاج الشعبي في العراق بعد 2003 مطلبية ثم تحولت عام 2015 إلى إصلاح النظام؛ وعندما لم تستجب السلطة الحاكمة للمطالب الشعبية تحولت في مطالبها من إصلاح النظام إلى إسقاطه عبر الآليات الديمقراطية من خلال قانون انتخابات عادل ومنصف ومفوضية انتخابات مستقلة وانتخابات مبكرة تحت إشراف كسرت انتفاضة تشرين حاجز الخوف عند الشعب العراقي الذي انتفض ضد فساد الطبقة السياسة وسوء إدارتها للبلاد.

وكان وقود الانتفاضة هم شريحة الشباب الذين وجدوا أنفسهم أنهم يعيشون دون أي أمل لهم في الحياة واجهوا قمع السلطة لها بصدورهم العارية الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، واللافت في هذه الانتفاضة  مشاركة المرأة العراقية بصورة كبيرة فيها جنبًا إلى جانب أخيها الرجل تشاركوا الهم الوطني آملين بعد أفضل.

وأضاف “د.حميد” أن الانتفاضة إمتازت بزخم جماهيري كبير وحظيت بدعم شرائح  واسعة في المجتمع؛ فحجم الانتفاضة وعددها لا يقاس بعدد المحتجين في الساحات بل امتدت إلى الأغلبية الصامتة التي  لم تشارك في انتخابات عام 2018، فجدوى الانتفاضة كانت تعتمر صدور غالبية الشعب العراقي لما آلت إليه أوضاع البلاد التي لم تجد في الطبقة السياسية الحاكمة أي فرصة لنجاة العراق.

موضحًا أن انتفاضة تشرين نجحت بإعادة رسم ملامح جديدة للهوية الوطنية العراقية بعد أن رفعت شعار “أريد وطن وأنا عراقي”، رافضة أي توجهات طائفية ومذهبية وأكدت على مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية، أي أن الانتفاضة حملت في أهدافها محتوى اجتماعي.

وزاد “د. حميد” أنه على الرغم من نجاح انتفاضة تشرين في إسقاط حكومة “عادل عبدالمهدي” ومجيء حكومة “مصطفى الكاظمي”؛ التي جاءت بفضل الانتفاضة وليس بإرادتها، الآن مطالب الانتفاضة مازالت بعيدة المنال فمازال نهج المحاصصة سائدًا في البلاد وفشلت الحكومة حتى الآن في كشف قتلة المتظاهرين المطلب الرئيس لحركة الاحتجاج الشعبي وقانون الانتخابات لم يستكمل لحد الآن وهنالك شعورًا بمحاولة الطبقة السياسة الإلتفاف عليه.

إعادة الزخم من جديد..

مشيرًا إلى أنه من سمات الانتفاضة ديمومتها واستمرارها على مدى عام وإن خف وهجها أحيانًا بسبب جائحة (كورونا) وللأزمة المالية الآن الانتفاضة عادت بزخمها المعهود في الذكرى السنوية الأولى لإنطلاقها لتمهل الحكومة الحالية حتى 25 تشرين أول/أكتوبر الحالي، للكشف عن قتلة المتظاهرين وإكمال قانون الانتخابات وإلا سيكون شعارها في المرحلة القادمة إسقاط الحكومة الحالية وحل البرلمان .

وأضاف أن من سماتها أيضًا أنها كانت عفوية أفتقرت لوجود قيادة موحدة وهذا من قوتها كما يرى البعض إلا أنها بإعتقاده كان على المنتفضين أن ينحازوا مرحلة التظاهر إلى إنبثاق قيادة موحدة للتظاهر تكون معبرة عن مطالب ساحات الاحتجاج ولا تترك للطبقة السياسية وحدها هي من تقوم بالإصلاحات المنشودة، أيضًا مازال الحراك يقع في نفس الخطأ إذ مازال لم ينظم نفسه في كيان سياسي وتشكيل جبهة موحدة للاستعداد للانتخابات المبكرة في مواجهة أحزاب السلطة التي تمتلك السلطة والمال والنفوذ والسلاح وهي القادرة بحكم خبراتها في التعامل مع أي انتخابات وتحويلها لصالحها، وهي سوف تستثمر شعارات الانتفاضة وأهدافها ودفع مرشحين شباب في الانتخابات والسعي بتشكيل كيانات سياسية منفصلة عنها بحجة أنها مستقلة وترفع شعارات الانتفاضة، لكنها في حقيقة الأمر تابع لهذا الحزب أو ذلك؛ بإعتقادي في ظل هذه الظروف وعدم إدراك الحراك أن النظام البرلماني هو نظام أحزاب وأن الانتخابات من يفوز بها من يجيد لعبتها فإن مآلات الانتخابات ستكون لصالح الطبقة السياسية الحاكمة فالانتخابات بالنسبة لها هي معركة وليس تنافس ستستخدم كل أدواتها فيها وعلى الحراك الشعبي ألا يفوت هذه الفرصة التاريخية في تحقيق التغيير المنشود وميلاد طبقة سياسة جديدة تأخذ على عاتقها نقل البلاد في مسار صحيح بتنظيم نفسها ودخول الانتخابات بشرطها وشروطها بجبهة موحدة لاسيما وأن الطبقة السياسية لم تعد هي وحدها مستودع الشرعية هنالك شرعية جديدة ثمثلها انتفاضة تشرين والتي ستحظى بدعم شعبي واسع .

مصرة على تحقيق كامل أهدافها..

في صحيفة (العربي الجديد) اللندنية، يقول “عوني القلمجي” إن: “الثورة العراقية دشّنت عامها الثاني، وهي تحمل معها عدة حقائق دامغة. منها عجز أجهزة القمع الحكومية، وسلاح الميليشيات المسلحة، والحرس الثوري الإيراني عن إنهاء الثورة العراقية، على الرغم من سقوط مئات الشهداء وألوف الجرحى. ومنها أن الثورة، على الرغم من سلميتها، أثبتت قوتها وصمودها وكسبت تأييد شعوب العالم واحترامها الكبير. ومنها أن أهدافها السياسية، وفي مقدمتها استعادة الوطن المنهوب، لم يجر التراجع عنها، أو المساومة عليها، أو القبول بأنصاف الحلول”.

موضحًا أن: “ما نسمعه هذه الأيام بأن الانتفاضة خفّ صوتها وقلّ زخمها وانكفأت إلى داخلها، أو أنها انتهت ولم يبق منها سوى أصوات متفرقة، أو أنها قبلت بتسليم زمام أمورها بيد حكومة الكاظمي، فهذا ضلال مبين، فالثورة ما زالت جذورها تمتد في معظم المدن العراقية … والأهم من ذلك كله أن الثورة مصرّة على تحقيق كامل أهدافها، وفي مقدمتها إسقاط العملية السياسية”.

ويضيف “القلمجي” قائلا: “وخير دليل على ذلك أن الثورة لم تكتف بسقوط حكومة عادل عبدالمهدي؛ فقد رفضت الكاظمي خليفة له، ولم تُخدع بالتعديلات الجزئية لقانون الانتخابات، ولا بكذبة إجراء انتخابات مبكرة”.

نتائج سياسية مهمة..

بينما يقول “ماجد السامرائي”، في صحيفة (العرب) اللندنية: “يجتاز الثوار سنتهم الأولى وهناك، رغم التضحيات، نتائج سياسية مهمة؛ حيث أصبحت المعارضة الشعبية ضد سلطة الأحزاب الفاسدة تيارًا واسعًا في مفصل سياسي مهم بعد تولي مصطفى الكاظمي السُلطة، وهو الذي يعلن انحيازه إلى جانب الثوار وحمايتهم، وهي السياسة الأكثر خدمة التي يلتزم بتقديمها لهم”.

ويضيف الكاتب: “رغم عتمة السواد الذي خيّم على العراق، منذ عام 2003 وحتى الآن، فإن ثورة شباب تشرين أول/أكتوبر شعلة ضوء للمستقبل، فهم صانعوه وسينضمّ قادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والسني إلى قوائم الخونة والعملاء والقتلة والفاسدين ويعود العراق إلى أهله الحقيقيين”.

أما صحيفة (بغداد بوست) تقول إن: “نتائج احتجاجات تشرين لا تتعلق بإزاحة أكبر رأس في سلطة التنفيذ في البلاد بعد تحميله مسؤولية الفشل الذريع الذي أرتبط بعهده وأدى إلى صعود لافت لقوى ما قبل الدولة الممثلة بالفصائل والميليشيات المنفلتة، إنما بقدرتها على صنع جيل جديد من الشباب الشجاع المؤمن بحقه في الحياة الكريمة وبرغبته في طي حقبة مظلمة أرتبطت بالمحاصصة الطائفية والسياسية، إلى الفساد وسوء الإدارة والاستهتار بالدولة امتدت لنحو 17 عامًا”.

عجز عن المواجهة بين الدولة والدولة الموازية..

ويقول “يحيى الكبيسي”، في صحيفة (القدس العربي) اللندنية: “مع الذكرى الأولى لحركة الاحتجاج هذه، يبدو الوضع أكثر التباسًا في سياق العجز عن الذهاب إلى مواجهة صريحة بين الدولة والدولة الموازية، بسبب الغطاء السياسي والحصانة التي يوفرها الفاعلون السياسيون الشيعة المحتكرون للقرار السياسي لهذه الدولة الموازية، فضلاً عن الوضع الاقتصادي غير المسبوق الذي وصل إلى حد العجز عن دفع الرواتب الحكومية، وتشبث بالسلطة/الدولة بإمتيازاته، وفساده، واستثماراته في المال العام، وزبانيته، وبوهم القوة التي يمتلكها”.

ويرى الكاتب أن: “حالة الإنسداد السياسي هذا اليوم تبدو أكثر قتامة مما كانت عليه لحظة إنطلاق الاحتجاجات، وبالتالي يبقى الرهان على الشعب وحده، وعلى المحتجين من الشابات والشباب الذين قدموا صورة ناصعة للشجاعة والتضحية ونكران الذات والوعي والمطاولة، من أجل تغيير المعادلة القائمة وصناعة هوية وطنية مفقودة”.

نواة الانتفاضة كما هي..

ويقول “ساطع راجي”، في صحيفة (المدى) العراقية؛ إن: “أي حراك شعبي يتعرض للاستغلال والتشويه، وقد يركبه بعض الحكام أو بعض مفاصل الحكم، وقد يتحول أي حراك إلى فرصة يستغلها الساسة المتخاصمون لتصفية حساباتهم أو سُلَّم يصعد عليه الإنتهازيون أو مسرحٍ يستعرض فوقه المهرجون مهاراتهم، أو إلى زحمة يندسُّ فيها النشالون والسُراق والمتحرشون”.

مضيفًا أنه: “يمكن أن يتحول الحراك، وقد يضيع أو يفقد أهدافه مؤقتًا أو دائمًا ويتورط بأهداف أخرى غير حقيقية، لكن النواة الصلبة للاحتجاج أو الانتفاضة الشعبية في العراق تبقى كما هي، إنها الشعور بإنعدام العدالة الاجتماعية الناجمة عن سوء الإدارة والظلم إلى درجة تدفع المواطنين لعدم المبالاة بالحياة والموت أحيانًا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة