18 ديسمبر، 2024 9:42 م

هل حكومة العراق توافقية ومحاصصة ام نابعة من سلطة وإرادة الشعب ؟؟؟

هل حكومة العراق توافقية ومحاصصة ام نابعة من سلطة وإرادة الشعب ؟؟؟

منذ انهيار النظام السياسي في العراق بعد عام 2003م بفعل التدخل الخارجي العسكري من قبل القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، سعى العراق – وبغض النظر عن التداعيات التي نتجت عن ذلك التدخل – إلى إعادة بناء الدولة العراقية بأسلوب جديد وفكر جديد لم يألفه البلد من قبل، قائم على أساس الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة واعتماد التجربة الديمقراطية منهجاً وسلوكاً، في ظل وجود دستور دائم يشكل الوعاء الرئيس الذي تدور حوله تلك الأفكار. وعلى الرغم من أن العراق قد عرف نجاحاً نسبياً في ممارسة تلك الأفكار على أرض الواقع، إلا أن مراحل واستراتيجيات إعادة بناء الدولة العراقية مرت بمخاضات صعبة وتداعيات عدة، ولعل في مقدمتها الإرهاب وأنموذج المحاصصة، ذلك الأنموذج الذي ميّز العملية السياسية في العراق التي كان معولا عليها في بناء الوطن بأبهى صورة، إذ كان من المؤمل أن تسير تلك العملية وفق الأنموذج الديمقراطي السليم كي تكون مفتاحاً لتحقيق الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في العراق، عندما يشعر المواطنون بأنهم يمثلون بأفضل طريقة، مما سيعزز من جو الثقة بين المواطن والسلطة. إلا أن تلك الثقة اصطدمت بوصفة المحاصصة التي وجد بها الفرقاء السياسيون العلاج والمسكّن الوحيد لإرضاء الجميع والمشاركة في السلطة، دون أن يعوا مخاطر ذلك الفعل على البنية الاجتماعية العراقية والتحديات التي سينتجها في المستقبل.

إن المحاصصة عبارة عن منهج سياسي اتبعتهُ الكتل والأحزاب السياسية العراقية في توزيع المناصب والمكاسب السياسية والوظيفية على المكونات الحزبية الفائزة في الانتخابات تحت شعار إدارة شؤون البلاد من قبل الجميع دون استثناء. ومن هنا برزت مشكلة المحاصصة في العراق؛ كون أن قادتها السياسيين عدّوها الخيار الأمثل لتحديد هوية العراق السياسية بعد 9\4\2003م، وعلى أساسها وضعوا برامجهم الانتخابية والحزبية المفتقدة للطابع الوطني الشامل، فمن الصواب أن نحترم خيارهم هذا من إطار حقهم المشروع في تمثيل الفئات الاجتماعية التي ينتمون إليها، إلا أنهُ يجب أن يحتل هذا الأمر الدرجة الثانية بعد درجة بناء الوطن الأم وهو العراق، فمثل هذا المشهد جعل المواطن العراقي البسيط يُسقط صفة الوطنية من أقطاب العملية السياسية، وبات ينظر إليها من منظار الهويات الفرعية الثانوية نهجاً وسلوكاً، وهذا ما تجسد فعلياً في شعاراتهم وحملاتهم الانتخابية ذات الطابع القومي الطائفي.

إن مشهد المحاصصة في العراق مر بثلاث مراحل، كانت بدايته الأولى بعد الاحتلال الأمريكي، والذي أخذ صورة المحاصصة الطائفية، ذلك الأنموذج الذي أسس ووضع لبناته كبرنامج عمل قواتُ الاحتلال الأمريكي المتمثلة بسلطة الائتلاف المؤقتة السابقة برئاسة الحاكم المدني الأمريكي السابق (بول بريمر)، والذي جسدهُ مجلس الحكم الانتقالي الذي كان النقطة السياسية الأولى في مشروع المحاصصة الطائفية. وعلى الرغم من خطورة هذا الإجراء، إلاَ أن القوى السياسية العراقية رضيت به وفق فكرة أنها مرحلة انتقالية ممهدة لإقامة حكومة شراكة وطنية عراقية تمهيداً لمنهج التوافق في الحكم، متناسين ما قد ينتج عنهُ من تداعيات ما يزال المواطن العراقي يعاني منها.

ثم شهد العراق نوعاً جديداً من المحاصصة، وهي المحاصصة الحزبية. فالجميع يعلم أن النظام الحزبي في العراق بعد عام 2003م أظهر لنا عددا كبيرا وغير مسبوق من الأحزاب والتيارات السياسية لدرجة صَعُب حينها اقتراح اسم ما لحزب سياسي جديد؛ لكون هذا الاسم قد سجل باسم حزب سياسي سابق، وهذا التعدد الحزبي لم يأتِ من فراغ في ظل سيادة أنموذج الحزب الواحد لمدة طويلة في العراق، إلا أن هذه التعددية لم تكن مثمرة بقدر ما كانت محاصصة سياسية بحتة يبحث من خلالها كل حزب عن مصلحته الخاصة. فالمحاصصة الحزبية هذه لم تأتِ لصالح الواقع الخدمي والأمني بقدر ما جاءت لإرضاء المشاركين في النسق السياسي العراقي، ولأجلهم تم استحداث وزارات جديدة بدلا من ترشيقها في الحكومات السابقة والتي وصلت لأكثر من (40) وزارة، واستحداث ثلاث نواب لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، ونائبين لرئيس مجلس النواب، وقد تمت هذه المحاصصة تحت عباءة الطائفية على الرغم من رفض الشعب والمرجعية لهكذا ممارسات. هذا النوع من المحاصصة استفحل بدرجة كبيرة بعد الانتخابات البرلمانية الثانية التي كان حينها السياسيون العراقيون عاجزين عن تشكيل حكومة عراقية لأكثر من ثلاثة أشهر، والتي تشكلت لاحقاً وفق نظرية (خذ وأعطِ) وفق تفسير مشوّه للمحاصصة الديمقراطية.

إن مشكلة المحاصصة الحزبية في العراق تكمن في أن أقطابها لا يدركون مفهوم العمل الحزبي أو معنى التحزب، فما يفهمونه هو مصالحهم الحزبية قبل كل شيء، فكل حزب يريد نصيبه من التمثيل البرلماني والحكومي وكأنه وقف سياسي له، لا يحق للآخرين الاقتراب منه بغض النظر عن مدى كفاءة أعضاء الحزب المرشحين لتولي تلك المناصب من عدمها.

وفي المدة الأخيرة، شهد العراق – على ما يبدو – نوعاً جديداً من المحاصصة (محاصصة تكنوقراطية). فمنذُ اندلاع الاحتجاجات العراقية المطالبة بالإصلاح ومحاسبة السراق والمفسدين، برز مصطلح التكنوقراط بقوة في الخطاب السياسي العراقي. والتكنوقراط كلمة يونانية تتكون من مقطعين: (تكنو) وتعني فنيا أو تقنيا، و (قراط) أو (كراتس) وتعني سلطة أو حكم، وهي إشارة إلى تشكيل حكومة الكفاءات والطبقات المهنية الرفيعة، أي تشكيل حكومة متخصصة من أهل الخبرة والدراية في المجالات كافة، حكومة غير متحزبة وبعيدة عن التخندق الطائفي والسياسي.

وبقدر تعلق الأمر بالعراق وفي خضم المشاكل التي يعاني منها على الأصعدة كافة، برزت المطالبات نحو تشكيل حكومة تكنوقراط مهنية تتضمن أصحاب الكفاءة والنزاهة الوطنية العابرة للهويات الفرعية الطائفية، إلا أن هذه المطالبات اصطدمت بهواجس الكتل السياسية المنقسمة على نفسها والتي ترى في وزرائها الحاليين شخصيات تكنوقراط تارة، وتارة أخرى متحججة بالسياقات القانونية والدستورية المعمول بها في العراق. فمما لاشك فيه أن العمل بالدستور والقانون مطلب أساس وهو أمر ليس ببعيد عن فلسفة عمل حكومة التكنوقراط، لكن يبدو أن الكتل السياسية قد فهمتها ضمن عقلية المحاصصة الطائفية والحزبية في ظل رفض بعض تلك الكتل من استبدال وزرائها بآخرين، والذي يبدو أنها لا تريد أن تغادر فلسفة المحاصصة الأولى والثانية التي تطرقنا إليهما سابقاً، أي إنها تريد حكومة تكنوقراط وفق مقاييسها الخاصة. فتلك الكثل السياسية لديها شخصنة قوية ومفرطة لبعض شخوصها التي ترى فيهم الحل الأمثل لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها وإن كان الأمر يسير وفق الاستقطاب القومي والطائفي.

في الحقيقة، إن الحكم على نجاح أو فشل حكومة التكنوقراط أو التجربة السياسية العراقية الحديثة مرهون بمجرى الحراك السياسي والجماهيري المستمر حتى اللحظة، خصوصاً وأن كل السيناريوهات باتت مفتوحة وكل المشاهد محتملة، لكن الثابت أولاً وأخيراً أن الشعب العراقي هو من سيقرر في نهاية المطاف مصير المحاصصة (بقاؤها من عدمه). ومن هنا نجد أن المطلوب من صناع القرار في العراق ما يأتي:

تجاوز حالة المحاصصة الطائفية وتغليب الهويات الوطنية على حساب الهويات الفرعية.

إن مستقبل العملية السياسية في العراق مرهون بشرعية الإنجاز على أرض الواقع، وإعطاء الأولوية للمواطن في رسم السياسات العامة.

من الضروري تبني مشروع سياسي بعيد كل البعد عن ظاهرة شخصنة السلطة يعمل على تفكيك مشاكل المجتمع العراقي وحلها كلاً على حده.

إن إعادة بناء الدولة العراقية في ظل مشهد المحاصصة لم يعد مقبولاً، فالحاجة تدعو إلى مأسسة حقيقية قائمة على مبدأ سيادة القانون، وجعل التعددية السياسية ساحة للتنافس الإيجابي بعيدة عن الولاءات الفرعية.

إن بناء دولة المؤسسات في العراق أمر ممكن، وهو الضامن الوحيد والأمثل لاستيعاب المجتمع وتعبئته وتوظيفه في تعزيز دور الدولة.

ينبغي إعادة النظر بأطر العمل الحزبي في العراق، وضرورة أن يستند على أسس سليمة وصحيحة تعتمد الهوية الوطنية والولاء الوطني وتعديل مسار العمل الحزبي وحصوله على شرعية الشعب بجميع أطيافه ومكوناته لبناء وطن جديد موحد خال من الديكتاتورية والتسلط والطائفية السياسية والتطرف العرقي والإثني

المحاصصة الطائفية والسياسية وأثرها في الإستقرار عماد علو منذ تشكل أول حكومة انتقالية بعد الغزو الامريكي للعراق في 2003 وحتى الان بات واضحا” ان ثمة معيار جديد بات يعتمد في إدارة السلطة السياسية في البلاد وان لم ينص عليه الدستور لا صراحة ولا ضمناً ألا وهو مبدأ التوافق في توزيع وتقاسم السلطات في النظام السياسي العراقي او بات يعرف بالعملية السياسية في العراق ، الا أن المرحلة الراهنة والتي يعيشها النظام السياسي في العراق قد صاحبتها الكثير من الازمات التي عكست أشد حالات عدم الاستقرار السياسي في التاريخ العراقي كونها تمثلت باستخدام العنف كوسيلة لإدارة الصراع الاجتماعي بعيداً عن المؤسسات السياسية والدستورية التي يفترض أن تكون هي الوسيلة لإدارة الصراع ، رغم الرعاية الامريكية للمشروع السياسي في العراق القائم على بناء دولة ديمقراطية مدنية ذات تعددية سياسية يكون فيها الحكم قائماً على أساس الانتخابات الحرة العلنية لتنظيم الية التداول السلمي للسلطة بعيداً عن الاحتكار الفردي أو الفئوي . إن مظاهر عدم الاستقرار السياسي في العراق اتخذت مظهراً جلياً في السنوات الأخيرة من عمر هذه التجربة (الديمقراطية)، افرزت وجود متغيرات وفواعل ساكنة كانت تهدد بإشاعة عدم الاستقرار السياسي وحتى الاجتماعي . مفهوم المحاصصة الطائفية والسياسية يقصد بالمحاصصة الطائفية والسياسية : الإجراءات التي تتخذ بالتوافق بين مختلف التيارات المذهبية والقومية من اجل ضمان تمثيل نسبي لجميع الطوائف والقوميات في الحكومة بما ينسجم مع كثافتهم السكانية وذلك بإسناد مناصب ومراكز تختلف في أهميتها ووزنها السياسي لممثلي هذه الطوائف والقوميات) . وقد جرى زرع وترسيخ المحاصصة الطائفية والسياسية في العراق منذ عام 2003 عندما تم تشكيل مجلس الحكم الانتقالي برئاسة الحاكم المدني الامريكي (بول بريمر)، اذ كان المجلس المذكور الذي تشكل في شهر ايار من عام 2003 قد ضم (25) عضواً من ممثلي الكيانات السياسية المختلفة، وقد راعى المجلس في تشكيلته الحجم السكاني لكل طائفة وقومية، اذ ضم (13) عضواً من الشيعة العرب و (5) أعضاء من السنة العرب و (5) أعضاء من القومية الكردية فضلاً عن عضوين اخرين لكل من المسيحيين والتركمان بالتساوي. وعلى الرغم من أن الدستور لم يشر إلى هذه الإجراءات ولم ينص عليها قانوناً إلا أنها باتت عرفاً ملزماً في تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003. وهو أمر يتناقض اصلا” مع الدستور العراقي الذي نص في المادة (1) من الباب الأول على أن (جمهورية العراق دولة اتحادية … نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي ) مما يوحي بما لا يدع مجالا للشك أن الحكم في العراق بات ، كما يفترض أن يكون ، يقوم على قاعدة حكم الأغلبية السياسية التي تحوز على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان سواء أكانت حزباً أم ائتلاف يضم مجموعة من الأحزاب وهي التي تشكل الحكومة وتنتخب رئيس الجمهورية، إلا أن القاعدة التي بات معمولاً بها هو أعتماد مبدأ (المحاصصة الطائفية والسياسية ) في توزيع المناصب والأدوار. بالإضافة الى ذلك فان الدستور العراقي لعام 2005 ، أكد في المواد التي تتحدث عن مناصب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وهي المواد (54) و (70) و (76) لا تتضمن لوناً طائفياً أو قومياً لمرشحي هذه المناصب، ولكن العرف السياسي استقر على أن يكون رئيس الجمهورية من القومية الكردية ورئيس الوزراء من القومية العربية (شيعياً) ورئيس مجلس النواب من القومية العربية (سنياً) فضلاً على أن الوزارات والمناصب الأخرى بات توزيعها مرتهن بالمحاصصة الطائفية والسياسية. وبدلا” من أن تتمكن العملية السياسية العراقية القائمة على المحاصصة الطائفية والسياسية من تجاوز إشكالية الفوارق الإثنية بين فئات الشعب العراقي عندما اعتمدت مبدأ المشاركة السياسية للجميع واحترام الحقوق والحريات، إلا أنها فشلت في تغيير القناعة العامة بعدم وجود شكل من اشكال الحكم الفئوي الذي يعمد الى تغييب باقي التكوينات الإجتماعية وهو ما جعل من التنوع الثقافي مشكلة حقيقة تنعكس سلباً على بناء الدول والوحدة الوطنية ، وهو ما ضاعف من مشكلة (الحرمان السياسي) لدى التكوينات الإجتماعية البعيدة عن مركز المشاركة في صنع القرار. لذلك لم تنجح العملية السياسية العراقية بعد 2003 من إدماج جميع الأفراد في نطاق المشاركة السياسية، ولهذا فأن أحدى الخصائص المميزة لهذا النظام تنحصر في حالة من عدم الاستقرار السياسي كحالة تبدو مستدامة كونها متصلة بأرث تاريخي من الحكم الفئوي الأمر الذي جعل من مسألة القبول بالآخر تبدو معضلة أو أزمة، وقد تجذرت هذه الثقافة (ثقافة الإقصاء من الحكم) لفترات طويلة ولاسيما خلال النظام السابق الأمر الذي جعل من مسألة التشارك في السلطة تبدو غير مقبولة ومرفوضة البتة وأعطى الانطباع أيضاً بحقيقة أن نظام الحكم ذو طابع (أوليغارشي). تأثير المحاصصة الطائفية والسياسية على الاستقرار السياسي مما لاشك فيه اليوم أن المحاصصة الطائفية والسياسية كان لها آثار أو انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الاستقرار السياسي في العراق ، انسحب بشكل او بآخر على النسيج الاجتماعي العراقي . فلقد أدت المحاصصة الطائفية والسياسية الى تحديد قدرة النظام السياسي على الفعل المؤثر وصياغة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بعملية التنمية والاستقرار والتطور في العراق وبالتالي انعكس ذلك على الوحدة الوطنية والأمن الوطني العراقي . فقد اتسمت العملية السياسية خلال الثماني سنوات الماضية بالتنافس عالي المستوى بين أطرافها ، على أدوات السلطة السياسية من أجل إعادة توزيع الموارد الإقتصادية – الإجتماعية ، ويبدو بما لا يدع مجالاً للشك أن الصراع السياسي الحكومي عكس وجود مساع متناقضة متعاكسة في الإتجاه: مساع لإزالة الحيف وإستعادة امتيازات وحقوق كانت معدومة وبالمقابل هناك مساع لاستعادة السلطة والنفوذ (انظر ، ديناميكيات النزاع في العراق: تقييم ستراتيجي، معهد الدراسات الستراتيجية، بغداد – أربيل، 2007، ص 8 ) ، لذلك بقيت العديد من المناصب السيادية (الامنية) في الحكومة دون توافق على تنسيب من يشغلها . كما أدت المحاصصة الطائفية والسياسية الى تراجع عملية النمو والتنمية، نتيجة لغياب التخطيط الواضح لحل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل وإحداث تنمية حقيقية من خلال توظيف عائدات النفط بسبب الخلافات السياسية، التي تزامنت مع تفاقم مشكلة الأمن مما أضعف قدرة الحكومة في إمتصاص التطلعات البازغة وإرساء الإستقرار، وهو ما حدا بالعديد من الفئات الإجتمـــــــــاعية إلى التورط في مظـــــــاهر العنف والإرهاب. كما ادت المحاصصة الطائفية والسياسية الى تفاقم ظاهرة الفساد الإداري والمالي، إذ لايزال العراق يحتل مراكز متقدمة في ترتيب الدول الأكثر فساداً في العالم حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية (International Transparency) . إن الفساد الإداري والمالي بهذا الشكل لم يؤد إلى عرقلة عملية التنمية الإقتصادية فحسب بل ساعد أيضاً على تمويل العمليات الإرهابية، إذ أن الكثير من الأنشطة والعمليات التي قادتها الجماعات المسلحة كانت تعتمد على التمويل المتأتي من مصادر الفساد المالي حسب ما جاء في تقرير للسفارة الامريكية في بغداد صدر في نهاية أيلول من عام 2007 (تقرير السفارة الامريكية في بغداد عن فساد الحكومة العراقية، المستقبل العربي، السنة (30)، العدد (345)، تشرين الثاني، 2007، ص 92) ، وضمن السياق نفسه أكد (ستيوارت بوين) في عام 2006 أن الفساد الذي يكلف العراق سنوياً بما يقدر (4) مليارات دولار والذي يمثل (10 بالمئة) من حجم الناتج القومي الإجمالي يعمل على تمويل العمليات المسلحة وبالأخص من خلال الفساد في القطاع النفطي، إذ أن تهريب النفط الذي يتورط فيه بعض المسؤولين العراقيين يوفر دعما للمليشيات المسلحة بنحو مئة مليون دولار سنويا. الخاتمة خلاصة القول أن المحاصصة الطائفية والسياسية التي اتسمت بها العملية السياسية العراقية ، كانت لها انعكاسات وآثار متعددة طالت ظاهرة الاستقرار السياسي في العراق، أدت بالعراق إلى أن يعيش أزمات متعددة مثل أزمة ضعف القدرة الواضحة للنظام السياسي على الفعل و تعثر قضية التنمية الاقتصادية ، مما أدى الى انتشار مشاكل البطالة التي أثرت بدورها على عدم الاستقرار الاجتماعي ، كما أدت المحاصصة الطائفية الى تفاقم ظاهرة الفساد الاداري والمالي .يشاطرني الكثير الراي من النخبة العراقية وغير العراقية من ان النظام السابق في العراق كان من اسوأ الانظمه الديكتاتوريه على وجه المعمورة ضمن مرحلته بكل الحسابات السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه ..ولكن يشاطرني الراي الأكثر يتوافق كليا معي ان حال العراق واوضاعه السياسيه والاقتصاديه والامنيه والاجتماعية أسوأ بكثير مما كان عليه الحال قبل التغيير. ما أسباب ذلك..؟ .

للجواب على هذا السؤال يتطلب منا تفسيرا حقيقيا لإدارة التغيير كون النتائج تشكل معيارا حقيقيا أيضا للمغير باعتبار ان المحصله النهائيه وليدة ظروف اجتماعيه اقتصاديه سياسيه. اليست معادله كيميائيه تعطى فيها النواتج نفسها بعد التفاعل اذا تكررت رغم تبدل الظروف والاحوال في كل الازمنه فالتغيير الثوري او الرده يتأثر بتغير المحيط ونوعية اداة التغير والأهداف والبرامج التي يحملها ويؤمن بتطبيقها .وهذا ما يستدعي منا الدخول في تحليل المعارضة التي تولت ادارة الحكم في العراق بلا برنامج مسبق قبل التغير بلا تشخيص نوعي لاعضاء القياده ونوعيات الاحزاب والكتل الدينيه والسياسيه المشاركه بلا دراسه واقعيه لمن يتوافق او يتعارض مع مبادئ الديمقراطية أو رفضها والكل يعلم ان اداة التغير لاتتم او تنطلق إلا من خارج البلاد وعلى يد قوى قاهره تؤمن بالديمقراطية ولكن ضمن حدود مصالحها واستراتيجياتها وإلا فهي غير مستعده للتضحيه بجنودها وأموال شركاتها بعد ان انفردت بقيادة العالم كقطب سياسي وعسكري مهيمن لم يكن من السهل تجاوز مخططاته ولكن بالامكان الاستفادة منها وتوظيفها في مصلحة الشعب والوطن وهذا لم يحصل لأسباب كثيرة لتوضيح جزء منها وددت تثبيت ما يلي

 

1_ ان انشطة المعارضه قبل عام 1991 كانت مختصره على بعض الفعاليات التي ليس لها من اثر يذكر كونها لا تتجاوز حدود الانشطه البسيطه لبعض الاحزاب كون النظام قد عرف بقسوته وامساكه بقبضة حديديه على السلطه وللشعب تجربه مرّه معه في الدجيل والانفال وحلبجه ولم يتوانى في استخدام اية اسلحه محرمه دوليا ضد الشعب ان اقتضى ذلك والقوى السياسيه المعارضه التي تجازف في دفع الموالين لها في الداخل للعمل ضد النظام يعني انها قد ساهمت فعلا في دفع النظام للانتقام من الشعب بلا رحمه..وهذا يعني انتفاء حالة التفكير في تغير النظام من الداخل وبناء على ذلك لابد من ان يكون هناك ثمن لعملية التغير من الخارج ويجب ان يكون الثمن مدروسا وهذا لم يحصل ابدا .

2- لظروف واسباب معينه تكونت قوى المعارضه من مجاميع تعلن انها متجانسه ولكن في واقع الحال انها مختلفه كثيرا وفي حالات معينه جذريا تبعا للتباعد الايديولوجي والسياسي لكنه لم يظهر للسطح في حينها كون الجميع مضطهد ومعرض للتصفيه في اية لحظه لكننا في الداخل كنا نقرا ما خلف السطور من خلال تواجدنا في معتقلات المخابرات وما تسمح به ظروف التحقيق مع بعض الضحايا ممن يقعون في ايدي السلطه من هذا وذاك …فالاختلاف واضح لكنه مستور ومخفي دليلنا واقع الحال بعد ثلاث سنوات من تغير النظام .والقوى الحاكمه هي القوى الرئيسيه في المعارضه خارج العراق ولم يرى الشعب من حكامه سوى الخطب الرنانه ووعود التغير التي تحولت الى مآسي وتقتيل وتدمير وفساد وحز رؤوس بلا خدمات.بلا.بلا… .

3- على صعيد الانشطه في بلدان الجوار فانه لم يتعدى حدود ما تسمح به هذه الدول طبقا لمصالحها ومقدار منافعها الموزعه بين وجود نفس النظام كحامي للبوابه الشرقيه كما كان يصرخ في اعلامه وبين الخوف من امريكا التي دفعته وايدته وامدته بالمعلومات في حربه مع ايران وماآلت اليه النتائج .

4- بعد فشل مغامرة النظام في الغاء دولة الكويت الشقيقه وعودة الحكومه والشعب الكويتي الى كامل ارضها وما تمخض جراء ذلك من مآسي عميقة الجذور ..تحررت رقعه جغرافيه عراقيه تحددت بخط عرض 36 كانت من نصيب منطقة كردستان ولم يتم ذلك الا بحماية امريكيه ..انتقلت بعدها المعارضه وتحررت من الوصايا عليها وانتقلت الى دور النشاط العلني على ارض عراقيه … ولم تفعل اي شي يمكن ان نقول عنه ذو اثر فعال في هز اركان النظام سوى عقد المؤتمرات واللقاءات والتصريحات والتحليلات السياسيه لهذا القائد السياسي او ذاك رغم استلامها مبالغ 97 مليون دولار قبل تشريع قانون تحرير العراق من قبل امريكا

5- بعد التغير ظهرت للساحه العراقيه وجوه معروفه نضاليا واخرى مبهمه عربيه كانت او كرديه او تركمانيه او من مكونات اخرى وشكلت امريكا منها مجلس الحكم الذي لايعد وكونه اكثر من مجلس قيادة الثورة الكويتي الذي شكله صدام من بعض الكويتيين بعد احتلال الكويت مع الفارق ان مسؤول المجلس الكويتي بقي لحين تحرير الكويت في حين ان مجلس الحكم في العراق كان له في كل شهر رئيس يحكم الشعب بقيادة (بريمر). لقد اسس مجلس الحكم حقا مقومات المحاصصه الطائفيه والعرقيه واعطى للبعض الاستحواذ على كراسي الفساد المالي والاداري كان اخرها عدم الغاء الماده(136) من قانون اصول المحاكمات الجزائيه الغايه من ذلك التستر وحماية الفاسدين وتبرير فسادهم وشن اشرس هجمه على مفوضية النزاهة ورئيسها تحت حجج واهيه لم يكن الغرض منها سوى الاتيان بفاسدين يحمون الفساد وركائزه في دوائر الدوله العراقيه.

6- اختفت وجوه كثيرة بعد التغيير خوفا من الحساب الذي لم يكن اكثر من اكذوبه راح ضحيتها الابرياء وهم كثر اكثر من المجرمين الذين تكيفوا في حينها مع الواقع واصبحوا جزء منه الى ان تم جمع الشمل بعد ان حل الامان وبيعت سيارات الدوله والياتها مثلما اختفت اسلحة الجيش العراقي ودباباته وهي موزعه حسب البقع الجغرافيه وظروف البيع والاختباء تحت جنح ظلام هذا البستان وذلك الجبل وبيعت احدث السيارات بعد ان قتل من فيها بابخس الاثمان وهذه الحقائق يعرفها القاصي والداني .

7- بعد ان ركب الجميع قطار التغيير وما اتاحته لهم الظروف السياسيه والماليه والفكريه لكل تكوين اجتماعي وسياسي لاثبات وجوده والتعبير عن رغبته في حكم او تنفيذ طموح وعنفوان الهبّه والانفلات الاجتماعي السياسي سار الجميع في ركب الديمقراطيه ظالم ومظلوم جاهل ومتعلم غني وفقير متدين وملحد اصولي وعلماني مثقف ومتخلف والكل تنشد التغير وتتحدث باسم الشعب ورفاهيته والتاكيد على منحه الديمقراطيه..ونسوا او تناسوا ان النتيجه محسومه وقد وضعت ضمن ستراتيجيه لا يعرفها الا من خطط للتغير ضمن ابعاده الاقتصاديه والشرق اوسطيه ولم يبالي بتكتيك مرحلي لصراع هذا الكيان السياسي او ذاك مهما كانت اخطائه ونواياه …ووفق الرؤى المعولمه وتحدث بالسياسه كل من هب ودب ولم يعي ابعاد الحساب وجسامة المسؤوليه ومخاطر اذلال الشعب من البعض ممن ذهبو لاكمال دراستهم في الخارج على نفقة النظام وبعض المغمورين ممن هم في الداخل او ممن اعتاشوا على موائد دول الخليج واصبحوا بقدرة قادر من ابرز المناضلين وعلى طريقة المثل الشعبي (اذا وقع الجمل تكثر سكاكينه) لقد اوقعت امريكا بالجمل الواقعه الكبرى ولكن نقول حقا انها اوقعت بالشعب العراقي الواقعه بل الكارثه الاكبر….

فبعد ثلاث سنوات من الحكم وتبلور الصراع بعد ان سقطت الكثير من اجنحه القوى الصغيرة جراء عدم مقاومتها السير لواقعها الاقتصادي المتدهور جراء صراعها المرير مع من تربع على كرسي المال والحكم وحيتان الفساد المالي والاداري وتقاسم المسؤوليات كل حسب كيانه وقدرته تبلورت اخيرا النهايات السياسيه لتتحول القياده من قياده الشعب وقواه الوطنيه والديمقراطيه بعربه وكرده وباقي مكوناته ..الى ثلاث كتل اثنتان منها طائفيه واخرى عرقيه وكتله رابعه غير متجانسه وهي عبارة عن خليط من العشائريه والشيوعيه والدينيه والبعثيه وافراد لايربطها بالعلمانيه الا المصالح الضيقه التي لايجمعها بالشعب الا الشعارات التي من خلالها نتذكر شعار(الديمقراطيه مصدر قوة للفرد والمجتمع . والحقيقه التي تقال لو ان امريكا ومن معها الغت الشعب العراقي كما حصل في دولة الكويت واسكنته في خيم ليس لستة اشهر بل لمدة سنه واعادة له بعد ذلك الخدمات الكهربائيه والصحيه والاقتصاديه وغيرها كما فعلت لدولة الكويت لكانت حقا من اوفى الاوفياء لهذا الشعب الذي ابتلى بحكومه فاشيه ليخرج منها الى لادوله لامؤسسات لاخدمات باكثر فقر واكثر ديمقراطيه واكثر مفخخات وطرق معبد للاغتيالات وبقيت الحكومات متتاليه وهي تستلم المخصصات المغريه من فترة الموظف الامريكي المسؤول (بريمر) وكا وضح الكثير في مذكراته (سنتي في العراق) ولحين اجراء الانتخابات وفق تشريعه المتعرج (قانون ادارة الدوله)الذي وضع القنابل في طريق اي تخريج لحل مشاكل الشعب.وكان الاجدر ان لانجري انتخابات او سن دستور الابعد حصول الاستقرار الامني والاقتصادي والشروع الفعلي باعادة الاعمار وتفعيل محاكم الفاسدين ومحاسبة كل من يدافع عن فسادهم وعدم التدخل في شؤون محاكم النزاهة والعمل الحثيث على توسيع دائرة المعرفه وتطوير مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل الدوله ومؤسساتها لبسط القانون والعمل بموجبه . لقد بدى للجميع ابدال حكم ومساوئ الافكار القوميه والسلطه الشوفينيه القمعيه الى حكم الطائفيه والعرقيه وايهام الشعب ببعض العلمانيين من التكنوقراط ممن لايمتهنون الا الانحناء ضمن شروط ومواصفات لاتدخل في معضمها ضمن مصلحة الشعب والوطن. وكنتيجه طبيعيه لمثل هكذا تشكيله حصلت تشريعات سميت بالوطنيه وهي لاتمت في واقع حالها بصله الى حقيقة التغير خصيصا فيما يتعلق منها بالجانب المالي وتحديد رواتب المسؤولين او تشكيل المجالس وبقي الموظف يخشى نقد مسؤوليه كون ذلك يعرضه الى النقل او اكثر وهذا يعني تعريضه الى سيف الارهاب والقتل كذلك العمل بموجب تشريعات الحاكم المدني (بريمر)والسماح بتجارة اللحوم من افخاذ الدجاج والمواد الغذائيه الاخرى ممن ليست لها اسواق تصريف في الولايا ت المتحده وبدون ضرائب .مما اغرق السوق العراقيه بصناعات غذائيه بائسه بدون ضوابط ماليه وبدلا من توظيف ذلك في زيادة واردات العراق لجأت الحكومه اخيرا الى زيادة اسعار المحروقات بدوافع ومبررات لا يجمعها جامع مع مصلحة الشعب بقدر ما كونها استجابه غير مبررة لشروط صندوق النقد الدولي .يضاف الى ذلك آفة الفساد المالي التي التهمت فرحة التغير وحولت ما تبقى من بنيته التحتيه الى انقاض وانقلبت الى عنصر فعال في خلق ظاهرة الارهاب جراء التباطئ في معالجة اسبابه ومسبباته مما حدى ببعض الاشخاص ان يكونوا على راس تكتلات تسوغ تفقيس الارهاب وتدافع عن حاضناته بالاظافه الى محاربة الحكومه لبعض المخلصين للوطن والشعب ممن اجبرتهم ظروف الانتماء القسريه الى حزب السلطه السابقه ولم يساهموا بالقمع من اساتذة الجامعات وبعض التربويين والموظفين بدون درايه وتمحيص واخذ البرئ بجريرة المجرم مما وسع دائرة المعارضه بعد ان تطورت واتسعت ظاهرة ضرب القرى وبعض المدن واعتقال الابرياء وجر عوائلهم عنوة الى ظاهرة مقاومة الحكومه والامريكان وتنفيذ البعض منهم لتوجيهات المجرمين مما حدى بالدوله والامريكان بقطع خدمات الماء والكهرباء بالاظافه الى شحتها اصلا وبدلا من ان توضع خطه سياسيه اجتماعيه بالتعاون مع الواعيين والمخلصين من ابناء الشعب والمنطقه لمعالجة مثل هكذا حالات .فتحت قنوات التحاور مع بعض الرموز من الوصوليين والنفعيين وامدتهم بالمال وهذا يعني انها اضافة خطأ اخر لاخطائها الفادحه واخيرا ..صحيح انني مع عدم مغادرة القوات الاجنبيه العراق في الوقت الراهن لاسباب سياسيه وامنيه ولكن على الحكومه العراقيه ان تحدد ثوابت وضوابط لهذه القوات يشعر من خلالها المواطن العراقي بسيادته وتعزيز ثقته بنفسه وبحكومته وهذا لم يحصل فعلا مما اتاح المجال امام من يبحث عن السلبيات وهي كثر وملآ فراغات التبرير بلا مشقه او عناء البحث عنها في دهاليز التآمر والتحريض والطامه الكبرى اذا ما عرف المواطن عن مليارات الدولارات التي انفقت من 9/4/2003 ولحد 2006 والتي تصل الى 250 مليار دولار حسب الاحصائيات التي اصدرتها الولايا ت المتحده الامريكيه موزعه بين قواتها العسكريه وبعض الشركات ووسطاء امريكيون و2% من المقاولين العراقيين ورموز السلطه العراقيه المتعاقبه من مجلس الحكم ولغاية حكومة 2006 الانتقاليه وستظهر لنا السنين القادمه نخبه جديده من الاثرياء العراقيين ممن ليس لهم اي رصيد مالي يذكر قبل التغير متوكئين على ما در عليهم رصيدهم السلطوي في حكومات الفساد الاداري دليلنا في ذلك عدم املاء المسؤولين من مدير عام فما فوق لاستمارات من اين لك هذا التي اعدتها مفوضية النزاهة .) .