18 ديسمبر، 2024 11:23 م

الإرهاب وإشكالية الصراع الفكري

الإرهاب وإشكالية الصراع الفكري

تعد ظاهرة الإرهاب من مظاهر العنف التي تفشت في عالمنا العربي والإسلامي، بل أن الإرهاب اليوم قد امتد إلى أغلب دول العالم. إن الأهمية التي انبثقت منها هذه الدراسة تكمن في تأثير ظاهرة العنف الإرهابي وانعكاساتها على العالم. والإرهاب ظاهرة راهنة وإن كانت تعود إلى الماضي، حيث عرفته المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور، ولكنها ظاهرة خطيرة تستهدف حياة الإنسان وتمس كافة مجالاته، فالأفعال الناتجة عن الفعل الإرهابي لا تُعير أي اهتمام لحجم الكارثة الإنسانية التي قد تقع، ومما يزيد من شدة هذا الإجرام، هو إصرار أولئك الأشخاص على تحقيق الغاية النابعة من أساس عقائدي. ويلاحظ وبشكل جليّ أنّ ظاهرة الإرهاب ومع مرور الوقت تتسع خطورتها كمّا ونوعا، وبشكل ملفت للنظر، وصارت لها فلسفتها وأدواتها وأهدافها، بحيث تترك آثارا خطيرة في الأوضاع الدولية، لما تميّزت به من استخدام أساليب عسكرية، ووسائل تقنية وتكنولوجية متطورة تدعمها خبرة واسعة، وإمكانات هائلة تشكل خطورة تثير القلق، لكن خطورتها أصبحت شديدة في ظل العولمة، ولها تجاذبات داخلية وخارجية، عربية وإقليمية ودولية، لأن الإرهاب أصبح عالميا وهو موجود في مجتمعات متعددة ولا ينحصر في دين أو دولة أو أمة أو شعب أو ثقافة أو هوية أو منطقة جغرافية معينة، وإن اختلفت الأسباب باختلاف الظروف والأوضاع، لكنه لا يقبل الآخر ولا يعترف بالتـنوع، ويسعى إلى فرض الرأي بالقوة والعنف والتسيُد. لم تعد ظاهرة الإرهاب تقتصر على جماعات محدودة، بل إن تهديدها وصل إلى أساسات الدولة والهوية وتحديدا في مجتمعاتنا التي غالبا ما تلجأ إلى العنف في حل الخلافات، الأمر الذي يحتاج إلى حوار فكري وثقافي ليس بين الشرق والغرب بل بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة. وإذا كانت منطقتنا العربية وشعوبنا الأكثر اتهاما بالتطرف والإرهاب فإنها الأكثر تضررا منه، بيد أنها دفعت الثمن وبشكل كبير من هذه الظاهرة. ثم أن الظاهرة أصبحت ترتبط بعوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية وسيكولوجية أفرزتها التطورات السريعة المتلاحقة في العصر الحديث، فقد شهدت السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين تصاعدا ملحوظا في العمليات الإرهابية، خاصة بعد اعتماد هذه الظاهرة على الأجهزة التقنية والمعدات الحديثة واستغلالها في تنفيذ الجرائم الإرهابية. ورغم استفحال الظاهرة وازدياد الاهتمام بها، إلا إن لم يتم التوصل إلى تعريف محدد لعناصرها وخصائصها وسماتها المميزة، ورغم المحاولات العديدة في هذا الشأن، حيث أنه من الملاحظ رواج مفهوم الإرهاب بالمعنى العام دون تحديد تعريف جامع مانع له. لقد أدت إشكالية غياب تعريف محدود ومتفق عليه عن الإرهاب إلى افتقاد العديد من قوانين مكافحة الإرهاب للفعالية، مما يبقى الباب مفتوحا لكل الدول لكي تضع لنفسها التعريف الأكثر ملائمة لمصلحتها السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية بعيدة عن أي صيغة متفق عليها. وإزاء خطورة هذه الظاهرة وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج وآثار، كان من الضروري على الباحثين والمهتمين بأبحاث العنف على وجه العموم، وأبحاث الإرهاب على وجه الخصوص أن يكرسوا جهودهم من أجل إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة، توضيحا لطبيعتها وتأصيلا لجذورها، وتنقيبا عن روافدها وبحثا عن دوافعها ومثيراتها، تحليلا لأسبابها للوقوف على مكامن الخطر وذلك سعيا للعلاج واتخاذ ما يلزم للحد من خطورتها، أو بالأحرى القضاء عليها. لقد ساهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م، في ازدياد بلورة هذا المفهوم، حيث ألقي الضوء عليه وتنوعت الدراسات بشأنه، كونه أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للأمن والسلم الدوليين. وأمام هذا الخطر لجأت الدول التي تعرضت للعنف الإرهابي إلى إعلان حالات الطوارئ، وسعت في نفس الوقت إلى وضع تشريعات واستصدار قوانين استثنائية لمكافحة الإرهاب. وبلا شك كان وما زال لشبكة الانترنيت الدور الفاعل والمهم في تقوية العنف، حيث وﻓﺮت ﺷﺒﻜﺔ الانترنيت للإرهابيين واﻟﻤﺘﻄﺮﻓﻴﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺼﺎت اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻨﺸﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺘﺮوﻳﺞ ﻟﺪﻋﺎﻳﺎﺗﻬﻢ واﺳﺘﻘﻄﺎب أﻓﺮاد ﻳﺤﺎرﺑﻮن ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻗﻀﻴﺘﻬﻢ. وﻗﺪ وﺳﻌﺖ ﺷﺒﻜﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ الاجتماعي ﻫﺬا اﻟﻨﻄﺎق وزادت وﺗﻴﺮة اﻟﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻟﺮادﻳﻜﺎﻟﻴﺔ واﻟﺘﺠﻨﻴﺪ لاسيما أن ﺗﻨﻈﻴﻢ داﻋﺶ أشتهر باستفادته القوية من مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك شبكة الانترنيت لترويج ونشر أفكارهم. ولكن يبقى موضوع الإرهاب محور صراع مرير بين بلدان العالم الثالث والبلدان الغربية.

لقد أصبحت ظاهرة العنف الإرهابي من أكبر التحديات وأخطرها والتي تواجه الحكومات الساعية إلى الاستقرار الوطني والإقليمي والدولي على حدٍ سواء، فهي عقبة رئيسة أمام تنمية وتطور الشعوب، لذا فقد أدركت الدول والمنظمات الدولية مدى ما يشكله الإرهاب من خطر واضح منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وقد كرست كافة الدول والمنظمات الدولية الجهد الكبير من أجل التعاون فيما بينها من أجل محاربة ومكافحة الإرهاب الأمر الذي يدعو إلى ضرورة البحث فيما يقف وراء هذه الظاهرة، والآثار والتداعيات التي تترتب علي ظاهرة الإرهاب بأشكاله وصوره المختلفة. وإذا تفحصنا موضوع الإرهاب بدراسة تحليلية وأجرينا مراجعة تاريخية فسوف نجد أن هذه الظاهرة بتزايد وشكل كبير جدا، حتى أصبح الإرهاب اليوم يشكل هاجس خوف وقلق يثير الرعب، خاصة وإن الإرهاب ليس حربا نظامية، وإنما على شكل حرب عصابات غير منظمة، بحيث أن الدول والمجتمعات أصبحت تواجه عدوا مجهولا يمارس شتى أنواع العنف، كالتفجير والتفخيخ والقتل والذبح والاختطاف والإبادة، دون أن تعلم هذه الدول والمجتمعات لماذا، ومتى وأين.